معين طاهر: فتح تمثل أجهزة الأمن وكبار موظفي السلطة

العربي الجديد

*كيف ترى نتائج مؤتمر "فتح"؟

أهم نتائج المؤتمر هو إقصاء الشتات، والتخلّص من مرحلة المناضلين القدامى، وتحوّل "فتح" إلى حزب السلطة، وزيادة كبيرة وملحوظة في سيطرة الأجهزة الأمنية.

*هل ترى أن المؤتمر مثّل نهاية لفتح كحركة ثورية؟

الحركات الثورية لا تنتهي؛ فهي تبقى خالدة في وجدان شعوبها، لكنها قد تتحوّل أو تتغيّر، وقد تفقد الكثير من ملامحها الأولى، براءتها وطهارتها الثورية، بل قد تنحرف عن أهدافها الأولى. بهذا المعنى تخرج عن التقديس، ولكن من المؤسف أنّه يجري استخدام إنجازاتها السابقة وتاريخها المجيد لتبرير تراجعاتها الحالية، وهي سمة تتعلّق بمجمل تاريخنا؛ حيث التغنّي بالماضي المجيد للدفاع عن الحاضر المتدهور.

*لماذا برأيك تم تحديد حجم المشاركة في المؤتمر بهذه الطريقة؟

لأنّه يُراد صياغة "فتح" أخرى مختلفة كليًا عن السابق. "فتح" السابقة كانت حركة التحرّر الوطني للشعب الفلسطيني في الوطن والمخيمات والمهجر، وكانت تتطلع لتلبّي آماله وطموحاته في تحرير كامل التراب الفلسطيني وفي العودة عبر حرب الشعب طويلة الأمد. الآن مطلوب "فتح" أخرى، "فتح" حزب السلطة في مناطقها فقط، وربما في جزء من المناطق المحتلة عام 1967 (الضفة الغربية). لهذا جرى تهميش ممثلي الشتات إلى 8 بالمائة من أعضاء المؤتمر، وكان تمثيل ساحات مثل الأردن ولبنان يساوي تمثيل منطقة يطّا، سلفيت أو طوباس. 

*ما رأيك في الاتهامات للرئيس الفلسطيني محمود عباس بأنه أراد تحجيم "فتح"؟

الرئيس محمود عباس أراد بهذا المؤتمر التخلّص من الأحمال الزائدة التي تعيق رؤيته لـ"فتح" الجديدة، فهو في المرحلة الآتية لا يحتاج إلى الشتات إلا باعتبارهم مغتربين، وليس من باب مطالبتهم بحقّ العودة، وقطعًا لا يحتاج إلى قدامى المناضلين. هو يحتاج إلى "فتح" التي تعتَبر - كما ورد في خطابه الذي اعتُمد كبرنامج سياسي للحركة - أنّ مشكلتنا مع العدو الصهيوني بدأت عندما احتل الجيش الصهيوني أراضي "دولة فلسطين" عام 1967. 

*هل تعتقد أن انشقاقات قد تحدث في الحركة بعد هذا المؤتمر؟

لا أعتقد أن انشقاقات ناجحة قد تحدث، لكن ستبقى هنالك تيارات تُستخدم كوسيلة ضغط على الرئيس محمود عباس، وربما تهيّئ نفسها لما بعد رحيله، عبر تمتّعها بعلاقات عربية وإسرائيلية ودولية، إلا أنّ تأثيرها العام سيبقى محدودًا ما لم تحدث متغيّرات كبرى على مستوى الإقليم. إلا أنّ الظاهرة الأبرز هي في زيادة أعداد المغادرين صفوف الحركة والمبتعدين عنها إن كانوا داخل الوطن أو خارجه. ويبقى السؤال حول ماذا يمكن أن يفعل هؤلاء مستقبلاً؟ وأظنّ أنّ الإجابة عن هذا السؤال لا تنفصل عن سؤال مستقبل المشروع الوطني الفلسطيني برمته، وهو سؤال عابر للفصائل والاتجاهات، ولا يتعلّق بحركة "فتح" وحدها. 

*هل تحولت "فتح" إلى حزب للسلطة؟

نعم، أصبحت "فتح" حزبًا يمثّل تحالف الأجهزة الأمنية الفلسطينية مع كبار موظفي السلطة مع بعض رجال الأعمال المرتبطة مصالحهم ببقاء السلطة، وهي بهذه التوليفة لم تعد تختلف في شيء عن أنظمة الحكم في العالم العربي.

*هل انتخابات اللجنة المركز للحركة تمهد لمرحلة ما بعد عباس؟ 

كلا، ليس بالضرورة أنّ هذه الانتخابات قد حسمت مسألة خِلافة الرئيس محمود عباس، ولا أظنّ أنّ هذا كان هدفها ولا هدف محمود عباس، الذي كان يسعى إلى تجديد شرعيته وإقصاء بعض خصومه وإبعادهم عن مراكز القرار في داخل "فتح" والسلطة الفلسطينية. أمّا مرحلة ما بعد عباس، فأظنّ أنّ التحضير لها يجري عبر محاولات لعقد المجلس الوطني في رام الله وتحويل منظمة التحرير إلى ذراع من أذرع السلطة الفلسطينية، والتمهيد عبر تقسيم المواقع والصلاحيات بين "فتح" والسلطة والمنظمة إلى مرحلة ما بعد الرئيس عباس التي ستشهد سيطرة كاملة للأجهزة الأمنية على مجريات الأمور وفق شعار "إدارة السلطة تحت الاحتلال" وليس العمل على دحره.

*هل حقق المؤتمر هدفه من تجاوز المنشقين عن الحركة؟

إذا كان المقصود من هذا السؤال الإشارة إلى بعض المجموعات المؤيّدة لمحمد دحلان، فالإجابة هي: نعم، إلى حدّ كبير، لكن تبقى حقيقتان: الأولى أنّ قوة هذه المجموعة لا ترجع إلى حجم قواعدها داخل حركة فتح بقدر ما ترجع إلى الدعم المالي والسياسي الذي تتمتع به من قبل الرباعية العربية، والتجفيف أو الحدّ من هذا الدعم يحتاج إلى إجراءات وسياسات أخرى غير التي اتُبعت في المؤتمر. والحقيقة الثانية أنّ الرئيس محمود عباس عبر سياساته المختلفة يقوم بوضع الحَب في طاحونة دحلان، ويتفنن في كيفية إهدائه أنصارا جددا، ولو إلى حين.

*هل شكلت نتائج المؤتمر رسالة واضحة للدول العربية والغرب بشأن تكريس سيطرة الجهة التي تملك القرار الفلسطيني؟

لا أعتقد ذلك، فالقضية الفلسطينية كانت وستبقى مجال تجاذب بين الأنظمة العربية المختلفة، شهدنا ذلك في الماضي كما نشهده في الحاضر. وموضوعة القرار الفلسطيني المستقلّ، كانت تنجح عندما يكون خلفها برنامج نضالي واضح ضدّ العدو الصهيوني، ولكنها كانت تتراجع وسط التباينات والتناقضات الفلسطينية والعربية. لم ينجح الرئيس محمود عباس في تفعيل هذا الشعار وهو يتكئ على برامج سياسية تفرّق ولا توحّد، وعلى سياسات إقصائية، كما هو الوضع الآن.