دعاء مكروب

عبد الرحيم عبد الرحمن منصور

مسرحية تاريخية

عبد الرحيم عبد الرحمن منصور

الأشخاص :التاجر أبو المعلق، التاجر ولهان ، التاجر خباب ، التاجر سمعان الشامي

الفصل الأول :

سوق التجار ودكاكين التجارة والناس غادين رائحين

التجار أصحاب الدكاكين معظمهم غير موجود والدكاكين لا أحد فيها

أبو المعلق : عجبا .. أين التجار ؟ هذه محلاتهم مفتوحة ،وبضائعهم معروضة ، ولا أجد أحدا   يا ترى أين ذهبوا !؟ إنه لأمر غريب !!

أحد التجار من بعيد : ماذا تريد يا رجل ؟ لا أحد.. هنا سيعودون قريبا ... لاتقلق

أبو المعلق : ولكن أين ذهب الجميع ؟

التاجر : سمعوا مناديا ينادي : ميراث محمد يقسم في المسجد وأنتم هاهنا لاهون في عرض الدنيا !!

أبو المعلق : ميراث محمدـ صلى الله عليه وسلم ـ يقسم في المسجد ؟ إني لأسمع عجبا .. وماذا أفعل أنا هنا ؟

يسرع إلى المسجد .. يرى التجار عائدين وعلى وجوههم الحيرة والدهشة

ولهان : أبو المعلق !!؟  إلى أين  ؟  ومتى قدمت ؟

أبو المعلق : أصحيح ما سمعت ؟

خباب : وماذا سمعت ؟

أبو المعلق : سمعت أن ميراث محمد يقسّم في المسجد !!

الجميع يضحكون : وأنت أيضا صدّقت الخبر ؟ لا شيء في المسجد ياأباالمعلق  .. هلم نرجع إلى أعمالنا

أبو المعلق : ولكن من الذي أذاع الخبر...  وكيف وقعتم في الفخ ؟

سمعان الشامي : سوف أعثر عليه .. وسوف ينال مني الجزاء الأوفى على هذا الخبر الكاذب ... انتظروني

( يغيب برهة ثم يعود ومعه المنادي )   هذا هو الكذاب عليكم به

المنادي : لست بكاذب   وأعوذ بالله    معاذ الله أن أكذب عليكم مثل هذه الكذبة   ولكنكم قوم تجهلون

خباب : وكيف ذاك   وقد تركنا محلاتنا  وأشغالنا وذهبنا إلى المسجد فلم نجد شيئا يقسم

المنادي : وماذا أفعل لكم إذا كنتم جميعا من المحرومين 

ولهان : محرومين .؟ من أي شيء محرومين .. ويلك أفصح

خباب : أتهزأ بنا يارجل ؟ وتكذب حتى على رسول الله ؟ فأين ميرثه الذي زعمت أنه يقسم في المسجد ؟

المنادي : وماذا وجدتم في المسجد حتى أجيبكم ؟

ولهان : لم نجد شيءا ... هناك حلقة علم .. وحلقة ذكر .. وحلقة قرآن   والناس يتعلمون .. يسبحون ويحمدون

المنادي : ويلكم ... ويلكم  وهل ترك محمد صلى الله عليه وسلم غير هذا ؟أما سمعتم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم:  (إن العلماء ورثة الأنبياء ،إن الأنبياء لم يورّثوا دينار ولا درهما إنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر )  رواه الترمذي وغيره وصححه الألباني ~    

أبو المعلق : لقد صدق الرجل .. وإنه لحكيم إذ يدعوكم من غفلتكم إلى شيء من العلم والذكر   والقرآن بعد أن رأى انغماسكم في الدنيا وفي البيع والشراء

المنادي : وأنا لم أفعل إلا كما فعل الصحابي الجليل أبو ذر   رضي الله عنه   في هذا البلد ذاته  إذ نادى يوما في أهل السوق بهذا النداء الي ناديتكم به

خباب : أو فعل هذا أبو ذر رضي الله عنه ؟

ولهان : والله إني لأسمع هذا لأول مرة ... عجيب  !!

سمعان الشامي : لقد صدق الرجل .. بلغني أن أبا ذر فعل هذا في دمشق الشام ... نعم صدق الرجل

أبو المعلق : إنه فعل يشكر عليه إذ ينبه أهل السوق من الغفلة ويدعوهم إلى شيء من العلم والذكر

خباب : نسينا أن نسألك يابن المعلق متى قدمت   وكيف كانت سفرتك ؟

ولهان : أهلا ومرحبا بك .. لقد شغلنا عن التسليم عليك .. الحمد لله على سلامتك

سمعان الشامي : وهل جئت ببضاعة أم جئت تأخذ بضاعة ؟

أبو المعلق : بل جئت ببضاعة   وسأشتري بضاعة إن رأيت ما يناسب

خباب : وما معك من البضاعة ؟

أبو المعلق : معي من أقمشة اليمن .. ومن خيرات الحبشة .. ومن تمور الحجاز ... هلموا إلى الخان حيث نزلت  وعاينوا البضاعة واشتروا ما يروق لكم

سمعان الشامي : وكم ستبقى هنا في دمشق ؟

أبو المعلق : سأمكث حتى أبيع بضاعتي ثم أعود إلى أهلي في الحجاز في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم

خباب : إذن .. سنذهب الآن نرتاح وغدا نرى البضاعة   هيا معي يا سيدي

ولهان : لا .. إنه الليلة في ضيافتي   فأنا مشتاق إليه وإلى أحاديثه

سمعان : سنسهر جميعا عند أحدنا وسنسمر كلنا مع أبي المعلق بإذن الله  ..

ولهان : إذن السهر  والسمر عندي في البيت هلموا بنا ..

تسدل الستارة        انتهى الفصل الأول

الفصل الثاني :

في الخان حيث أنزل أبو المعلق تجارته

التجار يعاينون البضاعة .. أقمشة ... تحف   وتمور ..

سمعان الشامي : نرجو أن تكون الأسعار في هذه المرة مناسبة ياأبا المعلق

أبو المعلق : اطمئن .. وأنت تعلم يا سمعان  أني لا أتاجر إلا ببضاعة منتقاة  جيدة وسعرها مناسب .. لا أربح إلا اليسير والله يبارك .. وقد تعاملنا من قبل فلا حاجة للمساومة والأخذ والرد

ولهان : صدقت يا سيدي .. نشهد بصدقك وورعك وجودة بضاعتك

خباب : انظروا .. انظروا إلى هذه التمور أنواع  وأصناف  ما شاء الله إنها من الجودة بحيث تغري بالطمع   إنها من خيرات الحجاز ... أليس ذلك يا سيدي ؟

أبو المعلق : نعم .. نعم إنها من أجود التمور  وأرقى الأصناف وأنتم خبراء في ذلك  ثم يضحك ويضحكون

يشتري التجار ما يرغبون به  وهم على ثقة ..

ويبيع أبو المعلق  وهو راض ومسرور ويدعو لهم بالبركة والربح الوفير

ولهان : والآن يا سيدي وقد بعت بضاعتك فلا بدّ أن تكون الليلة في ضيافتي  نسمر معا قبل أن تسافر إلى أهلك مصحوبا بالسلامة

خباب : نعم يا سيدي لا بدّ أن نسمر معا  أليس كذلك يا سمعان ؟

سمعان : نعم .. نعم وهذا أقل القليل

ولهان : إذن سنلتقي بعد صلاة العشاء في بيتنا بإذن الله

وفي الصباح يستعدّأبو المعلق للسفر ويوصي أصحابه التجار بأن لا ينسوا نصيبهم من ميراث النبوة   ثم يودعهم على أمل اللقاء بهم

يسدل الستار     انتهى الفصل الثاني

الفصل الثالث :

أبو المعلق : اللهم يسر لي العودة إلى أهلي بسلام  اللهم بارك لي في سفري هذا واطو عني بعده  ولا تحرمني أجره   وينهر فرسه وهو يقول : الحمد لله الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين ....

وبعد يومين وهو في بعض الطريق يفاجئه لص ملثم ويصرخ به :

اللص : قف .. قف أيها الرجل   وإلا ..

أبو المعلق : ماذا تيريد  .. يقف ..

اللص : ترجل عن فرسك قبل أن أطيح برأسك

أبو المعلق:  يترجل عن فرسه .. ويلك ماذا تريد مني

اللص : الويل لك أنت  أريد أن أقتلك !!

أبو المعلق : تقتلني .. ولماذا إليك مالي إن كنت تريد المال !!

اللص : المال .. مالي .. وسوف آخذه .. ولكن لا بدّ أن أقتلك .. فاستعدّ

أبو المعلق : وماذا تستفيد من قتلي وأنت لا تعرفني وأنا لا أعرفك  ؟

اللص : لابدّ لي من قتلك   فلا تكثر الكلام

أبو المعلق : إذا كنت لابد فاعلا فاسمح لي أن أصلي ركعات قبل مقتلي

اللص: صل ما شئت فلا بدّ من قتلك

أبو المعلق : يتوضأ  ثم يصلي أربع ركعات ويعو في سجوده الأخير

(يا ودود ... يا ودود... يا ودود.. يا ذا العرش المجيد .. يا فعال لما يريد .. أسألك بملكك الذي لا يضام .. وبعزتك التي لا ترام .. وبنورك الذي ملأ أركان عرشك .. أن تكفيني شر هذا اللص

يا مغبث أغثني .. يا مغيث أغثني ... يا مغيث أغثني )  دعى بهذا الدعاء ثلاث مرات   ثم ...

اللص : ماذا أرى .. من هذا الفارس القادم من بعيد  واضعا حربته بين أذني فرسه   يسرع نحوي كأنه يقصدني 

تقدم اللص لملاقاة الفارس ولكن لم يمهله الفارس بل رماه برمحه فأرداه قتيلا على الفور

أبو المعلق : في دهشة وعجب .. من أنت .. من أنت يا من أغاثني الله بك ؟

الفارس : أنا ملك من السماء الرابعة

أبو المعلق : ماذا تقول ؟

الفارس :لما دعوت في المرة الأولى  سمعنا لأبواب السماء قعقعة ( القعقعة : صوت فتح الأبواب )

ولما دعوت في المرة الثانية قيل : دعاء مكروب

ولما دعوت في المرة الثالثة سألت الله أن يأذن لي في إغاثتك فأذن لي ... ثم مضى

أبو المعلق : سبحان الله ... سبحان الله ... سبحان الله

سبحان من إذا دعاه الغريق  نجّاه

ومن ‘ذا دعاه الغائب ردّه

وإذا دعاه المبتلى عافاه

وإذا دعاه المظلوم نصره

وإذا دعاه الضال هداه

والمريض إذا دعاه شفاه

 والمكروب إذا دعاه فرّج عنه ما يلقاه

سبحانه وبحمده .. سبحانه وبحمده .. سبحانه وبحمده

تسدل الستارة   انتهى الفصل الثالث والأخير

************

القصة وردت في ( كرامات الأولياء)وأوردها الحافظ بن حجر العسقلاني في ( الإصابة ) ونسبها لابن أبي الدنيا في مجابي الدعوة باسناد  عن أنس بن مالك

وقد ضعفها العلماء ولم يأخذوا بها.