عيد العائدين

زهير كحالة

بمناسبة عيد الفطر السعيد

زهير كحالة

الأشخاص

1 ـ جون سام .

2 ـ أم راشيل .

3 ـ صلاح الدين .

4 ـ الشيخ مرشد .

5 ـ راشيل .

6 ـ مجاهد .

7 ـ صابر .

8 ـ رفيقة .

9 ـ عز الدين .

المنظر : كهف من الصخر ..

(تدخل العجوز أم راشيل وخلفها جون سام وقد ارتدى بذلة بريطانية مقلمة وقبعة أميركية)

جون سام : (وهو يؤشر إلى جدار الكهف) انظري يا حبيبتي .

أم راشيل : (بسرور) ياله من كهف مدهش ..

جون سام : هنا مصير عرب فلسطين ..

أم راشيل : كم يليق بهم هذا المكان ..

جون سام : لقد كان العرب بَدواً بالأمس ، فيمكنهم أن يتحملوا شظف العيش اليوم .

أم راشيل : صدقت يا عزيزي جون سام .. لن يضرهم أن يسكنوا الكهوف ، فالإنسان يعود إلى أصله (تضحك بخبث) .

جون سام : (يشاركها الضحك ثم يقول) والآن أيتها العزيزة .. هل نبقي غرامنا طيّ الكتمان ؟

أم راشيل : لا يا حبيبي ، فقد آن لإعلانه الأوان .

جون سام : إذن هيا نعقد القران في المحكمة ..

أم راشيل : تعني هيئة الأمم ؟..

جون سام : نعم يا شريكة العمر ..

أم راشيل : ستكون مفاجأة الدهر ..

جون سام : نعم يا حبيبتي .. سيكون زفاننا الدّولي لاهباً ، كحبنا الناري ..

أم راشيل : وماذا تكون هدية الزفاف ؟

جون سام : فلسطين أيتها الحبيبة ..

روح صلاح الدين : (تقفز فجأة) خسئتما أيها المجرمان ..

أم راشيل : (تصيح بفزع) ويلي ، من أنت ؟.

صلاح الدين : أنا صلاح الدين .....

أم راشيل : (تتعلق برقبة زميلها) جون سام .. النجدة ..

جون سام : لا تخافي يا حبيبتي ..

صلاح الدين : إياكم ان تحلموا بهذه الأرض المقدسة .. إن الله أورثها عباده الصالحين .. ولن تكون لكم ولا لأمثالكم ولو إلى حين ..

جون سام : (بخبث) لكننا أبناء شعب الله المختار ..

صلاح الدين : كاذبون .. إن الله لا يختار شعبه أبناء سِفاح ..

جون سام : (متعجباً) ماذا تقول يا صلاح الدين ؟

صلاح الدين : نعم.. أتظن أن خليلتك عاقر ؟ (يشير إلى بطن أم راشيل الحامل) .

جون سام : ويحي .. لقد ألبستها أوسع الثياب ، كيلا يظهر حملها للعيان ..

صلاح الدين : لن تخفى علاقتكما ، وقد حان الوضع ، خاب فألك وضل مسعاك .

أم راشيل : (صارخة) آه .. آه .. جون سام .. أحسّ بالآلام ..

جون سام : هيا بنا يا حبيبتي نعقد القران بسرعة قبل أن تضعي الجنين ..

(يخرجان مسرعان)

صلاح الدين : (ينتصي الحسام) لا والله .. إن فلسطين التي بذلنا في سبيل تخليصها من أيدي الصليبيين أغلى المهج ، وأزكى الأرواح لن تكون للصهيونية البغيّة ولا للاستعمار القميء ..

الشيخ مرشد : (يدخل الكهف حزيناً) آه يا صلاح الدين ..

صلاح الدين : سيدي الشيخ مرشد ؟

مرشد : آه يا بني .. إن العرب في خطر عظيم ..

صلاح الدين : كيف لا ينتبهون يا شيخ مرشد ؟

مرشد : أيقظتهم .. حذرتهم .. أوعدتهم .. ولكن .. آه ..

صلاح الدين : واعجباً لهم .. كيف يتصاممون عن صيحة الدين ؟

مرشد : كلما أنذرتهم عاقبة الذين من قبلهم ، وحذّرتهم من بنات صهيون ، أجد صيحتي تذهب في واد سحيق ..

صلاح الدين : يا خوفي عليكم يا عرب فلسطين .. يا خوفي عليكم يا حماة مهد الدين ..

(يسمع من الخارج دوي انفجارات يعقبه قصف مدافع وزئير طيارات)

مرشد : أرأيت يا صلاح الدين ؟ من مثل هذا حذّرت العرب والمسلمين ..

صلاح الدين : لقد وقع المحذور إذن ..

مرشد : نعم يا صلاح الدين .. ولا أدري ماذا عساهم صانعين ..

صلاح الدين : (يلوح بسيفه) وهل الأمر يحتاج إلى تفكير ؟ الجهاد للدفاع عن فلسطين .. الجهاد لإعلاء كلمة الله .. والبلايا تحمل المنايا .. فأما العزة في الحياة ، وإما الشهادة عند الموت ..

(يخرج بسرعة)

مرشد : أعانك الله أيتها الروح الجهادية الملهمة .. وعسى أن تدوّي صيحتك في أسماع الأمة جمعاء .

(يستمر قصف المدافع ودوّي الانفجارات من الخارج)

أم راشيل : (تدخل مسرعة) أسرعي يا راشيل ..

راشيل : (تدخل مرتجلة) أمي ، إني خائفة ..

أم راشيل : اطمئني يا ابنتي .. إن اباك احتاط لكل شيء ..

راشيل : ولكني أرى دول العرب تتجمع .. وأخشى أن تضربنا ضربة قاصمة بقبضتها الواحدة ..

أم راشيل : (بابتسام خبيث) لا تفزعي يا ابنتي .. إن جون سام خبير بإطعام الأفواه وشراء الضمائر .. فلن تجدي إلا صفوفاً مبعثرة ، وأمة متناحرة ..

(يسمع من الخارج صليل السيوف)

راشيل : (بذعر) ما هذا يا أمي ؟

أم راشيل : انتهت معركة النار .. وابتدأت معركة السلاح الأبيض ..

راشيل : اقتربت النهاية إذن ..

أم راشيل : نعم يا حبيبتي ..

راشيل : لمن سيكون النصر يا أمي ؟

أم راشيل : لك يا راشيل .. لك يا إسرائيل ..

راشيل : (تتلفت حولها وهي ملتصقة بكتف أم راشيل) يا إلهي .. إن هذا الكهف يبعث في نفسي الاشمئزاز .

أم راشيل : صبراً يا راشيل .. اليوم صخر ، وغداً فخر ..

راشيل : لماذا أسرعنا إلى هنا قبل انجلاء المعركة يا أمي ؟

أم راشيل : خفت عليك من القابلة التي أخرجتك من بطني يا ابنتي ..

راشيل : هيئة الأمم ؟

أم راشيل : نعم يا راشيل .. خفت أن ترى وجهك الدميم ، فتخنقك وأنت في مهدك ولما تلتقطي أول أنفاسك .

راشيل : ولهذا طرت بي إلى فلسطين يا امي ؟

ام راشيل : نعم يا ابنتي ، وتركت هيئة الأمم مشغولة بغسل يديها من دم النِّفاس ..

مرشد : (صائحاً) ولكن ابنتك لن تعمّر أيتها العجوز الخبيث ..

راشيل أمها : (بفزع) رباه . من أنت ؟

مرشد : أنا الشيخ رشد .

أم راشيل : ماذا تفعل في هذا الكهف ؟

مرشد : أتربص بكم يا أبناء القردة والخنازير .. لن أدعكم تدنّسون مولد المسيح ، ومسرى الرسول ، ياشذّاذ الأرض وتجّار العرض .. (يهجم عليهما فيفرّان من أمامه مولولتين) .

راشيل وأمها : قف بحق السماء .

مرشد : وعزّة الله وجلاله .. لن يقرّ لنا قرار حتى نردّكم على أدباركم ، يا أعداء الله وموسى وعيسى ومحمد .

راشيل وأمها : (صائحتين) ويلي .. ويلي ..

(تخرجان من الكهف مولولتين)

مرشد : (رافعاً يديه إلى السماء) أيا رب .. يا من جعلت الدين بشيراً ونذيراً للناس .. ها أنا أطلقها في رمضان .. صيحة مجلجلة تدوّي في سمع الزمن .. إن البشرية إلى دمار ، مادام يسري في عروق الأرض دم الصهيونية الفاسد ، يحمل سموم الشر والفتك والعدوان ، إلى كل عضو في جسم العالم .

(تسمع من الخارج تأوهات وزفرات)

مجاهد : (داخلاً) هنا .. هنا .. دعونا نأوي ..

شيخ صابر : (يدخل لاهثاً وهو يتكئ على يد رفيقه) لا .. لا .. لا أصدّق ..

مجاهد : (يهزّ رأسه) إنها النهاية المحتومة لاختلاف الكلمة وتفرق الصف .

صابر: (كالمجنون) لا .. لا .. لن أعيش في هذا الكهف ..

مجاهد : أبي .. أبي ..

صابر : (في نوبة هستيرية) أملاكي .. أموالي .. بياراتي .. كلها ضاعت ؟.. مستحيل .. مستحيل ..

رفيقة : إنها مشيئة الله يا أبي ..

صابر : (صارخاً) لا .. لا .. إنه لا يحب اليهود .. إنه ضرب عليهم الذلة والمسكنة إلى يوم القيامة .. ليست هذه مشيئته ..

مجاهد : نعم يا أبي .. ليست مشيئته في انتصار اليهود .. ولكنها مشيئته في خذلان العرب ..

صابر : لقد اصبحنا أذلاء .. اذلاء .. نحن سبعون مليون عربي ..

رفيقة : أبي العبرة ليست بالكثرة ..

مجاهد : إنها أخطاء وقعت منكم يا جيل الماضي ، واليوم جيل الحاضر يدفع الثمن ..

صابر : لن نرضى بعيش الذل .. إننا من كرام الناس .. إننا أبناء حضارة تحفظ كرامة الإنسان .. كيف نرضى أن نعش في الكهوف والخيام ،على هذا الدّرك من الذل والهوان ؟

مجاهد : أبي .. إنك صائم فاصبر .. لعل الله أن يلهمنا الحق ، فنكرّ على الغاصبين ، وننتزع منهم النصر .

صابر : ولكن حياتي معلقة بفلسطين .. كيف ننزح إلى هنا لاجئين ؟

رفيقة : إن المعركة لم تحسم بعد يا أبي ..

مجاهد : لقد خسرنا الجولة الأولى فحسب ، ولابد أن نعيد حساباتنا ونجمع صفوفنا وننصر ديننا لينصرنا الله ، كما نصر الصابرين الصائمين ..

صابر: (يضع كفيه على وجهه) يا فجيعتاه .. أضعنا أنفسنا .. وأضعنا فلسطين ..

(تدخل روح عزّ الدين)

عزّ الدين : صدقت يا شيخ صابر ..

صابر : من ؟ الشهيد عز الدين ؟

عز الدين : سامح الله العرب .. أهكذا أضاعوا فلسطين ؟

صابر: (باكياً) أواه أيها الشهيد ..

عز الدين : لقد ارخصتُ لها دمي .. لقد فديتها بروحي .. لقد كرّست لها كل غالٍ ونفيس ، وأردت لها أن تكون مقبرة للمجرمين ..

صابر : أواه يا عز الدين .. غن العرب دخلوا الحرب مرتجلين ، وواجهوا أعدائهم متفرقين ..

عز الدين : لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ..

(يدخل صلاح الدين منكّس الرأس)

صلاح الدين : لا فائدة .. كم أهبت بالعرب أن يتوحدوا ، فلم يفعلوا ، وكأن قلوبهم لا تعقل ما أقول ..

صابر : (نادباً) أواه .. أواه ..

مرشد : (يتقدم كاسف البال) وكم حذّرتهم من مخالفة الدين ، فلم يسمعوا ، وكأن في آذانهم وقراً ، فلا تعي ما أقول ..

صابر : حسبنا الله ونعم الوكيل ..

عز الدين : كم نصحتهم بالتماسك في وجه الخطر ، فأبوا إلا أن يطعنوا بعضهم بعضاً في الظّهر ..

صابر : إنا لله وإنا إليه راجعون ..

عز الدين : انظروا إلى هذا المصير . كهف يشمئزّ من العيش فيه الحيوان . وبلغ من الرزق تجود بها عليكم أكفّ خصومكم ، عسى ان تغفروا لهيئة الأمم جريمتها النكراء في تشريدكم ..

الجميع : اللهم الرحمة .. اللهم الرحمة ..

عز الدين : لن يرحمكم الله إلا إن أخلصتم التوبة ..

صلاح الدين : ولن يعزّكم الله إلا إن وحدتم الصفوف ..

مرشد : ولن يعيدكم إلى فلسطين إلا إن قاتلتم عدوّكم بنفس سلاحه .. إن اليهود يرفعون التوراة ، ويزعمون انهم شعب الله المختار .. فارفعوا القرآن ، وجاهدوا حق الجهاد ، تُثبتوا لعدو الله ، ولمن لعنه الله ، وغضب عليه ، وجعل منهم القردة والخنازير ، وعبد الطاغوت ، أنكم أنتم جند الله ، وعباد الله ، وأولياء الله ..

عز الدين : هل أنتم مستعدون ؟

الجميع : (بإخلاص) نعم نعم ..

مرشد : وللهدى عائدون ..

الجميع : (بإخلاص) نعم نعم ..

صلاح الدين : وفي الله مجاهدون ؟

الجميع : (بإخلاص) نعم نعم ..

مرشد : أُدعوا الله إذن أن يغفر لكم ذنوبكم وإسرافكم في أمركم ، ويثبت أقدامكم ، وينصركم على أعدائكم .

الجميع : (ضارعين) ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين .. (يرددونها مع الموسيقى الشجية)

صلاح الدين : (يتقدم نشطاً) والآن هيا يا مجاهد ..

مجاهد : ماذا يا صلاح الدين ؟

صلاح الدين : إن النكبة غدت لك حافز قوة لا عامل ضعف ، فلنمضِ إلى معركة الثأر ..

مجاهد : (بفرح غامر) هيا يا سيدي ..

(يخرج صلاح الدين ومجاهد مسرعين)

عز الدين : وأنت يا ابنتي ..

رفيقة : ماذا يا عز الدين ؟

عز الدين : عليك يقع عبء كبير !

رفيقة : إنني مستعدة لبذل كل جهد ، وتقديم كل تضحية ..

عز الدين : إنك نصف هذه الأمة .. فإذا صلح هذا النصف أنجب جيل الإيمان وفيلق التحرير ..

رفيقة : اطمئن أيها الشهيد . إني أعي واجبي المقدس ..

عز الدين : هيا بنا إذن نضم أيدينا إلى أيدي المجاهدين ..

(يخرج عز الدين ورفيقة مسرعين)

مرشد : وأنت يا شيخ صابر ..

صابر : ماذا يا شيخ مرشد ؟

مرشد : إنك آية الله في الأرض ، وعبرته الكبرى في الشعوب ..

صابر : صدقت يا شيخ .. فأنا أمثل الجيل الماضي ، والأمس الغابر ..

مرشد : نعم نعم .. ولن ينسى الجيل الحاضر واجبه تجاه وطنه المغتصب ما بقيت ماثلاً أمام عينيه ، منيراً الطريق بين يديه ..

صابر : سيكون شغلي الشاغل أن أهتف باسم فلسطين صباح مساء ، وأدعوَ لها جيلاً جيلاً حتى تتحرر من نير الغاصبين ..

مرشد : نعم يا شيخ صابر . وليكن عهدكم في كل لقاءٍ حيٍّ على فلسطين . وهدفكم من كل حشد تحرير أرض فلسطين . وبُغيتكم من كل جهاد نيل إحدى الحُسنيين ..

صابر : سنفعل يا شيخ مرشد .. سنفعل إن شاء الله ..

مرشد : ولن يطول الزمن حتى يقبل العيد الكبير ، فإذا أنتم عائدون بإذن الله العلي القدير ..

صابر : إلى الله عائدون .. إلى الحق عائدون .. إلى النصر عائدون .. إلى المجد عائدون ..

(يخرج مسرعاً)

(يقصف الرعد ويومض البرق)

مرشد : (صائحاً) الله أكبر .. الله أكبر .. إن هذا مدد السماء يمدّ الله به المجاهدين .

(تسمع من الخارج تكبيرات هادرة)

صابر : (داخلاً بجذل) لا أصدق .. لا اصدق .. لقد احرزنا النصر .. الله اكبر .. الله اكبر .. لله الحمد ..

(يدخل مجاهد ممسكاً بتلابيب جون سام .

وتدخل رفيقة وهي تسحب راشيل مقيدة

بالأغلال .. ثم يدخل صلاح الدين

وعز الدين وأمامهما أم راشيل

مكبلة اليدين والقدمين)

الجميع : (هاتفين من الأعماق) الله أكبر .. الله أكبر .. الله أكبر ..

صابر: (فرحاً) انظر إلى هؤلاء الأسرى يا شيخنا العظيم ..

مجاهد : هذا هو الاستعمار الغاشم ..

(يدفع جون سام أرضاً)

رفيقة : وهذه هي إسرائيل الآثمة ..

(تلقي راشيل أرضاً)

صلاح الدين وعز الدين : وهذه هي الصهيونية الباغية ..

(يطرحان أم راشيل أرضاً)

صابر : (بسعادة غامرة) الحمد لله الذي أكرمنا بنصره الموعود .. الحمد لله الذي مكنّنا من عدونا اللّدود .. يا لعيدنا السعيد .. يا لعيدنا المجيد ..