الشيخ الداعية د. محمد فريد عبد الخالق

عمر العبسو

clip_image002_536c2.jpg

(1915- 2013م)

هو الشيخ الوزير الداعية محمد فريد عبد الخالق المولود في 30 نوفمبر عام 1915 م  في مدينة فاقوس بمحافظة الشرقية،  وكان وحيد أبويَّه،  ويعد أحد أبناء الرعيل الأول لجماعة الإخوان المسلمون، وكاتِـم أسرارها، وأحد "الآباء الرّوحيين" للكثير من شباب الإخوان.

دراسته، ومراحل تعليمه:

تلقى تعليمه الأساسي في مسقط رأسه بمحافظة الشرقية، ثم انتقل  مع عائلته إلى مدينة القاهرة، والتحق بمعهد التربية العالي، وتخرج منه عام 1936م، وكان محباً للشعر، ونشر عدة قصائد في صحيفة أسبوعية،  تسمى "الجهاد" كان يتولى الإشراف عليها عباس العقاد وبعد تخرجه عمل مدرساً للرياضيات،  والتحق بكلية  الحقوق  بجامعة القاهرة،  وتخرج منها، وأعد رسالة للدكتوراه في القانون،  وعمل  في دار الكتب المصرية، ودار الوثائق القومية حتى صار مديراً عاماً لدار الكتب المصرية، ودار الوثائق القومية في سبعينيات القرن الماضي،  ثم عين وكيلاً لوزارة الثقافة.

انضمامه إلى التنظيم الإخواني:

clip_image004_94576.jpg

انضم  محمد فريد عبد الخالق  إلى جماعة الاخوان المسلمون في فترة مبكره من عمره، وكان ذلك في  قرية الدلنجات بمدينة (إيتاي البارود) بمحافظة البحيرة عام 1941م  عندما كان في زيارة لصهره  "صلاح شادي"،  مع صديقه  الإخواني (صالح أبو رقيق)  الذى أخذه لاحتفال يحضره حسن البنا، فحضر اللقاء، وأعجب بحسن البنا، وتعرف عليه، والتقى به مرتين في محافظة البحيرة، ثم  استقبله البنا في المركز العام لجماعة الإخوان بالقاهرة،  وكلفه بالعمل في  قسم الطلبة  مع  عبد الحفيظ الصيفي الموظف بوزارة الداخلية،  ورئيس قسم الطلاب،  في ذلك الوقت، وبعدها بـــــــــ4 أشهر تم تكليفه من قبل  الإمام حسن البنا بمسئولية قسم الطلبة، في  1942 م، وقام بتوسيع القسم حتى أصبح له فروع  في معظم المحافظات،  وكان معه في القسم د. حسان حتحوت، ويوسف القرضاوي،  والدكتور عز الدين إبراهيم،  واستمر مسؤولاً لقسم الطلاب من 1942 حتى عام   1951م، ثم صار رئيساً لقسم الخريجين حتى عام 19522م، كما عيَّنه الإمام البنا مسؤولاً عن صحيفة "الإخوان المسلمين" اليومية من العام 1946م  وحتى توقفها عن الصدور عام 1948م.  اعتُقل نهاية عام 1946م على ذمة قضية (قنابل أعياد الميلاد)، التي اتُّهم فيها النظام الخاص للجماعة، وعمل لفترة سكرتيراً لحسن البنـا،  ثم اعتقاله  بعد مقتل  المستشار الخازندار  باعتباره المسئول عن قسم الطلبة  الذى قتل احد أعضائه الخازندار غير أنه أفرج عنه بعد فترة لعدم  ثبوت التهمة عليه، وفى عام  1948م  تم اختياره عضواً في الهيئة التأسيسية لجماعة الإخوان، ومكتب الإرشاد  عام 1943م، وشارك في كافة قرارات الجماعة المصيرية حتى صدور قرار حلِّها عام 1952م  ثم أعتقل  مرة أخرى بعد حل الجماعة في 8 ديسمبر من عام 1948م   في حكومة  إبراهيم عبد الهادي رئيس الوزراء آنذاك، ولم يخرج إلا بعد  إقالة إبراهيم عبد الهادي  عام 1952م، وعقب مقتل حسن البنا  كان  أحد القيادات "عضو بمكتب الإرشاد " التي اختارت المرشد الثاني للجماعة المستشار حسن الهضيبي عام 1951، والذين تفاوضوا مع جمال عبد الناصر قبل وبعد قيام ثورة يوليو عام 1952م، ويقال أنه كان صديقًا للرئيس الراحل "جمال عبد الناصر"، كما أنه هو الذي أبلغ المستشار "حسن الهضيبي"- المرشد العام للإخوان المسلمين وقتها- بموعد الثورة، وحصل على تأييده، وتأييد الإخوان للضباط الثوار،  ثم لعتقل بعد  حلِّ الجماعة  حيث كان أحد القيادات التي اختارت المرشد الثاني للجماعة المستشار حسن الهضيبي عام 1951م، كما كان أحد قيادات الإخوان التي تفاوضت مع جمال عبد الناصر قبل وبعد قيام ثورة يوليو، ثم اعتُقل في يناير عام 1954م مع جميع قيادات الإخوان، ثم أُفرج عنه في مارس، واعتُقل في أكتوبر عام 1954م بعد حادث المنشية الذي وقع في 26 أكتوبر 1954م، وحُكم عليه بالسجن عشر سنوات بتهمة محاولة قلب نظام الحكم واغتيال جمال عبد الناصر، ثم أُفرج عنه عام 1958م بسبب ظروفه الصحية كان على علاقة خاصة مع  الشهيد سيد قطب، حيث راجع له بعض كتبه قبيل طباعتها، ثم اعتُقل معه ومع  العديد من الإخوان  في عام 1965م ، وبقي في السجن  حتى عام1971م.

الاخوان والتكفير:

كان الإخوان ضد التكفير العشوائي دائماً، وكان للشيخ فريد عبد الخالق دور في مكافحة ظاهرة التكفير داخل السجن وخارجه ، فهو يناقش  في كتابه "الإخوان المسلمون في میزان الحق"، الفكر التكفيري لدى جماعة الإخوان، فيقول: "ألمحنا فیما سبق إلى أن نشأة فكر التكفیر بدأت بین شباب بعض الإخوان في سجن القناطر في أواخر الخمسينات، وأوائل الستينات، وأنهم تأثروا بفكر الشهید (هكذا كتب) سید قطب وكتاباته، وأخذوا منها أن المجتمع في جاهلیة، وأنه قد كفَّر حكامه الذین تنكروا لحاكمیة االله بعدم الحكم بما أنزل الله، ومحكومیه إذا رضوا بذلك" صفحة 115

ویقول أیضاً في نفس الكتاب صفحة 118: "ان تعددت جماعاتهم، یعتقدون بكفر المجتمعات الإسلامية القائمة، وجاهلیتها إن أصحاب هذا الفكر وجاهلیة الكفار، قبل أن یدخلوا في الإسلام في عهد الرسول، ورتبوا الأحكام الشرعیة بالنسبة لهم على هذا الأساس، وحددوا علاقاتهم مع أفراد هذه المجتمعات طبقاً لذلك، وقد حكموا بكفر المجتمع لأنه لا یطبق شرع الله، ولا یلتزم بأوامره ونواهیه، ومنهم من قال بعدم كفر مخالفیهم ظاهریاً، وقالوا بنظریة (المفاصلة الشعوریة)، فأجاز هذا الفریق الصلاة خلف الإمام الذي یؤم المصلین المسلمین في سجونهم ومتابعته في الحركات دون النیة، وقالوا بعدم تكفیر زوجاتهم، و أجلوا كفرهم على أساس نظریة (مرحلیة الأحكام)، وأنهم في عصر الاستضعاف – أي: العهد المكي – بأحكامه التي نزلت إبانه، فلا تحرم المشركات ولا الذبائح، ولا تجب صلاة الجمعة ولا العیدین، ولا یجوز الجهاد، ویكفرون من لم یؤمن بفكرهم، وأخذوا ببعض أسالیب اعتراف قادة الإخوان بفكر سید قطب التكفيري".

المؤلفات:

clip_image006_e123d.jpg

وله العديد من المؤلفات نذكر منها:

1-    أساسيات في موضوع "الإسلام والحضارة" .

2-    "الإخوان المسلمون.. فكرة وحركة" عام 1984م.

3-    "الإخوان المسلمون في ميزان الحق" صدر عام 1987م.

4-    "مأساة المسلمين في البوسنة والهرسك" ملحمة شعرية عام 1993م.

5-    "ديوان المقاومة" تقديم فهمي هويدي عام 2003م.

6-    "تأملات في الدين والحياة" عام 2003م.

7-    "في الفقه السياسي الإسلامي" عام 2007م.

8- حصل على رسالة الدكتوراه من قسم الشريعة بكلية حقوق جامعة القاهرة عام 2009م، وكان عنوانها "الاحتساب على ذوى الجاه والسلطان"، وكان عمره  تجاوز 94 عاماً.

وفاته:

توفي د. محمد فريد عبد الخالق يوم الجمعة الموافق 12 أبريل عام 2013م، وتمّ تشييع جثمانه من مسجد الحصري، يوم السبت الموافق 13 أبريل 2013م.

أصداء الرحيل:

د. محمد فريد عبد الخالق: شباب وعطاء:

كتب د/ جابر قميحة يقول في رثائه:

أستاذنا الدكتور محمد فريد عبد الخالق ... الرجل الذي بلغ الرابعة والتسعين من عمره ــ حصل على درجة الدكتوراه من كلية الحقوق بالقاهرة، وهذا النبأ السعيد نشر في الصحف مفصلاً، لذلك لن أعيد القول فيه. ولكنني أمضي في مسيرتي التي سعدتْ بمعرفة هذا الرجل العظيم.

وقد كان أول لقاء على البعد في أحد أيام سنة 1951 إذ كان مجلس النواب الذي يمثل الأغلبية فيه حزب الوفد ... في وزارة مصطفى النحاس باشا يناقش قانوناً جديداً للجمعيات، كان الهدف منه تضييق الخناق على الجمعيات والجماعات، وخصوصاً جماعة الإخوان المسلمين، واتفق الإخوان سراً على التظاهر أمام مجلس النواب، وكانت الخطة كالآتي:

يسير الإخوان فرادى في شارع القصر العيني، والشوارع الجانبية الأخرى المؤدية إلى مجلس النواب، وقام سعد الدين الوليلى ــ رحمه الله ــ وهو محمول على أكتاف أخوين ــ حينما اقترب من مجلس النواب ــ بهتاف " الله أكبر، ولله الحمد " ، وكانت هذه إشارة بدء الزحف، فانطلق الإخوان بالآلاف نحو مجلس النواب، وحمل بعض الإخوان الأستاذ فريد عبد الخالق على أكتافهم، وألقى خطبة تعلن رفض الأمة لقانون الجمعيات، فخرج مسؤولون في مجلس النواب، ودعوه وبعض الإخوان إلى الدخول، وشرح مطالبهم، فاستجابوا، وسقط قانون الجمعيات.

وتمضي سنوات، وأتخرج في دار العلوم مدرساً، وكان من تلميذاتي النجيبات " جليلة محمد فريد عبد الخالق "، فقد درست لها من أربعين عامًا تقريباً. والآن أسعدني أبوها إذ أخبرني بأنها صارت أماً. بارك الله فيها، وبارك الله لها ولأسرتها.

ثم بيني وبين الدكتور ما أستطيع أن أسميه " أخوة الأدب "، فقد كان يخصني بما ينظمه من شعر قبل أن ينشره في الناس، وكل شعره فيه روح الشباب، وصدق العاطفة، وسلامة البناء، بعيداً عن التكلف والتصيد.

هذا غير أخوة الإسلام، فقد جمعتنا دعوة واحدة هي دعوة الإخوان المسلمين، والرجل بإجماع كل من عرفه كان له دوره الفعال في الجهاد والعمل لصالح الدعوة.

ودعوة الإخوان بحمد الله كانت، وما زالت تجمع مئات الألوف من الشباب والكهول والشيوخ يوحدهم هدف واحد، وعمل يقصد به وجه الله، والانتصار لدينه.

وفي تاريخ المسلمين شيوخ من كبار السن كان لهم جهدهم وجهادهم الذي لا يقل عما يبذله الشباب من جهد، وما يقدمونه من تضحيات في سبيل الانتصار لدينهم.

والدكتور عبد الخالق في مسيرته الطويلة وحرصه على الحصول على درجة الدكتوراه في موضوعه النبيل يقدم لنا عطاء ثراراً ينفعنا في ديننا ودنيانا، ومنه الصبر على ما يلقاه الإنسان ــ وخصوصاً الداعية ــ من مصاعب ومتاعب ومشاق في حياته، " فالصبر ضياء " كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقال تعالى: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ " آل عمران (200).

وقال تعالى: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157) ( البقرة من 155 - 157 ) .

والرجل قبض عليه عدة مرات، فقضى في السجون بضع سنين، قضاها صابراً محتسباً، لا يعرف الوهن ولا الاستسلام. كتب الأستاذ أحمد أبو شادي: أثناء وجودنا في المعتقل عام 1955م كانت المحنة شديدة علينا، وخصوصاً بعد إعدام مجموعة من خيرة الإخوان، إلا أنني أذكر أن الأخ محمد فريد عبد الخالق ألقى كلمة رائعة، قال فيها " هذه المحنة هي منحة من الله عزَّ وجل، فقد جاء بنا الله إلى هذا المكان لنتربى كما تربي موسى في حِجْر فرعون "

ويرتبط بالصبر قيمة أخرى هي قوة الإرادة، وهي تعني التصميم بالعمل الجاد والمثابرة على أن ينال الإنسان ما يحرص على تحقيقه مهما كلفه ذلك من تضحيات. وقد قال الشاعر:

وإذا كانت النفوس كبارا        تعبت في مرادها الأجسامُ

وفي ماضينا المجيد شيوخ صبروا، وصابروا، وأرادوا، وأصروا، وحققوا ما حرصوا عليه، ومنهم أبو أيوب الأنصاري -رضي الله عنه-: فقد أبى إلا أنْ يموتَ على ظُهورِ الجيادِ الصافِنَاتِ غازياً في سبيل اللّه... وسِنُّه تقارب الثمانين... فعاش طولَ حياتِه غازياً حتَّى قيلَ: إنَّه لم يتخلّفْ عن غَزْوةٍ غزاها المسلمون مُنْذُ عَهْدِ الرسولِ ــ صلى الله عليه وسلم ــ إلى زَمَن معاويةَ إلا إذا كان مُنْشَغِلاً عنها بِأخْرَى.

وكانت آخِرُ غزواتِه حينَ جَهَّزَ مُعـاويَةُ جَيشـاً بِقِيَادَةِ ابنهِ يزيدَ، لِفَتْح القُسْطنطينيَّةِ، وكان أبو أيوبَ آنذاك شيخاً طاعناً في السن يحبو نحو الثمانين من عُمُرِه، فلم يَمْنَعْه ذلك من أنْ يَنْضوي تَحْتَ لواءِ يزيدَ، وأنْ يَمْخُر عُبابَ البَحر غازياً في سبيل اللّهِ. لكِنَّه لم يَمْضِ غيرُ قليل على منازَلَةِ العَدُوِّ حتَّى مَرِض أبو أيوبَ مَرَضاً أقْعَده عن مُوَاصَلَةِ القتالِ، فجاء يزيدُ لِيَعودَه وسألهَ: ألكَ من حاجَةٍ يا أبا أيوبَ؟

فقال: اقرأ عَني السلامَ على جنودِ المسلمين، وقُلْ لهم: يوصيكم أبو أيوبَ أن تُوغِلوا في أرضِ العَدُوِّ إلى أبعدِ غايةٍ، وأن تَحْمِلوه مَعَكُم، وأن تَدْفِنوه تَحْتَ أقدامِكم عِنْدَ أسوار القُسْطَنْطينية. ولَفَظَ أنفاسَه الطاهِرَةَ.

استجابَ جندُ المسلمين لِرَغْبَةِ صاحبِ رسولِ اللّهِ -صلى الله عليه وسلم-، وكرّوا على جُنْدِ العدوِّ الكَرَّة بَعْدَ الكرَّةِ حتَّى بلغوا أسْوارَ القُسْطَنْطِينيةِ، وهم يَحْمِلون أبا أيوب معهم. وهناك حفَروا له قبراً ووارَوْهُ فيه.

وفي عام 1453م استطاع الخليفة العثماني: محمد الثاني ( الفاتح ) أن يفتح القسطنطينية، واكتسح الأمبراطورية البيزنطية ، وبني مسجدا بجوار قبر أبي أيوب الأنصاري --رضي الله عنه-.

هذا وقد نظمت قصيدة طويلة ألقيْـتُها يوم 25/8/1993م في مؤتمر رابطة الأدب الإسلامي العالمية المنعقد في " استانبول" بتركيا، عنوانها "حديث عصري إلى أبي أيوب الأنصاري ". وكانت بدايتها:

يا أبا أيـوبَ والإسـلامُ قُـــرْبــى وانْتســـابُ

قد أتيناك ففي اللُّقــيا اغتنــامٌ واكتســـــابُ

نتملَّى أرض مجـدٍ يزدهي فيهـا الخطــابُ

ومنها:

إنه المسلمُ ـ حقًاـ سيفُ حقٍ أو شِهـــابُ

في سبيل الله يحيا ، لا نفـــاقٌ لا كِــذابُ

مصحف يمشي , عليه من تقى الله ثيـــابُ

سيفُهُ ـ إن يَبغِ باغٍ ـ هو للباغي عِتـــابُ

هكذا كنتم - أبا أيوبَ ـ والغرُّ الصحـــابُ

دررًا زانتْ جبينَ الدهْرَ شيبٌ وشبـــــابُ

شابَ فَوْداكَ ـ من الدهرـ وما في الشيبِ عابُ

لم يكن يُحْسَبُ بالسنِّ مشيبٌ أو شبــــابُ

ليسَ بالشبانِ من هانُوا إذا حطَّت صِعـــابُ

لقد ذكرت من قبل أن بيني وبين الدكتور ما أستطيع أن أسميه " أخوة الأدب "، فقد كان حريصا علي أن يهدي إلي ما ينظمه من شعر، وكل شعره فيه روح الشباب، وصدق العاطفة، وسلامة البناء، بعيدا عن التكلف والتصيد .

وآخر ما أهدانيه ديوانه " مرثيتي الباكية في زوجتي الشهيدة الغالية " يرثي فيه زوجته السيدة الفاضلة المجاهدة كوثر الساعي، في مطولة تائية استغرقت الديوان كله، وهي تتدفق بالحب والوفاء والحكمة والإيمان والتسليم بقضاء الله.

وزمانيا يأتي هذا الديوان ثالث ديوان اقتصر على رثاء الزوجة، فقد سبقه ديوان: " أنات حائرة " الذي نظمه عزيز أباظة، وصدر سنة ثلاث وأربعين وتسعمائة وألف (1943)، وكل قصائده في رثاء زوجته التي توفاها الله قبل ذلك بعام، والديوان يكاد يكون ترجمة نفسية للزوجة الحبيبة، وهو تصوير أمين صادق لأثر هذا الغياب الأبدي في نفس الشاعر ونفوس الأهل والأحباب.

أما الديوان الثاني الذي اختص برثاء الزوجة فهـو ديوان " من وحي المرأة " للشاعر عبد الرحمن صدقي الذي كانت وفاة زوجته الشابة المثقفة صدمة عاتية له، وفيه يصور بعد فراقها عذابه ووحدته في بيته، ويجتر ذكرياته الطيبة معها. والمشكلات التي خلفها فقد زوجته.

وفي هذا المقام أحيي الدكتور محمد عمارة، والدكتورة نهى الزيني، والدكتور محمود خليل على مقدماتهم الطيبة التي حلي بها صدر ديوان أستاذنا الكبير .

إن حصول أستاذنا الكبير على درجة الدكتوراه في هذه السن يعد حدثاً عالمياً سجل في موسوعة " جينس ". وهذا ما يجعلنا ـ نحن أبناءه وتلاميذه وإخوانه ـ نفخر به، وبالقيم التي دفعته لهذا الإنجاز . وأسأل ـ وأنا أشعر بالمرارة ـ أين وسائل إعلامنا المسموعة والمقروءة والمرئية؟!.

آه لو كان أستاذنا واحداً من الحزب إياه لسلطت عليه كل الأضواء بلا كلل ولا ملل . وعلى كل حال فإن هذا لا يهمه في قليل أو كثير .

وأجدني أخاطب العقلاء من هذه الأمة ... يا سادة أكرموا الرجل، ففي إكرامه إكرام لمصر. وأرى أن أبسط مظاهر التكريم تكون كما يأتي:

1- إطلاق اسمه على قاعة من قاعات كلية الحقوق.

2- نشر أطروحته على نطاق واسع حتى يفيد منها الطلاب والدارسون.

3- رصد جائزة سنوية باسم الدكتور محمد فريد عبد الخالق لأحسن كتاب أو بحث في الشريعة والقانون.

4- كتابة سيرته ومظاهر جهاده وكفاحه، والدروس التي يمكن أن يفيدها الشباب من كل أولئك، مصوغة في موضوع محبوك، يقرر في مادة القراءة لأحد صفوف المرحلة الإعدادية، أو الثانوية.

وفاته:

رحل الدكتور محمد فريد عبد الخالق، عضو الهيئة التأسيسية لجماعة الإخوان المسلمين، وسكرتير مؤسس الجماعة الإمام الشهيد حسن البنا، وعضو مكتب الإرشاد الأسبق، ومدير عام دار الكُتب والوثائق القومية سابقًا.. رحل عن عالمنا يوم الجمعة الموافق 12 نيسان 2013 عن عمر يناهز الـــــــــ/ 98 / عاماً, وتمّ تشييع جثمانه إلى مثواه الأخير، من مسجد الحصري، يوم السبت الموافق 13 نيسان 2013م.

رحمه الله رحمة واسعة، وأدخله فسيح جناته مع النبيين، والصديقين، والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً.

الدكتور محمد فريد عبد الخالق: موسوعة الإخوان المسلمين وبيت سرهم:

وكتب الأخ (محمد فاروق الإمام) بقول:

رحل عن عالمنا، الدكتور محمد فريد عبد الخالق، عضو الهيئة التأسيسية لجماعة الإخوان المسلمين، وسكرتير مؤسس الجماعة الإمام الشهيد حسن البنا، وعضو مكتب الإرشاد الأسبق، مدير عام دار الكُتب والوثائق القومية سابقًا.. رحل يوم الجمعة الموافق 12 نيسان 2013 عن عمر يناهز الـــــــــ/ 98 / عاماً, وتم تشييع جثمانه إلى مثواه الأخير، من مسجد الحصري، يوم السبت الموافق 13 نيسان 2013م.

حصل على درجة الدكتوراه من قسم الشريعة بكلية حقوق جامعة القاهرة عام 2009، وهو في الرابعة والتسعين من العمر،  وكان عنوان الرسالة "الاحتساب على ذوي الجاه والسلطان"، وقد دخل بذلك الإنجاز موسوعة "جينيس" للأرقام القياسية كونه أكبر باحث في السن يحصل علي درجة الدكتوراه في العالم، متفوقاً على صاحب اللقب السابق الذى كان عمره 91 عاماً.

في مدينة الشرقية في الثلاثين من تشرين الثاني لعام 1915م مولد الدكتور "فريد عبد الخالق"، حيث انتقل بعد ذلك مع عائلته إلى مدينة القاهرة، وأكمل دراسته في معهد التربية العالي، وتخرج منه عام 1936م، ولقد جمع في دراسته العليا بين القانون والشريعة، والعلوم والرياضيات.

كما أنه كان خطيبًا وشاعرًا وباحثًا ومفكراً، وبعد تخرجه عمل مديراً عاماً لدار الكتب المصرية ودار الوثائق القومية في السبعينيات، ثم وكيلاً لوزارة الثقافة لشئونهم.

يعتبر فريد عبد الخالق واحداً من الرعيل الأول للإخوان المسلمين انهم أكثر من مرة بمحاولة قلب نظام الحكم قبل الثورة وبعدها.

تعرف محمد فريد على الجماعة بعدما سمع الإمام "البنا"  يلقي كلمة في احتفال إسلامي بمدينة "إيتاي البارود" بمحافظة البحيرة عندما كان في زيارة لصهره الأستاذ "صلاح شادي"، ويصف الأستاذ "فريد" ذلك اللقاء بقوله: أنه منذ سمع الإمام "البنا" في هذه الاحتفالية، قد تغير وجدانه، وانقلب تفكيره حيث وجد ضالته في جماعة قربت المسافات بين الالتزام الديني والواجب السياسي، وفي رجل يقودها له طريقته التي تميزه عن مشايخ وعلماء الدين، رغم أنه أحدهم، كما كان له أسلوبه السياسي المميز والخلاب، الذي اختلف اختلافًا شاملاً عن كلام رجال الأحزاب والسياسة الذين تجمعهم المصالح وتفرقهم الواجبات، ويصف الأستاذ "فريد عبد الخالق" شعوره بعد اللقاء الأول مع الإمام "البنا" بأنه أوصله لأن يكون مسلمًا نافعًا يجعل مصلحة وطنه من العبادات مثلها مثل الصلاة والزكاة.

تولى الدكتور فريد أحد الأقسام المهمة في الجماعة، وهو قسم الطلبة، ثم اختير عام 1948م عضواً في الهيئة التأسيسية لجماعة الإخوان المسلمين، كما أنه كان عضواً بمكتب الإرشاد، وليس ذلك فحسب بل عمل لفترة سكرتيراً للإمام حسن البنـا، ويعتبره الكثيرون "كاتِـم أسرار" الجماعة وأحد "الآباء الرّوحيين" للكثير من شباب الإخوان.

كان الأستاذ فريد عبد الخالق أيضًا أحد القيادات التي اختارت المرشد الثاني للجماعة المستشار حسن الهضيبي عام 1951م، وهو أحد الذين تفاوضوا مع جمال عبد الناصر قبل وبعد قيام ثورة يوليو/تموز عام 1952م.

ويعتبر أحد الشخصيات الهامة التي عاصرت، وعايشت الثورة في مهدها، ثم اكتوت بنارها بعد ذلك.

وترجع أهمية شهادة الأستاذ "فريد عبد الخالق" إلى أنه كان صديقًا للرئيس الراحل "جمال عبد الناصر"، كما أنه هو الذي أبلغ المستشار "حسن الهضيبي" - المرشد العام للإخوان المسلمين وقتها- بموعد الثورة، وحصل على تأييده وتأييد الإخوان للضباط الثوار.

اعتقل الأستاذ فريد عبد الخالق أكثر من مرة، فقد اعتقل بعد مقتل الخازندار بتهمة أنه كان المسئول عن قسم الطلبة وأن من قام بهذا الحادث بعض الطلبة غير أنه أفرج عنه بعد فترة لعدم ثبوت التهمة عليه، وأيضاً وبعد حل الجماعة في 8 كانون الأول من عام  1948م تم اعتقاله هو وكثير من الإخوان، وتعرض للتعذيب على يد زبانية إبراهيم عبد الهادي –رئيس الوزراء آنذاك- أو ما سمي عصره بالعسكري الأسود، ولم يخرج إلا بعد أن أقال الملك إبراهيم عبدالهادي.

وبعد قرار حلِّ الجماعة الذي أصدره قادة الثورة أوائل عام 1954م اعتُقل في كانون الثاني عام 1954م مع جميع قيادات الإخوان، ثم أُفرج عنه في آذار، ثم اعتُقل مرةً أخرى في تموز عام 1954م بعد حادث المنشية الذي وقع في تشرين الأول 1954م، وحُكم عليه بالسجن عشر سنوات في القضية التي اتُّهم فيها الإخوان المسلمون بمحاولة قلب نظام الحكم واغتيال جمال عبد الناصر، ثم أُفرج عنه عام 1958م بسبب ظروفه الصحية.

للدكتور فريد عبد الخالق كثير من المؤلفات الموجودة في المكتبات ويعتبر أول نتاجه العلمي بحث قيم بعنوان: أساسيات في موضوع "الإسلام والحضارة"، وألقي في "الندوة العالمية للشباب الإسلامي" بالرياض عام 1979م، وبحث بعنوان "الإخوان المسلمون.. فكرة وحركة" وألقي في ندوة البحرين بتكليف من مكتب التربية للخليج العربي عام 1984م، ثم  "الإخوان المسلمون في ميزان الحق"  كتاب صدر له عام 1987م، وتلاه "مأساة المسلمين في البوسنة والهرسك" ملحمة شعرية عام 1993م، وتبعه "ديوان المقاومة" تقديم فهمي هويدي عام 2003م، ثم "تأملات في الدين والحياة" عام 2003م، وأخيرًا "في الفقه السياسي الإسلامي" عام 2007م.

قدم الدكتور رسالة الدكتوراه، وكان موضوعها "الاحتساب على ذوي الجاه والسلطان"، وحصل عليها وعمره تجاوز 94 عاماً، ولقد وصفها بقوله:

أعترف بأن الرسالة أخذت وقتًا طويلاً، ربما بسبب اعتقالي لعدّة مرات، فضلاً عن وجودي خارج مصر لفترات طويلة، لكن ما أودّ أن أقوله، إنه منذ اليوم الأول الذي بدأت فيه العمل بتلك الرسالة، وأنا شَـغوف لأن انتهي منها، بسبب أهميّـتها الشديدة جداً هذه الأيام ولمعرفتي بأن المجتمع في أشدّ الحاجة لموضوعها، فكل القوى الموجودة في المجتمع باختلاف اتِّـجاهاتها الفكرية، يسارية ويمينية وإسلامية وحتى الليبرالية هي بحاجة إليها.

مصادر الترجمة:

1-            الدكتور محمد فريد عبد الخالق موسوعة الإخوان المسلمين وبيت سرهم – مقالة محمد فاروق الإمام – موقع رابطة أدباء الشام. .

2-            موقع د. جابر قميحة.

3-            الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين.

4-             موقع الجزيرة – برنامج شاهد على العصر – إدارة أحمد منصور .