لماذا يبدي الغرب قلقا وانشغالا بخصوص المرأة الأفغانية بعدما آلت الأمور إلى حركة طالبان؟

محمد شركي

من المعلوم أن  كل مجتمع  بشري مهما كانت هويته أو ثقافته قوامه نواة صلبة هي الأسرة  التي تمثل المرأة  فيها أهم عنصر حيث يتوقف وجود المجتمع  واستمراره  واستقراره عليها  ، وهي بذلك  صمام أمانه .

والتحكم في المجتمع مهما كان نوع هذا التحكم ينطلق أساسا من التحكم في الأسرة ، والتحكم في هذه الأخيرة يبدأ  ضرورة بالتحكم في المرأة حيث يترتب عن ذلك نقل الأسرة من وضع إلى آخر ، ومن ثم ينتقل المجتمع بدوره من وضع إلى آخر.

ومعلوم أن انشغال الغرب العلماني بالمجتمعات العربية والإسلامية، وهي مجتمعات تجمع بينها عموما الهوية الإسلامية بالرغم من تنوع  هوياتها العرقية واللغوية، جعله يهتم بالمرأة في هذه المجتمعات من أجل إحداث ما يريده من تغيير فيها مستهدفا هويتها الإسلامية أولا وقبل كل شيء ،لأنه يعتبرها مصدر تهديد لعلمانيته التي يريد عولمتها .

ولما كانت أرض أفغانستان ساحة صراع بين معسكرين في فترة ما يعرف بالحرب الباردة ، فإنهما معا حاولا إحداث تغيير في هويتها الإسلامية، علما بأن  العلمانية هي القاسم المشترك  بين المعسكرين الخصمين وإن اختلف توجههما السياسي والاقتصادي . والمعسكران معا ركزا في استهدافهما هوية الأفغان الإسلامية على قضية المرأة الأفغانية لأنها بالنسبة إليهم هي مفتاح تغيير الأسرة الأفغانية ومن ثم تغيير المجتمع الأفغاني .

وتمويها على استهداف الهوية الإسلامية لأفغانستان يزعم الغرب العلماني أنه يريد تحديث هذا البلد أو بعبارة أخرى إخراجه من حضارة إسلامية تقليدية يعتبرها متجاوزة إلى حضارة غربية معاصرة هي المسيطرة والمهيمنة .

ولقد كانت أحداث الحادي عشر من شتنبر ذريعة لغزو الغرب العلماني بقيادة الولايات المتحدة أرض  أفغانستان  والذي استمر لعقدين  وانتهى مؤخرا بعودة أفغانستان إلى الوضع الذي كانت عليه قبل غزوها حيث سيطرت  من جديد عناصر طالبان على السلطة بعد رحيل الاحتلال الغربي، وانهيار النظام الذي حاول أن يخلفه بعد رحيله وهو نظام  لم يصمد أمام طالبان في فترة وجيزة الشيء الذي أذهل الغرب، ولم يتوقعه بالرغم من قدرته على التوقعات وبالرغم مما له من خبرات في هذا المجال .

ولقد ركز الغرب العلماني خلال فترة احتلاله لأرض أفغانستان على قضية المرأة الأفغانية لأن حركة طالبان في نظره أهدرت حقوقها وصادرت حريتها ، ولم تحترمها، وحالت دون تغيير وضعها لتلحق بوضع المرأة الغربية ، وقد حاول  بشتى الوسائل  إغراءها بالخروج  من نمط حياتها التقليدي  والانتقال إلى نمط حياة المرأة الغربية .

ومع عودة سيطرة حركة طالبان على الوضع في أفغانستان، كان أول هاجس شغل الغرب وضج به إعلاميا هو مصير وضعية المرأة الأفغانية ومصير حقوقها وحريتها في ظل عودة حكم طالبان من جديد . والحقيقة أن إظهار الغرب  كل هذا الانشغال بقضية المرآة الأفغانية ما هو سوى تمويه على ما يريد إحداثه  من تغيير في هوية المجتمع الأفغاني المسلم عبر تغيير سلوك المرأة الأفغانية التي تعتبر العنصر الفعال في النواة الصلبة التي هي الأسرة .

ومع أن حركة طالبان عبرت لحد الساعة  للمجتمع الدولي وعلى رأسه المجتمع الغربي عن حدوث تغيير في توجهها  من أجل طمأنة الجميع واعدة باحترام الحقوق والحريات بما فيها حقوق وحرية  المرأة في التعلم والشغل وممارسة دورها كاملا في الحياة العامة خلاف ما كان عليه الوضع في السابق ، فإن ذلك لم يقنع الغرب  ما دامت حركة طالبان تتمسك بهويتها الدينية التي لا يقبلها الغرب العلماني الذي يريد للمرأة الأفغانية أن تكون  هويتها وشكلها ولباسها ، وتعليمها وشغلها  على نمط  هوية وشكل ولباس وتعليم وشغل المرأة الغربية العلمانية ، وهو ما لا يمكن أن يحدث في بلد له هويته الخاصة  وله خصوصياته الثقافية التي على الغرب الإقرار بها واحترامها على غرار إقراره بانتصار حركة طلبان التي ظل يرفض التعامل معها لعقدين من السنين .

وكان من المفروض أن يشجع الغرب هذه الحركة على ما عقدت عليه العزم لمراجعة مواقفها السابقة مما  كان يعتبره تضييقا على الحريات والحقوق خصوصا حقوق وحرية المرأة  .

وعلى الغرب ألا يسارع بالتشكيك في ما صرحت به مصرا على عدم الثقة في نواياها إن كان بالفعل يفكر في مصلحة الشعب الأفغاني ، وفي مصلحة المرأة الأفغانية على وجه الخصوص لتظل على هويتها الإسلامية مع حقها في التعليم والشغل والعمل جنبا إلى جنب مع الرجل الأفغاني على قدم المساواة .

ويبدو أن الغرب لا يدخر جهدا لحد الساعة كما تنقل ذلك وسائل إعلامه في عرقلة مشروع طالبان الواعد بحماية الحريات والحقوق ، وبناء مجتمع أفغاني  منفتح على المجتمع الدولي بما في ذلك المجتمع الغربي العلماني  دون تغيير في هويته الإسلامية .

وعلى الغرب أن يقبل بالمرأة الأفغانية  بهويتها وبهيئتها ولباسها المختلف عن هوية وهيئة ولباس المرأة الغربية ، وهو ما لا يمكن أن يقف حاجزا دون تعلمها وشغلها ودورها في بناء مجتمعها وتطويره  على غرار ما هو حاصل في شتى البلاد الإسلامية .

وأخيرا لا بد من التذكير بأن أسلوب استهداف الغرب الهوية الإسلامية لأفغانستان تحت ذريعة تحديثها من خلال تغريب المرأة فيها  قد بات مكشوفا وغير مقبول وغير خاف على الرأي العام الدولي .