على أرض أفغانستان السلام

زهير سالم*

على أرض أفغانستان السلام

ولشعبها دوام الأمن والأمان والاستقرار والازدهار ..

ولنا الدروس والعبر

الدروس المستخلصة من التجربة الأفغانية بكل تلافيفها ستكون فصلا مستقلا ومفيدا في التاريخ الدبلوماسي العالمي ..

فبعد ما يزيد على نصف قرن من الانقلاب الذي قاده داود خان ضد الملك ظاهر شاه، وما تلاها من دخول أفغانستان في مرحلة طويلة من الاضطرابات والاحتلالات السوفيتية ثم الأمريكية نعمت أفغانستان بحمد الله وبفضله ثم بصبر وجهاد مجاهديها، طبقا عن طبق، وآخرهم تحملا كان حركة " طالبان "؛ بالحرية والاستقلال؛

وهي نعمة من الله يستحق كل الشعب الأفغاني عليها التهنئة والتحية والتجلة والإكبار ..

تشكل الدول التي تستحق "اسم دولة " وكذا الكيانات، الجماعات والأحزاب ، التي تفي باستحقاق اسمها، عادة لجانا من أعلى مستوى الخبراء لديها، لاستنباط الدروس والعبر ، من أي حدث سياسي مفصلي، ولاسيما؛ إذا كان بمستوى حدث مثل نصر حركة " طالبان" في أفغانستان. إن الاتفاق بين الأمريكان وطالبان، أو إذا شئت " انتصار طالبان على الأمريكان، بأي مفهوم من مفاهيم النصر تختار، يقدم دروسا أكثر أهمية في سياقات السياسة العالمية.

لن يستطيع مقال عابر أن يوفي حق "الحدث" من الاستنباط. و"الاستنباط" مصطلح قرآني يعتبر النص، أو الواقعة أشبه بمنجم ثري، أو نبع غدق؛ يظل أصحاب العقول والفهوم يغترفون منه فيتفنون ويتأولون ويتنوعون ويبدعون أيضا ؛ يبدعون ولا يشذون ولا يُغربون، ولكل كلمة في السياق المذكور دلالتها.

الاغتراف من الحدث الأفغاني، أو النصر الأفغاني أو الطالباني إذا شئت...

وكذا إعادة القراءة في ثناياه مرة بعد مرة بعد مرة، وفي تقلبات الادعاءات والقرارات الأمريكية؛ يستحق منا أن نبدئ في النهج الأمريكي في أفغانستان وفِي منطقتنا ونعيد.

عشرون عاما تقريبا من احتلال دول التحالف الذي قادته الولايات المتحدة في أفغانستان يطوي أعلامه، وتعود الأرض الأفغانية لأهلها وأصحابها وهو يوم نصر وعيد حقيقي لكل الأحرار والشرفاء ليس في أفغانستان وحدها، بل عند كل الذين يكرهون الاستعباد والاستعمار والنيل من إرادة الشعوب أجمعين.

أجمل الاستنباطات أن نستخلص أن معارك التحرر الوطني، على مستوى الأرض وعلى مستوى القرار لا تؤدلج. وحرب تحرير فيتنام مثلا ضد الفرنسيين أولا ، وضد الأمريكان ثانيا لا توصف بأنها معركة بين" البوذيين" و" النصارى" من أهل الكتاب، وانتصار الديمقراطية في مصر في عهد الرئيس مرسي، لم يكن أبدا انتصارا للإخوان المسلمين، القاصرون وحدهم هم الذين ينظرون إلى نصر طالبان على أنه نصر لمدرسة أو لتلاميذها، وليس نصرا وطنيا لكل الأفغان.

وأول ما يوحي لنا بعض هذا الدرس في الموقف الأمريكي أن عنوان " الحرب على الإرهاب، كان أشبه "بإله التمر" الأمريكي، يعبده الأمريكي إذا احتاج فيقاتل تحت رايته، ويقتل الناس ويدمر العمران، ويأكله إذا جاع؛ فإذا العلاقة الأمريكية- الطالبانية سمن وعسل، وملء سمع العالم وبصره كما يقولون .

وإن في ذلك عبرة لأولي الألباب.

وكل ذلك حتى يعلم الناس أن الموقف منهم، ومن مشروعاتهم ، لا يتحدد على ضوء عقائدهم ومناهجهم ولغة خطابهم؛ وإنما بإرادة القوي الذي يحاول أن يفرض نفسه على العالم، وبثبات الطرف الآخر وصبره وتضحياته، وأيضا باستراتيجياته وطرائقه العملية، في الكر والفر ، وحسن الفعال.

ونصر حركة طالبان اليوم، الذي نتمنى أن يكون نصرا لكل الأفغان بالمعنى الوطني الجامع.

في علم البلاغة نقول ليس من الشرط أن يتشابه المشبه والمشبه به بكل عناصرهما، ولاسيما حين يكون التشبيه تمثيليا. انتصر الأفغان في بلدهم وفِي ظروفهم وفِي أسمالهم ومع أميّة الكثير من جنودهم ومع إصرارهم على مفردات خطابهم الإسلامي، والدرس من كل ذلك أن يتعلم الذين كلما ذكرنا، اسم الله ، أو الإسلام أو الجهاد، أو التمسك بالقيم ؛ قالوا احذروا لا يغضب الأمريكان، ولا تخيفوا الآخر، وثبت بالدرس الأفغاني أن الآخر العملي لا يخاف من الشعارات، حين يتواطئ حتى ولو كانت من عيار ، "الموت لأمريكا والموت لإسرائيل"

وانتصر المشروع الأفغاني أو لنقل الطالباني في الظرف الأفغاني، ونصر طالبان شاركت في صنعه الجغرافيا والديموغرافيا والتركيبة المجتمعية والثقافة السائدة والروح القبلية المقاتلة، نسوق كل ذلك لكل من يحاول ان يستورد المشروع الأفغاني أو الطالباني للشام أو العراق أو مصر ، يظنون أن استيراد المشاريع سهل كاستيراد السراويل!!

كان شعار بل مشروع " سلميتنا أقوى من الرصاص" هو الأليق بالحالة المصرية.

بكل أسف أقول إن السوريين لم يكتشفوا حتى اليوم المشروع الأليق بهم، وكنت رجلا يكرر هذا منذ عشر سنوات. وتبعة ذلك يتحملها القادة السياسيون والعمليون على السواء. لم يدرك السوريون مع الأسف الفرق بين "تحرير الديمغرافيا، الإرادة والقرار ، وبين تحرير الجغرافيا" فظلوا وما زالوا عالقين في المأزق الذي حشرهم فيه المتواطئون. واسترسلوا مع المتواطئين حيث يريدون.

إن الدرس الأفغاني الأعم الذي يجب أن تتمسك به كل الشعوب الواقعة تحت الاحتلال والاستبداد، أن النصر يكون ثمرة التضحية والثبات والصبر، وكذا ثمرة الوعي الحقيقي بطرق الانتقال من المربع ألف إلى المربع باء. نحتاج كثيرا لنقرر لأصحاب مشروع تحرير القرار السوري، والإسلاميين منهم بشكل خاص، أن مشروع الانتصار في معارك الإرادة ليس مشروع صلاة وذكر وتبتل فقط، مع إكبارنا للصلاة والذكر والائتلاف في كل حين وكل آن .

إن إدراكنا لاختلاف الظروف الموضوعية لكل مصر ولكل دار ..هو بعض الدرس الذي يجب أن ندركه ونحن نتلمس خطوطا عريضة في انتصار أفغانستان.

نهنئ الشعب الأفغاني أجمع، وقواه المجاهدة، وفِي مقدمتها" طالبان" المصابرة على ما حققت وأنجزت..

وندعو الله العلي القدير أن ييسر الشعب الأفغاني لليسرى..

وأن يلهم القادة الجدد رشدهم ، وان يأخذ بأيديهم لكل ما فيه خير البلاد والعباد ..

وأن يكون في مقدمة مشروعهم العام أن يحفظوا على كل الأفغانيين أمنهم وأمانهم، وأن يحقنوا دماء شعب طالما استخف بها فسفكها أهل الباطل بالباطل..

وندعو الله العلي القدير أن يجمع كلمة المجتمع الأفغاني بكل مكوناته على الحق والخير والحب والوئام والاعتصام بحبل الله ونبذ الفرقة والاختلاف.

وهذه أفغانستان بإنسانها وأرضها ومقدراتها قد أصبحت اليوم ، بفضل الله ، بيد الخيرة من أبنائها، فنسأل الله أن يجعل منهم الأنموذج والقدوة لمشروع إسلامي يقود الناس تحت راية الحق والعدل إلى التطور والتقدم والازدهار والرفاه

ستظل التجربة الأفغانية مبسوطة للدرس والاستنباط والاعتبار. واستنباط الدروس والعبر لا يستطيعه من كانت الأحكام المسبقة من أي نوع كانت قد ضربت جرانها في قلبه، وغشّت على بصره، وضربت على سمعه.

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية