لماذا تحرك أميركا عش الدبابير في سوريا؟!

أحمد موفق زيدان

سوريا ظلت لنحو 11 عاما ساحة لقتال الطاغية الكيماوي المجرم بشار وسدنته المحتلين، وعلى مدى سنوات، لم تنجح جهود أميركا وغيرها في حرف الثورة عن بوصلتها (الجزيرة نت)

لسنوات وأميركا تُصر على تحريك عش دبابير جماعات جهادية مسلحة في الشمال السوري المحرر، عبر استهدافها إياهم بالاغتيالات الجوية، التي راح ضحيتها مدنيون عزل. ورغم أنه لا توجد عملية عسكرية خرجت ضدها أو ضد حلفائها من الشمال السوري المحرر طوال السنوات الماضية، فإنَّها لا تزال تصر -بين الفينة والأخرى- على تنفيذ عمليات تستهدف منظمة "حراس الدين" التي لها علاقة بتنظيم القاعدة، وغيرها من التنظيمات، حيث كان آخرها استهداف شخصين -تونسي ويمني- في سيارتهما على الطريق الواصل بين إدلب وبنش.

واللافت هو صمت الناس العلني خشية أن يُتهموا أو يُستهدفوا كما استهدف غيرهم، ولكن في السرّ الكل غاضب وحاقد على الهجمات الأميركية المتكررة، التي يرون فيها هجمات غير مبررة بالمرة، ما دام لا أحد قد هاجم أميركا ولا حلفاءها من سوريا على مدى سنوات، بل ولم يسبق أن أصدر أحد بيانا يهاجم فيه أميركا وسياستها في سوريا.

العجيب أن القاعدة التي يفترض أن معقلها في أفغانستان، التي كانت سببا في أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001، لا تتعرض لغارات مثل الغارات التي يتعرض لها الشمال السوري المحرر. وقد سبق هذه الغارة بيان لحراس الدين، يعلنون فيه بوضوح أن عملياتهم ضد النظام السوري وحلفائه، وأنهم ينفذون عمليات خلف الخطوط، وكانوا قد تبنوا مؤخرا عمليات في دمشق والرقة ضد النظام، مما أثار الشكوك الكبيرة في كون الهجمات الأميركية تصب في صالح النظام السوري وحلفائه، فضلا عن تأليبها وتحريكها عش دبابير الجماعات المسلحة. وفوق هذا يوجد غضب خفي للحاضنة السورية التي ترى أن هذه الجماعات إنما تقاتل مجرما كيماويا برميليا احتلاليا، ولا علاقة لها بأجندات دولية، فلماذا يتم استفزازها على مدى سنوات، وهي التي ترفض الاستفزاز المرة تلو الأخرى على الرغم من إيقاع خسائر بشرية هائلة في صفوفها.

كان القصف في السابق يستهدف كل ما له علاقة بهيئة تحرير الشام، وقد خسرت الهيئة المئات من شبابها وكوادرها نتيجة هذا القصف، ومع هذا لم تقم الهيئة بالتهديد والوعيد، ولا حتى بإصدار بيان ضد الأميركيين، وإنما كانت تؤكد -مع كل غارة أميركية- أن هدفها قتال النظام المجرم وحلفائه، وأن لا علاقة لها بأي أجندات خارجية، إلى أن توقفت أميركا عن استهداف الهيئة قبل سنوات.

يذكرني الاستفزاز الأميركي هذا بما فعلته القاعدة حين استفزت أميركا قبل أحداث 11 سبتمبر/أيلول، بالهجوم على سفارتها في شرق أفريقيا، ثم مهاجمة بارجتها "يو إس إس كول" (USS Cole) في اليمن، وثالثتها ضرب البرجين على أمل جرّها لأفغانستان، كما قال لي -بصراحة ووضوح- أبو حفص المسؤول العسكري للقاعدة، قبل الضربة، خلال حديثي معه في كابل. وبالفعل استُفزت أميركا، وقبلت الاستفزاز، وغزت أفغانستان لمدة 20 عاما، وهو ما يندم عليه كبار العسكريين والسياسيين الآن.

هل تكرر أميركا اليوم إستراتيجية القاعدة نفسها باستفزاز الآخر، وجره إلى مواجهة؟ أم أن الأمر غير ذلك! فهي تتولى استهداف الخصوم العسكريين الفاعلين والمؤثرين على الأسد وحلفائه، فتخلصه منهم. أميركا -بعملها المتكرر هذا- لا تستطيع أن تبرر فعلها "البلطجي"، فكل ما تقوم به من قتل أشخاص يهدف إلى دعم حلف الأسد بشكل مباشر، لتخليصه مما عجز عنه هو وحلفاؤه، بقتلهم والتخلص منهم.

أما من يقول بأنها ضربات استباقية، فهذا يعني تحويل العالم كله إلى فوضى عارمة؛ فالصيني يحق له أن يضرب في أفغانستان، والبريطاني يحق له أن يضرب في أميركا بحجة ملاحقة الجيش الأيرلندي، والإيراني يضرب في العراق، والجزائري في المغرب، والعكس صحيح. ومن ثمّ، فضربات القاعدة الاستباقية كما قالت يومها مبررة بهذا المنطق الأعوج.

سوريا ظلت لنحو 11 عاما ساحة لقتال الطاغية الكيماوي المجرم بشار وسدنته المحتلين. وعلى مدى سنوات، لم تنجح جهود أميركا وغيرها في حرف الثورة عن بوصلتها، وجر الجماعات المسلحة لقتالها ومهاجمتها؛ كي تثبت صحة ما كانت تفعله ضد هذه الجماعات، مما وضعها في موقف غير مبرر أخلاقيا. فطوال السنوات الماضية، كل هجماتها العسكرية كانت غير مبررة، والدليل هو تركيز الجماعات المسلحة على قتال العدو القريب المستبد، وعدم الالتفات إلى غيره، والظاهر أن أميركا لا تزال مسكونة بعقدة القاعدة الأولى في قتال العدو البعيد المشترك، والواضح أن القاعدة طلقتها منذ سنوات وركزت على العدو القريب الاستبدادي، كما هو واضح لسنوات في اليمن والعراق وسوريا وغيرها.

على أميركا أن تتوقف عن خوض حروب الآخرين، وعليها ألا تكرر ما قامت به في أفغانستان لعقدين من الزمان، فقد خاضت حروب الآخرين من الصينيين والروس والإيرانيين، واليوم تكرر في سوريا الأمر نفسه؛ إذ تخوض حروب الأسد والصينيين والروس والإيرانيين، وتجني معه عداوة وحقدا وغضبا متراكما، وذلك فوق الغضب الذي جنته، حينما لحست خطها الأحمر الكيماوي أيام أوباما، ونحن نقرأ اليوم التسريبات الفرنسية الغاضبة من أوباما الذي أصر على عدم معاقبة الأسد على ضربته الكيماوية، رغم دعم معاقبته من قبل فرنسا وغيرها.