"إسرائيل" كلمة السر في إفشال تجربة الإخوان

سري سمور

ختمت المقال السابق في أغسطس/آب بأن كلمة السر في فشل أو إفشال التجربة الإخوانية في الحكم هي إسرائيل، وأقول سلفا إنه لن يسمح للإخوان أن يكون لهم شأن يذكر في الحكم والإدارة لطالما إسرائيل موجودة، أو على الأقل طالما هي في حالة علوّ ولها من النفوذ والقوة ما لها، مما نعلمه أو سنعلمه لاحقا، ولذا أنا أتبنى نظرية جديدة قوامها هو التصدي للمشروع الصهيوني كأولوية قبل التفكير في الوصول إلى الحكم أو المشاركة الحقيقية الفاعلة فيه، بل المشاركة "الديكورية" مثلما حصل في بعض البلاد.

"الفهلوة" السياسية لم ولن تجدي نفعا!

مع أن الرئيس المنتخب الدكتور محمد مرسي رحمه الله أكد في أول خطاب له بعد استلامه منصب الرئاسة -التي لم يتولّ مجمل صلاحياتها يوما واحدا- على الالتزام بالاتفاقيات الدولية التي وقعتها الدولة المصرية، وهذا يعني ضمنا اتفاقيات كامب ديفيد بين مصر والكيان العبري التي أبرمها السادات برعاية أميركية، إلا أن هذه الكلمات لم تكن لتقنع الغرب أو الفاعلين فيه والمعنيين بالمنطقة، والأهم لم تقنع إسرائيل على جميع مستوياتها السياسية والأمنية والعسكرية بأن الإخوان سيسيرون على نهج مبارك والسادات، بل اعتبرت مجرد مناورة ولعب بالكلمات، أو تكتيكا سياسيا سيتغير بل ينقلب تماما عندما تحين الفرصة (حرب 2012 على غزة أفزعتهم وأقضت مضاجعهم حول ما ستكون عليه الحال لو أمسك الرجل بناصية الدولة المصرية فعليا).

ولكن مشكلة الإخوان -أو بعضهم- أنهم حين يطلقون بعض التصريحات التي تخالف أو حتى تناقض أفكارهم وتوجهاتهم وما نشؤوا وأنشؤوا أجيالا عليه، فيرد عليها دبلوماسي أو صحفي غربي بابتسامة أو عبارات مجاملة، يحسبون أنهم بهذه "الفهلوة" يلعبون السياسة وفق أذكى قواعدها، أو على أصولها المعتبرة، وهذا غير صحيح كما تثبت التجارب العديدة.

وما ينالونه من هكذا مواقف هو اصطياد خصومهم وكارهيهم والمزايدين عليهم في الماء العكر، واستخدام تلك المواقف أو التصريحات ذخيرة لمهاجمتهم وتأليب من يستطيعون عليهم من العوام أو الخواص ليس إلا؛ فتكون الخسارة مزدوجة.

حماس هي البنت الشرعية للإخوان المسلمين

إن وجود حركة المقاومة الإسلامية (حماس) -وهي فرع الإخوان المسلمين في الضفة الغربية وقطاع غزة، والتي ما فتئت تصارع الاحتلال كإستراتيجية ثابتة- يجعل الإخوان أمام خيار حاسم، بإعلان البراءة التامة من حماس حد تجريمها ونعتها بالإرهاب أو الخروج عن الجماعة أو غير ذلك، وهذا تقريبا محال، ذلك لأن من خصوم الإخوان فكريا من يشيد بحماس من حيث إنها حركة مقاومة بغض النظر عن بنيتها الفكرية -من أمثال هؤلاء مثلا حمدين صباحي- ولو من باب الشعبوية وتسجيل المواقف الإعلامية.. بل حتى البابا شنودة -وهو ليس مسلما- قال مرة إن حماس تقوم بالواجب، فكيف الحال بالحركة التي هي بمثابة الأم؟ وفطريا وعقليا لا تتخلى الأم عن ابنتها، حتى لو اختلفت معها أو قاطعتها لسبب أو لآخر، وهذه حقيقة من السذاجة أن نظن أن تغيب عن العقلية الصهيونية ذات الطبيعة المتشككة المتوجسة حتى من الحلفاء الموثوقين.

وهذا يستلزم ضمنا السكوت عن جرائم الاحتلال الصهيوني خاصة في القدس، فأي معنى لرفع شعار الإسلام، وبالتوازي الصمت أو اتخاذ موقف باهت من تهويد أولى القبلتين وثالث المسجدين؟!

حالة إخوان الأردن

إخوان الأردن الذين كانت لهم صلات عضوية بإخوان فلسطين، بل كانوا يوما ما في نفس الهيكل التنظيمي، اتخذوا من حماس موقفا انتقده الراحل إبراهيم غوشة القيادي البارز سابقا في تنظيم حماس في الخارج، بعد أن قررت الدولة الأردنية إخراج قادة الحركة من أراضيها وحظر نشاطاتها كافة، بعد شهر عسل قصير. ومع ذلك فإن إخوان الأردن يعانون من انشقاقات ظهرت للعلن، وهم في النهاية محكومون بقواعد لعبة سياسية معروف سلفا إلى أي مدى سيكون لهم دور في الحكم والإدارة في الأردن.. وأيضا هم تحت عين وبصر الكيان العبري الذي يخاف من المفاجآت والتغيرات، وفي قناعته أن العرى والروابط بين التنظيمين -وإن انفصلا فعليا- أقوى من كل التصريحات والإجراءات، التي يراها في المحصلة انحناء للعاصفة لا تغيرا حقيقيا في الرؤى والمبادئ والأفكار المعادية له.

المغرب.. والخروج عن أهم المبادئ

أما في المملكة المغربية، وهي مؤخرا باتت أحد الأمثلة التي يغمز بها هذا وذاك من قناة الإخوان، مع أن حزب العدالة والتنمية ليس من الإخوان المسلمين بالاعتبار التنظيمي والتأسيسي وغيره، ولكن يمكن أن يحسب على مدرسة الإخوان كمنهج، من حيث القبول بالعمل السياسي، وفق المحددات التي يسمح بها الحكام الفعليون، فإن الحزب -في موقف مرفوض شرعيا وأخلاقيا وقوميا ووطنيا- رضي على نفسه أن يكون واجهة لأسوأ ما يتهدد الأمة في هذه المرحلة، أي: الهرولة نحو التطبيع. وقد خسر الحزب في الانتخابات البرلمانية الأخيرة خسارة فادحة، ناهيك عما قد يلحق بالأعضاء والكوادر من تحوّل نحو حركات وأحزاب أخرى، منها ما ينتهج العنف أو التكفير، وقد يصاب آخرون بالإحباط فيلحقوا بموجة الإلحاد التي اجتاحت قطاعا من الشباب بعد تغوّل الثورات المضادة في مصر وغيرها.. فانظر أين يمكن أن يقود التذاكي و"الفهلوة" بعض الحركات الإسلامية!

فلا معنى لوجود أي حزب أو حركة أو جماعة ترفع شعار الإسلام، وتتحدث في مواثيقها ومؤتمراتها عن مرجعيتها الإسلامية، ثم تقبل أو تسكت على أي مستوى من العلاقات مع إسرائيل، تحت أي مبرر، فكيف إذا كان أمينها العام هو من يصافح المسؤول الإسرائيلي ويوقع على اتفاقيات التطبيع؟!

إن هذا يشبه حال بعض الفرق الباطنية التي يتبجح نفر من معتنقيها أنهم مسلمون، وهم فعليا قد خرموا أصول الإسلام ولا يقومون بأركانه!

هل غابت هذه الحقيقة عن الجماعة؟!

إن حقيقة مركزية الموقف من إسرائيل عند التعاطي مع الإخوان في أي بلد عربي، ولا سيما البلاد القريبة من فلسطين المحتلة، ربما لم تكن غائبة يوما عن تفكير الإخوان سواء على مستوى القيادات أو الكوادر والعناصر والأنصار، ولكنهم ظنوا أن اتباع تكتيكات المناورة لبرهة من الزمن، سيجلب لهم القبول الدولي المحكوم بالمعيار الإسرائيلي في المنطقة. ولكن إسرائيل ليست غبية كي تمر عليها مثل هذه التكتيكات المكشوفة؛ فكان على مرسي أن يكون مثلما صار إليه العثماني أو أبعد، نظرا لأن الاتفاقية مع مصر قديمة وعليه تقديم المزيد من التنازلات، أو أن يواجه ما رأيناه من انقلاب وسجن وإهمال طبي حتى الموت!

تجربة أردوغان وإسرائيل

مقارنة تجربة الإخوان بالرئيس رجب طيب أردوغان تنطوي على جهل إستراتيجي؛ فأردوغان ورث دولة يقال إن انهيارها سبب لتأسيس الإخوان في مصر. ويبدو أن دعاية الثورات المضادة التي دوما تقول "الإخواني أردوغان" قد لاقت صدى عند جموع من الإسلاميين فصدقوا هذا الادعاء الأخرق؛ ربما ينظر أردوغان لنفسه كامتداد بشكل ما للسلطنتين السلجوقية والعثمانية، وليس للتجربة أو الحركة الإخوانية.

وسبق أن تحدثت عن خصوصية وضع تركيا، ومع ذلك لم تزل محاولة الانقلاب في تركيا صيف 2016 ماثلة في الأذهان، وليس من ضمانة بنسبة 100% بعدم تكرارها، كما أن العراقيل والمشكلات في طريق الرجل كبيرة، ولا يخرج من مشكلة إقليمية أو دولية إلا يلج في أخرى، وكله مفتعل من دهاقنة الصهيونية العالمية وحلفائها والمتربصين في الداخل التركي. ومؤخرا قام أردوغان بتقييد النشاط الإعلامي للإخوان والمعارضين للانقلاب في مصر فوق الأراضي التركية، بعد سنوات من خطاب صاخب يجّرم الانقلاب ويرفض التعاطي مع نتائجه، وهذا الموقف الجديد من نظام السيسي طبعا يُنظر إليه بحكم التجربة على أنه تكتيك لا إستراتيجية، لذا قوبل ببرود واضح. ولنتذكر أن أردوغان لم يقطع العلاقات تماما مع إسرائيل، ولم يتوقف التبادل التجاري بين تركيا والكيان، وثمة حديث عن ترميم العلاقات التي ساءت نسبيا بعد مجزرة سفينة مافي مرمرة.

ولكن ماذا لو زادت الضغوط على أردوغان وافتعلت له مشكلات ونصبت له أفخاخ، وكان شرط اللاعبين الذين تحركهم المصلحة الإسرائيلية أن يطرد من تستضيفهم بلاده من قيادات حماس، ومنع نشاطاتها في تركيا؟علما بأن حماس تحرص على ألا يكون لنشاطها المقاوم -بمفهومه العسكري والأمني- وجود أو شبهة تعاون مع الأتراك؛ مراعاة للظروف.

عندها -والله أعلم- ولطبيعة حماس المتلمّسة دوما للأعذار فيما يخص تركيا وأردوغان، فإن الحركة من تلقاء نفسها ستسحب قادتها وتجمد نشاطها -وغالبه إعلامي- هناك، وهذا مطلب وشرط إسرائيلي، وتحققه ولو بألف مبرر، يقودنا إلى ذات النتيجة.. إسرائيل واقترابك منها يجنبك كثيرا من المشكلات وتنجو بنفسك وكرسيك!

الخلاصة أن إسرائيل لن تسمح، لا هي ولا من يدعمونها من القوى العظمى والكبرى لأي حركة إسلامية، وفي المقدمة الحركات المنبثقة عن الإخوان المسلمين، بأن يكونوا لاعبين سياسيين مؤثرين، إلا إذا تغيروا -وستظل تشك بهم- حدّ إعلان التصهين.

وقلت وأكرر إن أوكسجين الاستبداد والثورات المضادة هو إسرائيل، ولو بدأ المعنيون بالتفكير من هذا المنطلق فسيجترحون ما ينقذ البلاد والعباد.