إلى الفلسطيني الذي قتل الجيش بناته الـ3: ماذا تنتظر من محاكم إسرائيل أو “لاهاي”؟

جدعون ليفي

حاول الدكتور عز الدين أبو العيش التعامل بالحسنى. 13 سنة منذ مذبحة بناته في غزة وهو يتجول في العالم ويتحدث عن الأمل والصفح والسلام والعيش المشترك. شاهدته في البرلمان الأوروبي وفي تل أبيب. قال بأنه غير غاضب. كان ظهوره غير إنساني تقريباً. كان من الصعب تصديقه، إذ كيف لشخص قتل الجيش الإسرائيلي بناته الثلاث أن يتحدث عن خطأ وعفو. والآن حان وقت الغضب. المحكمة العليا رمته بازدراء من فوق الدرج. قد يدرك أن الطريق التي اختارها لن تقوده إلى أي مكان.

    لست الفلسطيني الأول، يا عز الدين، الذي حاول طريق الحسنى هذه. و انتهى ذلك دائماً باليأس. في حالة مروان البرغوثي، مثلا، الذي جرب هو أيضاً طريق الأمل والتفاهم قبل أن يتوجه إلى المقاومة العنيفة، انتهى به المطاف بشكل سيئ. لذلك، دعك من ذلك، يا دكتور أبو العيش، وتخلّ عنه. توقف عن التحدث عن الأمل والعدل والسلام، فليس هناك من تتحدث معه عن ذلك. لا يوجد شريك. دولة إسرائيل لا تعرف هذه اللغة، غريبة عليها. دولة إسرائيل لا تعرف إلا لغة أخرى عليك أن تتحدث بها، إذا أردت أن تحقق القليل من أهدافك التي تعدّ عدالة متأخرة لبناتك اللواتي قتلن.

لم يكن من الواجب أن تصل قضيته إلى المحكمة. غداة قتل بناته، كان على إسرائيل أن تتوجه إلى الطبيب الذي يعمل في مستشفى “شيبا”، وتطلب منه العفو وتعرض عليه مساعدتها دون أي محاكم. الجنود الذين قتلوا بناته ربما لم يتعمدوا قتلهن، لكن كانت عندهم ولو قليلاً، نية قتلهن. هذا الإهمال الإجرامي يجب أن يعاقب عليه شخص معين ويدفع الثمن. سابقة؟ ممتاز. هذا هو القصد. عندما تبدأ إسرائيل بدفع الثمن عن جرائم جنودها وإهمالهم، فسيبدأ الجيش الإسرائيلي بإظهار حذر أكبر تجاه حياة الناس. لم تتصرف إسرائيل بسخاء وإنسانية سوى في حالة واحدة نادرة، وهي الحادثة المدهشة للطفلة ماريا، وهي مشلولة من أخمص قدمها حتى قمة رأسها جراء صاروخ إسرائيلي قتل نصف عائلتها في غزة، ولم تسقط السماء. ماريا تعيش معنا مع كل إعادة التأهيل التي تستحقها. وهذا لا يشكل سابقة، وهو ليس أمراً خطيراً، هو سلوك إنساني.

ليس صعباً التنبؤ ما كان سيحدث لو أن حماس قتلت ثلاث أخوات يهوديات. التنظيم القومي المتطرف البغيض “شورات هدين” كان سيطالب بصرخات إرهابية حماس بنصف دول العالم، ولكسب ذلك. آمن أبو العيش بجهاز القضاء الإسرائيلي. رئيس الهيئة القضائية في المحكمة العليا، إسحق عميت، قال كلمات لاذعة ومثيرة للاشمئزاز من الحزن واللطف: “قلوبنا مع الملتمس”. وبعد ذلك، أمر الطبيب الثاكل بأن يذهب من أمامه. هذه هي المحكمة التي يخاف المعسكر الليبرالي على وجودها. فهي المنارة التي نسير بهدي نورها. كارثة وجودية ستلحق بالديمقراطية إذا حاول أحد المس بها. وبالتالي، ليس كارثة كبيرة.

الآن، أيها العزيز أبو العيش، اذهب في طريق أخرى. إذا لم تصغ لك إسرائيل فاذهب إلى لاهاي. ولكن حسب الإجراءات، حتى هناك ليس أمامك الكثير من الفرص. فمحكمة الجنايات الدولية لا تتعامل مع حالات فردية بسبب الإهمال. وليس لها صلاحية في كل ما يتعلق بما حدث هنا قبل العام 2014. ولكن يمكنك تقديم دعوى في لاهاي ضد جهاز القضاء الإسرائيلي بسبب الحصانة التلقائية التي يمنحها لكل جرائم الحرب للدولة.

هل سيناقشون أم لا، هذا ظلم يجب أن يدوي في أرجاء العالم. بعد ذلك، يا أبو العيش، عليك التجند لمنظومة أخرى، ربما ستحرم ذات يوم إسرائيل بعض السلاح المدمر الذي قتل بناتك. بدلاً من التحدث عن التعايش، عليك التحدث عن المقاطعة. وبدلاً من التحدث عن السلام، عليك التحدث عن العقوبات. انضم لحركة بي.دي.اس. ليس سوى هذه الخطوات يمكنها أن تحدث التغيير الذي تناضل من أجله. هذا ما علمتك إياه المحكمة العليا في القدس.