عبّاد بن بِشْر الأشهلي، صاحب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وحارسُه

م. محمد عادل فارس

قام هذا الدين على جهود النبي صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه، وعلى صبرهم وجهادهم وبذلهم الأموال والأنفس في سبيله. ونتحدث عن واحد من الأصحاب الذين قلّ أن نذكرهم في مجالسنا، فهو من عامّة الصحابة رضي الله عنهم، لنرى كيف كان هذا الجيل الذي ربّاه النبي صلّى الله عليه وسلّم.

إنه عبّاد بن بشر بن وقش بن عبد الأشهل الأنصاري. أسلمَ، رضي الله عنه، حين كان عمره خمسة وعشرين عاماً، على يد مصعب بن عمير قبل هجرة المصطفى صلّى الله عليه وسلّم، وقبل إسلام سعد بن معاذ وأُسيد بن حُضير.

وأبلى في الإسلام بلاءً حسناً، فكان في عبادته وتهجّده، وفي أمانته وورعه، وفي شجاعته وثباته... آية من آيات الله، حتى جعلتْه أمّنا عائشة الصدّيقة في ثلّة السابقين السابقين فقالت: "ثلاثة من الأنصار لم يكن أحد يسمو عليهم فضلاً: سعد بن معاذ، وأسيد بن الحضير، وعبّاد بن بشر". [كما في كتاب الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر العسقلاني].

وكان، رضي الله عنه، من الذين قال الله تعالى فيهم: (يُحبّون مَن هاجر إليهم، ولا يجدون في صدورهم حاجةً مما أوتوا، ويُؤثِرون على أنفسهم ولو كان بهم خَصاصة). {سورة الحشر: 9}. فقد وَفَدَ من مكة ثلاثة من المهاجرين: أبو حذيفة بن عتبة، وسالم مولى أبي حذيفة، وعتبة بن غزوان المازني، فاستقبلهم عبّاد بن بشر في داره، وقاسَمَهم ماله!.

ومن عبادته ما رواه البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: "تهجّد النبي صلّى الله عليه وسلّم في بيتي، فسمع صوت عبّاد يصلّي في المسجد، فقال: يا عائشة، أصوتُ عبّادٍ هذا؟ قلت: نعم. قال صلّى الله عليه وسلّم: اللهم ارحم عبّاداً". [وفي رواية: تهجّد عبّاد بن بشر في المسجد].

لكن الخبر العجيب الذي يجمع بين شغف عبّاد بالتهجّد، وبين صبره وثباته وشجاعته، هو ما حَدَثَ لدى قُفُول الرسول صلّى الله عليه وسلّم عائداً من غزوة ذات الرقاع، فقد نزل بالمسلمين في بعض الشعاب ليقضوا ليلتهم فيه، وكان أحد المسلمين قد سبى، في أثناء الغزوة، امرأةً مشركة، فلمّا علم زوجها أقسم باللات والعزى ليلحقنَّ بمحمّد وأصحابه، وألا يعود إلا إذا أراق منهم دماً!.

وقال النبي صلّى الله عليه وسلّم لأصحابه: مَن يحرسنا في ليلتنا هذه؟. فانتدب لذلك عبّاد بن بشر وعمّار بن ياسر، وقد كان النبي صلّى الله عليه وسلّم آخى بينهما حين قَدِمَ مهاجراً. واتفق الصحابيان على أن يحرس عبّاد الشطر الأول من الليل، ويحرس عمّار شطره الثاني.

وفي هدأة الليل تاقت نفس عبّاد لصلاة الليل وتلاوة القرآن، فقام يصلّي ويقرأ في صلاته سورة الكهف، وهناك أقبل الرجل زوجُ المرأة ورأى عبّاداً فصوّب سهمه ورماه به. فانتزع عبّاد السهم من جسده ومضى في تلاوته، ثم جاءه سهم ثان فانتزعه، ثم سهم ثالث فانتزعه وزحف نحو صاحبه عمّار فأيقظه. فلمّا رآهما الرجل علم أنه أمام صنف فريد من الرجال فولّى هارباً. ورأى عمّار الدماء تنزف من جروح عبّاد فقال له: هلّا أيقظتني عند أول سهم رماك به؟ فقال عبّاد: كنتُ في سورة أقرؤها فلم أحبّ أن أقطعها!.

وكان من شأن عبّاد أنه كان أحَدَ الذين قاموا بعمل فدائي عظيم حين قتلوا كعب بن الأشرف، أحد زعماء بني النضير الذي نقض العهد مع المسلمين، وكان يحرّض المشركين على قتال المسلمين ويقول لهم: أنتم أهدى من المسلمين سبيلاً، وكان يتطاول بلسانه القذر على النبي صلّى الله عليه وسلّم وعلى أعراض المسلمين. فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: "مَن لي بكعب بن الأشرف؟ فإنه يؤذي اللهَ ورسولَه والمؤمنين". فسارعَ إلى ذلك محمد بن مسلمة وعبّاد بن بشر وأبو نائلة وصحابي آخر أو اثنان، تختلف المصادر في أسمائهم. ونجحوا في مهمّتهم.

ولم يتخلّف عبّاد بن بشر عن غزوة من غزوات النبي صلّى الله عليه وسلّم بدءاً من غزوة بدر، وانتهاءً بغزوة تبوك، وكان أحد المبادرين في غزوة حنين الذين تجمّعوا حول النبي صلّى الله عليه وسلّم واستعادوا النصر للمسلمين، وكان بعدها أميناً على غنائمها...

ثم لمّا نشبت حروب الردّة على عهد أبي بكر الصدّيق سنة 12ه، كان عبّاد في معركة اليمامة مع الجيش الذي حاصر مسيلمة الكذاب في حديقة الموت. وعلى أسوار الحديقة ارتقى عبّاد شهيداً مضرجاً بدمائه. رضي الله عنه وأرضاه.