الرئيس يعفو عن شعبه!

رأي القدس

تزايدت في الأيام الأخيرة الأنباء عن مشاريع إصدار رؤساء عرب قرارات عفو عن سجناء رأي ومعتقلين سياسيين ومتهمين بالإرهاب.

يمكن اعتبار التداعيات على قرار بشار الأسد، رئيس النظام في سوريا، مرسوما يقضي بمنح «عفو عام عن الجرائم الإرهابية»، الأكثر إثارة للجدل كونه أدى لحشود بالآلاف في مناطق يتوقعون إطلاق المفرج عنهم فيها.

مشاهد الجموع اليائسة المنتظرة توضح المأساة الهائلة التي يرزح تحتها الشعب السوري، فالعفو «العام» يبدو قابلا للتأويل حسب أمزجة أجهزة النظام المتشابكة، من وزارة العدل، إلى محكمة الإرهاب، إلى السجون وفروع الأمن.

ردود فعل الأهالي وأعدادهم الكبيرة تدلّ على طبيعة العلاقة الفظيعة مع النظام، بدءا من افتراض هؤلاء جميعا أن تهم أبنائهم لابد أن تكون «ارتكاب عمل إرهابي»، فهذه هي التهمة المفضلة لدى النظام السوري ونظرائه العرب، كونها تجعل من الشخص عرضة لكل ما يمكن أن يصيبه داخل السجن أو حتى قبل الوصول إليه، أما تصريحات الجهات الرسميّة السورية، فتدلّ بدورها على أن تنفيذ القرار سيكون بالعشوائية نفسها التي يتم فيها اعتقال المواطنين، وأغلبهم أبرياء، وأنه سيكون محكوما بمصالح أمراء الحرب وقادة الميليشيات والمتنفعين من مآسي السجناء وأهاليهم.

الخبر الثاني كشفت عنه السلطات الجزائرية ويتعلق، هذه المرة، بمشروع مصالحة لـ»لمّ الشمل» مع نشطاء معارضين في الخارج، بمناسبة الذكرى الستين لعيد الاستقلال، وقد ورد هذا في مقالة تتحدث باسم الرئيس عبد المجيد تبون، عن فتح «صفحة جديدة في الجزائر الجديدة».

طرق تطبيق هذه المبادرة بدت قديمة قدم النظم السياسية، فإحدى الناشطات المعفو عنها تحولت بعد عودتها للجزائر من فرنسا، من مهاجمة السلطة إلى الدفاع عن الرئيس والانتقاد الشديد لـ»معارضي الخارج»، فيما قام معارض سابق بتقديم «اعترافات» في التلفزيون الحكومي يعلن فيها ندمه على «الأفعال التي ارتكبها في الخارج»، وقد كشف معارضون جزائريون أن مفتاح العودة للبلاد يقوم على توقيع تعهدات منها «الإشادة بكل مشروع يهدف لخدمة الصالح العام».

الخبر الثالث كان إعلانا من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بـ»إعادة تشكيل لجنة العفو الرئاسي»، وترافق ذلك مع الإفراج عن عدد قليل من سجناء الرأي، وهو ما طال بعض المحكوم عليهم نهائيا، والإفراج عن هؤلاء يجري بقرار من الرئيس شخصيا، وهو ما يدل على أن وجود عطب كبير في العلاقة بين سلطتي الرئاسة والقضاء، وكذلك الإفراج عن بعض المحبوسين احتياطيا، وهم أشخاص ما كانوا ليبقوا معتقلين سنوات، لو كانت آلة القانون والعدالة في مصر تعمل فعلا!

استثنى قرار الأسد من لم يؤد ارتكابهم «عملا إرهابيا» للقتل، فيما استثنى قرار تبون «من تجاوزوا الخطوط الحمراء» و»أداروا ظهورهم للوطن»، واستثنى إعلان السيسي «من لم تتلوث أيديهم بالدماء».

بالنظر إلى تزامن هذه الاستثناءات مع الكشف عن مجزرة «التضامن»، في سوريا، التي نظّم فيها عناصر مخابرات خطف وقتل وحرق أشخاص أبرياء، ومقتل الباحث الاقتصادي أيمن هدهود في مصر، واتهام عائلة سجين رأي جزائري للسلطات بقتله «خطأ» هذا الأسبوع نفسه، من حق الشعوب العربية أن تتساءل عمن يجب أن يعفو عن من: الأبرياء المظلومون عن السلطات المتجبرة، أم الرؤساء عن شعوبهم؟