مفاهيمنا الخالدة

إيمان قاسم

هي مفاهيم ماطوتها الأيام السالفات ، كما أنها استعصتْ على أهل المكائد الذين يتاجرون بما لايرغب في اقتنائه الناس . رغم مكرهم في عمليات تسويق تلك البضائع . وباب المفاهيم واسعٌ ، فَلْنَأْتِ من خلاله إلى ماتتقبله الفطرة السليمة ، والقلوب التي لاتستسيغ إلا ما صفا من قيم الحياة الإنسانية التي أرادها الخالق للمخلوق ، لكيلا يضل الطريق ، أو تبتلعه الأوهام ، بعد تقاعسه عن الأخذ بما يكرم الإنسان بين الناس ، وبما يلقى به ربَّه سبحانه وتعالى . فمن جحد نعم الله عليه ضلَّ وخاب ، لأنه إلى الله المرجع والمآب ، ولا مفر لمخلوق عن وقوفه بين يَدَي خالقه مع أعماله وأقواله وعقيدته التي عاش عليها .

وهنا تتجدد مفاهيمنا بإيماننا بأركان إسلامنا وأركان إيماننا ، فمَن لم يؤمن بها جميعا ، ولا اختيار للإنسان فيها ، فهي العقيدة الخالدة الباقية إلى يوم الدين . ولم حولها من شكوك ، وليس عليها من تعليقات مجحفات ، أو آراء فاسدات ، فهذه الأركان هي عمدة الشريعة ، وهي مدار التوحيد ، واختيارات الإنسان لغيرها باطلة ، ولا تقوم اختياراته تلك على أي مرتكز مبين ، أو رأي سديد وإنما هو تضليل شياطين الإنس والجن ، وتجارتهم البائرة رغم تلوينها وزخرفتها  في مواسم البهرجة وأسواق التمادي في الضلالات .

وتقوى شوكة هذه المفاهيم العاليات عندما تكون الأمة التي تحملها على جانب من القوة والمنعة في العالم الذي تعيش فيه ، ورغم قوة العدو وهو يجافي أو يحارب علنا هذه المفاهيم  فإن قوتها الذاتية لهـا تأثيرها الحاسم في جميع الأحوال ، فكم طاغية أسلم ، وكم من عدو تراجع ، وكم من عالم سجد لله في محاريب علمه ،  فالقوة الذاتية للعقيدة الإسلامية لايمكن أن تنكسر أمام أي قوة في الدنيا مهما ملكت من أسباب الغلبة والتسلط على الناس .

روى الإمام البخاري في صحيحه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( ما من مولود إلا ويولد على الفطرة ، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه ) . فالفطرة السليمة هي محضن  كل مولود في أي مكان من أرض الله الواسعة . وهي السور الذي يشير إلى مكانتها وأهمية المحافظة عليها ، ويحفظ نشأة المولود من الزيغ والضلال . وهنا يعود الأثر الفاعل والمؤثر على هذا المولود في محضنه الأول على أسرته المتمثلة في أبويه أمــه وأبيه ، حيث يؤكدان طبيعة النشأة على قيم الفطرة الإلهية ، فإن كانا مسلمين ملتزمين بتعاليم الشريعة الإسلامية فاز المولود بوسام الفطرة ، ونشأ على ماينشأ عليه الفتيان الصالحون والفتيات الصالحات . ( إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى ) ، ( وشاب نشأ في طاعة الله ) فتغمر نشأتَه المباركة نسائمُ الطهر  ، وتسمو سيرته بمآثر الأعمال الكريمة .و بهذه المكرمات ينأى المولود عن مستنقعات الضلال والفساد ، ويكبر وتكبر معه القيم العاليات ، ولعل هذه التنشئة الصالحة على مكارم الأخلاق وفضائل الأعمال ، وأداء ما أوجب الله على عباده المؤمنين الصالحين من عبادات وشعائر  ... تنأى به عن التهود والتنصر ، وعن كلِّ مواطن الضلالات والفلسفات الجوفاء ، وعن مايـجد في المجتمعات من أفكار منحرفة ، وآراء باهتة مذمومة ، ومن فساد خُلُقي بات يملأ أرجاء المعمورة

وتُتوج مسيرة الفطرة للمولود بتعليمه مبادئ التربية الفاضلة ، فيُؤمر بالصلاة ، وتلاوة القرآن الكريم ، ويُحث على مشاركة الأسرة في صيامها وفي حجها ، وفي العطف على الفقراء والمحتاجين ، ونهيه وتحذيره من المنكرات والمحرمات ، وما أجلَّ ما أمر الرسول صلى الله عليه وسلم حين قال: ( اتق المحارم تكن أعبد الناس   (.