الخاطر ٣١٣ : فلسفة تطور الحياة الجزء ٢٠

ز . سانا

إن تطور الكون بأكمله قائم على نتائج ذلك الصراع الذي يحدث بين روح الخير العالمية وروح السوء العالمية . روح الخير العالمية منذ ولادة الكون هدفها إعادة التكوين الإنساني من جديد لكي يصل إلى الكمال كما كان عليه في الجنة ليستطيع العودة إليها . وهذه الروح تعتمد على قانون التشابك ذو المبدأ الأنثوي (تشابك روحي) ، أما روح السوء العالمية فهدفها محاولة عرقلة إعادة التكوين الإنساني لمنعه من العودة إلى الجنة ، وهذه الروح تعتمد قانون التشابك ذو المبدأ الذكوري (تشابك جسدي) . لا شيء يحدث بالصدفة فكل نوع جديد يظهر على سطح الأرض تتوقف صفاته على نوعية ذلك التشابك الذي يحصل بين الذكر والأنثى ، هل هو تشابك أنثوي أم هو تشابك ذكوري . التشابك الأنثوي يدفع إلى ظهور أنواع جديدة بشكل تدريجي بحيث يكون النوع الجديد أرقى من الذي ظهر قبله . أما التشابك الذكوري فيدفع الأنواع نحو الأدنى ثم إلى الإنقراض . وقد ذكرنا بعض الأمثلة في المقالة الماضية تفسر لنا علاقة السلوك الروحي للأنثى أثناء التزاوج مع الصفات التي يكتسبها صغارها التي أنجبتها ، كالمقدرة على الطيران عند الطيور أو سرعة الجري أو حجم القوة الجسدية عند الثديات وغيرها من الصفات .

حتى نفهم مضمون موضوع تطور الحياة بشكل أفضل لا بد أن ندخل في تفاصيل أكثر دقة في تفسير مضمون سبب طرد الإنسان من الجنة لتساعدنا هذه التفاصيل في فهم المضمون الحقيقي لتطور الحياة . وقد شرحنا موضوع طرد الإنسان من الجنة في مقالات سابقة (٥٣ : فلسفة الخروج من الجنة -- ٥٤ : الدور الحقيقي للمرأة) ، ولكن هنا سنذكر باختصار بعضها من زاوية رؤية تتعلق بموضوع تطور الحياة .

اليوم معظم الناس العامة يعتقدون أن الثمرة التي كانت سببا في طرد اﻹنسان من الجنة هي التفاح (تفاحة آدم) .ولكن معظم علماء الدين وخاصة المسلمين واليهود يرفضون هذه المعلومة، والسبب هو أنه لا يوجد أي نص ديني في أي كتاب مقدس من الديانات السماوية تذكر بأن التفاحة كانت هي ثمرة الشجرة المحرمة . والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو : لماذا الكتب المقدسة تركت هذا الموضوع بهذا الغموض؟ الجواب على هذا السؤال بسيط جدا ، وهو أن مستوى التحليل العقلي عند اﻹنسان وكذلك مستوى المعارف والعلوم في فترة نزول أول كتاب من التوراة (سفر التكوين) ، لم يكن مناسبا لفهم هذا الموضوع لذلك تم ذكر الحادثة بأسلوب بسيط و رمزي ولم يدخل في تفاصيل اﻷحداث لكي لا يتوه فكر المؤمن في البحث في أشياء لا تلائم تطوره الروحي والعقلي في تلك الفترة ، فكان المطلوب من المؤمن في ذلك الوقت فقط أن لا يخالف أوامر رب العالمين . ولكن مع ظهور الدين المسيحي وإنتقاله إلى أوروبا تم توحيد الفكر الديني مع الفكر الغربي ، وبدلا من تقديس إلهة العشق (أفروديت - فينوس) التي كانت بالنسبة للمسيحيين تعتبر رمز الزنى، حلت محلها مريم العذراء لتكون رمز العفة ، وبما أن ثمرة التفاح كانت ثمرة إلهة العشق حيث كانت تستخدم أيضا عند الغربيين في ذلك الزمن كمنشط جنسي ، وعدا عن هذا فقد شاءت الحكمة اﻹلهية أيضا أن يكون لفظ كلمة (تفاح) باليونانية ( ميلو ) مشابه تماما للفظ كلمة (سوء ) في اللغة اللاتينية. فذهب رجال الدين المسيحي وإعتبروا ثمرة إلهة العشق التفاح هي ثمرة الشجرة المحرمة التي كانت سببا في طرد اﻹنسان من الجنة.

ما حصل بخصوص معنى ثمرة التفاح لم يكن صدفة ولكن نوع من الطرق التي يوحي بها الله إلى عباده لتجديد تفسير قصة الشجرة المحرمة. فمع ظهور هذه المعلومة عند المسيحيين أصبحت اﻷمور أكثر وضوحا في قصة آدم وحواء ، وأن السبب الحقيقي في طرد اﻹنسان من الجنة - كما شرحنا في المقالة الماضية- كان الزنى والذي أدى إلى ولادة قابيل الذي تكوينه يختلف عن تكوين آدم وحواء كونه يحوي في تكوينه على غريزة القتل . لذلك نجد أن سفر التكوين يبدأ بقصة خلق آدم وحواء وطرده من الجنة وهذه القصة تعتمد على حادثتين مهمتين : الأولى وهي أكل ثمرة الشجرة المحرمة (رمز الزنى) ، والثانية وهي جريمة قتل قابيل لأخيه هابيل (رمز غريزة القتل) . أما نهاية هذا السفر فهو ينتهي بقصة يوسف عليه السلام والتي هي أيضا تعتمد على حادثتين مهمتين : الأولى وهي رفض يوسف مضاجعة زوجة سيده (العفة)، والثانية وهي حب يوسف للسلام حيث أنه بدلا من أن ينتقم من أخوته الذين رموه في البئر وكانوا سببا ليباع في مصر كعبد ، نجده قد سامحهم وساعدهم (رمز السلام). فبداية سفر التكوين ونهايته ليست صدفة ولكن حكمة إلهية تربط بداية سفر التكوين (زنى - جريمة قتل) مع نهايته (عفة - سلام) ، أي أن القصة تبدأ بشرح المشكلة (زنى - قتل) أما النهاية فتعرض الحل لهذه المشكلة وهو(عفة - سلام) . فقصة يوسف لها معنى محدد وهو أن روح حواء إستطاعت تصحيح الخطيئة ، لأن قصة يوسف عليه السلام أحداثها ورموزها معاكسة تماما لما حصل في الفترة الأولى بعد خلق الإنسان . فإسم يوسف الذي يمثل أسم شخصية بطل نهاية القصة في سفر التكوين ليس صدفة ولكن حكمة إلهية ، فأسم يوسف مصدره من ثمرة اليوسفي ، وكما هو معروف أن زهرة اليوسفي هي رمز العفة وهذه الصفة معاكسة لصفة الزنى والتي رمزها ثمرة التفاح . أيضا ثمرة اليوسفي في طبيعة تكوينها ونموها تختلف عن طبيعة تكوين ونمو ثمرة التفاح ، فثمرة التفاح علميا تُعتبر ثمرة كاذبة بينما ثمرة اليوسفي تُعتبر علميا ثمرة حقيقية ، والسبب هو أن الجزء الصالح للأكل في ثمرة التفاح هو القسم النامي من جدار المبيض واﻷجزاء اﻷخرى الخارجية المحيطة به في الزهرة الملقحة (الصورة ) ،أي أنه الجزء الخارجي منها (رمز القسم المادي) . أما ثمرة اليوسفي فاﻷمر معاكس تماما ، حيث أن الجزء الخارجي فيها لا يؤكل ﻷنه يمثل قشرة الثمرة ، أما الجزء المأكول من ثمرة اليوسفي فهو ذلك الجزء النامي من اﻷخبية داخل المبيض في الزهرة الملقحة أي أنه الجزء الداخلي فيها (رمز القسم الروحي) (الصورة).

أيضا القرآن الكريم في سورة التين حين يذكر (التين والزيتون) يعطينا نفس المعلومة عن الفرق الروحي بين (التفاح واليوسفي) ولكن من زاوية مختلفة (هذا الموضوع شرحناه في المقالة الماضية) ، فالتين والتفاح هو رمز التنمية والتطور المادي أي الغريزي ، أما اليوسفي والزيتون فهو رمز التنمية والتطور الروحي . لذلك كانت عناصر أحداث قصة حياة يوسف عليه السلام معاكسة تماما لقصة آدم وحواء وما جرى بسببهما ﻷبنائهما قابيل وهابيل . فالكتاب المقدس الأول الذي يتكلم عن خلق الإنسان والمراحل الأولى من تطور الإنسانية حتى قصة يوسف ، عنوانه (التكوين) وتسميته بهذه الكلمة ليس صدفة ولكن حكمة إلهية فهذا العنوان هو رمز لقصة إعادة تكوين الإنسان الجسدي والروحي ، حيث خلق الله الإنسان في الجنة في أحسن تقويم ولكن بسبب الخطيئة دخلت الشوائب الشيطانية في التكوين الإنساني ، لذلك حتى يتم تنقية هذا التكوين ليعود إلى ما كان عليه وجب إعادة تكوينه من جديد ومن الصفر ، ولهذا تم طرد الإنسان من الجنة {ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ (٥)التين} . وكما ذكرنا قبل قليل أن قصة التكوين بدأت بحادثتين (زنى وجريمة قتل) ، وإنتهت بحادثتين (عفة يوسف ، وحبه للسلام) ، لذلك كان نتيجة البداية معاكسة لنتيجة النهاية ، حيث نتيجة (الزنى - القتل) كان طرد آدم وحواء من الجنة ، أما سلوك يوسف عليه السلام الذي إعتمد (العفة - السلام) فكانت نتيجته أنه {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ....(١٠٠) يوسف} كما يذكر القرآن الكريم . حيث كلمة (أبويه) في هذه الآية المقصود بها هو (آدم وحواء) وليس (يعقوب وراحيل) لأن راحيل أم يوسف توفيت قبل ذهابه إلى مصر .

فمصطلح (التكوين) الذي يمثل عنوان أول كتاب مقدس في الديانات السماوية يُعبر تماما عن معنى مصطلح (التطور) الذي نستخدمه في مقالتنا والذي يختلف تماما عن معنى مصطلح (التطور) الذي يستخدمه علماء نظرية التطور الداروينية الحديثة . فهذا المفهوم العام لمصطلح التكوين (التطور) أيضا قد عبر عنه الحديث الشريف ولكن من زاوية أخرى (إنَّما بُعثت لأتمِّم مكارم الأخلاق) . فكما أن كل ديانة تأتي بشيء جديد من مكارم الأخلاق لتضيفه إلى مكارم الأخلاق الموجودة مسبقا ، هكذا يحصل أيضا في تطور الحياة ، حيث أن ظهور كل نوع جديد يأتي بصفة جديدة تجعل التكوين الجسدي أرقى من الذي قبله . فهدف التطور في النهاية هو الوصول إلى تكوين إنساني يكون فيه سلوك الإنسان تحت سيطرة عاطفة حب التمسك بالعفة وحب السلام والتسامح .

القرآن الكريم أشار إلى هذا القانون في سورة يوسف في الآية الكريمة {نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلين (٣)} فوجود هذه الآية في سورة يوسف وليس في سورة أخرى يُقصد بها أن قصة يوسف هي جوهر القصص المذكورة في الكتب المقدسة ﻷنها تُعبر عن أهم أعمدة التطور الكوني واﻹنساني وهي التمسك بالعفة وحب السلام . فليس من الصدفة أيضا أن القرآن الكريم يصف الأنبياء والمرسلين بأنهم كانوا مسلمين ، وآخر ديانة سماوية أيضا تدعى اﻹسلام ، وكلمة (إسلام) لغويا هي على وزن كلمة (إعلام) والتي مصدرها كلمة (عِلم) ، فمعنى إعلام هو نشر العلم أي نشر المعلومات ، وكلمة (إسلام) مصدرها كلمة (سِلم) ، وتعني نشر السلام بين الناس .

وليس من الصدفة أيضا أن قبل ظهور الإسلام في الترتيب ظهرت الديانة المسيحية والتي إعتمدت على قصة مريم العذراء (رمز العفة) كونها أنجبت بدون أن يمسها رجل ، حيث هذه الديانة تفرض على نساء الدين ( الراهبات) بالعفة اﻷبدية ، وكذلك تفرض أيضا على كبار رجال الدين ( المطارنة ) العفة اﻷبدية، فلا يحق لهم لا الزواج ولا معاشرة الجنس اﻵخر . فظهور عقيدة العفة الأبدية في الدين المسيحي ليس صدفة ولكن من وحي إلهي لكي تكون علامة إلهية تؤكد على صحة علاقة قصة آدم وحواء بالرمزين ( الزنى - القتل) كأسباب لطرد اﻹنسان من الجنة .

بعد توضيح علاقة (زنى- قتل) وعلاقة (عفة -سلام) في التطور الروحي للإنسانية وتأثيره على تكوين الكائنات الحية ، سنعطي أمثلة من عالم المملكة الحيوانية .

في الثدييات الجرابية (الشقبانيات) نجد أن نوعية سلوك النوع كحيوان مفترس أو حيوان مسالم هو الذي يُحدد مكان الجراب وشكل الحيوان. فجميع اﻷنواع التي إناثها تحمل الجراب في القسم اﻷعلى من بطنها نجدها حيوانات مسالمة ذات تغذية نباتية وكذلك نجد أن لديها المقدرة في اﻹنتصاب على أطرافها الخلفية ومثالها الكنغر. فهذا النوع من الثدييات الجرابية يمثل رمز أبناء العاطفة ولهذا كان تكوينها خالي من غريزة القتل .

أما في الأنواع الجرابية آكلة اللحم (المفترسة ) فنجد أن مكان الجراب يكون في أسفل البطن وأنها ليس لديها المقدرة في اﻹنتصاب على أطرافها الخلفية ومثال على ذلك شيطان طشمانيا (الصورة) . فهذا النوع من الثدييات الجرابية يمثل رمز أبناء الشهوة الجنسية ولهذا كان تكوينه يحوي على غريزة القتل .

إن صفة القدرة على اﻹنتصاب عند الكنغر والأنواع الأخرى لم يتم إكتسابها عن طريق الصدفة أو بسبب الإنتخاب الطبيعي أو الظروف البيئية المادية المحيطة به أو بسبب الطفرات كما يعتقد علماء النظرية الداروينية الحديثة ولكن تم إكتسابها حسب قانون إلهي يتعلق بصفة حب السلام ، فطالما أن تكوين الكنغر خالي من غريزة القتل (حيوان مسالم) لهذا وجب في تكوينه الجسدي أن يكون مكان الجراب -الذي سيحمل به صغاره- في المنطقة الأمامية من بطن الأنثى لتستطيع الإنتصاب على قدميها . أما شيطان طشمانيا فطالما أن تكوينه يحوي على غريزة القتل (حيوان مفترس) لهذا وجب في تكوينه الجسدي أن يكون مكان الجراب في المنطقة السفلى من بطن الإنثى لكي لا تتمكن من الإنتصاب على أطرافها الخلفية .

إن إكتساب صفة المقدرة في الإنتصاب على الأطراف الخلفية يؤدي إلى تحرير الأطراف الأمامية لتقوم هذه الأطراف بنوع آخر من العمل أرقى من عمل الأطراف الخلفية والتي وظيفتها فقط حمل الجسم والسير ، فالأطراف الأمامية تمثل أدوات عمل الكائن العلوي ، أما الأطراف الخلفية فتمثل أدوات عمل الكائن السفلي ، ولهذا نجد أن (الأذرع) عند الإنسان وبسب شدة إختلافها عن الأطراف الخلفية (الأرجل) ساعدت في أن تكون هذه الأذرع أدوات ماهرة في صنع الأشياء .

إن ظهور الثديات الجرابية ككائنات حية في تطور الحياة لم يكن صدفة ولكنها تحمل صفة من التكوين الإنساني ، وكذلك فإن بقائها حتى الآن ليراها العلماء ويقومون بدراستها هو حكمة إلهية لتساعد الإنسان في فهم أن صفة إنتصاب جسم الإنسان وتحرير الأطراف الأمامية لم يأتي من القردة ولكن حصل ذلك حسب قانون إلهي وضعه في عدة مخلوقات ومنها الثديات الجرابية ، وهذا القانون يقول أن الله عز وجل لم يخلق الإنسان بجسم منتصب وبأذرع بشكلها المعروف ليستخدمها في القتل ولكن من أجل نشر السلام .

في الثديات الجرابية هناك نوع يشذ عن القاعدة التي تحدثنا عنها قبل قليل وهو حيوان الكوالا (الصورة)، فهذا الحيوان رغم أنه نباتي ولكن مكان الجراب عنده في أسفل البطن مثل الأنواع الجرابية المفترسة ، هذا الشذوذ ليس صدفة ولكن حكمة إلهية لها معنى أن وجود غريزة القتل في تكوين الإنسان لا يعني أن الإنسان يقع تحت السيطرة المطلقة لروح السوء العالمية ، لأن الله عز وجل أعطى الإنسان المقدرة في السيطرة على هذه الغريزة ليمنعها من أن تفرض عليه محاولة إشباعها عن طريق إستخدام العنف وقتل الآخرين . ولهذا نجد أن حيوان الكوالا يملك صفة في تكوينه الجسدي لا تمتلكها الأنواع الجرابية المفترسة الأخرى وهي طبيعة أنفه ، فأنف الكوالا عظمي يشبه المنقار ، والمنقار هي صفة من صفات الطيور فقط ، حيث صفة المقدرة على الطيران في الطيور ظهرت كنوع جديد من وسائل حماية النفس من الأعداء بحيث يساعد الطير في عدم دخوله في صراع جسدي مع العدو المفترس وذلك عن طريق الطيران والهروب منه . فوجود الأنف العظمي عند حيوان الكوالا جعله مشابه للطيور ، فأهم صفة عند الطيور هي ضعف حاسة الشم وذلك بسبب طبيعة منقارها . بينما يحدث العكس تماما في الحيوانات المفترسة حيث أنها تتمتع بحاسة شم قوية جدا . فحيوان الكوالا كونه لا يملك أجنحة حاول تنمية مخالبه ليس من أجل مهاجمة الحيوانات الأخرى كما تفعل القطط ولكن ليستطيع تسلق الأشجار والهروب من العدو المفترس .

للأسف العلماء اليوم يهتمون فقط بشكل الجسم وأعضاء الجسم وعلى تلك الفروقات المادية بينها من أجل محاولة إثبات صحة أو خطأ نظرية التطور ، ولكن الحقيقة أن تكوين كل كائن حي هو لوحة فنية ، لهذا فإن دراسة حقيقة كل كائن حي يجب أن يتم من خلال فهم التعبير الروحي لتلك اللوحة الفنية التي تمثل تكوين كل كائن حي. لهذا ذكرت في المقالات الأولى من سلسلة (فلسفة تطور الحياة) أن موضوع التطور ليس من إختصاص علماء الأحياء ولا علماء الحفريات وعلماء العلوم المادية. إنما هو من إختصاص علوم الفلسفة التي تقوم بتوحيد جميع العلوم المادية مع جميع العلوم الإنسانية للحصول على رؤية شاملة تعتمد منطق الوحدة العالمية {هُوَ ٱلَّذِى خَلَقَ لَكُم مَّا فِى ٱلْأَرْضِ جَمِيعًا.... (٢٩) البقرة} . فالفيلسوف وبسبب إلمامه بجميع أنواع العلوم والفنون هو المتخصص الوحيد الذي يستطيع رؤية علاقة الإنسجام بين الشكل والمضمون ، أي بين التكوين الجسدي والسلوك الروحي للكائن الحي . وهو الذي يرى طبيعة علاقة الكائنات مع بعضها البعض ونوعية علاقتها بالإنسان ، وهو أيضا الذي يعتمد في أبحاثه مبدأ العلم والفن لخدمة الإنسان وليس مبدأ العلم للعلم والفن للفن كما يحصل اليوم في المنهج العلمي الحديث.

..... يتبع ....