الإمام إبراهيم الحربي

م. محمد عادل فارس

في تاريخ هذه الأمة رجال أفذاذ تمثّلوا هذا الدين عقيدةً وسلوكاً وأخلاقاً، فكانوا منارات للهدى. لكن كثيراً منهم لم ينالوا حقّهم في ذاكرة الأجيال. ومن هؤلاء الإمام المحدّث الفقيه الزاهد إبراهيم بن إسحاق الحربي [نسبةً إلى محلة الحربية غربي بغداد].

وُلد في بغداد عام 198ه، وتوفي فيها عام 285ه. وتتلمذ على كبار علمائها وزهّادها، لاسيما ثلاثة منهم، وهو يقول: رأيتُ أحمد بن حنبل تعجز النساء أن يلدنَ مثله، ورايتُ بِشر بن الحارث الحافي، من قرنه إلى قدمه مملوءاً عقلاً، ورأيتُ أبا عبيد القاسم بن سلام، كأنه جبل نضح فيه علم.

لكنّ الشخصية الأكثر تأثيراً في إمامنا، إنما هي شخصية الإمام أحمد، فقد صحبه عشرين سنة، وأُعجب به وسار على منواله. وقد سُئل الإمام الدارقطني عنه فقال: كان إماماً، وكان يقاس بأحمد بن حنبل في علمه وزهده وورعه.

وقال عنه المسعودي [أبو الحسن علي بن الحسين: 283-346ه]: كان صدوقاً عالماً فصيحاً جواداً عفيفاً زاهداً عابداً ناسكاً. وكان، مع ذلك، ضاحك السن، ظريف الطبع، ولم يكن معه تكبّر ولا تجبُّر، وربما مزح مع أصدقائه بما يُستحسَن منه... وكان شيخ البغداديين في وقته وزاهدهم ومُسنِدهم في الحديث.

وقال عنه أبو بكر الخطيب البغدادي [أحمد بن علي: 392-463ه]: كان إماماً في العلم، رأساً في الزهد، عارفاً بالفقه، بصيراً بالأحكام، حافظاً للحديث، مميزاً لعلله، قيّماً بالأدب، جمّاعة للغة. صنّف غريب الحديث وكتباً كثيرة.

وقال عنه أبو العباس ثعلب [إمام الكوفيين في اللغة: 200-291ه]: ما فقدتُ إبراهيم الحربي من مجلس لغة ولا نحو، من خمسين سنة.

ومن أقوال إبراهيم الحربي: لا أعلمُ عصابةً خيراً من أصحاب الحديث. إنما يغدو أحدهم، ومعه محبرة، فيقول: كيف فعل النبي صلى الله عليه وسلم؟. وإياكم أن تجلسوا إلى أهل البدع!.

رحم الله إبراهيم وشيوخه وكلَّ مَن حَرَص على اقتفاء سنّة النبي صلى الله عليه وسلم، وارتوى من معين الكتاب والسنّة.