أزمة الأمة في الرؤوس الجهال

زهير سالم*

عن عبدالله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يُبْقِ عالمًا اتَّخذ الناس رؤوسًا جهالاً، فسُئِلوا فأفتوا بغير علم؛ فضلوا وأضلوا))؛ متفق عليه

اللهم إننا نلوذ بعزيز جنابك أن يكون هذه حالنا. وإليها مآلنا...وكنا نكثر من الدعاء: اللهم ولّ أمورنا خيارنا، ولا تولها شرارانا، ونقصد بها الظلمة والمفسدين في الأرض من الحكام، وصرنا بعد أن قُبض أهل الخيرة من العلماء، نجأر إلى الله بها، ونقصد الرؤوس الجهال، الذين فرضهم المفسدون في الأرض، أو فرضتهم عصبياتهم على حياة المسلمين. فلا نرى مستبدا فاسد ولا ممكّنا فاجرا إلا وله بطانة من هؤلاء. ثم نراهم قد تكاثروا فكاثروا أهل العلم والصلاح في زواياهم المعتمة، وهمُّ الواحد منهم أن يشير إلى نفسه، وأن يقول ها أنا ذا ؛ ومكانته من العلم مكانة جبران خليل جبران من اللغة، يوم نصحه مصطفى صادق الرافعي رحم الله الرافعي: أن يعاود الدخول إلى رحم أمه، فيمكث فيه تسعةً، لعله يخرج خلقا سويا، فيعيد سيرته في تعلم اللغة وفنونها.

وأغرب شيء مرّ عليّ في منهج من يسمون أنفسهم "العلماء" أنهم اغتفروا لأنفسهم أن يتحاسدوا، وأن يتباغضوا، وأن يتدابروا، وزعموا أن كل ذلك مما لا يؤبه له، وكل الذي فعلوه حياله، أنهم أسقطوا القول الجنف الزور، ولم يسقطوا به قائله...!! أو تعجبون. يقذف امرأة فيحد ظهره حدا في كتاب الله. ويرمي بالإثم بريئا على جهة الحسد، فيتمسحون به، ويقولون ذلك مما لا يخلو منه إنسان!!

وسأقول لكم قولا وأنا رجل مودع، فمن شاء فليذكره عني عندما تحيجه إليه الأيام أن ما عناه الله تعالى بقوله (كَبَائِرَ الْإِثْمِ) لا يقل نكارة ولا بشاعة ولا إثما ولا هدما ، عن الفواحش التي تسمعون عنها الكثير..

يعني أن القلوب التي يعمرها العجب والكبر والغرور، وتعشش فيها الكراهية والبغضاء والحسد وحب السمعة ليست أقل إثما من كأس سكير، ولا من زنية زان.. فليعلم من لا يعلم وليفهم من لا يفهم عن الله وعن رسوله وعن شريعة هذا الدين العظيم...

قول لا أريد منه، كما قد يقول من لا يفهم، التقليلَ أو التهوين من إثم شرب الخمر أو الزنا أو السرقة.. وإنما أريد منه تغظيمَ نكارة المنكر الذي يعمر قلوب بعض الناس، ويرفعون يدا إلى صدر والعجب والكبر والحسد والبغضاء قد باض وفرخ فيها، وهم يقولون حسبي الله ونعم الوكيل. نعم حسبي الله ونعم الوكيل فيهم.

لسان حالهم دائما: أكبر الكبائر تلك التي لا يقدرون عليها، أو لا يحتاجون إليها، أو يصونون أنفسهم عنها. أما الكبائر التي ينغمسون في حمأتها ونتنها في الطهور ماؤها الحل أعراض ضحاياها. قاتلهم الله أنى يؤفكون.

رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن ضُرب شارب خمر في حضرته، قال عنه: "إنه يحب اللهَ ورسولَه .."

وبعد أن لُعنت زانية مرجومة حدا في حضرته قال: لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغُفر له. وفي رواية لو تابها أهل الأرض لوسعتهم.

لم يلحظوا ولا يمنكنهم أن يلحظوا ،وهم شركاء لأهل المكس في أمرهم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، جعل الإثم الأصلي لصاحب المكس- الذي يفرض الأتاوات على الناس بالباطل- أكبر وأفدح وأشنع من إثمها الذي رجمت بسببه، وجريمتها التي تعلمون...

رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال هذا في شارب خمر وفي زانية وزان .. ولكنه قال في الذين يجعلون صدورهم مراجل للعجب والكبر وللعداوة والبغضاء والكراهية..

قال: للأولين لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من كبر..

وقال لمراجل الحسد والبغضاء والضغينة والكراهية: لن تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولن تؤمنوا حتى تحابوا . قال لهم عن الكراهية والبغضاء التي تنهش صدورهم على بعضهم "ألا إنها الحالقة لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين" هؤلاء الذين استعلت عقيدة (أَنَا خَيْرٌ) في صدورهم وقلوبهم..

انظروا كيف قالوا عن بعضهم، يقولون هذا، ويثبتونه في كتبهم، ويعترفون به حقا مكتسبا لأنفسهم، على قول بعضهم "فرفور ذنبه مغفور" فهم يعترفون ويقرون على أنفسهم أنهم "أشد تنازعا من التيوس في زربها" ذلك قولهم بأفواههم!! فهم منهيجون دائما، مستعدون دائما للنطاح. ولا يرون في تناطحهم ما يثلم دينهم، أو يسقط عدالتهم. أو يقدح في أمانتهم، فألسنتهم دائما ترتغ في أعراض بعضهم. وأعراض الناس من حولهم. كل واحد يريد أن يثبت للناس أن الناس قبله لم يكونوا شيئا مذكور...

يحدثون في دين الله ثغرات وثلمات وخروقا بجهلهم وعدوانهم وقصورهم .

أيها المسلمون أنا لا أدعو إلى إعادة ترتيب أولياتكم الحياتية فقط.، بل أقول فلتعيدوا ترتيب شعب الإيمان التي تتلزمون، وشعب الكفران والمعاصي التي يجب أن نجتنب جميعا..وأدعو أن يفعل ذلك مجمع إسلامي رشيد، إن كان قد بقي في الناس بعد قبض من قُبض من أهل العلم رشد.

فإذا علمتم أو عُلّمتم أين يقع الكبر والعجب والكذب والغيبة والنميمة والعداوة والبغضاء والحسد في ذلك السلم فأخبروني..

وما زال الصادقون يرددون على المنابر: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)

عمر الإسلام في بلاد المسلمين، أربعة عشر قرنا، وقد كان المسلمون مسلمين قبل أن تولدوا ... وقد صلينا وصمنا وهاجرنا قبل أن تعوا .. كفوا عنا جشاءكم هداكم الله ..

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية