المردود من الحركات المحدثات في العبادات

محمد شركي

من المعلوم أن الله عز وجل تعبّد عباده المؤمنين بعبادات في بعضها حركات معلومة لقنها لرسوله صلى الله عليه وسلم  وحيا عن طريق الملك الكريم جبريل عليه السلام يمكن إجمالها فيما يلي :

ـ في عبادة الصلاة  توجد حركة  استقبال القبلة ، وحركة رفع اليدين في تكبيرة الإحرام للدخول في الصلاة ، وحركة القيام ، وحركة الركوع ، وحركة السجود ، وحركة التشهد ، وحركة  ميل الرأس يمينا وشمالا في السلام للخروج منها.

ـ وفي عبادة الحج  توجد حركة الطواف حول الكعبة ، وحركة السعي بين الصفا والمروة ، وحركة الوقوف بجبل عرفة ، فضلا عن أعمال أخرى تتم عن طريق حركات معلومة كالإحرام وهو تجرد من المخيط ، وكرمي الجمرات ، وكحلق الشعر أو تقصيره  ، وكنحر الهدي ...

ومن زاد شيئا عن تلك الحركات بنية أو بخلفية التعبد ردّت عليه كما جاء في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه : "  من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردّ "  وفي رواية أخرى : " من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو ردّ " .

وبعد زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وزمن خلفائه الراشدين المهديين ، وزمن التابعين وتابعيهم بإحسان، ظهرت فرق وطوائف أحدث من الأمور في دين الله ما لم يأذن به ومما اعتبره رسوله صلى الله عليه وسلم مردودا على من يحدثه ، ومن تلك الأمور حركات يقوم بها أصحاب تلك الفرق والطوائف في أحوال لهم يعتبرونها تعبدا وتقربا إلى الله عز وجل حسب زعمه افتراء عليه، وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم نذكر منها على سبيل الذكر لا الحصر ما يلي :

ـ شطحات فيما يسمى مجالس الذكر عند البعض تكون عبارة عن تحريك الأجساد من أعلى إلى أسفل أو من يمين إلى شمال ، ويكون ذلك إما على إيقاع قرع طبول أو دفوف أو على إيقاع إنشاد وقد يكون تصدية، وهي التصفيق أحيانا ،وهذه مشاهد أصبحت وسائل  الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي تتناقلها عبر فيديوهات يتم تقديمها على أساس أنها مظاهر تعبّد  تقترن ببعض المناسبات كمناسبة المولد النبوي الشريف والتي لم يثبت شيء منها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإنما هي مما أحدث بعده مما قضى برده وفق منطوق الحديث الشريف المشار إليه أعلاه . ومما ذمه الله تعالى في محكم التنزيل ما جاء في وصف طواف أهل الجاهلية حول الكعبة حيث قال : (( وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية " أي صفير وتصفيق .

 والمشكل أن  بعض عوام الناس  لجهلهم بالتدين الصحيح، يعتقدون أن ما استحدث من تلك الشطحات هو من الدين ، وذلك لسذاجتهم ، وقد ينزلقون إلى تقليد من استحدثوها ، وهم  غافلون . وبسبب هذه الشطحات تسرب إلى أدهان هؤلاء الضحايا من العوام اعتقاد القداسة في الخلق ، وأكثر من ذلك الاعتقاد بقدرتهم على نفعهم أو ضرهم، وذلك بسبب ما يلقى إليهم من أوهام تشوش عليهم صحة توحيد الله تعالى ، علما بأنه  يصاحب  تلك المحدثات ابتزاز أموالهم،  والاعتناء على حسابهم .

ولا بد من تبرئة الصالحين من عباد الله الذين نظنهم كذلك ،ولا نزكيهم عليه سبحانه مما فعل بأضرحتهم ومما يؤتى فيها من محدثات وبدع ضالة ، مما ينسب إليهم افتراء عليهم مما لا يفعله ولا يقدر عليه إلا الله عز وجل تعالى عن الشركاء.

ـ  أما حركات البعض الآخر فتكون مرتبطة بالندب والمناحة  مما يكون في المآتم كضرب الصدور، وشق الجيوب ، ولطم الخدود على وقع أصوات نعي  النعاة  أو نياحهم وعويلهم ، أو جلد الأجساد بالسياط ، أو إدمائها بالمدى  ، وهو ما تنقله لنا أيضا فضائيات أو تتناقله وسائل التواصل الاجتماعي عبر فيديوهات أيضا تقدم هي الأخرى على أساس أنها مظاهر تعبد في بعض المناسبات كمناسبة مقتل سبط النبي الحسين بن علي رضي الله عنه، والتي لم يثبت منها شيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم  وهو القائل : " ليس منا من لطم الخدود ، وشق الجيوب ، ودعا بدعوى الجاهلية " .

 والمشكل هنا أيضا أن الضحايا من العوام يعتقدون أن مظاهر النياحة من التدين ، فيقبلون عليها مقلدين ، وقد زيّن لهم ذلك من يلقنونهم اعتقاد القداسة في الخلق ، واعتقاد قدرهم على النفع والضر وعلى العطاء والمنع ...، ويصاحب هذا التلقين الوعد لمن أذعن لهم، والوعيد  لمن أبى الإذعان ، وهذا أيضا تشويش على صحة توحيدهم  الله تعالى ، فضلا عن ابتزاز أموالهم أيضا .

ولا بد أيضا من تنزيه آل بيت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله عن تلك المحدثات وعما يفترى به عليهم حاشاهم .   

ومعلوم أن القاسم المشترك بين من أحدثوا محدثات يقومون بها بنية أو خلفية التدين كما يزعمون بالمقال والحال أنهم يورطون العوام في أنواع من الشرك حين يلقنونهم التوسل بالخلق  أو إليه ، وطلب ما لا يطلب  إلا من الله تعالى علوا كبيرا عما يصفون  حين يسأل غيره من الخلق أو يتشفع بهم . وهذا ما جعل الأضرحة والمراقد تنتشر شرقا وغربا  في بلاد المسلمين ، وتقصد بل يحج إليها  بنية التعبد ، وتقبّل جدرانها ، ويتمسّح بها ، ويتبرك بترابها وحجارتها  ، ويلتمس فيها ومنها الرزق والصحة ... وما لا يعطيه إلا الله عز وجل .

ولعل ما جعل بعض المتشددين من المحسوبين على الإسلام أيضا ينكرون  الاحتفال بمناسبة مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم هو خلطهم  بين من يأتون  المحدثات من أفعال وأقوال مما رده رسول الله صلى الله عليه وسلم  ، وبين من يجتمعون لاستعراض شمائل الرسول الأعظم عليه الصلاة والسلام  والتعريف بها والحدث على الاقتداء به  فيما سنه  مع أنه شتّان ما بينه هذا وبين للشطحات والحركات الراقصة أو شبه الراقصة ، وابتزاز أموال الناس  عن طريق إغرائهم بتحصيل البركات والشفاعات والعطاءات  أو تخويفهم من اللعنات والعقوبات والخسارات  والغرامات ...

والمؤسف أن يحدث هذا و بعض أهل العلم صامتون لا ينبسون ببنت شفة ، ولا يحركون ساكنا وهم الذين أوكل إليهم حراسة الدين من شوائب المحدثات التي ردها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذلك  إما مداهنة منهم  لأصحابها أو خوفا من أذاهم مع أنهم في سرهم  يكتفون بأضعف الإيمان في إنكارها ولكنهم  في علنهم لا يفعلون إلا من رحم الله منهم ممن يخشونه، ولا يخشون فيه لومة لائم..