نصيحة موجهة إلى السيد وزير العدل إن كان بالنصح راضيا

محمد شركي

أثار فيديو مسجل تداولته وسائل التواصل الاجتماعي على أوسع نطاق  زوبعة إذ ظهر فيه وزير العدل عندنا وهو بين جمع من مرافقيه مخاطبا أحد الحضور بعبارة حسبت عليه باعتبارها متضمنة إساءة  في حقه  مفادها أنه يعلم بما يخفيه جوربه  كناية عن طول يده وسلطانه  متعاليا عليه في حين كان رد المواطن عليه " على الرأس والعين " ،وهي عبارة  يستعملها المغاربة تعبيرا عن الاحترام والتقدير والمحبة أيضا  .

فإذا ما صحّ هذا الفيديو وسلم من عبث العابثين  وكثيرا ما يعبث بالفيديوهات في هذا الزمان ، وذلك من زور وبهتان هذا العصر ، ولم يكن نبأ فسوق مما نهى عنه الله عز وجل ، وأمر بالتبيّن في أمره  ، واتسع صدر السيد الوزير لقبول النصح، وهو ممن يشملهم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي حين سئل لمن يكون النصح قال : " لله ولكتابه ولرسوله ، وللأئمة المسلمين وعامتهم" ، وكان النصح واجبا شرعيا ، وكان أصدق الحديث كتاب الله عز وجل، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها المبتدعة  التي تكب أصحابها على وجوههم في نار جهنم ، نصحنا وزيرنا بما في أصدق الحديث من نصح  ، و بما في خير الهدي  من هداية إن كان بهذا النصح راضيا فنقول له وبالله التوفيق :

إنكم يا معالي الوزير على رأس وزارة العدل الذي أمر به الله عز وجل في محكم التنزيل فقال : (( وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى )) كما قال : (( كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين )) . وقد جاء في كتب التفسير أن العدل في القول  هو جامع المعاملات بين الناس من خلال الكلام الذي يقتضي ألا يكون فيه شيء من الاعتداء على الحقوق مهما كان نوع  هذا الاعتداء سواء كان كذبا أو زورا أو غيبة أو بهتانا أو كتمانا وإخفاء أو إجحافا  وبخسا ...

ولا يخفى عليكم معالي الوزير أن التواضع للخلق من التواضع لله عز وجل ، وهو شرف ورفعة ، وأن الكبرياء رداء الله سبحانه  وتعالى والعظمة إزاره ، ومن نازعه واحدا منهما قذفه في النار ، لهذا لا يحق لمخلوق أن يتكبر على الخلق ، وليست الكبرياء ولا العظمة له بل هما لله جل وعلا .

ولا يخفى عليك معالي الوزير أن الذي تفرد بالكبرياء والعظمة هو أرحم الراحمين ، وقد بعث  في الناس  سيد ولد آدم رسولا شهد له بالعظمة فقال : (( وإنك لعلى خلق عظيم ))  ومع ذلك لم يكن لا فظا ولا غليظ القلب بل كان  متواضعا لينا رحيما لا يدرك أحد من الخلق درجة خلقه العظيم  .

فما الذي حملك يا معالي الوزير على سلوكك الذي عابه الرأي العام عليك  مع موطن  وضعك فوق رأسه وعينه تقديرا لك في حين تعاليت عليه ولم ترع له تقديره لك وتتواضع له وتقابل الإحسان بالإحسان ؟ ولماذا ادعيت أنك تعرف ما يخفي جوربه ، وأنت تقصد بذلك الإحاطة بما لم يحط به غيرك ؟ وأنت تعلم أنه لا يعلم السر وأخفى إلا رب العزة جل جلاله ، وأنه لا يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور إلا هو سبحانه وتعالى .

وهب أنك يا معالي الوزير أحطت  بما يخفي جوربه أو دلك على ذلك هدهد  من أسراب هداهدك ، فهل في ذلك من شرف أو عز أو عظمة . ولا شك أنك تعلم أن نبي الله سليمان عليه السلام ما نسب ، وما ادعى لنفسه  معرفة ما أحاطه به هدهده ،وما جاءه به من نبأ عن سبأ ، بل سأل الله عز وجل أن يوزعه شكر هذه النعمة ، لهذا إذا ما سخرلك الله سبحانه وتعالى  من يأتيك بأنباء ما تخفي جوارب الناس، فاشكر نعمته عليك ، ولا تتركها تغريك بالكبرياء ، ولا تنسى أن المعطي هو في نفس الوقت المانع ،  و أنه المعز المذل سبحانه وتعالى .

ولا تنسى يا معالي الوزير أن من تعاليت عليه ، ولم تعدل وأنت وزير للعدل بما قلته له هو واحد من أبناء هذا الشعب الطيب الذي أربحتك أصواته، وأجلستك على كرسي وزارتك ، وهو بذلك يستحق منك الشكر ، ولا  يشكر الله عز وجل من لا يشكر الناس .

ونصيحتي لك يا معالي الوزير أن تخرج على الناس باعتذار لمن تعاليت عليه إن كنت تريد إصابة العدل في القول كما أمر بذلك الله عز وجل الذي أسأله أن يلهمك السداد والتوفيق في مهمة مهيبة  إن وفقت فيها فمنه سبحانه وتعالى ، وإن فشلت فيها وأعيذك بالله من ذلك ، فمن نفسك ومن الشيطان  .