صور الحج والعمرة

معمر حبار

معمر حبار

[email protected]

قلت لها وأنا فرحا مسرورا بذهابها لأداء العمرة، حاولي أن تأخذي أقصى قدر ممكن من الصور. فأجابت فزعة خائفة، لقد قرأت في الكتيب، أن الصورة حرام ورياء، لأن المرء يذهب لأداء المناسك وليس لأخذ الصور. وفهمت من نبرة صوتها المرتجف المرتبك، أنها خائفة من أن تتعرض للأذى بسبب أخذ الصورة.

وفجر هذا اليوم، أخبرني زميل أنه تعرّض لمضايقات شديدة بسبب أخذ صور للكعبة، ونفس المضايقات تعرّضت لها زوجته. وفي نفس الجلسة أكد شيخ كبير في السن، نفس المنع والمضايقات.

هذه الورقة لاتتطرق لحكم أخذ صور لمكة وعرفة، وغار حراء، والصفا والمروة، وجبل أحد، ومواقع أخرى، فهذا أمر له أهله، والميدان متسع لكل فريق لعرض مالديه.

هناك نقطة يجب التركيز عليها، وتكمن في كون من تعوّد رؤية شيء بعينه، لايمكنه أن يعامل غيره الذي لم يرى ذلك الإنسان أو المكان أو الشيء بنفس المعاملة، فإن في ذلك من الإجحاف وتجاهل للحالة التي عاشها الغير ويمر بها.

فالجزائري مثلا، يقطع آلاف الكيلومترات، ويقتطع مبلغ 40 مليون سنتيم من حليب أبناءه وكسوته، ويمنع نفسه النوم والأكل، ويستدين، ويحث الأبناء على مساعدته، ويدخر من ماله وصحة لأجل تلك اللحظات التي يقضيها رفقة سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبداخله جمر يشتعل، وحرارة ملتهبة، وشوق لايعرف الانتظار، وحنين دائم متجدد، حتى أنه يفكر في العودة ثانية وثالثة ورابعة، وهو يطوف ويرمي ويزور. ويبكي أشد البكاء، حين لايخرج إسمه ضمن قرعة الحج. بل بعضهم يرتكب في سبيل نيل الحج أو العمرة، بعض السلوكات السيئة، كالواسطة، ودفع الرشوة، وشراء جواز السفر، واستعمال النفوذ، والخضوع لبعض الإهانات، والتجارة الدينية، كالرقية والعمل كوسيط لبعض الهيئات المكلفة بالسياحة ونقل المسافرين، كأن يضيف مبلغا غير قانوني ، فيستفيد هو من الفارق، وينقل بفضله عائلته معه مجانا.

فلا يعقل بحال وبعد هذا الجهد الخارق المرهق المتعب، أن يمنع الحاج الجزائري أو المعتمر الجزائري، من أخذ صورة لمكة أو غيرها من الأماكن التي يزورها، بزعم أن ذلك رياء ويفسد طاعته.

إذن من يذهب لأداء الحج أو العمرة، فله الحق في أخذ صور له وللأماكن التي يزورها، وكذلك له الحق في عدم أخذ الصور، ويحترم في إقباله أومنعه، لكن لايمنع من أخذ الصور، فذلك مساس بشخصه وحريته، اللهم إلا إذا كانت الصور تمس بالأمن العام، وبخصوصيات الشخاص.

و العاقل من ترك الناس تؤدي الحج والعمرة بالفطرة التي تربوا عليها، والحماس الذي يسكنهم، والشوق الذي يعتريهم، فتلك خصال لايمكن كبحها وإخضاعها للأوامر والنواهي. فهي أيام وسيعود الحاج إلى بيته، ولأن يعود وهو يحمل صورا فوتوغرافية، يذرف الدموع كلما رآها وأعاد رأيتها، خير له من أن يعود من تلك البقاع وهو يحمل حسرة عدم أخذ الصور، ورده ردا قبيحا لالتقاطه الصور، التي لايمكن لأحد أن يضع لها حدا أو يمنعها، لأنها بنت العصر ولا يمكن لهذا الجيل  ولا للأجيال التي تليه ، أن تقاوم الصورة، فإن ذلك من العبث الذي لاجدوى منه.