إنها مسألة صراع الإرادات وليّ الأذرع!

إبراهيم درويش

إبراهيم درويش*

[email protected]

ترى لماذا كل هذا الاهتمام بلبنان هذه الأيام؟ ألا توجد لدى المجتمع الدولي قضية أخرى سوى لبنان والاستحقاق الرئاسي فيه؟ هل حلت كل مشكلات العالم، بدءاً من الصراع العربي ـ الصهيوني، مروراً بالعراق وأفغانستان ودارفور وإقليم كوسوفو والشيشان والفلبين والصومال وتركيا مع كردستان و...، ولم يبق سوى مشكلة لبنان الداخلية؟ ما لنا نرى مكوك الدبلوماسية الفرنسية " كوشنير"، وأمين عام الجامعة العربية عمرو موسى، والموفدين الدوليين والإقليميين...قد جعلوا من لبنان وعاصمته بيروت محجّاً لهم؟ وما لنا نرى قضية التوافق بين الأطراف اللبنانية محور وسائل الإعلام اللبنانية والعربية والدولية؟

    بهذه التساؤلات وأشباهها انهال عليّ صاحبي المتحدث، ولم يدَعْ لي مجالاً ألتقط فيه أنفاسي، إلا بعد أن أفرغ ما في جعبته من أسئلة عدّة حول شأن واحد!!

    فأجبته: يا صاحبي: لبنان ـ على أهميته وحبّنا له ـ لا يراد بذاته من خلال هذه النشاطات الدبلوماسية والإعلامية المكثّفة هذه الأيام؟ بل يراد لِما بعده، ولِما ستسفر عنه نتائج هذه النشاطات بعد الموعد الأخير المضروب لانتخاب رئيس جديد له! قال: كيف؟

    أجبته: إن لبنان قد اتخذه أصحاب الإرادات المتصارعة ساحة لتصفية حسابات قديمة فيما بينهم، وصورة نموذجية مصغرة لرسم مستقبل جديد للعلاقات بين الدول والأنظمة مختلف عما كان سائداً إبان فترة الحرب الباردة.

    قال: زدني. قلت: إن فرنسا تعدّ نفسها مسؤولة عن مصير لبنان ومستقبله، لاعتبارات كثيرة يدركها كل من لديه إلمام بتاريخ البلدين، بعيداً عن التأثير الذي يمكن أن يُحدثه النظام السوري، عبر أدواته وأزلامه.

    والنظام السوري اتخذ لبنان على مدى عقود من السنين بقرة حلوباً له ولأزلامه ومحاسيبه، وبعد إخراجه منه ذليلاً مدحوراً يراه الآن حديقة خلفية لسورية، وفي المستقبل القريب خطاً أمامياً متقدماً للصراع والحرب الباردة والساخنة بينه وبين المجتمع الدوليّ، لا سيّما بعد اغتيال رفيق الحريري، والاتهامات الموجهة إليه بالضلوع في هذه الجريمة، ولأنه ـ أي نظام دمشق ـ يرى أن أيّ استقرار سياسي في لبنان معناه التعجيل في إجراءات المحكمة الدولية المشكلة للنظر في اغتيال الحريري ومحاكمة المتهمين به، لذلك يرى أنه ليس من مصلحته ومصلحة شركائه وأزلامه في لبنان أن ينعم هذا البلد بالاستقرار، خوفاً مما يلي هذا الاستقرار، وخوفاً بالتالي من سريان الحرية والديمقراطية إلى الأرض السورية المحرومة منهما، منذ وصول الرفاق إلى سدة الحكم في دمشق.

    أما الولايات المتحدة فترى أن ما ستسفر عنه الجهود المحلية والإقليمية والدولية في لبنان سينعكس سلباً أو إيجاباً على خططها من حيث بناء شرق أوسط جديد وفق رؤاها ورؤى شريكتها الاستراتيجية "إسرائيل". ولذلك ترى فيما يجري في لبنان تحدياً لكسر إرادتها ومختبراً لسياسة ليّ الذراع بينها وبين النظامين السوري والإيراني. فإن هزيمة أمريكا في مواجهة هذين النظامين على الساحة اللبنانية ستضيف نقاط ضعف كثيرة أخرى إلى رصيدها، بعد إخفاقاتها المتكررة في العراق وأفغانستان والصومال وغيرها، ولذلك تراها قد أعطت هذا الأمر الأهمية الكبيرة.

    على حين ترى الأمم المتحدة ما يجري في لبنان بمنزلة محكِّ لمصداقيتها وقراراتها التي صدرت، وما زالت تنتظر التنفيذ.

    إن لبنان قد تحوّل بصورة محمومة إلى ساحة صراع بارد، ومكان لاختبار فرض الإرادات وسياسة ليّ الأذرع بين الأطراف المؤثرة، ولذلك كان هذا الاهتمام الذي يتمتع به، فماذا سينتج عن اتخاذه محجاً هذه الأيام؟

    هذا ما ستنبئنا عنه الأيام القليلة القادمة. قال صاحبي: الآن عرفت سبب هذا الاهتمام بلبنان، "الله يجيب العواقب سليمة".

               

* المشرف على الموقع