أرضية العنف: فرنسا وروسيا

العلامة محمود مشّوح

الحرب العالمية الثانية

الحلقة (21) الجمعة 26 ربيع الأول 1396هـ- 26 آذار 1976

العلامة محمود مشّوح

(أبو طريف)

بسم الله الرحمن الرحيم

تحدثنا عنه في الجمعة الماضية هو بعض من الدروس المستفادة من تاريخ النبوات السابقة على نبوة سيدنا محمد صلوات الله عليه وآله وسلم وكما ذكرنا فإن الله تبارك وتعالى قص علينا في القرآن الكريم من نبأ المرسلين ومن نبأ أقوامهم؛ ما يثبت الأفئدة ويفيد العبرة كيلا نرتكب مثل الذي ارتكبوا وكيلا نسقط في مثل ما سقطوا فيه، وليس عندي في الحق ما أضيفه في هذا المجال إلى الذي قلته في الجمعة الماضية، وإن كان مجال القول في هذه الناحية متراحباً شديد التشعب عظيم الارتباط ثم هو يتمتع بضرورة حاسمة في أيامنا ، ولكن المنابر لها أسلوبها وحق مثل هذه الموضوعات أن تكتب لا أن يتحدث بها على المنابر؛ إلا أن بعضاً من الإخوة حفظهم الله تعالى نبهوني إلى التباس وقع فيما يختص بنحلة آريوس الذي كان يدعو إلى الوحدانية في القرن الثالث الميلادي، والذي حاربته المسيحية وطاردته وتغلبت عليه في مجمع نيقيا عام 325 للميلاد ومعهم الحق في هذا الالتباس، إن كان الأمر على النحو الذي قالوه... لقد دعوت بالشريط المسجل وإلى غاية الأمس وصباح اليوم، أردت أن أستمع إليه لأكتشف هذا الالتباس فلم تسمح لي كثرة الشواغل لشيء من هذا؛ فأنا مضطر إلى أن أصحح المسألة لأنها خطأ علمي إن كان الأمر على النحو الذي أخبرني به الإخوة مشكورين يجب أن يصحح، لأن هذه معلومات أصبحت في ذمة التاريخ وواجب الإنسان حيالها نقلها بدقة وأمانة.

في هذه الناحية كنت أتحدث عن مدرسة الإسكندرية المعروفة في تاريخ الفلسفة باسم الأفلاطونية الحديثة، وطلبت إليكم أن تتذكروا الإسكندرية وفي الحقيقة فإن آريوس كان أسقف الإسكندرية، ولكنه رجل لم يلوث بأدران الوثنية ولهذا فهو لم يتورط بالقول بألوهية عيسى وبالثالوت الذي انتهى إليه مجمع نيقيا بتأثير من الإمبراطور الروماني الوثني قسطنطين الذي تظاهر بالدخول في الكنيسة وبالدخول في النصرانية ورفض أن يعمد مسيحياً إلا بعد أن أصبح على فراش الموت؛ وكان طيلة عمره رجلاً من رجال السياسة يهتم باستقرار المملكة واستتباب الأمن في ربوعها وعدم ظهور بوادر التفرق والخلاف والنقود التي ضربت في عهد قسطنطين الإمبراطور الروماني والمحفوظة الآن في المتاحف تشير إلى هذا. فالنقود ضرب على أحد وجهيها شعار الصليب الذي هو شعار النصرانية وضرب على الوجه الآخر تمثال جوبيتر الذي هو كبير آلهة الوثنية اليونانية القديمة. فالرجل لا يطمئن كبار الثقات من المؤرخين لصحة مسيحيّته، ويكفي أن نرجع إلى مؤرخ ثقة كالأستاذ فيشر في تاريخه: تاريخ أوروبا في العصور الوسطى لندرس عظم الريبة التي تنتاب المؤرخين في صحة دخول قسطنطين في النصرانية فآريوس رجل من الموحدين الذين كانوا حقيقة على دين عيسى كما أنزله الله تعالى؛ يقول إن عيسى عبد أنعم الله عليه لا أكثر ولا أقل، اختصه بالرسالة وكلفه بإبلاغها إلى الناس ولا زيادة؛ وأما مدعيات بعض رجال الكنيسة من إضفاء طابع الوثنية على العقيدة المسيحية فشيء رفضه آريوس، وسبق قبل مجمع نيقيا عام 325 أن دُعي إلى مجمع اجتمع فيه رهبان مصر وليبيا، وحرموا بدعة آريوس وقرروا طرده من الكنيسة وإحراق كتبه ومطاردة تعاليمه؛ المأساة عند هذا الحد لم تشكل نقطة الانفراج بالنسبة للمسيحية لكن نقطة الانفراج في الحقيقة تشكلت مع مجمع نيقيا ففي ذلك المجمع قررت بصورة نهائية ألوهية عيسى صلوات الله عليه وتعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً؛ من الذي حمل هذه الراية؟ حملها راهب كان في معية آريوس من تلاميذ المدرسة الأفلاطونية الحديثة اسمه الاكسندر فهو الذي أثار المسألة وحرض قسطنطين بمساعدة عدد من الرهبان، تمت الدعوة إلى مجمع نيقيا فاجتمع فيه ألفان وثمانية وأربعون راهباً اختلفوا في هذا الموضوع وعلت أصواتهم ورمى بعضهم بعضاً بالكفر والإلحاد والمروق والوثنية فاختار قسطنطين منهم ثلاثمائة وثمانية عشر سلمهم كل إمكانيات السلطة ليقرروا العقيدة التي يرونها تحت رياسته، ورياسته رياسة وثنية في الأصل متأثرة بالفلسفة التي كانت سائدة في العصر الروماني في ذلك الحين والتي تقول باختصار إن الله الواحد يستحيل أن يصدر عنه العالم المتكثر لأن صدور العالم المتكثر يقتضي الحركة، والحركة تقتضي التغير، والتغير يقتضي الحدوث فراراً من هذه الأشكال؛ قالوا إن الواحد الأول صدر عنه العقل الفعال، والعقل الفعال صدرت عنه النفس الكلية، والنفس الكلية صدرت عنها الأكوان المتكثرة، وفاضت عنها؛ وهذا هو ملخص نظرية الفيض المعروفة في تاريخ الفلسفة الأفلاطونية.

نلحظ أن الأفلاطونية فيها ثلاثة مبادئ أساسية، ونلحظ أن النصرانية قررت ثلاثة أقانيم متأثرة بهذا الجو الإسكندري المحض الذي كانت مدرسنه تحمل لواء الفلسفة الأفلاطونية.

استنتجنا من هذا أن الإسلام لا يستطيع من البدء أن يضع رسالته تحت سيطرة سلطة زمنية لأن السلطة الزمنية؛ إما أن تحذف نفسها وإما أن تحذف الرسالة، ومعلوم أن الإسلام يقوم على أساس حذف كل سلطة لا تتواءم ولا تتناسب مع سلطة الإسلام؛ وهذا درس من الدروس المستفادة من النبوات السابقة التي نشأت في الزمن القديم تحت ظل سلطات زمنية؛ فتأثرت بها فدخلها التحريف والتغيير والتبديل. والفرق بين الإسلام الذي نشأ في جوه الحر المتحرر الذي أنشأ سلطته الخاصة مؤسسة على عقيدته الخاصة منبثقة عن هذه العقيدة وفق تصور مسبق وتصميم مرسوم هذا ما أردت أن أصحح به ما ربما وقع من التباس في الجمعة الماضية وموعدنا اليوم حديث غيره.

نحن اليوم نريد أن نواجه القضية  التي تشكل عندنا أهمية حاسمة ولماذا تشكل هذه الأهمية؟ تشكل هذه الأهمية لأن الجو العام في العالم كله خضع لانطباعات ومؤثرات هي -وفاقاً لموازين الإسلام ومقاييسه الاعتقادية والعملية- تحمل نذر خطر ساحق، ليس على الإسلام وحسب وإنما على البشرية ككل، القضية هي قضية العنف في الدعوة وعدم العنف في الدعوة أي السلوكين أجدى..! وأي السلوكين أقوم..! وأيهما أدعى إلى أن تصحح الأوضاع باتجاه الإسلام تصحيحاً مبرءاً من العقد والانتكاسات..! هذا الموضوع في الواقع كنت أثرته بصورة مبدئية في أوائل الصيف الماضي يوم كنا نخطب في الجامع الوسط، وأثرته في ظروف شاء الله أن تثار فيها. وكنت أرى أن العنف لا يجدي وأن العنف يخرب الشخصية الإنسانية وأن العنف يولد في المجتمعات ردود أفعال غير مأمونة العواقب ثم كان بعد أيام، فتلقيت من أخ كريم رسالة بعد الخطبة الأولى يتساءل فيها برفق وباحترام كيف يمكن لنا أن لا ندعو إلى العنف مع حاكم أو سلطة استنزفت دم الشعب وجلدت الأحرار وأراقت الدماء وضيقت على الحريات ووضعت الناس في سجن كبير، وأخذت الكتاب قرأته وطويته ووضعته في جيبي وقلت لصاحبه سأجيبك إن شاء الله وإلى تاريخه لم أجب الرجل على أسفٍ مني أحسه حتى الآن. شاء الله أن نبدأ موضوعاتنا الأخيرة وأن يكون للعنف والحديث عنه مكانه الخاص في هذه الأحاديث نحن اليوم نواجه؛ لكني أريد أن أقول للأمانة إنني أشعر بأن هذا الأخ وبقية الإخوة الذين يشعرون بهذه المشاعر ويحسون هذه الأحاسيس ويفكرون على هذا النحو؛ معهم بعض العذر.. لا كل العذر، ظواهر الأمور توحي بأن الذي يضغط ويكبت ويعتدي ويظلم إنسان عدو للشعب يجب أن لا يتفاهم معه الشعب إلا بكفة الحديد والنار والدماء والدموع لكني أريد أتساءل وأن تتساءلوا معي: أترى ظواهر الحياة الاجتماعية الإنسانية شيء ينزل من السماء أو ينجم من الأرض مبتوت الصلة بما قبله مبتوت الصلة بما حوله أم الظواهر الاجتماعية حصيلة تفاعلات طويلة وعديدة ومعقدة تربط بينها عوامل شديدة التعقيد لا شك أن الظاهرة الاجتماعية هي حصيلة عوامل تمتد في الزمان والمكان طولاً وعرضاً. وحين نأتي إلى الظاهرة كظاهرة لنبني آراءنا على أساسها فهذا موقف سليم في ظاهر الأمر، هروبي في التحليل الأخير وفي محصلة الحساب هروبي، لأنه يشكل نوعاً من الإسقاط، فنحن سمحنا بالتغاضي بالتهاون بالتخلي عن الواجبات بالكف عن الرقابة، بإسقاط واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عن أكتافنا سمحنا لبروز الظاهرات المَرَضيّة، والظاهرات المرضية كنقط المطر التي تنزل واحدة واحدة ولكنها من حيث المآل تشكل سيلاً عارماً يجرف كل ما أمامه، من المسؤول عن بروز الظاهرات الاجتماعية الشاذة سواء في الحياة الاجتماعية أو في الحياة السياسية أو في الحياة الاقتصادية؟ المسؤول ليس الحاكم الذي هو المحصلة النهائية لهذا العدد الذي لا يتناهى من الأسباب لا؛ هو طرف من جملة أطراف ولعله أن يكون الطرف الذي يستدعي الشفقة والرثاء أما الطرف الذي يستوجب المحاسبة ويستوجب التدقيق ويستوجب طول الوقوف في الأخذ والرد معها فجمهور الشعب الذي سمح باللامبالاة، بالتخفف من المسؤوليات، بالجبن بالانهزامية والهروب أن تبرز ظواهر سلبية وخطرة من هذا النوع أنا في الحقيقة كما قلت أعطي تساؤل الأخ وكل الذين يشاركونه الرأي والأحاسيس جانباً من المشروعية ولكني وفاقاً لما أخذت به نفسي من نهج علمي لا أستطيع أن أسقط من المسؤولية أطرافها التي تشترك فيها؛ المسؤولية واضحة وأطرافها قسم بارز على السطح يطفو، والقسم الآخر يضع رأسه تحت الماء لا يكاد يرى ولكنك لو غمست يدك قليلاً لعثرت على الرؤوس التي أفرزت هذه الظواهر المرضية. وبعد فالحديث عن هذه الظاهرة -وهي ظاهرة مزعجة- حديث يقتضي شيئين واسمحوا لي إذا قلت لكم إنني اليوم سأقدم لكم وجبة عسيرة الهضم لا تكادون تسمعون فيها آية من كتاب الله ولا حديثاً من أحاديث رسول الله ولا واقعة من وقائع السيرة وإنما هو المحاكمة؛ والمحاكمة العقلية الجافة فقط تقتضي منا أولاً أن نتعرف على التربة التي ولدت ظاهرة العنف تلك الظاهرة التي تطبع عصرنا الحديث بطابعها الظاهر البارز والشيء الثاني الذي تقتضيه شعور بأقصى درجة ممكنة من الأمانة في مواجهة الوقائع؛ منذ زمن وأنا أريد أن أقطع من التاريخ منظوراً خاصاً، طبعاً لا أتكلم عن القضية من وجهة نظر الإسلام، فذلك حديث يأتي في الجمعة القادمة وما يليها. إنما أريد أن أتتبع الظاهرة الموجودة اليوم منذ زمن بعيد، منذ أكثر من قرنين كان الناس يعيشون حالة لا عقلانية لا شعورية ثمة ملك أو أمير حوله حاشية من الإقطاعيين والفرسان وحولهم يدور عدد من المثقفين هؤلاء هم الذي يفكرون ويقررون ويقدرون وينفذون؛ وأما جماهير الناس السواد الأعظم الذي تنعكس عليه آثار هذه التصرفات والذي سيعاني من هذه النتائج معاناة حقيقية فهو غائب عن المنظور التاريخي تماماً؛ لم يبدأ في الواقع ترشيد الحياة الإنسانية وإخضاعها لنوع من العقلانية والتوجيه إلا مع ظهور الثورة الفرنسية عام 1789. في ذلك الوقت تبين أن بقاء الحياة تسير في مجراها مدفوعة بعوامل غير منظور إليها في ضوء العقل؛ شيء يوصل إلى مثل هذه الفورات التي لم يكن لها في الحسبان وجود والتي تحمل في طياتها نذراً وأخطاراً قد تلحق بالبشرية دماراً وتخريباً واسع النطاق هنا بدأ التفكير في ضرورة إخضاع الحياة الإنسانية لشيء من العقلانية تفادياً لماذا تفادياً للظاهرة البشعة التي رافقت ظهور الثورة الفرنسية مهما يكن تقدير المؤرخين والدارسين الاجتماعيين، ومهما يكن من تقدير الساسة لقيمة الثورة الفرنسية وأثرها في تطوير الفكر المعاصر، وأثرها في تعريف جماهير الشعوب إلى حقوقها المهضومة المسروقة المغتصبة؛ فلا بد لنا من أن نلقي نظرة عجلى على الحالة العجيبة التي رافقت الثورة الفرنسية. الثورة الفرنسية على صعيد الفكر؛ حصيلة عالم الأنوار الذي وجد في أواخر القرن السادس عشر وخلال القرن السابع عشر وجد مفكرون يتحدثون عن الطبيعة الإنسانية يتحدثون عن حقوق الإنسان يتحدثون عن الحرية يتحدثون عن الأنظمة الحاكمة الدستورية، يقرون حقوقاً معينة للشعوب يقرون واجبات معينة على الحاكمين؛ هذا الاختمار الفكري وَلَّدَ حالة من التهيب في فرنسا وفي أوروبا عموماً لتغيير الأوضاع. هنا نضع أيدينا على مفرق من المفارق التي تفرق بين الإسلام وبين غيره من كل الحركات الأرضية؛ الإسلام لا ينتظر الحادثة حتى تقع لكي يطب لها، إنما يخطط ويدقق وفقاً لمنهج علمي صارم -غاية في الصرامة- قلت قبل قليل وللمثل والتوضيح أن الظاهرة الاجتماعية ليست شيئاً مقطوع الصلة بما قبله وبما حوله وإنما هي شيء له ارتباطات واسعة في عمق المكان وفي عمق الزمان على حد سواء لكن هذه الظاهرات لها أسباب هذه الأسباب أيضاً هي كل شيء في الظاهرات نقول أيضاً لا فجملة الظاهرات التي لها أسبابها، نجد وراءها عللاً تربط بين هذه الأسباب، مجموعة هذه العلل ترتبط في حركتها بمنطق خاص هو الذي يوجه سير الظاهرة حينما نتعرف على المنطق نكون قادرين على إدخال التعديل المطلوب لإحداث التغيير في سير الظاهرة الاجتماعية، الإسلام يفكر بهذا الشكل، ولهذا لا يترك الأمور للمصادفات وإنما يقيسها ويخطط لها وفقاً لقواعده العامة الموحى بها من قبل الله تبارك وتعالى لكن الثورات الأرضية كانت تكون على غير هذا الشكل ولا عجب، فالثورات الأرضية حصيلة جهد إنساني محكوم بزمانه محكوم بمكانه ومحكوم بما هو أخطر بالحالة العقلية وبالحالة العاطفية والنفسية للإنسان المفكر لأن هؤلاء جميعاً تُلِّونُ تفكير الإنسان، وتجعله يسير باتجاه معين الثورة الفرنسية في الواقع كانت حصيلة اختمار ذهني وعقلي في المجتمع الغربي عموماً لكنها حين انفجرت أين ذهب الذين فكروا وأين ذهب الذي قدروا وأين ذهب الذي كتبوا أذكر لكم مثلاً الثورة بدأت عام 1789 واستمر الإرهاب واستمرت المجازر إلى عام 1794 خمس سنوات الكاتب المفكر الغربي الشهير (فوندورسيه) قدم مشروع دستور لتحكم بموجبه الدولة في فرنسا لكن هذا المشروع لم ير النور لسببين الأول أنه جاء متأخراً فبعد أن قضي على دانتون عميل الإرهاب وروبسبير خليفة دانتون وأصبحت البشائر واضحة بقرب دكتاتورية نابليون أصبح هذا الدستور بلا معنى، لأن السلطة ترسخت وهي التي ستعرف ما تريد وتخطط لهذا وتضعه؛ هذا واحد والشيء الثاني أن دستور (فوندورسيه) كان مجهوداً عقلياً لإنسان معتزل في صومعة، فكر بأن الحياة يمكن أن نضع لها خطوطاً مواصفاتها كذا كذا وكذا وانتهى كل شيء، غافلاً عن أن وقائع الحياة لها منطق غير منطق الفكر المجرد، وأن الحياة الاجتماعية المتحركة لها احتياجاتها التي لن يدركها الإنسان الذي لا يعايش الحياة الواقعة، ولا يحترق بلظاها ويتقلب على جمرها فالمفكرون كانوا غائبين، قام بالثورة الرعاع من الجهلة الأوباش الذين لا يملكون القدرة على التفكير، مع علمي بأن كارل ماركس يمجد هذه الكومونة، -التي تسمى كومونة باريس- ويعتبرها أول محاولة رشيدة في التفكير الإنساني تهدف إلى إلغاء الطبقية وإزالة الظلم من عالم الحياة -لكن هذا خطأ- فالحقيقة أن الذين عاصروا الثورة الفرنسية، وأن السلطة التي قطعت رأس الملك وقطعت رأس الملكة، وألغت النظام الملكي، وأقامت الجمهورية وقضت على الجيرونديين وقضت على اليعاقبة أيضاً، ونكلت بخصومها جميعاً. هذه الثورة أقامت المجلس الوطني الفرنسي الذي وصفه المفكر الفرنسي دومورير بأنه مكون من ثلاثمائة وغد، وأربعمئة معتوه، هذا هو قوام المجلس الوطني الذي أقام عهد الإرهاب الدموي والذي أصبحت فيه الرؤوس تتساقط حتى أصبحت التسمية لهؤلاء الناس في الأدبيات السائدة إبان الثورة الفرنسية أصبحت التسمية اللطيفة أن هؤلاء الذين يعدمون على المقصلة كانوا يسمون العاطسين في الزكائب؛ تعرفون ما معنى العاطسين في الزكائب؟ الزكيبة حقيبة من جلد توضع في أسفل المقصلة حتى إذا نزلت السكين على الرأس ففصلته عن الجسد سقط الرأس في الحقيبة، والرأس حين يسقط أثناء القطع يتحرك الفم وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة. فمن باب النكتة سماهم الفرنسيون؛ العاطسين في الزكائب. لو تتبعنا هذه السلسلة المخيفة من العاطسين في الزكائب أثناء الثورة الفرنسية لوقفت شعور رؤوسنا لفظاعة الإرهاب ولفداحة العنف الذي أصبح يسود المجتمع الفرنسي. هذا الإرهاب لم يكن له نظير في كل التاريخ الحديث إلا في الثورة الروسية التي قامت عام 1917 وولدت النظام الشيوعي.

في الواقع أيضاً قامت هذه الثورة على أكتاف الرعاع؛ وإن كان لينين وتروتسكي وزينوفيه وكثير آخرون من المفكرين من رواد الثورة، ولكن الأداة المنفذة كانت من الرعاع ومنذ نشبت الثورة وإلى أن استتبت خسرت روسيا سبعة ملايين نسمة قتلوا في أثناء هذه الثورة، هذا شيء يجب أن يعرف عن أرضية العنف عن التربة التي نشأ فيها العنف، نفحص الآن العنف من الذي يقوم به وفقاً للإحصاءات فإن الثورة الفرنسية قام بها نفر قليل والذين صوتوا في فرنسا على الجمعية الوطنية يشكلون ستة بالمئة من مجموع سكان فرنسا اذهب إلى الثورة الروسية فسوف تجد أن الثورة الروسية حينما قامت كان قوام الحزب الشيوعي مئتي ألف مواطن من أصل مئتي مليون أي أن الذي قام بالثورة الروسية نسبته إلى مجموع الأمة نسبة واحد إلى ألف. فالحديث عن الثورات الشعبية من قبل حركات من هذا اللون حديث تكذبه الوقائع الراهنة بل يدل على أن عصبة منظمة استطاعت أن تهتبل فرصة مناسبة فتثبت على الحكم وبضربة خاطفة وعنيفة نكلت بخصومها فأوقعتهم في شلل حرمهم التفكير في المقاومة واستتبوا على هذه الأرضية التي ترون.. هذا واحد.. السمة الثانية وهي سمة مهمة كما يجب أن لا تغيب عن الأذهان للتربة التي ينشأ فيها العنف. أن العنف الذي رافق الثورة الفرنسية وَلَّدَ شرهاً وطمعاً كما أن العنف الذي رافق الثورة الروسية ولد شرها وطمعاً ففرنسا بعد ثورتها شكلت إمبراطورية جاست خلال الديار في أوربا وكان نابليون يركل التيجان بين قديمه وكان يثلّ العروش حيثما حل وكان يغزو مصر وحاول أن يغزو سوريا لولا أنه وقف عند أبواب عكا. فالأمة التي تمارس العنف لا بد لها من أن تتوسع في العنف لأن العنف طريق أوله صغير ونهايته بغير نهاية ودائماً قانونه الذي يحكمه أن أوله يطلب آخره باستمرار العنف بداية لا نهاية لها تعود الشعب الفرنسي على استعمال أساليب العنف وقضى على كل خصومه في الداخل فالتفت إلى الأمم المجاورة يمارس عليها أساليب العنف ويقيم عليها هذه القواعد العنيفة. فحطم العروش وأزال الممالك وفتح البلدان كذلك الشأن بالنسبة للثورة الروسية نجحت الثورة الروسية عام 1917 بعد أن أكلت من بنيها سبعة ملايين نسمع ومضت المدة الواقعة بين عام 1917 وعام 1924 وهي حياة لينين في تدعيم الأمر في الداخل، ورد خطر التحالف الأوربي الذي حاول أن يدمر الثورة الروسية وجاء ستالين إلى الحكم من بعد لينين، فلم يجد أثناء الصراعات الداخلية العنيفة فرصة تسمح له بتوجيه قوى الثورة خارج نطاق البلاد الروسية ثم قامت الحرب العالمية الثانية وانتهت الحرب العالمية الثانية، ومن عجيب المصادفات أو من التدبير المحكم؛ أن أركان الحلفاء أمريكا إنكلترا الاتحاد السوفياتي كل الأركان خرجوا من الحرب كما دخلوها بغير إضافة في الأرض، بغير مرابح على الأرض، إلا روسيا فالواقع أن أمريكا لم تحتل أرض الغير في الحرب العالمية الثانية، وكذلك فرنسا كذلك إنكلترا؛ بل نقول إن دول الحلفاء الثلاثة هذه، خسرت بعد الحرب العالمية الثانية ممتلكاتها خارج حدودها ما عدا روسيا فالواقع أن روسيا هي الدولة الوحيدة التي وجهت جيشها الأحمر بعد الحرب العالمية الثانية مباشرة لكي يحتل أقساماً من أوروبا الشرقية يُكَّوِنُ سكانُها ما لا يقل عن ستين مليوناً من البشر؛ على أية ذريعة على ذريعة تأمين سلامة الثورة وعلى ذريعة الحفاظ على مكاسب الثورة -هذا شيء ثانٍ- شيء ثالث ونحن نفحص الثورات نجد أن الثورات عموماً كالهرة تأكل أبناءها؛ فالذي يقوم بالثورة اليوم يمارس العنف على خصومه ولكن يجب أن لا يغيب عن البال أن كل فعل يتطلب رد فعل يوازيه ويكافئه وهذا القانون صادق في الإنسانيات كما هو صادق في الطبيعة فحين يمارس المنتصر العنف على خصومه ينتظر بالمقابل رداً لهذا الفعل موازياً لمقدار العنف الذي مارسه على الخصوم ومن هنا كان قانون الثورات الذي يحكمها باستمرار التصفيات المستمرة أعطوني ثورة واحدة قامت في الدنيا وبقي القائمون بها يحكمونها حتى النهاية.. لا يوجد.. بحجة التصفيات والتخلف عن متطلبات العصر وعدم التجاوب مع رغبات الشعب و. و.و. إلى آخر هذه الذرائع يأتي المنتصرون ليأكل بعضهم بعضاً. وأقول إن الذين قاموا بالثورة الفرنسية لم يبق منهم في -عهد حكومة الديركتوا- ولا أي مخلوق.

وأن الذين قاموا بالثورة الروسية والذين شكلوا المكتب الأعلى للجنة المركزية للحزب الشيوعي الروسي لم يأت عام 1936 إلا كان جميع أعضاء هذا المكتب -ما عدا ستالين- إما مقتولاً وإما منفياً إلى مجاهل سيبريا يتجمد في البرد والثلج، هذا القانون تلحظونه الآن في دول العالم الثالث لا يتخلف ولا يمكن أن يتخلف؛ من المسؤول عنه المسؤول عنه هو العنف لأن العنف دائماً يتطلب آثاره؛ وآثاره هي هذه لا غير، هذه هي التربة. لكن هذه التربة أو بالأحرى لكن تقديرنا لهذه التربة يبقى ناقصاً إذا نحن أغضينا النظر عن عدد من الأمور، مع الحرب العالمية الأولى -خضوعاً لضرورات الحرب- أصبح تدخل الدولة في الشؤون العامة شيئاً ضرورياً لتامين المرافق، تأمين السوقية، تأمين التموين، تأمين إلى آخره؛ ضرورة الحرب تقتضي وجود نوع من إشراف الدولة على جمهور شعبها، ولكن هذا الإشراف كان في الحرب العالمية الأولى ليس بارزاً إلى الحد الذي نراه؛ أما مع الحرب العالمية الثانية فقد اختلف الأمر أصبح تدخل العنف أي تدخل جهاز الدولة الذي يمثل قمة العنف السمة التي تطبع العصر بكامله سواء كان الذين كانوا يمارسونه دولاً رأسمالية أو دولاً اشتراكية لماذا هنا يجب نتبصر – يا إخوتي ويا أحبائي، أنتم في معظمكم شباب تحملون على أكتافكم مسؤولية هائلة عظيمة، نحن في الواقع بدأنا نسلم الأمانة دخلنا الكهولة وجاء الزمن الذي يتطلب منا أن نسلم الأمانة لكم أريد أن أقول لكم كلمة؛ الوقوف عند ظواهر الأمور شيء خطر ومضيعة للوقت في غير طائل ومشي في الظلام، اعرفوا كل شيء وفكروا في كل شيء وقبل أي شيء؛ اعرفوا في أي عصر تعيشون واعرفوا المواصفات الحقيقية للعصر الذي تعيشون فيه، و اعرفوا الإمكانات التي يمكن أن يقدمها هذا العصر سلباً أو إيجاباً قلت إنه مع الحرب العالمية الثانية أصبح تدخل الدولة أي جهاز العنف السمة التي تطبع العصر برمته فما قدمت لنا الحرب العالمية الثانية أبرزت إلى الساحة ثلاثة شياطين، الإدارة الحكومية، والعلم، والتكنولوجيا.

الإدارة الحكومية أصبحت تتدخل في الصغيرة والكبيرة، وتعطي نفسها حق الإشراف والتوجيه والتقرير والتنفيذ أي حق قولبة المجتمع البشري بل قولبة العقل البشري وصياغته على النحو الذي تريد، والتكنولوجيا سهلت على الإنسان ما كان يبذله من جهد يشعره بشخصيته ووضعت في يد الدولة. كل مقادير هذه الشخصية؛ ماذا كان من نتائج هذا؟ كان من نتائج هذا أن تضخم جهاز العنف وأن تضخم موضوع تدخل الدولة في شؤون الأفراد وأن تضخم الوضع الأبوي الذي تأخذه الدولة وأن تجسم هذا الدور حتى أصبحت الأجهزة الحاكمة في أي مكان من الأماكن تشعر بأنها وصية على الناس وبأنه لا يجوز للمواطنين أن يروا رأياً يخالف ما يراه الزعيم، ولا ينبغي لنا أن نسقط من حسابنا أن ثمة ظاهرة معروفة في التاريخ السياسي وهي أن الأجهزة الحاكمة دائماً حتى أفضلها وأمتنها تصاب بما يسمى بالتسمم بالحكم لمجرد أن تصل إلى الحكم تصاب بهذا التسمم، فترى أن الجهاز الذي تهيمن عليه أفضل جهاز، وأن أي إصلاح لا يمكن أن يتأتى إلا من هذا الجهاز.

ومن هنا كان دورها العنيف ودورها الخطر ودورها المخرب، هل استطاع المردة الثلاثة الأبالسة الثلاثة أن يضيئوا أمامنا الطريق لنرى هل تراجع العنف في الحياة الإنسانية أم تقدم؟ نرجع إلى الأرقام في التاسع من أيار عام 1945 شنت على مدينة طوكيو عاصمة اليابان غارة جوية دامت ست ساعات، كانت الغارة مكونة من 286 طائرة قاذفة ألقت على مدينة طوكيو 1670 طن من القنابل الحارقة فأحرقت 40 كيلو متر مربع من المدينة وتكشف الموقف عن قتل 84 ألف نسمة من أصل 67000 ألف نسمة هم قوام سكان مدينة طوكيو، 286 طائرة ألف وست مئة وسبعين طن من القنابل المتفجرة، في السادس من آب ألقت طائرة قاذفة واحدة على هيروشيما من ارتفاع 400 متر قنبلة واحدة بحجم البيضة أحرقت 11 كيلو متر مربع بواسطة النار والريح الحارقة من المدينة. وأسفرت هذه القنبلة عن قتل 160 ألف نسمة من أصل 240 ألف نسمة أين أصبحت النسب طارت مع الريح، الحروب الكلاسيكية أصبحت لعبة أطفال وأصبح العلم والتكنولوجيا والإدارة الحكومية يشكلان خطراً يهدد المجتمع البشري كله بالدمار والفناء فإذا أضفنا إلى هذا أنه بحلول عام 1957 وهو تاريخ قريب بالنسبة إلينا زادت القوة التدميرية باكتشاف القنابل الهيدروجينية عشر مرات نكتشف أن الخطر تجسم وأن العنف بلغ مراحل تنذر بالويل والثبور وعظائم الأمور، فإذا نظرنا أيضاً إلى أن العلم يقول لنا اليوم: إن الكيلو غرام الواحد من مادة اليورانيوم المشعة التي تستخدم في التفجيرات النووية تحوي ست مئة ألف كيلو قوة طاقية للانفجار، وعرفنا أن الذي أمكن استخلاصه من القوة التدميرية والتفجيرية هو واحد إلى ألف أدركنا أن القوة الرهيبة المتحصلة اليوم التي رفعت الأقمار الصناعية إلى القمر وإلى المريخ وإلى كوكب الزهرة تساوي واحد من ستين من القوة التي يمكن للعلم أن يستخلصها من المواد المشعة؛ إذا عرفنا هذا يقف شعر رأس الإنسان، أية طريق تسير فيها هذه البشرية من هنا نجد أن العملاقين الكبيرين اللذين هما روسيا وأمريكا اتفقا على أن لا يكون بينهما صدام نووي لأن الصدام النووي، يشكل دماراً كاملاً للبشرية وذلك ذروة العنف وهو النتيجة الطبيعية لغياب المراقبة الشعبية من الساحة لكنهما اتفقا على ماذا على السماح بالحروب الموضعية سأضرب لكم من الحروب الموضعية مثلين لتروا أنه حتى مع استعمال الأساليب الكلاسيكية التقليدية بأن الحروب الموضعية تشكل تهديداً خطيراً بما تملكه من آلة عنيفة جبارة في حرب كوريا التي استمرت ثلاث سنوات ثم ختمت بالهدنة استخدم ما يقرب من خمسة ملايين رجل في الحرب ومات في هذه الحرب مليون ومئتا ألف رجل ودمر أربعون بالمئة من القوة الزراعية في البلاد ودمرت سبعون بالمئة من الثورة الصناعية في البلاد في الجزائر وهي حرب موضعية قتل مليون قتيل في الجزائر باستخدام فرنسا لقوات حلف الأطلسي التقليدية الكلاسيكية سياسة الأرض المحروقة، تسمعونها أكثر من سبعين بالمئة من الأراضي القابلة للزراعة جرى إحراقها من قبل القوات الاستعمارية الغازية فأي دمار وأية قابلية للدمار تحملها هذه التطورات الرهيبة؛ نسأل أنفسنا هل تراجع العنف؟ لا.. نسأل أنفسنا أيضاً: ما مصير هذا البؤس والشقاء؟ سأذكر لكم يا أحباب عام 1945 وصلت ألمانيا إلى القاع حتى إن وزيراً من كبار الوزراء الحلفاء قال بكل مرارة وألم إنه وخلال قرون طويلة لم يسبق أن عانى شعب أوروبي هذه الحالة من الدمار والضياع والبؤس والشقاء شاعت على ألسنة الألمان مقطوعة شعرية يغنونها في الطرقات بعد أن فقدت ألمانيا عشرين بالمئة من سكانها وبعد أن دمرت فيها ثلاث مئة ألف مسكن، وبعد أن فقدت تسعين بالمئة من الرأسمال غير المنقول الذي تملكه كان الرجل منهم يمشي ويغني ويدندن بمقطوعة يقول: سقط الرجل في قبر جندي وسقطت المرأة في سرير زنجي، الرجل سقط في سبيل الوطن والمرأة سقطت في سبيل سيجارة، عرض المرأة كان يباع ويشترى بسيجارة أمريكية هذا الشقاء الرهيب من المسئول عنه يا إخوة، هل المسئول عنه الأبالسة الذين يسيطرون على العالم اليوم؟ أم المسئول عنه جماهير الشعب. الأبالسة باستمرار يحضرون طائراتهم التي تنقلهم وما سرقوا من أموال الأمة خارج مناطق الخطر -عند اللزوم- والشقاء والبلاء ينزل على الأمم، هل لم يكن في الإمكان أن نتصور طريقة أخرى لحل المشاكل نتفادى بها كل هذه المآسي نقول نعم وفرق المسألة كله أن الإسلام يرى أن حل المشاكل بإماتة نوازع العنف في ذات الإنسان الفرد، بينما لا يصحو الناس على العنف إلا بعد أن يستشري وبعد أن يصبح شيئاً لا سبيل إلى علاجه بحال من الأحوال.

نحن في الإسلام بدايتنا معروفة نبدأ النضال على مستويين، المستوى الأول: في داخل الضمير الإنساني حتى نذلل هذا الضمير ويكون قادراً على رفض العنف كوسيلة لحل المشكلات وهذا الميدان الإنساني الفردي له الأولوية المطلقة على كل نضال والنضال الآخر مع الظاهرات الاجتماعية لا مع الناس مع الظاهرات الاجتماعية كيلا ينصب حقدنا وكيلا تنصب نقمتنا على الإنسان من حيث هو إنسان بل على الظاهرة التي تطبع هذا الإنسان بطابع معين نحن نعطي الأولوية المطلقة للنضال الأول لماذا لكي ندفع إلى الوراء وبعيداً جداً سائر النزعات الشريرة التي تجعل الإنسان المسلم قابلاً لأن يستجيب للعنف ولكي نحمي الإنسان المسلم من أن يتلوث بشرور المجتمع الذي يعيش فيه ثم نعطي المستوى التالي الأهمية الأخرى وهو النضال ضد الظاهرات مع كل الذين يشاركوننا في آرائنا مع تقدير كامل لقيمة الحياة الإنسانية وقيمة النفس البشرية. أظن أنني إلى الآن استطعت أن أرسم  صورة مقاربة إلى حد ما للأرضية التي نشأ عليها العنف والأخطار التي تهدد البشرية نتيجة الأخذ بأسباب العنف وأظن أنه آن لنا بعد أن انفتح الباب كله أن ندخل رحاب الإسلام لنرى أية إنسانية وأية رحمة وأية شفقة وأي شعور عظيم للمسئولية الضخمة عن المصير البشري كله يحسه الإنسان المسلم، فإلى الأسبوع القادم أرجو أن أقف معكم في رحاب الإسلام وأرجو في الختام أن تتحملوا مثل هذه الوجبات العسيرة الهضم بقي لي معكم حديثان وبعدها سأخلد إلى الراحة وأترككم للتفكير في كل هذا الذي قلناه، وهو تفكير سوف يشقي كثيرين جداً لأنه تفكير إن أراده الإنسان بأمانة فسوف يؤرق ليله وسوف يشغل نهاره ونسأل الله تبارك وتعالى أن تكون أيامنا وليالينا خالصة لوجهه الكريم في خدمة دينه العظيم ونبيه الكريم صلى الله عليه وسلم.