الفنان لؤي كيالي في أوّليّته

فاضل السباعي

ولد "لؤي كيالي" في شهر كانون الثاني (يناير)  من عام 1934 بحلب, وكان ترتيبه الثالث بين أخوات ثلاث هو شقيقهنّ الوحيد, وقد افترق الأربعة عن أمّهم صغارًا, وأحجم أبوهم عن الزواج ثانية, فرعت الأولاد عمّاتٌ لهم كنّ يُشاطرنَ الأبَ حياتَه العائلية.

عرفتُ "لؤي" يافعًا في سنوات "الإعدادي" التي قضاها في ثانوية المأمون بحلب (وكانت تضمّ المرحلتين الإعدادية والثانوية). كان يهتمّ بالرسم أكثر من اهتمامه بكتبه المدرسية, وما كان ليكفّ عن ذلك حتى في أيام امتحاناته. ويوم حصل على "الثانوية" عام 1954, لم يستطع أبوه "حسين", الذي كان موظفًا لدى الكاتب بالعدل, أن يوفده لدراسة الفنّ خارج البلاد (ولم تكن "كلية الفنون الجميلة" قد أحدثت في القطر بعد) فانتسب لؤي إلى كلية الحقوق بدمشق, التي سرعان ما عزف عن الدراسة فيها، ولكي يكسب حياته, عمل في هيئة عسكرية بحلب تُعرف باسم "المُعتمديّة" بوظيفة "كاتب", لقاء راتب لا يزيد كثيرًا على مئة ليرة سورية بعملة ذلك الزمان.

كنت أراه يداوم على عمله المجهد في السابعة والنصف من صباح كلّ يوم, ويعكِف مساء, في بيت أهله, على لوحاته بهمّة لا تعرف الكلال. وكان يؤمّ بيته, غرفته الخاصة, أصدقاءٌ له وأقارب, يطّلعون على ما تخطّ ريشته من وجوه ومناظر, ويشترون ما يروق لهم من بواكيره الأولى, ويمضون بها ليعلّقوها على جدران بيوتهم, مزهوّين بأنّ صديقهم أو قريبَهم هو الذي رسمها, على مشهد منهم أحيانا!

أعترف بأني أشفقت على الشاب الموهوب أن تستهلكه الوظيفة, قبل أن تتاح له فُرصة دراسة الفنّ في منابعه الأصلية, ولكنّ الفرجَ أقبل, حين أوفدته "وزارة المعارف", أوائل العام 1957, للدراسة في أكاديمية الفنون الجميلة في روما (وكان وزيرها يومذاك الدكتور عبد الوهاب حومد).

وهكذا, بعد غربته الروحيّة في دراسة جامعية لم يُيَسّر لها وفي عمل كتابيّ كان قد أخذ يستنزف طاقته اليوميّة, وجد "لؤي" نفسه, وهو في روما, وسْطَ مناخ فنيّ يُمكّنه من الأخذ ومن العطاء معًا.

[مقتطف من محاضرة ألقيتها في "النادي العربي" بدمشق مساء 24-4-1979] (نُشر في جريدة "تشرين" اليوم يعدد 12839 في زاوية "أيام وليال") - - - - - - - - - -