روايتا المدهون الفائزتان بالبوكر الإماراتية

طارق مصطفى حميدة

مشروع تصفية ... لا مجرد تطبيع ثقافي      

  • البوكر العربية: بريطانية النشأة .. إماراتية التمويل

بحسب ما جاء في الموسوعة الحرة ( ويكيبيديا) فإن البوكر تعد من أهم الجوائز الأدبية المخصصة للأعمال الروائية باللغة الإنجليزية، وذلك منذ تأسيسها عام 1968. وتُمنح لأفضل رواية كتبها مواطن من المملكة المتحدة أو من دول الكومنولث أو من جمهورية أيرلندا.

وكذلك تُمنح الجائزة سنويا لعمل روائي واحد مترجم إلى الإنجليزية ومنشور في بريطانيا أو أيرلندا، ويتقاسم المؤلف الأصلي والمترجم القيمة المالية للجائزة وقدرها 50 ألف جنيه إسترليني.

تفرعت من الـ"بوكر" جائزتان عالميتان للرواية هما: جائزة بوكر الروسية التي تأسست عام 1992، وجائزة كاين للأدب الأفريقي عام 2000.

وفي نيسان/أبريل 2007 تم إطلاق الجائزة العالمية للرواية العربية، بالشراكة بين "مؤسسة بوكر" و"هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة" و"معهد وايدنفيلد للحوار الاستراتيجي".

  • ربعي المدهون والبوكر

للصحافي الفلسطيني رَبَعي المدهون روايتان أولاهما: (السيدة من تل أبيب) والتي بلغت مرحلة المجموعة القصيرة لجائزة البوكر عام 2010، فيما دخلت روايته الثانية: (مصائر) القائمة القصيرة عام 2016، ومن ثم فازت بالمرتبة الأولى.

ولكاتب هذه السطور مقالة مطولة بعنوان: ( أنسنة المحتل.. وشيطنة الذات.. والتخلي عن الحكاية، في روايتي ربعي المدهون: السيدة من إسرائيل ومصائر)، نشرت في العدد 269 من مجلة شؤون فلسطينية الصادرة في خريف 2017، وفيما بعد على موقع رابطة أدباء الشام بتاريخ 19/ 9/2019، تناولت فيها بالدراسة الروايتين المذكورتين.

وقلت في ختام الورقة:" لقد هوجم المدهون من قبل كثيرين واتهم بالتطبيع، وكذلك اتهمت الجائزة أو بالأصح من يقومون بأمرها، كما امتدح روايتي المدهون القطاعُ الأكبرُ ممن كتبوا عنهما خاصة بعد دخولهما القائمة القصيرة، ومن ثم فوز مصائر بالمرتبة الأولى، والذي لاحظته أن قسماً من المهاجمين التقطوا بعض العبارات من هنا وهناك وبنوا عليها مواقفهم دون أن يجهدوا أنفسهم في القراءة المعمقة، وكذلك فإن أكثر المادحين قد فعلوا ذلك انسياقاً مع إعلان اللجنة المنظمة دون إنعام النظر فيما يقرأون أو يكتبون، وفيهم الكثير من كَتَبة التقارير الصحافية من غير المتخصصين في النقد الأدبي، وكانت مهمتهم كتابة تقارير سريعة تريد اللحاق بحدث الجائزة والزفة، وهناك آخرون شعارهم شعار الرئيس الجزائري الراحل هواري بو مدين: " نحن مع فلسطين ظالمة أو مظلومة"، وما دام الكاتب فلسطينياً فإن عدالة قضيته تغني عن النظر في إنتاجه". ثم رجوت أن يتاح لي "عودة أخرى تستدرك ما فات، وتفصل بعض ما أُجمل، وتلج مداخل جديدة".

والحق أن وصف التطبيع – عند إنعام النظر في الروايتين- لا يعبر عن حقيقة الطرح ولا عن حجمه في الواقع، ولا نكون مغالين إذا قلنا إن الروايتين تشكلان مشروعاً تواطأ عليه الكاتب مع الدولة الممولة للجائزة والجهات القائمة عليها، أو استُكتب من قبلها، ليخرج علينا بمشروع لتصفية القضية، وربما كان كثير مما احتوته الروايتان بأقلام جهات معادية، يؤكد ذلك المضمون من جهة، والأسلوب الذي تظهر فيه ركاكة اللغة وتفككها وتباين مستوياتها، ما يوحي بأن هناك كلاما كُتب بغير العربية ثم جرت ترجمته إليها.

  • التغزل بالإمارات!!

في روايته الأولى: ( السيدة من تل أبيب)، والتي يحكي فيها رحلة له من بريطانيا إلى غزة عبر مطار تل أبيب، يصور ربعي المدهون قطاع غزة في غاية الفوضى والقذارة والدمار، ورائحة المجاري، ثم لا يلبث أن يستثني من كل ذلك المشهد السوداوي مدينة ( زايد) ويطيل النفَس مدبجاً فيها قصائد الغزل والمديح، فإذا بيت لاهيا وجباليا بعد أن كانتا في زمن سابق غيماً من حجارة وأخشاب ومعادن وكانت بيوتها لا شكل ولا لون ولا حدود ولا طرقات أو معالم واضحة قابلة للوصف:" .. وسط الركام الهائل، نبتت وحدات سكنية جميلة، ذات طرز عربية، وشبابيك نصف دائرية تذكر بمشربيات البيوت الدمشقية، تبتسم للقادمين من وسط بقايا نيزك البلدتين، .. سألت، فقيل لي إن الجميلة الباسمة وسط الخراب تلك، هي مدينة الشيخ زايد، التي بنيت بأموال ومساعدات من دولة الإمارات العربية المتحدة، وتم توزيع شققها على المعاقين وبعض أهالي الشهداء والمعدمين، ممن فقدوا بيوتهم في المعارك خلال عمليات الاجتياح المتكررة، ولم أرفع عينيّ عن المجمع السكني الذي تجاوزته سيارة عبد الفتاح، إلا بعد أن غسلتهما بملامح أمير طيب لم ينس فقراء التوأمين" ( السيدة من تل أبيب، ص236).

فالمدينة جميلة وسط الخراب، وعلى طراز معماري عربي، ثم هي بمساعدات دولة الإمارات للمعاقين والشهداء والمعدمين، ولم يرفع عينيه عن هذا الجمال المادي والمعنوي إلا بعد أن غسلهما بملامح الأمير العربي الطيب الذي سميت باسمه المدينة السكنية- ربما كان يقصد يكحل عينيه لكن خانه التعبير- أو لعله يريد أن المَشاهد في سائر قطاع غزة تلوث البصر ولا يطهرها سوى مشهد الأمير والمدينة المسماة باسمه!!

وربما لا يناقش الكثيرون في مواقف الراحل الشيخ زايد ووقفاته بالنسبة للفلسطينيين أو غيرهم من العرب، ولكن مما يؤكد أن هناك شيئاً ما وراء الأكمة، الطريقة التي سيق بها الكلام، ومتابعة الكاتب في مكان آخر من الرواية أن البيت الذي ابتنته والدته – والدة البطل/ المؤلف-، كان بفضل إخوانه الذين يعملون في الإمارات، ولولا عملهم لتشحططوا وظلوا في المخيم، تقول له والدته:" إحنا لو سكنّا المخيم وما بنيناش كان تشحططنا مثل الثانيين، البركة في إخوانك اللي في الإمارات، الله يديمهم ويسعدهم ويوفقهم في شغلهم"، ( السيدة من تل أبيب، ص 247).

العمار الوحيد في وسط الدمار الشامل في قطاع غزة هو مدينة زايد التي تبرعت بها دولة الإمارت!! ولولا إخوة الدهمان بطل الرواية الذين يعملون في الإمارات ما كانوا ابتنوا بيتاً جيدا ولظلوا مثل كثيرين في المخيم، وكأنه لا يوجد فلسطينيون في هذا العالم الواسع يبعثون الأموال لأهليهم ويقيمون الدور والعمارات إلا الذين يعملون في دولة الإمارات؟!

والذي يترجح لديّ أن هذا الموقف من كاتب الرواية ليس مجرد تزلف مبتذل للدولة الممولة للجائزة من أجل الفوز بها، بقدر ما هو دعاية رخيصة لتلك الدولة ولقيادتها وبالتالي سياساتها ومشاريعها تجاه القضية الفلسطينية والتي كانت روايته تلك والتي تلتها بعض تجلياتها.

وكان لافتاً أن بطل الرواية ( وليد الدهمان) الذي يمثل الكاتب نفسه ربعي المدهون، قد تكنى ب ( أبو فادي) وهي كنية القيادي الفلسطيني ( محمد دحلان) المقرب من حكام دولة الإمارات!!

  • شيطنة العرب والفاسطينيين

وتكاد تكون هذه هي وصلة المديح والغزل الوحيدة المتعلقة بالعرب والفلسطينيين من الأنظمة والتنظيمات، ولا يتعلق الأمر بالنقد الموضوعي البناء، بقدر ما يتعلق بما يسمونه في علم النفس ( جلد الذات)، أو بحسب المصطلح الأجنبي قبل الترجمة ( كراهية الذات/ self-hatred).

يظهر ذلك في موقفه من الثقافة الإسلامية وكل مفرداتها وتجلياتها من جهة، كما يتجلى في موقفه الرافض وبشكل قطعي لكل أشكال المقاومة وكل المناضلين وجماعاتهم وممارساتهم وأنشطتهم من حيث المبدأ لا بسبب أخطاء التجارب أو خطاياها فحسب، بما فيها الانتفاضة والمقاومة الشعبية.

ويبالغ في توصيف أخطائها بل ويلصق فيها ما ليس منها، حتى إنه ليزعم بأن من الفلسطينيين من كان يقوم بالأعمال النضالية طمعاً بعطايا الرئيس العراقي صدام حسين أو غيره، وأن حركة حماس مثلاً، جندت مريضة نفسية للقيام بعملية استشهادية كانت سلطات الاحتلال قد أعطتها تصريحاً للعلاج!!

  • مشروع التصفية

وفي روايته ( السيدة من تل أبيب) والتي لها اسم آخر : ( ظلان لبيت واحد) والسيادة في هذا البيت هي للسيدة الحاكمة في تل أبيب، حيث يبدو المدهون وكأنه  ينظّر في روايته لفكرة شعبين تحت حكومة واحدة هي الحكومة الإسرائيلية،  وأنه لولا انتفاضة عام 1987 لاندمج الشعبان بالتزاوج ولحصل الفلسطينيون على الجنسية الإسرائيلية، كما أورد على لسان أحد أقارب وليد الدهمان خلال نقاش سياسي عائلي: "عارف..هوّ لو ما صارتش الانتفاضة الاولى، وظلينا ع شعار زمان دولة علمانية ديمقراطية يمكن كانوا اندمجوا الشعبين مع بعض لأنو كتير فلسطينية اتجوزوا يهوديات ومن عرب إسرائيل وأخدوا الهوية والجنسية"، (السيدة من تل أبيب: ص 294).

فهو يذهب بعيداً في مشروعه التصفوي ويتجاوز ليس فقط الذين يطالبون بدولة للفلسطيميين إلى جانب دولة الاحتلال، بل وحتى أولئك الداعين لدولة واحدة تضم الفلسطينيين والصهاينة معاً ويقرران معا شكل الدولة وقيادتها.

وهذا القول مني ليس اجتزاءً مخلاً من كلامه بل إن المدهون يؤكده ويؤكد ما هو أبعد منه في مقابلاته الصحافية، حيث يرى أن:" ميزة هذه الرواية وتمايزها الرئيسي، أنها تركت تلك الصدامية للسياسيين ولصراخ محللي الفضائيات المسلح بالديماغوجية والشعارات الفارغة، فمهمتها ليست القتال، والصراخ ليس وظيفتها، فهي رواية راشدة تخطت ما سبقها، وأنهت حتى بقايا ما عرف بأدب المقاومة، تلك  المرحلة التي ذهبت بشخصياتها وأبطالها وحكاياتها أيضا"[1]، وقد اخترت هذا المقطع من كلامه لأرد على الذين حسبوه يكتب بلسان الفلسطينيين وطموحاتهم، حيث يقول دون مواربة إن روايته التي يصفها بالراشدة قد تجاوزت ما عرف بأدب المقاومة.

وإذا كان يدعو الفلسطينيين في الضفة والقطاع إلى الاستظلال بدولة الاحتلال وأخذ جنسيتها، فإنه يدعو فلسطينيي الشتات إلى التعايش مع المنافي حيث يضرب مثلا ببعض أبطال روايته الذين تحصلوا على جنسيات أجنبية وتصالحوا مع المنفى، كما يذكر في المقابلة الصحافية ذاتها.

وهو كما يبدو ما يعنيه بتسمية روايته الثانية ( مصائر) فلا داعي أن يظل الفلسطينيون يسعون إلى مصير واحد باعتبارهم كتلة موحدة متجانسة، فليقرر كل منهم مصيره بحسب ظرفه الذي يتواجد فيه، وليتصالحوا مع الوقائع التي يحيونها وليغادروا أوهام العودة والمقاومة والتحرير.

والمدهون منذ بداية روايته ( مصائر) يؤكد أن الأوطان والأديان سبب رئيس من أسباب النزاع وسفك الدماء، ولذلك فهو يسمعنا أغنية الشاعر والمغني اليساري جون لينون ( تخيل/ imagine):

تخيل أن لا وجود لبلدان ( أوطان )،

ليس صعباً أن تفعل،

لا شيء تَقتل من أجله أو تُقتل،

ولا وجود أيضاً لأديان،

تخيل الناس جميعاً يعيشون حياتهم بسلام".

فليتخلّ الفلسطينيون عن أوطانهم للمحتلين ولا داعي لأن يتسببوا في قتل أنفسهم أو غيىرهم، وليتخلوا عن دينهم حتى وإن كان دينهم دين الرحمة والعدالة والإنسانية، ما دام أن المحتلين يستغلون أساطيرهم الدينية في عدوانهم واحتلالهم، وعنصريتهم!!.

  • الإنجليز لم يكونوا مستعمرين!!

والغريب أن الكاتب ينسى دعوته للسلام وحرصه على عدم سفك الدماء حين يتعلق الأمر ببريطانيا، ذلك أنه يبدو حريصا على تكرار شكرها على أن أعطته جنسيتها بعد طول عناء وتشرد ومضايقات من الأشقاء في مصر وسوريا والعراق والأردن.

فالبريطانيون، كما يذكر المدهون في الرواية، لم يعودوا مستعمرين بغيضين في عيون إيفانا الفتاة الأرمنية العكاوية والتي ستصبح أم زوجة بطل روايته، حيث أحبت الضابط البريطاني جون ليتل هاوس أيام الانتداب وهربت معه، بل إن نظرة في عينيه كانت تعوضها عن زرقة سماء عكا كلها، وليس ذلك فحسب بل إن المدهون وهو يبالغ في وصف مشاعر ( الحب) ويرفض كل أشكال ( الحرب والعنف والمقاومة )، قد نسي نفسه فجعل بطلته إيفانا تبدو مستعدة حتى ( لحرب كبرى!!) من أجل عشقها فهي مستعدة: " لأن تفعل أي شيء لكي ترتبط بجون إلى الأبد حتى لو اندلعت حرب كبرى بين بريطانيا العظمى وساحة عبود، وتورط فيها أرمن عكا كلهم" ( رواية مصائر: ص 29).

وهي عبارة ملطفة تفيد استعدادها بحسب الكاتب، لأن يباد كل قومها وبلدها من أجل الاحتفاظ بالضابط المحتل جون!! وماذا كان يملك أهالي ساحة عبود أمام جحافل الإمبراطورية البريطانية وترسانتها العسكرية، وهل السلام المطلوب هو السلام للمستعمر وحده بحسب المدهون؟ وأما أشقاء الوطن فلا مانع من إبادتهم في سبيل هذا الحب ؟!

والمدهون بذلك يقدم فاتورة شكره لبريطانيا ولية نعمته ويعطيها صكاً للغفران أنها لا تعد مستعمرا كريها، ويعفيها من كل الجرائم التي ارتكبتها والدماء التي سفكتها أثناء احتلالها، وتسهيلها قيام دولة الاحتلال، وحتى لو أبادت الحي الأرمني في عكا عن بكرة أبيه لغفر لها ذلك!!

ثم يتابع الروائي الفلسطيني!! ابتذاله ونفاقه للبريطانيين بتشويه أهم رمز للثورة ضدهم وهو الشيخ عز الدين القسام، والشخصية المحورية التي كانت وما تزال محل إجماع كل أطياف الشعب الفلسطيني.

  • القسام وبريطانيا

يقول المدهون على لسان أم جميل العجوز الحيفاوية المسيحية: " أنا لما بقيت في بيتنا اللي أخذوه اليهود سنة الثمانية وأربعين، كان عز الدين القسام يصلي في الناس، هو اللي علمهن لجيرانّا الصلاة، علّمنا كلنا، كان يوقف قدام وإحنا وراه، إحنا النسوان دايماً ورا"، وتابع على لسانها أن ابنة الشيخ القسام كانت تطلب منها أن تدعو بموت كل اليهود وكل الإنجليز الذين قتلوا أباها.

ثم عادت أم جميل تكمل حكايتها قائلة:" يا حرام قتلوه وجابوه بالكارّة، العرباية اللي بيجرها حمار ابعيد عن السامعين، وأخذوه على يَعْبَد، وهناك قبروه، قتلوه للقسام بحيفا وشفت بعيني جثته ممدة على الكارّة" ( مصائر: 206).

وهذا التصوير للقسام ودعوته واستشهاده ودفنه وكلام ابنته يبعث بأكثر من رسالة سلبية، أولها أن الكاتب قد تجاهل نضال القسام وريادته في الثورة والجهاد بل أراد تشويهها عبر تشويه دعوته الدينية؛ حيث يظهر جلياً الموقف السلبي للمؤلف من الإسلام وشعائره فيركز على أن صفوف النساء في الصلاة تأتي خلف صفوف الرجال ليعتبر ذلك متناقضاً مع رؤاه الحداثية التي تتشدق بالمساواة بين الجنسين، ولاحظ عبارته: " إحنا النسوان دايماً ورا" وظلالها القاتمة في هذا السياق.

ثم قول الكاتب إن القسام كان يعلّم جيرانه الصلاة وفيهم النساء والأطفال، واختلاقه أنه كان يضم إليهم أطفال الجيران من غير المسلمين، يعني أنه يريد النيل من أخلاقيات الشيخ القسام وأخلاقيات أصحاب البيت الذين يستغلون صغر سن ابنة الجيران ليجعلوها تصلي صلاتهم في غفلة عن عيون أهلها!!.

وحين ينسب لابنة القسام أنها كانت تدعو أن يموت كل الإنجليز واليهود الذين قتلوا أباها وتطلب من صاحبتها أن تردد ذلك الدعاء خلفها، فهل أراد أن يجر ذلك الموقف على كل العرب والفلسطينيين، وأنهم بذلك انفعاليون عاطفيون هوجائيون عدوانيون همجيون، وأن الحل يجب أن يكون بالحوار والتسامح والتعايش مع المحتل، وهل مقاومة الاحتلال تعتبر حرب إبادة ضد دين معين أو قومية مخصصة؟

ويتمادى المدهون في تزويره ليقول بأن جثمان القسام كان على عربة يجرها حمار وأنه قتل في حيفا ودفن في قرية يعبد، في حين أنه استشهد في أحراش يعبد ودفن قرب حيفا، وأبى المشيعون إلا أن يحملوا الجثمان على أكتافهم من حيفا إلى المقبرة لمسافة تزيد عن الخمسة كيلومترات ورفضوا أن ينقل بالسيارات، ولم يكن ثمة داعِ حتى للخيول فضلاً عن الحمير.

ومن الواضح أن الكاتب يقصد النيل من الشهيد القسام بالتقليل من شأنه والحط من منزلته، بهذا التصوير والتزوير من أجل سواد عيون بريطانيا التي أعطته جنسيتها، ولو بأثر رجعي ضد من قاوموا استعمارها.

ولا يعفي الكاتب من مسؤولية التزوير والتشويه أنه أجرى الكلام على لسان عجوز كبيرة، أصاب الخلل الهارد ديسك الحاوي لذاكرتها كما أخبره ابنها، بل إنه قدم بهذه المقدمة التي اختلق فيها راويته العجوز المخرفة ليتنصل من المسؤولية إذا روجع، بدعوى أنه كلام عجوز خرفة تخلط الحابل بالنابل، علماً بأن الشخصيات العظيمة والقضايا الكبيرة والقيم السامية، لا يجوز أن تكون محلاً للتلاعب والسخرية والتصغير، إذ لا يفوت أي فلسطيني تاريخ الشيخ القسام وثورته ونضاله، ولا مكان استشهاده ودفنه، حتى يتلاعب المدهون بذلك كله، وبدلاً من واقعة تشييعه من قبل آلاف المشيعين وعلى الأكتاف يختلق قصة تسجيته على عربة يجرها حمار، إمعاناً في الإساءة والتحقير من رمز النضال الفلسطيني لأجل عيون بريطانيا!!.

وختاماً فهذا غيض من فيض، قصدتُ منه التدليل والتأكيد على العنوان، وهو أن روايتي ربعي المدهون لا تقفان عند حدود التطبيع الثقافي، بل إنهما تمثلان مشروعاً لتصفية القضية الفلسطينية يرعاه القائمون على الجائزة، وهناك مزيد تفصيل عن الروايتين في مقالتي سالفة الذكر لم أورده خشية الإطالة والتكرار.

 

[1] ) صحيفة الفجر اليومية الجزائرية http://www.al-fadjr.com/ar/index.php?news   137136%3Fprint.