جَدٌّ بلا أحفاد

مصطفى عكرمة

أُلقيتُ هذه القصيدة "جدٌّ بلا أحفاد" على اعتبار ما تمنيتُ أن يكون، وذلك يوم عقد أوَّل قران لأحدٍ من أبنائي، وكان عصر 31/8/1989م وقد منَّ الله عليَّ بعدها بأكثر مما ذكرتُه فيها من أحفاد، وقد شاءَ لها قدرها أن تخرج من ظلمة الأدراج إلى ما صُبَّ عليها اليومَ من نور...

عذرًا إذا ما هزني التحنانُ

والشِّعرُ رقَّ كأنَّه الألحانُ

اليومَ أمشي للكُهولةِ مسرعًا

وأنا بها مُتلذِّذٌ، هَيمانُ

فهي الوقارُ وإن تكن خطواتنا

ثقُلتْ بها... لكنها اطمئنانُ

لا تعجبوا من فرحتي بكهولتي

فمع الكهولةِ كم يكون أمانُ!!

قد كنتُ طفلًا ثمَّ شِبتُ، وفي غدٍ

جدٌّ تجمّعَ حولَهُ الصِّبْيانُ

كلٌّ له ما يشتهي من جدِّه

أوَلستُ جَدًّا ما له أقرانُ!!

فأنا البطولة عندهم، وأنا لهم

كنزٌ بكلِّ عجيبةٍ ملآنُ

لا يعتريني الضعفُ يومًا عندهم

كلاّ وليس لثروتي نقصانُ

أنا للجميع منفذٌ رغباتِهم

فيما يروْن... فكلُّهم سلطانُ

هذا «معاذٌ» جاء يطلب نجدتي

من بطش من نادتْه يا (شيطانُ)

يندسُّ في حضني، ويكمنُ آمنًا

إلاّ لهذا بئستِ الأحضانُ

ويفرّ نحوي «مصطفى» ممّا جنى

فأنا له ممّا جناه ضمانُ

وتراه يحرن إن أمرتُ وإنه

لَيلذُّ منه تمرُّدٌ، وحِرانُ

و«محمَّدٌ» يرجو لديَّ حكايةً

عمّا أجاد بفعله الشجعانُ

وعن الفتوحاتِ العظامِ لأمتي

والنصرُ تُعلي بَندَه الفرسانُ

وتجيؤني «هندٌ» تقبل لحيتي

فتشبُّ من تقبيلها الأشجانُ

وتروح ترجو أن تنال شفاعتي

عند ابنتي ليجيئها «الفستانُ»

ونبيلُ يقفز غاضبًا أو أشتري

حالًا له ما تحتوي الدُّكانُ

ويجرُّني «سعدٌ» إلى حاجاته

ما همّه أن جدُّه وَسنانُ

وأنا على «عمرٍ» أذوبُ توّجُعًا

إن آلمتْهُ بشقّها الأسنانُ

وأكاد من آهاته أقضي آسىً

وأودّ لو أني له قربانُ

وعلى صلاحِ الدينِ تذهب حسرةً

نفسي إذا ما سال منه بَنانُ

وبكلِّ آهٍ منهمو لي حرقةٌ

فهمو بقلبي كلُّهم صِنوانُ

ولأجلهم كلُّ الصغار أحبتي

وليَ الصغارُ جميعهم ولدانُ

أحببتُ حتى شِقوتي من أجلهم

إن يسعدوا فأنا بها نشوانُ

هم في ضميري، في فؤادي، في دمي

في مقلتي إن أقبلوا، أو بانوا

هم في سكوتي، في كلامي، في يدي

في مسمعي همْ... أينما هم كانوا

فأنا بهم أحيا المنى... وهمو على

هاماتِ كلِّ مطامحي تيجانُ

جدٌّ أنا جَدٌّ... وترجِعُ قوّتي

في قولها... ويهزّني التّحنانُ

فلكلِّ من يرجو، وما يُرجى ترى

«جدّو» هو المضمون، والضمّانُ

فإذا حلمتُ بغفوةٍ لدقيقةٍ

ألقى الصُّراخَ كأنه البركانُ

فإذا غضبتُ تبسمّوا فنسيتُ ما

فعلوا... فكان الصفحُ والغفرانُ

سبحانَ من في قولِ يا «بابا» ويا

«ماما» ويا «جدّو» له برهانُ

فسماعُها شلاّلُ موسيقى، ولا

أحلى... وتخجلُ عندُه الألحانُ

فأدِم إلهيَ للطفولةِ مجدَها

حسبي بسُؤلي أنَّكَ الرَّحمنُ