بين أزهارٍ وخِنْجَرْ

ثريا نبوي

بين أزهارٍ وخِنْجَرْ

ثريا نبوي

عاث في "أورْكَ" فسادًا ذلك الثورُ المُقدَّسْ

ماتَ "أنكيدو" وألْفٌ مِن مَهاري السِّلْمِ

عند الشاطئِ العاتي المُمَجَّسْ

فتَهاوَت ألفُ منديلٍ على أهدابِها نقْشُ الإباءْ؛

وارتقت نحو السماءْ..

حين عادت كربَلاءْ؛

وانحنى ظهرُ الصبايا والثكالى، وبكت عَيْنُ السماءْ

وورودٌ مِنْ دماءْ؛

خَضَّبَت ثوبَ الطريقْ

وانبرَى تِنِّينُ نارٍ مِن ظلامِ الغابِ يعوي

يرشِقُ الأفْقَ المُعَنَّى بالحريقْ

وتباريحِ الدمارْ

ثمَّ ما انفكَّتْ مَصارِعْ

إخوةِ المِلحِ تُلاحقْ

تُرْسَ ساعاتِ النَّهارْ؛

تنثُرُ العَوسجَ في وجهِ العقاربْ؛

لا تَرى عينُ الفُضولْ:

نَرجِسيَّاتِ الميولْ

زحفَ غَيْماتِ المغولْ؛

تُمطِرُ الوادي جِمالاتٍ مِن اللهبِ المُرابي وعناقيدِ الهلاكْ

أيُّ قلبٍ قد تحَجَّرْ؟

دبَّرَ الجُرحَ لقاءًا بين أزهارٍ وخِنْجَرْ؟

قلبُ طفلٍ قد تَفجَّرْ

باتَ عُنوانَ المجازِرْ؛

-تَذبحُ الحقَّ.. ذُؤاباتِ النَّهارْ-

صوتُ رُعبٍ وَشَمَ العُمرَ المُغادِرْ؛

في تُخوتِ الياسَمينِ الغَضِّ صَولاتُ التتارْ!

*****

مَن لِصُبْحٍ قد تَهاوَى في متاهاتِ الغروبْ؛

إذْ رأى الأقمارَ تَذوي بالتواءاتِ الدروبْ؟

ورأى إبليسَ قَزْمًا بين هاماتِ الكِبارْ

أيُّ أمطارٍ غِزارْ؟

أيُّ ماءِ الكونِ يا "عِشْتارُ" يمحو ذلك الغَبْشَ المُثَارْ؛

عن مرايا تعكسُ التاريخَ أو وجْهَ الحقيقةْ؟

أيُّ خيْطٍ من خيوطِ الضوءِ يَسبي ظُلْمةَ الوادي المُدَنَّسْ؛

بدماءِ السَّهرَوَرْديِّ القتيلْ؟

ودماءِ الياسَمينْ؛

نازفاتٍ في النُّجَيْماتِ التي اصطَفَّتْ على قَبْرِ الضَّميرْ

واشماتٍ عَلْقَمِيَّاتٍ وفي أكنافِها يُقْعي الفُجورْ

أيُّ أفعًى سَرقتْ من شاطئِ الخُلْدِ الزهورْ؟

آهِ يا جَلْجامِشَ الحُلْمِ الطريدْ

آهِ مِن طعمِ الليالي بين قُضْبانِ الحديدْ

فارسَ الحُلْمِ الشهيدْ:

وَيْ كأنَّ الجَفْنَ عند تعانقِ الآمالِ والآلامِ في حِضْنِ الضّرامِ؛

كان مطويًّا على الأفعى وزهرِ الخُلدِ والشَّطِّ البعيدْ!

*****

بيتَ همِّي  يا بلادي، يا جروحًا غائراتٍ في الفؤادِ

بين أهرامي وقاسْيونَ شَكاتي والتَّنادِي:

أنْصِتي؛ مِلحُ القوافي يُنتقَى مما نُعاني مِن عِنادِ

واسمعي شَدْوَ العصافيرِ.. التَّغنّي بالمُرادِ؛

في حقولِ القمحِ ترنو لقناديلِ الحصادِ

وانظُري كيف العَراجينُ التي اجْتُثَتْ بأسيافِ التَّمادي؛

تسدِلُ الأستارَ، تَنسى المُدَّعِي تحميلَها الأوزارَ في حَربِ "البَسوسْ"

واعلَمي: في الموتِ تحيا أبجديَّاتُ انتفاضاتِ الشعوبْ

واشهَدي كيف استحالَ القَيدُ في أيْدي الأُسارَى عَسْجَدِيَّاتِ اليقينْ

لا لِسَهْمٍ -إنْ تَحرَّرْ- لِجِعابٍ أنْ يئوبْ!

*****

مِنْ قُطوفِ النُّصْحِ أُسْدِي قبلَ تغريبِ المَفارِقْ:

فارفِقي بي واسكُبي الغيمَ على تلكَ الحرائِقْ؛

كفكفي دمعَ الزنابِقْ،

والتقيها.. دَثِّريها بالأمانْ

ذاتَ حُلْمٍ فيه تنسحِقُ المشانِقْ؛

ضمِّدي جُرحًا بقلبِ الأقحُوانْ

أشهِدي الصَّفصافَ إنْ صَفْوٌ يُعانِقْ،

واصدُقي الزَّنْبَقَ وعدًا في ظلالِ الأُرجُوانْ

ولْنَعُدْ خالاً -كما كنَّا- على خَدِّ الزمانْ!