نظام الأسد كنز لا يفنى
سهيل كيوان
«أعرف أننا كنا ضحايا مهزلة تاريخية، مهزلة تسلط الجيش على الحزب، والحزب على السلطة والسلطة على الدولة، والدولة على المواطنين، مهزلة قمع تَعمّم حتى سمّم كل شيء» ص 120 من رواية «مديح الهرب» للروائي السوري خليل النعيمي المؤسسة العربية للدراسات والنشر 2005. قوى إقليمية ودولية كثيرة تتصارع على الحلبة السورية، والجميع براغماتي، الجميع لا يستبعد أي تحالف مع أي كان كي يمرر المرحلة ويخرج منها بنصيب، أو بأقل ما يمكن من الخسائر، فلا يوجد رابح في هذه المحرقة التي انصهر بلظاها الشعب السوري والكردي وتهدد آخرين، ثمنًا أو عقابًا لشعب أراد أن يتحرر من نظام فاسد قمعي ديكتاتوري .
وإذا كان هناك رابح فهو مصانع السلاح الروسية والأمريكية، وربما الإسرائيلية والإيرانية وأخرى لا نعرفها، أما على رأس الرابحين إقليميا فهي إسرائيل.
النظام الذي ترنح وكاد يسقط بعد أشهر من بدء الثورة السورية ما لبث أن تماسك، والعجيب أن تماسكه هذا واستعادة توازنه إلى حد ما، حصل بعد استخدام السلاح الكيماوي، بعده تمت الصفقة بعدم السماح بسقوطه ريثما يسلم الكيماوي لتدميره وهذا ما حصل، ولكن خلال هذا ظهرت «داعش»، وهذا خدم نظرية النظام التي لجأ إليها منذ البداية، وهي اتهام الثائرين على فساده وقمعيته بالإرهاب والخيانة، وهي التهمة التي كانت جاهزة حتى من قبل الثورة، فخـــيانة الوطن أو التشكيك بقدراته لإضعافه كانت تهمة من يشـــكك بدور الحزب، ولمن يتحدث عن تحرير الإنسان خارج إطار سلطة القمع.»أقول بأسف وخوف، أحس أننا وقعنا ضحية جيش حُول قسرا عن الطريق التي عليه أن يسلكها، طريق التحرر والتحرير، ليصبح مجرد أداة إخضاعية لشعبه الأعزل» مديح الهرب ص118.
الحقيقة هي أن للنظام السوري واسطة قوية لدى أمريكا وحلفائها وإن كان الظاهر غير هذا، ولكن نتائج الواسطة تطفو على السطح، ومهما فعل ومهما ارتكب من جرائم، فهذه الواسطة تنقذه في اللحظة المناسبة، لأنها تريده أن يستمر في الحكم، ويكفيه وساطة أنه من الأنظمة الأكثر فسادا، هذا وحده كفيل بالحرص على إبقائه من قبل أطراف كثيرة وعلى رأسها إسرائيل، التي لن تفرط بهذا الكنز بسهولة، إلا إذا ضمنت بديلا أكثر خدمة لها مباشرة أو غير مباشرة وهذا شبه مستحيل. وهذا أحد الخلافات بين أمريكا ومن معها وتركيا التي تريد ثمنا لدخول المعركة ضد «داعش»، فهي تريد منطقة حظر جوي ودعما قويا للمعارضة المعتدلة، الأمر الذي قد يسرع في سقوطه وهذا أمر تحذر منه إسرائيل، وما تريده إسرائيل نافذ مع أمريكا وحلفائها.
تركيا متورطة إلى حد ما في الوحل السوري ،ولكنها تخشى أن يغرقها، تخشى دفع ثمن باهظ، يستفيد منه الأسد والمزغردون شماتة لفشل قبولها في عضوية مجلس الأمن المؤقتة.
لإسرائيل وآخرين مصلحة كبيرة بتوريط تركيا وإشغالها، خصوصا بسبب موقفها من ملف قطاع غزةوفضح جرائم إسرائيل والمطالبة بمعاقبة مجرمي الحرب على المنابر الدولية، إلى جانب رفضها التسليم بشرعية الإنقلاب في مصر.
وضعت تركيا شروطا كي تتدخل برا على الأرض السورية ضد تنظيم الدولة، فهي تفهم ما يدور تماما، وتعي اللعبة التي تلف وتدور لإبقاء نظام الأسد، بل وجعلها تدفع الثمن بدلا من أن يدفعه النظام وحتى معاقبتها وإشغالها.
تركيا تريد سقوط الأسد على أن يحل مكانه قوى معتدلة، وإسرائيل ترفض وبالتالي أمريكا لأن النظام يخدمها بالوجه الأفضل ولا تضمن من سيأتي بعده وكيف تتعامل معه.
مصلحة إسرائيل هي ببقاء نظام فتت شعب سوريا إلى طوائف، وحوّل الثورة السورية إلى معارك طائفية بثت سمومها على المنطقة كلها وما زالت.
ماذا تريد إسرائيل أفضل من الفتن والأحقاد الطائفية والمذهبية تشتعل من حولها! وأي أجواء أفضل لها من هذه كي تفتك بحقوق الفلسطينيين بل وتهدد بشكل صريح من خلال مشروع قانون لتقسيم المسجد الأقصى.
أضف إلى هذا أن النظام نجح بتنفير الناس من الثورات حتى صاروا يشكرون الله على نعمة الديكتاتورية والفساد والقمع والسجون لأن البديل هو الجحيم.
العداء للحراك العربي والتخوف منه جمع قوى كثيرة متناقضة معنية بإحباط الثورة السورية الشريفة، وقد نجحت هذه القوى وعلى رأسها أمريكا وإسرائيل والسعودية بشتى الطرق والأحابيل بتهميش الجناح المعتدل الذي ثار طالبا الحرية، لصالح قوى خرّبت على الثورة، حتى حشروا قوى كبيرة منها إلى الطائفية ثم الظلامية، وعندما وصلت إلى مرحلة قطع الرؤوس وسبي النساء ورجمهن تحالف الجميع ضدها.
ومن البديهيات المملة أن جميع المشاركين في الحرب على «داعش» لا ينسون التذكير بأن إسرائيل تمارس قمع الشعب الفلسطيني، إلا أن هذه تبقى مجرد التفاتة إنشائية في خطبة هنا أو مقابلة صحافية هناك.
تزداد أهمية النظام ويصبح الذخر الأكبر لإسرائيل بوضعه الضعيف اقتصاديا وعسكريا وإمكانية ابتزازه أكثر وأكثر، وخصوصا أنه مخترق مثل غربال، وتعرف إسرائيل كل ما يدور داخل أروقته بالتفصيل الممل.
إلى جانب هذا فوجود مجرم حرب يفوق إجرام إسرائيل يخدم مصالحها إعلاميا، ويمنحها مساحة أكبر من المناورة في ارتكاب الجرائم والتملص من العقاب.
بلا شك أن اتفاقات وتفاهمات تجري وجرت في الغرف المظلمة لا يراها المواطنون الذين ما زال بعضهم مؤمنا بهرطقات النظام ونظرياته المؤامراتية التي لا تنتهي، وبعضهم يعرف ولكنه عاجز وخائف، والبعض كسر حاجز الرعب وثار وتمرد وما زال يسبح في بحر متلاطم من المؤامرات والدماء والمآسي.»الحياة القبيحة التي نحياها وهي بمثل هذا الزخم من البلادة والسوء، لا خلاص لنا فيها، ومنها، إلا باضطرابات عظمى قد تتمخض ذات يوم عن نهايات مأساوية» مديح الهرب ص246.