القدس.. مسلمة – عربية - شامية - فلسطينية – لا صهيونية ... ولا صفوية
عقب ما اجترأ عليه رئيس أمريكي أرعن متغطرس ، ضج من غطرسته ورعونته الذين انتخبوه من أبناء وطنه ، تجد أمتنا ذاتها أمام استحقاقات ثقيلة مبهظة ، لا يتهرب من أعبائها ، إلا متخلٍ ، آبق ، متفلت.
إن قرار الرئيس الأمريكي يستهين بوجود هذه الأمة بحكامها وقياداتها ونخبها وشعوبها وتاريخها وحاضرها فيشرعن اغتصاب القدس المسلمة العربية الشامية الفلسطينية ، خارج إطار القانون الدولي ، ليكرسها عاصمة للكيان المحتل المغتصب ، القائم في أصل وجوده على الاغتصاب والاحتلال.
ولم يكن ما أعلنه ترامب في 6 / 12 / 2017 مفاجئا لأصحاب القرار ، وإن كان صادما للعقلاء على مستوى العالم . ولن تكون خطوته الشريرة هذه آخر الخطوات . إن قرار ترامب يقول بفعل واضح صريح : إن الحق في هذا العالم تصنعه القوة والغطرسة وترسانة أسلحة الدمار الشامل والصواريخ العابرة للقارات ، كما تصنعه أيضا أحقاد التاريخ التي عبرت عنها قبل أيام تغريداته العنصرية الكريهة المعادية للإسلام والمسلمين ...هذه هي رسالة ترامب في قراره الأخير ، وانتهى الكلام ، وحسم الجدال ، وما يجادل في الحق بعدما تبين إلا مريض العقل والقلب.
إن أول حقيقة تفرض نفسها على واقع المسلمين يجب أن يسلموا جميعا بها ، ويتحركوا على أساسها ، هي أن يعيدوا تقدير الموقف من حيث أنهم أبناء أمة تمتد من المحيط إلى المحيط .
أول حق أن تعود قضية فلسطين إلى أطرها الحقيقية : قضية إسلامية عربية شامية فلسطينية . وأن نبرأ من كل العملاء الصغار الذين يحاولون أن يقزموا القضية ، ويلتحفوها ليتاجروا بها كما نرى ونسمع غلى أيدي وألسنة الكثيرين .
إن على الذين يحملون الهم الحقيقي لمشروع الأمة أن يعترفوا بوحدة معركة الأمة ، وإن تعددت الجبهات . من الروهينغا إلى العراق إلى الشام إلى اليمن ، معركة واحدة على كل جبهة يقتل عليها المسلمون ، ويُهجرون ، وتغتصب أراضيهم ، ويسلط عليهم أعداءهم حكاما مستبدين وفاسدين .
لقد خاطب الله سبحانه وتعالى البشر العقلاء : " إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا " وقد آن الأوان لعقلاء الأمة ، وعلى ضوء ما أقدم عليه الرئيس الأمريكي ، أن يسموا أعداءهم بأسمائهم ، وأن ينبذوا إليهم على سواء ، وأن يكفوا عن المراوغة والمداهنة والضحك على الذات . لن يكون الذين أسسوا لهذا الكيان الدخيل وسطاء نزيهين ، لن يكون المجرمون الذين قتلوا الملايين من أبناء العراق وأبناء سورية تحت عنوان ( الثأر للحسين) أنصارا لا للقدس ولا للأقصى . وقد آن الأوان لإسقاط كل هذه السرديات الحالمة أو الواهمة أو مدعية الشيطنة على الشياطين . القدس مسلمة ومعركتها إسلامية . القدس عربية ومعركتها عربية . والقدس نبع البركة للشام المبارك العظيم ومعركتها شامية تناط بأبناء الشام أجمعين . ثم القدس فلسطينية مقدسية ، الدفاع عنها وحمايتها واجب الجميع وهمُّ الجميع .
أيها المسلمون ..أيها العرب ..أيها السوريون ..أيها الفلسطينيون
إنّ إعلان الرئيس الأمريكي ليلة أمس لم يكن مفاجئا لأحد ، ولكن أحدا من كل الأدعياء لم يعد لساعة صفر قرارا . هذا يريد اليوم قمة ، وذلك يريد مجلسا وطنيا ، وثالث لم يفكر حتى بتحضير بيان الإدانة والاستنكار.. نورد كل هذا لندرك أن هؤلاء الذين يلعبون في ملعبنا ، إنما يلعبون أمام أعيننا على أعيننا .
تُفرض على أمتنا حالة من الامتهان والتجاوز وتكريس كل أشكل العدوان على دينها وقيمها وأرضها وإنسانها ويجب أن تتحمل كل الأمة مسئولياتها للتصدي لمؤامرات المكر والكيد والعدوان . وإسقاط الحاطبين في حباله من الأدعياء والعملاء . سيكون قرار ترامب الأحمق انتصارا للمسلمين والعرب والفلسطينيين وللقدس والأقصى لو أنه أشعل فتيل الفعل الحازم الرشيد فتحولت الأمة عمليا من لغة الشجب والإدانة والاستنكار إلى الفعل المنجز المدروس .
إن ما فعله ترامب كان إهانة لمليار ونصف مليار من المسلمين ، وكان مؤلما لهم ، وإن أمتنا تمتلك الكثير من الأوراق الاستراتيجية والسياسية التي تؤلم بها ترامب وإداراته . وإنه قد آن الأوان لقادة هذه الأمة ونخبها أن تتحمل مسئولية قرارات جادة تضع حدا لسياسات التداعي والتنافس على قرارة المهانة والاستسلام كما يفعل اليوم الكثيرون .
إن أهم قرار تتخذه القيادات السياسية والمدنية للعرب والمسلمين طي جميع صفحات الخلاف البينية . والتفرغ لإدارة الصراع الجاد ، بوسائله المشروعة والمجدية ، على محوريه الصهيوني والصفوي . ولا يمكن لمسلم صادق في إسلامه ، ولا لعربي صادق في انتمائه ، ولا لمقاوم مخلص في مقاومته أن يجد في أحد هذين المحورين ملاذا أو ملجأ أو حليفا ولو إلى حين .