المتاحف التاريخية في تهامة والسراة وأهميتها في خدمة التاريخ المحلي

أ. د. غيثان بن علي بن جريس

gfsfgsgf1130.jpg

       أ . د . غيثان بن علي بن جريس

​المتحف: مقر (مكان) تجمع فيه محتويات تراثية، وتاريخية، وأثرية، وحضارية ذات أهمية علمية، أو فنية، أو ثقافية وغيرها.

ظهرت المتاحف في العصر الحديث في أوروبا في القرن (11هـ/17م) ثم ازدادت وتكاثرت وتطورت خلال القرون التالية حتى صارت اليوم بالآلاف وانتشرت في أرجاء العالم. وصدرت مئات الدراسات عن تاريخ المتاحف خلال القرون الخمسة الماضية (11ـ15هـ/17ـ21م)، ومعظم التراث المكتوب عنها بلغات أجنبية: كاللغة الإنجليزية، والفرنسية، والألمانية، والإيطالية، والإسبانية، والصينية، والهندية. وما زالت مصادر ومراجع اللغة العربية التي أرخت للمتاحف دون المأمول، مع أن الدول العربية والإسلامية مليئة بالمتاحف الوطنية (الحكومية) والأهلية.

​سافرتُ وزرتُ عشرات البلدان شرق العالم وغربه وشاهدتُ الكثير من المتاحف القديمة والحديثة والمتنوعة في محتوياتها، وإداراتها، وملكياتها، وأهميتها في خدمة التاريخ والحضارة. وإذا حصرت كلامي على المملكة العربية السعودية، ففيها الكثير من المتاحف الخاصة والأهلية، وبعض المتاحف الحكومية المحدودة، لكنها مازالت تحتاج اهتمامًا وعنايةً كبيرة على المستويين الحكومي الرسمي، والأهلي (الشعبي).

​بدأت أقرأ وأتجول في أرجاء تهامة والسراة، البلاد الواقعة بين حواضر اليمن والحجاز الكبرى، من تسعينيات القرن الهجري الماضي، وواصلت وما زلت مستمرًا أشاهد، وأبحث، وأكتب، وأسافر في مناكب هذه الديار حتى الآن (1447هـ/2025م). وعرفت وتأكدت أنَّها مستودع معرفي وحضاري كبير وفي شتى المجالات. ومن يقرأ تاريخ أهلها (تهاميين وسرويين) في الماضي والحاضر يجد أنَّ لهم تراثًا وموروثًا ماديًّا ومعنويًّا متنوعًا، لكن هذه البلاد مازالت غير مخدومة علميًّا وإداريًّا وتنمويًّا وسياحيًّا وحضاريًّا، ومن خلال الجهود الفردية وأحيانًا الرسمية في الستين سنة الأخيرة (1395ـ 1447هـ/1975ـ 2025م) ظهرت بعض المتاحف التاريخية التي تعكس شيئًا من تاريخ الأرض والناس في الزمن الماضي والحاضر. وفي الصفحات التالية أذكر لمحات مما سمعته، أو عاصرته، أو شاهدته عن هذا المجال في العقود الماضية المتأخرة، وأرصد مقتطفات من ذلك في النقاط التالية:

أ ـ جميع المتاحف التي رأيتها أو سمعت عنها موجودة في أبنية وأملاك خاصة لأصحابها، بعضها مقرات قديمة وأخرى في عمارات حديثة، أو مكونة من مرافق حديثة وقديمة. وجميع أصحاب هذه المتاحف من سكان السروات وتهامة، ويتفاوتون في أعمارهم من الثلاثينيات والأربعينيات إلى الثمانينيات، وكل الذين التقيت بهم من الرجال، ولا أعلم حتى الآن (1447هـ/2025م) هل هناك متاحف يملكها أو يقوم عليها نساء.

ب ـ كل المتاحف التي رأيتها أو سمعت عنها تتفاوت في مساحاتها، ومقتنياتها، وشهرتها، وتمويلها ورعايتها، واستفادة الناس منها، ومقراتها، فمنها: الموجود في قرى ريفية أو مدن وأمكنة نامية ومتمدنة. والذي علمته بشكل عام أنها لا تجد الدعم والرعاية الكافية، وفي الغالب يقوم على كل متحف شخص واحد، هو صاحبه الرئيسي الذي أسسه وقام عليه، وذهبت إلى بعض المحافظات للاطلاع على محتويات متاحف محدودة، فوجدت ملاكها الرئيسيين غير موجودين، فقد ذهبوا لبعض أعمالهم خارج قراهم ومنهم من تُوفي منذ زمن ليس بعيد، ولم نحقق أي نتيجة إيجابية من رحلاتنا إلى تلك المتاحف. ومن أكبر المعوقات التي تواجه أصحاب المتاحف الخاصة، اعتمادها على الجهود الفردية الذاتية غير المدعومة رسميًّا وشعبيًّا، وفي النهاية تندثر وتضيع.

ج ـ رأيت ووقفت على متاحف تعليمية، وزراعية، ومعارض رسامين ومصورين، ومتاحف تاريخية مليئة بالأدوات الاقتصادية المحلية القديمة في مجالات الرعي، والزراعة، والجمع والالتقاط، والصيد، وحرف وصناعات، وتجارات، وأدوات طبخ ولباس وزينة وغيرها. ومعظم أصحاب تلك المستودعات التاريخية التراثية بذلوا الكثير من أموالهم، وأفكارهم، ونشاطاتهم المختلفة بهدف الحفاظ على هذا الموروث والتاريخ الوطني، وإذا بحثنا عن جهود الوزارات والمؤسسات الرسمية المعنية برعاية وحفظ تاريخ وتراث البلاد فلا نجد لها الجهد الواضح والفعلي لخدمة هذه الأنشطة والجهود. وغالبًا نجد ضياع وتبدد هذا التراث بموت صاحب المتحف أو مرضه وعدم قدرته على مواصلة إشرافه وصيانة لمعرضه أو متحفه التاريخي.

د ـ يشاهد الذاهب في أرجاء البلاد التهامية والسروية آلاف المتاحف الطبيعية الماثلة للعيان، وهي القرى التراثية القديمة الموجودة في كل مكان. والكثير منها تهدمت واندثرت بشكل كلي أو جزئي، وما زال هناك مئات القرى الطينية، أو الحجرية، أو حجرية وطينية شاخصة أبنيتها ومرافقها من الحصون والقصور، والمنازل، والمساجد والجوامع، والآبار، والمقابر، والمدرجات الزراعية وغيرها. وكل هذه المعالم جزءٌ مهمٌ ورئيسي من تاريخ السروات وتهامة في عصورها الماضية.

(*) في نهاية هذا المقال أدون بعض الرؤى والمقترحات والتوصيات ذات العلاقة بالمتاحف وأهميتها التاريخية، وكيفية رعايتها ودعمها وأصحابها؛ لأنها من المصادر الرئيسية لتاريخ وحضارة البلاد.

وسوم: العدد 1130