حول محاولة ترامب تصنيف جماعة الإخوان المسلمين جماعة إرهابية

الغرب ..., والإسلام وخرافة المواجهة

* نستعير عنوان ( الإسلام وخرافة المواجهة ) من الكاتب البريطاني ( فريد هاليداي) ، الذي تحدث منذ أواخر الثمانينات ، عن الدعوات المحمومة ، التي تفتعل في نفوس بعض الغربيين ومن يقابلهم من المسلمين لافتعال حرب صليبية جديدة بين الغرب والإسلام والمسلمين .

نعتقد أن شواطئ البحر المتوسط هي الأكثر حميمية حضاريا وثقافيا ومجتمعيا على الرغم مما يبدو من شدة الخلاف . وتشكل هذه الشواطئ عتبات حيوية للتواصل بين العالمين الإسلامي والمسيحي الأوربي – الأمريكي . وإن تهدجت الأصوات .

* في يقيننا أن العالم اليوم يقاد إلى نوع من الاستقطاب ، بين الإسلام والمسيحية ، بفعل أشخاص مرضى ينتشرون على كل الجبهات لا يتبصرون بالعواقب . أشخاص لم تفلح دروس التاريخ ، في تغيير قناعاتهم ، او في ترشيدهم ليوفروا المزيد من الآلام على الإنسانية والإنسان.

* بالنسبة إلينا ، نحن المسلمين عامة ، وجماعة الإخوان المسلمين خاصة ؛ بتنا اليوم أكثر إدراكا ووعيا وتفهما ، أن الغرب ليس واحدا ، وأن ليس كل رجال الكنيسة الكاثوليكية هم أوربان الثاني ، ولا بطرس الناسك ، وليس كل رجال السياسة هم ريتشارد قلب الأسد أو لويس التاسع . وكذا ليس كل الأمريكيين هم الرئيس دونالد ترامب . نحن اليوم أكثر إدراكا أن في العالم أجمع وفي الغرب الأوربي والأمريكي عقولا وقلوبا يجب علينا أن نعترف بها وأن نعوّل عليها، لتبديد سحب الاستقطاب ، وسحب فتيل الأزمة المفتعلة ، والحيلولة دون الاستجابة اللاوعية لاستفزازات مجموعات وأفرادا من طبيعتهم الغلو والنزوع إلى الشر و الاندفاع إلى الحرب التي أمرت بتجنبها كل القيم والأديان .

* بتنا اليوم أكثر إدراكا أن إرادة الشر في العالم يسوسها أفراد معدودون ، ينتشرون بين العديد من الأطراف، بعضها فاعل ذرائعي ، يمسك بمفاصل القرار الدولي ، وقد افصحت عن نياتها المدمرة تجاه الإسلام والمسلمين في كثير من المجالات ، كان منها ما فضحه الكاتب البريطاني ( فريد هاليداي) . وكان منها ما أفصح عنه الرئيس الأمريكي الأسبق ( ريتشارد نيكسون ) في كتابه (نصر بلا حرب) ، حيث دعا قبل ثلاثة عقود إلى الاستعداد للحرب على ما دعاه ( الخطر الأخضر ) ، قبل أن يكون في بلاد المسلمين تطرف ولا متطرفون ، وقبل أن يقصف برجا التجارة العالميين ، وقبل أن تظهر التنظيمات الغالية من الإرهابيين ، وعزز هذه الدعوات المريبة ما كتبه صاحب صراع الحضارات ومحركوه ومناصروه .

* كما ندرك أن من هؤلاء الذين يسعرون نار العداوة والبغضاء بين الشعوب ، ويحاولون الاستثمار في هشيم الكراهية، مجموعةً من المستبدين الفسدة من الحكام العرب والمسلمين يرون في حراك الشعوب، وفي حيويتها، وفي تواصلها ، تهديدا لنفوذهم ولمصالحهم فيظلون يحرضون على من يدعون أنهم ( شعوبهم ) ، ويشوهون صورتهم ، ويخوفون منهم وهؤلاء أولى بالحرب ، وأولى بالمقاومة ، وأولى بأن تكف شرورهم وآثامهم عن حياة الناس أجمعين .

* ونذكر في هذا السياق فريقا ثالثا من المنتسبين إلى الإسلام ، والمحسوبين عليه ، شاركت في تكوين عقولهم ، وتشكيل وعيهم ، وتأليبهم لتكون لهم راية ، مجموعة معقدة من المدخلات والعوامل والظروف ، منها الجهل ومنها الظلم ومنها انسداد الأفق ومنها فقدان المعلم الحق والمرشد الناصح ؛ فلا هم فقهوا الإسلام ، ولا هم انطبعوا بقيمه الحقيقية ، وانضاف إليهم بفعل فاعل من دُس دسيسة على الإسلام والمسلمين ، مما صنعوا في مختبرات أجهزة المخابرات العالمية ، ليفتك كل هؤلاء بالمسلمين ، ويألبوا عليهم ، ويعطوا الذرائع لعدوهم باسمهم ، فكان هؤلاء مع ما يحملون من عناوين الإسلام وراياته أبلغ سلاح في النيل من الإسلام ، وقطع الطريق على مشروعه ، والإثخان في دعاته وأبنائه . ولقد شكل هؤلاء بما ارتكبوا يرتكبون من جرائم وفظائع ، وبما يصدرون من أصوات ويلقون من خطاب ، مع من سبقهم ، نفير حرب مدمرة سيجني العالم منها ، إن نجح هذا الثلاثي المشئوم ، المزيد من الشرور والآثام و الآلام .

* ليس من جبن ولا من خوف ولا ضعف نسطر اليوم هذا الموقف التاريخي ، ونحن نسمع الدعوات المستفزة الشريرة تتطاير حول العالم من أكثر من اتجاه ، ونتابع أطراف الشر الثلاثة يشتركون في إذكاء نار العداوة والبغضاء بين الشعوب والثقافات والحضارات. بل إننا نعلن من موقع الثقة بجميل وعد الله ، وبقوة كلماته التي أمر بها كل البشر بالحب والسلام ، أننا سنظل اليد الممدودة لكل الأخيار من محبي السلام على كل الضفاف والشطآن ، حتى نحول جميعا بين إرادة الشر وأن تحقق اهدافها وتلحق بالإنسانية جمعاء المزيد من الأذى ، والمزيد من العناء .

* منذ أكثر من قرنين من الزمان كتب الفيلسوف الألماني ( عمانويل كانت) كتابه ( نحو السلام الدائم ) ودعا فيه الإنسانية جمعاء إلى الالتقاء على ميثاق ، غير ميثاق القتل وسفك الدماء . وقرر فيه بجلاء لا لبس فيه أن ( الديموقراطيات لا تتحارب ) بمعنى آخر أن الشعوب كل الشعوب ليس لها مصلحة بالحرب . الأمهات لا يردن الحرب ، والآباء لا يردنها ، الزوجات لا يردن الحرب ، ولا يريدها الأطفال كذلك ، إنما يسعى إلى الحرب القادة المتغطرسون الذين يعميهم ويغريهم شعور بالقوة زائف كما كان شعور النازي والفاشي في الأمس القريب ، وإنما يسعى إلى الحرب المستبدون الفاسدون الذي يساندهم طغاة العالم ليسيطروا من خلالهم على مقدرات الشعوب . ردد (عمانويل كانت ) كثيرا أن السلام ( ليس من لقى الطبيعة وإنما تصنعه إرادة البشر ) . ونحن نعتقد أن الإسلام ومشروعه العالمي لنفي الفتنة عن حياة الناس هو شريك أساس في صناعة السلام لكل البشر.

* لقد انطلقت جماعتنا جماعة الإخوان المسلمين في سورية وفي العالم ، والتي ناهز عمرها على قرن من الزمان ، جماعة دعوية إسلامية خالصة . وظل شعارها دائما الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة . كما خضعت هذه الجماعة على مدى عقود مضت لأشكال الفتنة والمحنة والابتلاء فصابرت وصبرت وضحت ، لكي تنتقل بشعوب أمتنا المستضعفة إلى بحبوحة الحرية والعدل والكرامة الإنسانية ، التي هي جوهر المشروع الذي يدعو إليه الإسلام .

* لقد أكثر السيد المسيح في وصاياه من التحذير من الأنبياء الكذبة . وقال (من ثمارهم تعرفونهم) . وهذه هي ثمار الحكام المستبدين الفاسدين في عالمنا وعلى أرضنا . فهل يكفي في هذا المقام أن نختصر ثمار المستبد الفاسد بشار الأسد في تقرير منظمة العفو الدولية الأخير ، يحدث البشرية أجمع عن ( المسلخ البشري) في سجن صيدنايا الرهيب . أو هل يكفي لمعرفة بشار الأسد أن ترصد جريمته المسطورة في استخدام غاز السارين ضد أطفال رضع حصدهم في دقائق بالمئين ؟!

* . الأنبياء الكذبة هم الذين يصفون مشروع جماعة الإخوان المسلمين على أنه مشروع علو في أرض وفساد ، أو مشروع غلو وتطرف وجمود وإكراه ...ولم تدعُ هذه الجماعة قط إلا إلى الخير والعدل والبر والإحسان والمساواة والبناء والنماء والتعاون على البر والتقوى مع كل من يمد يدا بالبر والتقوى . وتاريخها وتاريخ رجالها العملي شاهد ، ووثائقها وميثاقها ومشروعها وخطابها الذي يبشر بالوسطية والاعتدال شاهد آخر .

* ليبقى لنا في إنسانية الإنسان وفي عقول العقلاء أمل نستمسك به للتصدي لعواصف الشر من أي جهة عصفت . ولتبقى دعوتنا القرآنية إلى الكلمة السواء مفتوحة قائمة . والله ربنا ولن يترنا أعمالنا. ونحن نحن الذين قال فينا ربنا ((الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ )) . حسبنا الله ونعم الوكيل ..

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 708