مالك شباز «مالكوم إكس» الباحث عن الحقيقة

المستشار عبد الله العقيل

(1346 - 1386ه / 1925 - 1965م)

مولده ونشأته

ولد مالك شباز «مالكوم إكس» يوم 29/2/1925م بمدينة متشجن في الولايات المتحدة الأمريكية، ونشأ في أسرة فقيرة من أب وأم، وعدد من الإخوة، والتحق بالمدرسة وكان متفوقًا لماح الذكاء، ولكنه فوجئ سنة 1931م بقتل أبيه وأعمامه على أيدي عصابات الأمريكان البيض، مما أحدث هزة عنيفة في نفسه، كما أن أمه أصيبت بانهيار عصبي، وأدخلت مستشفى الأعصاب، فتزعزع إيمانه بكل المثل الأخلاقية، ونقم على الجنس الأبيض، وانخرط مع العصابات في الإجرام والسرقة والمخدرات، مما أدى إلى سجنه نتيجة الصدامات والمشاجرات.

تطورات حياته

وفي سنة 1940م، انتقل إلى مدينة «بوسطن»، حيث تسكن أخته، فأقام عندها، وأقدم على مزاولة السرقة، ووقع بأيدي الشرطة، عقب سرقة كبيرة، وحكم عليه بالسجن عشر سنوات، قضى منها ثماني سنوات في السجن. وأثناء وجوده في السجن، تعرَّف على شخص من حركة المسلمين السود، جماعة أليجا محمد المسماة (أمة الإسلام)، فانخرط في صفوفها، وهذه الجماعة تدعو إلى تفوق الجنس الأسود، وسيادته على الأبيض، ووصف البيض بأنهم شياطين، وأن الملاك أسود، والشيطان أبيض، ويزعم زعيم الحركة «أليجا محمد» أنه رسول الله! وأن الإله ليس شيئًا غيبيًا، بل يجب أن يكون متجسدًا في شخص، وهذا الشخص هو «فارد»!! وهذه الحركة ترى العبادة في الصلاة التي هي عبارة عن التوجه نحو مكة، وقراءة الفاتحة، واستحضار صورة «فارد»!! والصوم عندهم في شهر ديسمبر من كل عام!! وعلى كل عضو في الحركة أن يدفع عشر دخله لصالح الحركة، وأن الإسلام سينقذ السود من سيطرة البيض عليهم.

وقد انغمس فترة السجن في القراءة المكثفة للكتب المتعلقة بتاريخ الأديان وتاريخ إفريقيا وسائر الكتب التاريخية والاجتماعية، حتى إنه كان يقضي قرابة خمس عشرة ساعة في القراءة المتصلة، ودخل في مناظرات مع القسس في السجون، ثم جاءته رسالة من أخيه يدعوه للدخول في الإسلام، والانضمام لجماعة «أمة الإسلام» التي يرأسها «أليجا محمد»، وذلك عام 1948م.

انضمامه لحركة السود

وبعد خروجه من السجن قابل «أليجا محمد» زعيم جماعة «أمة الإسلام» الذي ضمه إلى مجلس إدارة الحركة، وجعله إمامًا، فأبدى كفاءة نادرة، ونشاطًا في الدعوة للحركة، فزار الجامعات، والحدائق، والسجون، وألقى الخطب والمواعظ، وتأثر الكثيرون بفصاحته، وقوة بلاغته، وحماسته، ودخل كثيرون في الإسلام، ومنهم الملاكم «محمد علي كلاي» وأقبلت الصحافة والإذاعة وقنوات التلفاز تفتح الأبواب أمامه، وعقد المناظرات على الهواء، والدعوة لحركة «أمة الإسلام».

رحلته الأولى

وفي 1959م قام برحلة إلى مصر والسعودية، وذهب إلى مكة المكرمة، وقضى بها اثني عشر يومًا، وسُرَّ بما رأى من وحدة المسلمين على اختلاف أجناسهم وألوانهم، وقابل الكثير من العلماء، كما قابل الأمير فيصل ابن عبدالعزيز ولي العهد الذي قال له: «إن حركة (أمة الإسلام) فيها الكثير من الأخطاء التي تتعارض مع الإسلام الصحيح».

إسلامه الصحيح

وفي مصر قابل مفتي الديار المصرية حسنين محمد مخلوف، فأعلن إسلامه من جديد على منهج الكتاب والسنة، ثم عاد إلى أمريكا ليبدأ مرحلة جديدة من الدعوة إلى الإسلام الحق، ويواجه مرحلة خطيرة من حياته.

وهناك أعلن براءته من مبادئ حركة «أمة الإسلام» العنصرية، وحاول إقناع زعيمها «أليجا محمد» بأخطائه، ودعاه لزيارة الكعبة، ولكن «أليجا محمد» غضب عليه غضبًا شديدًا، واعتبره منشقًا عن الحركة، وطرده منها، وأعلن الحرب عليه، وكذا الصحف الأمريكية حاربته بشدة.

إنشاء جماعة جديدة

أقدم «مالك شباز» على إنشاء جماعة جديدة تلتزم بالإسلام الصحيح، وسماها «جماعة أهل السنة»، فكثر أتباعه، وبخاصة من السود، ولم يبال بتلك التهديدات، ولا تلك الحملات الصحفية التي وصفته بأنه يريد أن يدمر أمريكا، ويثير ثورة السود، ويشيع الفوضى والاضطراب في المجتمع الأمريكي.

لقاءاته ورحلته الثانية

وفي 1962م، التقى الأستاذ عبد الرحمن عزام - سفير المملكة العربية السعودية في الولايات المتحدة، ومؤلف كتاب «الرسالة الخالدة» والأمين العام السابق لجامعة الدول العربية، وكذا الدكتور الشواربي، فازداد فهمه للإسلام الحق، ثم رتب رحلة أخرى للبلاد العربية، والحج إلى بيت الله الحرام 1964م، وفي تلك الرحلة التي أدى فيها مناسك الحج، زار مصر ولبنان والكويت والجزائر ونيجيريا وغانا.

وفي الكويت، التقيناه في وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، وكان الوزير آنذاك الشيخ خالد أحمد الجسار، وكانت فرصة طيبة لنا أن نتعرف عليه أكثر من السماع به عن بعد، وأن نقيم الروابط معه ومع جماعته الجديدة التي تلتزم منهج أهل السنة والجماعة، ونزودهم بالكتب الإسلامية النافعة والدعم المادي والمعنوي، للثبات على هذا الطريق المستقيم، والمنهج الصحيح، وتلك كانت معرفتي به عن قرب.

انتشار دعوته

ولقد التحق بالداعية «مالك شباز» العديد من أنصار وأعوان «أليجا محمد» وفيهم ابنه «أكبر محمد» الذي تسمى فيما بعد باسم «وارث الدين» ولقد شاء الله تعالى أن يتسع نشاط «مالك شباز» وأن يعلو صوته، ويكثر أتباعه على مستوى القارة الأمريكية، وفي كل ولاياتها، مما أخاف العنصريين الأمريكان، ودعاة الصهيونية، وأتباع أليجا محمد، فراحوا يشوهون صورته، ولكنه بقي كالطود الشامخ ثابتًا على الحق، يعرض الإسلام كما جاء في كتاب الله وسنة رسوله (صلى الله عليه وسلم).

 

 

زيارتي لأمريكا

وحين زرت أمريكا 1968م قابلت «أليجا محمد» بصحبة الأخ اللبناني الدكتور أحمد صقر، تأكدت من الانحراف لدى «جماعة أمة الإسلام» بزعامة أليجا، بعد أن استمعت إلى أفكاره بلسانه أكثر من ثلاث ساعات، فحمدت الله على ابتعاد «مالك شباز» عنهم وخروجه من جماعتهم.

جماعة البلاليين

ومن الجدير بالذكر أنه بعد وفاة الزعيم «أليجا محمد» وتولي ابنه «والس محمد» الذي تسمى فيما بعد ب«وارث الدين» تغير حال الجماعة إلى الأحسن، فقد قام «وارث الدين» بتصحيح الكثير من أفكار الجماعة، وغير اسمها إلى «البلاليين» نسبة إلى الصحابي الجليل بلال بن رباح (رضي الله عنه) وذلك لأن «وارث الدين» كان متأثرًا بالداعية المسلم «مالك شباز» (رحمه الله)، فاتبع سياسة الإصلاح التدريجي لأتباع والده.

صفاته وكفاحه

لقد كان «مالك شباز» قوي الشخصية، صريحًا، خطيبًا مفوهًا، صارمًا في محاربة الظلم والظالمين ينشد الحق والعدالة والمساواة بين الناس جميعًا، دون تمييز بسبب العرق أو اللون أو الجنس، وكان يحقد على الأمريكيين البيض الذين يستغلون الشعوب، ويستعبدونهم، ويسلبون خيرات بلادهم، ويتعالون على الناس، وبخاصة في إفريقيا، ويسيرون في حربهم للزنوج داخل أمريكا مسيرتهم في حرب الهنود الحمر سكانها الأصليين الذين تعرضوا للإبادة الجماعية والتهميش، بسبب الاستعلاء والاستبداد من الجنس الأبيض، وأنه لابد من الوقوف بصلابة أمام هذه الغطرسة الأمريكية، وتحرير الزنوج وغيرهم من المستضعفين في الأرض، ولن يتم ذلك إلا بالعودة إلى الإسلام الصحيح والالتزام به، ودعوة الناس إليه، وإزالة كل المعوقات من طريقه، وبخاصة هذا الاستكبار والعجرفة من الأمريكان الذين يملكون المال والسلاح والإعلام، ويسخرون كل ذلك لإذلال الشعوب وقهرها وتجويعها، لتسير في ركبهم، وتخضع لسيطرتهم، مما يتطلب تكاتف المسلمين في الأرض، والوقوف بحزم وثبات وصبر ومصابرة أمام هذه الموجة العارمة من الطغيان الأمريكي، والمكر اليهودي، والتآمر الأوروبي، وقد أسس منظمة أسماها «مؤسسة المسجد الإسلامي» تجمع المسلمين على كلمة سواء.

وهذا الموقف الشجاع من «مالك شباز» كان السبب الأساس في استهدافه من قبل الخصوم للقضاء عليه وعلى حركته التوحيدية الكبرى، لأنهم عجزوا عن احتوائه، فقد كان صادقًا مع نفسه، ومع ربه، ومع الناس، ومتفانيًا في سبيل الخير والعدل لكل الإنسانية، وكانت قوته في بساطته وتواضعه للحق، وفي صرامته في محاربة الظلم الباطل، وهو من الرجال القلائل في هذا العصر الذين خاضوا بالإسلام معمعة الصراع، وأعطوا الإسلام صورته الحقيقية، وبخاصة في المجتمع الأمريكي الذي يعتبر الزنجي الأسود مخلوقًا منحطًا لا قيمة له، ومن أجل ذلك انطلق في جهاده لتحرير السود في أمريكا، ورفع مستواهم في المجالات التعليمية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية والروحية، وكون لهذا الغرض منظمة «الوحدة الإفريقية الأمريكية» لرفع قضية السود في أمريكا إلى محكمة العدل الدولية والأمم المتحدة، لتحقيق مطالبهم الإنسانية ثم المدنية.

من أقواله

- «سوف يقتلني البيض العنصريون، والزنوج الذين اتخذوا الإسلام وسيلة لأطماعهم، إنني أشعر أنني لن أعيش طويلًا، وأنني سأقتل، ولكني أريد أن أقوم بعمل يخدم قضية الزنوج وقضية إفريقيا وقضية الإسلام.

لقد قلت لمن التقيت بهم في «غانا» من الزنوج الذين تخلوا عن جنسيتهم الأمريكية، وفضلوا العودة إلى إفريقيا: إن الاثنين والعشرين مليونًا من الأفرو - أمريكان بالولايات المتحدة، من الممكن أن يكونوا قوة إيجابية لصالح إفريقيا، وفي الوقت نفسه، فإن الدول الإفريقية يمكنها وعليها أن تقوم بدور القوة الإيجابية على المستوى الدبلوماسي ضد التعصب العنصري في أمريكا، إن إفريقيا تضيّع وقتها لو لم تنتبه إلى أن أمريكا العنصرية هي وراء كل انتصار استعماري، وقهر ثوري في الأرض الإفريقية.

إن الرجل الأمريكي يجب أن يتعلم أن الزنجي لن يستمر مكتوف الأيدي، يتسول حقوقه، حيث لا طريق أمامه.. إن الزنجي الأمريكي عليه أن يعرف أن لديه أسانيد قوية كافية لأن يتهم الولايات المتحدة الأمريكية أمام هيئة الأمم المتحدة بانتهاك حقوق الإنسان».

ويقول مالك شباز متحدثًا عن مجتمع الحج بمكة المكرمة الذي أثار في نفسه شتى الخواطر:

- «إننا نحن المسلمين في أخوة حقيقية تنبذ كل اعتبار للجنس من فكرها، ومن أفعالها ومن سلوكها. لقد فكرت وأنا في الحج أشاهد موكب الحجيج من المؤمنين من كل الأجناس، وأرقب الأخوة والمساواة بينهم في كل شيء، فقلت: لو أن الأمريكيين البيض كانوا يقرون بوحدانية الله، فلربما كانوا هم أيضًا يتمكنون من الإقرار بالمساواة الإنسانية، وأنهم سوف يكفون عن مجابهة الآخرين والإضرار بهم لأسباب تتعلق باللون.

ولما كان التمييز العنصري هو سرطان أمريكا الحقيقي، فإن «مسيحيينا» البيض لابد لهم من أن يعكفوا على الحل الإسلامي للمشكلة - وهو حل قدم براهينه - وربما كان بإمكانه أن يتدخل قبل فوات الأوان، لإنقاذ أمريكا من كارثة توشك أن تحل بها، هي الكارثة نفسها التي انقضت على ألمانيا العرقية، وانتهت إلى تدمير الألمان أنفسهم..».

قالوا عنه

يقول الأستاذ إبراهيم عبد الرحمن في مجلة «الغرباء» اللندنية:

«لقد بلغ نشاط مالك شباز «مالكوم إكس» ذروته بعد عودته من الحج، وكانت طفرة شاسعة تلك التي نقلت الفتى المتشرد، الذي سار شوطًا واسعًا في طريق الإجرام، وجعلت منه ذلك الإنسان العملاق الداعية إلى الخير والهدى والطريق المستقيم. نعم إنها لطفرة واسعة تلك التي وصلت به إلى أن يكون تلميذًا من تلامذة معلم الخير، وأن يكون داعية إلى الله على بصيرة وهدى من الله.

ولم تكن قوى الشر لتغفل عن الخطر الذي يتهددها من جراء نجاحه وانتشار دعوته، فقوى الشر تعلم الاستعداد الفطري عند الناس لتقبل الإسلام، وتعلم أن توافر داعية متفان في سبيل الإسلام مثله سيعني استجابة شعبية هائلة كانت علائمها الأولى قد بدأت تظهر واضحة جلية، ولذا سارعت قوى الشر إلى تدبير المؤامرة الآثمة».

 

 

وفاته

فيما كان واقفًا يلقي خطبة في «المنظمة الإفريقية الأمريكية» في حي هارلم حي الزنوج المعروف بنيويورك، انطلق فجأة عشر رصاصات مزقت وجهه وصدره، وسقط مضرجًا بدمائه، وكان ذلك يوم 21/2/1965م على يد أتباع أليجا محمد الذين اعترفوا، ولكنهم نفوا أن يكونوا مدفوعين من أليجا نفسه، بل إنهم تصرفوا من ذوات أنفسهم، وكان عمره أربعين سنة، وترك زوجة أرملة وأربع بنات.

نسأل الله أن يتغمده برحمته ورضوانه، وأن يتجاوز عن سيئاته، ويدخله جنته، والحمد لله رب العالمين.