مدبر عملية ميونخ ومؤسس منظمة أيلول الأسود محمد داود عودة

محمد فاروق الإمام

taraj898.jpg

ولد محمد داود عودة (أبو داوود) عضو المجلس الوطني الفلسطيني وعضو المجلس الثوري لحركة فتح, في التاسع عشر من مايو عام 1937م في بلدة سلوان القريبة من القدس. كان أحد قادة منظمة أيلول الأسود بالإضافة إلى أبو إياد مؤسس هذه المنظمة وأبو محمد العمري المسؤول عن عملية اغتيال وصفي التل في القاهرة و علي حسن سلامة (أبو حسن سلامة) وآخرين غيرهم، حيث تم إيفاده للمشاركة في أول دورة أمنية أوفدتها حركة فتح منتصف العام 6819م ضمت عشرة من الرعيل الأول المؤسس للمؤسسة العسكرية والأمنية الفلسطينية التي ستبهر العالم فيما بعد وستضع القضية الفلسطينية، وتحولها من قضية اللاجئين إلى قضية شعب وهوية، وقد شارك في هذه الدورة فخري العمري، علي حسن سلامة، ومجيد الآغا، وغازي الحسيني، ومهدي بسيسو، ونزار عمار، وشوقي المباشر، ومريد الدجانى، حيث تم توزيع عمل هؤلاء القادة الأمنيين فيما بعد تحت مسؤولية كل من الشهيد أبو عمار والشهيد أبو جهاد، والشهيد أبو إياد، ومن المعروف أن هذه الدورة تمت في معهد البحوث الإستراتيجية التابع للمخابرات العامة المصرية والمتخصص في تخريج قادة العمل الأمنى والعسكري. عمل مدرسا للفيزياء والرياضيات في إحدى مدارس أريحا قبل أن ينتقل للعمل في الكويت تولى أبو داود قيادة المليشيات الفلسطينية في الأردن التي كانت تضم أربعة عشر ألف مسلح، وشارك في أحداث أيلول التي عُرفت باسم أحداث أيلول الأسود عام 1970م، والتي وقعت في الأردن.

شارك في التخطيط وأشرف على التنفيذ في الهجوم الذي استهدف الفريق الإسرائيلي في دورة ميونيخ الأوليمبية عام1972م، التي سميت بعملية ميونخ فيما بعد.

قاد في عام 1973م فريقاً من الفدائيين الفلسطينيين للقيام بعمليات في عمّان تهدف إلى السيطرة على مجلس الوزراء الأردني والسفارة الأميركية في عمان بهدف الإفراج عن المعتقلين الفلسطينيين في سجون الأردن، إلا أن العملية كُشفت، وحُكم على أبو داود ومرافقيه بالإعدام إلا أن الحكم خُفِّف بعد ذلك وأُفرج عن أبو داود بعد عدة أشهر بعد زيارة قام بها الملك حسين إليه في سجنه. انتقل أبو داود بعد ذلك إلى بيروت، وعُيِّن قائداً عسكرياً لمنطقة بيروت الغربية وخاض حرب العامين 1975 و7619م التي وقعت في لبنان.

اختلف أبو داود مع رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات عام 78، وذلك بسبب قبول عرفات وقف إطلاق النار أو باتفاق وقف إطلاق النار مع الإسرائيليين آنذاك. تعرض أبو داود لمحاولة اغتيال في وارسو عام 1981م، وأُصيب بسبع رصاصات في أماكن مختلفة من جسده، إلا أن هذه الرصاصات لم تمنعه من الركض وراء الشخص الذي حاول اغتياله في ردهات الفندق. حتى إن كثيراً من الحضور كانوا ينظرون إلى المشهد وكأنه فيلم سينمائي، وظل أبو داود ينزف طيلة ساعتين حتى وصلته سيارة الإسعاف.

عايش أبو داود الخروج الفلسطيني من بيروت عام 1982م، كما كان وسيطاً رئيسياً في الخلاف الذي دب داخل حركة فتح عام 1983م بين أبو موسى و ياسر عرفات، وانتهى بخروج عرفات من طرابلس عام 1984م.

كان صديقاً لأبي نضال ثم خصماً له، حتى أن محاولة الاغتيال التي وقعت لأبي داود في وارسو كان وراءها أبو نضال، صديق حميم لأبي إياد منذ بداية انتمائه لحركة فتح وحتى استشهاد أبو إياد بعد ذلك في تونس. في صيف 1999م، فجّر القائد العسكري الفلسطيني السابق محمد داود عودة (أبو داود) قنبلة غير عسكرية هذه المرة، وهو المسؤول عن تفجيرات عسكرية كثيرة، حين نشر كتابه (فلسطين من القدس إلى ميونخ) الذي يتحدّث فيه للصحافي الفرنسي جيل دو جونشية، عن رحلته من مسقط رأسه في سلوان بالقرب من القدس إلى تخطيطه لعملية ميونخ، واعترافه بمسؤوليته المباشرة عن تلك العملية، التي أودت بحياة 11 رياضياً صهيونياً ورجل شرطة وطيارين ألمانيين، ونافياً أي علاقة لآخرين ارتبطت أسماؤهم بمنظمة أيلول الأسود أو ميونخ بتلك المنظمة أو العملية أمثال أبو حسن سلامة الذي اغتيل في بيروت عام 1978م رغم أنه أصدر بياناً بمسؤولية المنظمة عن إحدى العمليات التي قام بها، وكذلك أبو يوسف النجار الذي اغتيل في عملية فردان في بيروت عام 1972م والذي أصدر بياناً أعلن مسؤولية منظمة أيلول الأسود عن اغتيال وصفي التل رئيس وزراء الأردن، وحتى خليل الوزير الرجل الثاني في فتح الذي اغتالته المخابرات الصهيونية عام 1988م في تونس، لم يكن له علاقة بمنظمة أيلول الأسود أو عملية ميونخ، رغم أنه أصدر في إحدى المرات بياناً أعلن فيه مسؤولية أيلول الأسود عن عملية نفّذها رجال أبو جهاد في بانكوك، وهذا كله على مسؤولية أبو داود، بعد سنوات طويلة من الصمت، ويشار هنا إلى أن جهات عديدة في منظمة التحرير ساءها نشر هذا الكتاب، واتهمته بأنه يزيف التاريخ بنسب مسؤولية عملية ميونخ لنفسه مثله مثل الآخرين الذين ذكرهم!! حيث أن المسؤول المباشر عن العملية كان أبو محمد العمري (طلال) الذي درب الشباب وأوصلهم ثم ذهب إلى تونس ليدير العملية من هناك حسب ما ذكر أبو إياد بنفسه في كتابه فلسطينيي بلا هوية عام1987م.

و لدى الإعلان عن نشر الكتاب بالفرنسية، وإعطاء أبو داود أحاديث عديدة للصحافة عن حقيقة ما حدث في ميونخ بالأسماء و المعلومات، أعلنت (إسرائيل) عن عدم سماحها لأبي داود بالعودة إلى فلسطين، والتي كان دخلها في ظروف سمحت فيها (إسرائيل) لأعضاء المجلس الوطني الفلسطيني بالدخول إلى غزة لعقد اجتماع حضر جلسته الافتتاحية الرئيس الأمريكي بيل كلينتون وقرر المجلس إلغاء بنود في الميثاق الوطني الفلسطيني كانت (إسرائيل) تشترط إلغاءها. ولم تكن (إسرائيل) وحدها التي أثارها ما قاله أبو داود من معلومات جديدة عن عملية ميونخ، فالأرجح أنها كانت تعرف الكثير من الحقائق عن تلك العملية وعن مسؤولية صلاح خلف (أبو أياد) وأبو داود عنها، بل أعلنت فرنسا مثلاً بأن أبو داود شخص غير مرغوب فيه ومنعته من دخول البلاد عندما دعته دار النشر (أن كاري ير) التي أصدرت كتابه (فلسطين: من القدس إلى ميونخ) للحضور إلى فرنسا احتفالاً بصدور الكتاب.

وأصدرت ألمانيا مذكرة توقيف بحق أبو داود لاعترافه بمسؤوليته عن العملية التي جرت فصولها الرئيسية على أرضها. والمذكرة أصدرها المدعي العام في جمهورية بافاريا ألفريد فيك، و لم تكن تلك المرة الأولى التي يحدث فيها هذا، ففي عام 1977م أوقف أبو داود في باريس، بموجب طلب تسليم من محكمة بافاريا، و لكن السلطات الألمانية الفدرالية أبطلت ذلك الطلب في حينه وأبلغت فرنسا بذلك، وحظي أبو داود بتكريم بعض الجهات، فمنح جائزة (فلسطين - محمود الهمشري) والهمشري كما أشرنا ممثل منظمة التحرير الفلسطينية الذي اغتيل في فرنسا عام 1973م، لسنة 1999م، تكريماً له بعد نشر كتابه، وأنشأت الجائزة جمعية التضامن العربية - الفرنسية و مجلة فرنسا - البلاد العربية، بعد اغتيال الهمشري.

توفي أبو داود في دمشق في 3 تموز عام 2010م ودفن في مخيم اليرموك.

وسوم: العدد 898