الأستاذ محمد حامد أبو النصر، المرشد الرابع للإخوان المسلمين

المستشار عبد الله العقيل

(1331 - 1416ه / 1913 - 1996م) 

مولده ونشأته

هو الأستاذ محمد حامد أبو النصر، ولد في مدينة (منفلوط) التابعة لمحافظة أسيوط يوم 6 من ربيع الآخر 1331ه الموافق 25/2/1913م، وهو سليل أسرة كريمة تتصل بالشيخ علي أحمد أبو النصر، من رواد الحركة الأدبية بمصر، وهو عالم أزهري شارك في التجهيز للثورة العرابية حتى قرر الخديو توفيق تحديد إقامته في منزله بمنفلوط، ثم تخلّص منه بدس السم له فمات سنة 1880م، إذ كان من المعروف أن الشنق للعلماء يثير غضب الشعب على حكامه، وأسرة أبو النصر تنحدر أصولها من نسل الإمام علي (رضي الله عنه).

وقد تلقى الأستاذ محمد حامد أبو النصر تعليمه في المدارس، وحصل على شهادة الكفاءة سنة 1933م، وكان متميزًا في بداية عمره بالمشاركة الاجتماعية، والعمل الإسلامي، فقد كان عضوًا في جمعية الإصلاح الاجتماعي في منفلوط، وعضوًا في جمعية الشبان المسلمين سنة 1933م.

نشاطه الدعوي

انضم إلى الإخوان المسلمين سنة 1934م، واختير عضوًا في مكتب الإرشاد العام، وكانت بداية تعرفه على الإخوان من خلال صديقه الشيخ محمود سويلم الواعظ الأزهري، الذي كان يحدثه كثيرًا عن الإمام الشهيد حسن البنا، وعن جهاده في سبيل رفعة الإسلام والمسلمين، وحين علم صديقه محمد عبد الكريم بوجود الإمام الشهيد حسن البنا بجمعية الشبان المسلمين في (أسيوط) كلمه هاتفيًا ودعاه لزيارة (منفلوط) فزارها في اليوم التالي، وألقى محاضرة، ثم انتقل إلى دار أبي النصر، وكان عهد وكانت بيعة. ومنذ ذلك الحين التفَّت مجموعة من الشباب حول الإمام البنا في منفلوط، فكانت شعبة الإخوان المسلمين التي زارها الإمام الشهيد حسن البنا، وسجَّل العبارة التالية:

«دعوتنا قصة من قصص القرآن الكريم، فيها عبرة وعظة وهداية ونور، إن بدت اليوم أحدوثة في أفواه الناس، فهي في الغد حقيقة في مجتمعاتهم، وفي دار الأرقم بن أبي الأرقم نبتت الدعوة الأولى، وفي هذه الدار يعيد التاريخ سيرته، {وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} (التوبة: 32).

وقد تدرَّج في مواقع المسؤولية من نائب شعبة منفلوط حتى أصبح عضوًا في الهيئة التأسيسية (مجلس الشورى العام) ثم عضوًا في مكتب الإرشاد العام للجماعة، وقد تعرض للاعتقال والسجن وحكم عليه في أحداث عام 1954م بالأشغال الشاقة المؤبدة (25 عامًا)، قضى ثمانية عشر عامًا منها صامدًا كالجبل، صلبًا لا يتزحزح، قويًا لا تلين له قناة، حتى خرج من السجن منتصف عام 1972م، ليواصل عطاءه وجهاده لرفع راية الإسلام، وظل وفيًا لدعوته وقيادته حتى اختير مرشدًا عامًا للجماعة، خلفًا للمرشد الثالث الأستاذ عمر التلمساني، وكان ذلك في شهر مايو 1986م.

وفي عهده كان ترسيخ الوجود الفعلي في العديد من النقابات المهنية، ونوادي هيئات التدريس الجامعية، والجمعيات الأهلية، وخاضت الجماعة الانتخابات البرلمانية في أبريل سنة 1987م، متحالفة مع حزبي العمل والأحرار، ونجح 36 نائبًا إخوانيًا في تلك الانتخابات، كما كان له دوره الفاعل والمؤثر على الساحة العربية والإسلامية، في الوقوف إلى جانب الكويت حين الاعتداء عليها، وبذل الجهود للإصلاح بين قادة المجاهدين الأفغان الذين سعى إليهم في بشاور مع الأستاذ مصطفى مشهور نائبه، والأستاذ إبراهيم شرف، برفقة الشيخ خليل الحامدي سكرتير أمير الجماعة الإسلامية بباكستان، وكانت جهوده موفقة مباركة، بالإضافة إلى التركيز على تكثير القيادات الدعوية في أوساط الشباب، وجماهير الناس، لتنهض بتبعة حمل الدعوة، وتبليغها للناس داخل القرى والمدن والمحافظات في القطر المصري.

من أقواله

«أثناء سفري مع الإمام الشهيد حسن البنا في القطار لم يحضر محصّل التذاكر إلينا، ولم يطلب ثمن أجرة الركوب، وقد سألني الإمام الشهيد: هل جاء (الكمساري)؟ وهل أعطاك التذاكر؟ فقلت: لم يحضر بعد. فقال: إذن لابد من ندائه وإعطائه الأجرة، فناديت «الكمساري»، وطلبت منه التذاكر فقال: «أنا عارف يا سيدي.. وأنا شايف ضروري يعني؟ خليها على الله دي شركة أجنبية»، فسمعه الإمام الشهيد وقال: «لابد أن تأخذ ثمن التذكرتين وشكر الله لك».

وفي سنة 1942م، أعلن الإمام الشهيد حسن البنا، ترشيح نفسه نائبًا عن دائرة الإسماعيلية، بناء على رغبة الإخوان، فطلب النحاس باشا من فضيلة الأستاذ البنا التنازل عن الترشيح، استجابة لضغوط الإنجليز الذين لا قبل للحكومة بمعارضتهم!! وحين طرح الأمر على الهيئة التأسيسية «مجلس الشورى»، تبلور الحوار عن وجهتي نظر، إحداهما عدم التنازل عن الترشيح، وتمثل الأغلبية، والأخرى ترك الأمر لفضيلة الإمام حسن البنا على اعتبار أنها مسألة شخصية، وعلى هذا فقد آثر التنازل عن الترشيح، فأحدث ذلك اضطرابًا في صفوف الإخوان، فمنهم الموافق ومنهم المعارض، فقلت: إن التنازل مسألة انتهت، ولكني أرجو مستقبلاً أن ينزل فضيلة المرشد العام على رأي الأغلبية مهما كانت النتيجة، فاتصل بي الإمام الشهيد هاتفيًا وقال: بأنه سوف يأخذ بقرارات الأغلبية مهما كانت الظروف.

بعد حركة الضباط، دعاني الضابط عبد الناصر ومعي فضيلة الشيخ محمد فرغلي لتناول الإفطار في منزله بمنشية البكري في الساعة السادسة صباحًا، وقد قال عبد الناصر: نريد أن نعمل على إزالة آثار العوائق التي وقعت بين قيادة الإخوان وقيادة الحركة، ونريد البحث في مسألة إصلاح الأزهر، وقد لاحظت أنه لوّح بإشارات إسناد مشيخة الأزهر للشيخ فرغلي، كما لاحظت أنه وجه الدعوة لكلينا، باعتبارنا وإياه نحن الثلاثة من محافظة أسيوط، فكأنه يريد استقطاب إخوان أسيوط حوله ضد قيادة الإخوان، فلم يفلح، وكان نصيب الشيخ محمد فرغلي الإعدام شنقًا، وحكم عليَّ بالأشغال الشاقة المؤبدة.

وفي يوم الجمعة 19/11/1954م، فوجئت حوالي الساعة الخامسة صباحًا بقوة كبيرة من خمسين جنديًا وخمسة ضباط من قوات الجيش والبوليس يقتحمون منزلي للتفتيش، وقد طلب مني مأمور المركز الاستقالة من الإخوان حتى يتمكن المحافظ من الحيلولة دون تقديمي للمحاكمة، فرفضت ذلك بإباء وقلت لهم: "لا يمكن، لأنني حين التحقت بهذه الجماعة كنت رجلاً موفور العقل، وأعرف تمامًا العقبات التي سوف تحدث في طريق تحقيق مبادئ الإسلام، وما زلت على عهدي وصدق ارتباطي بالجماعة والحمد لله"، وبعدها جرى اعتقالنا في السجون، ومورس التعذيب على الإخوان جميعًا بأقسى ألوانه، وفي يوم السبت 27/11/1954م، نقلنا من السجن إلى محكمة الشعب، وكانت مشكَّلة من جمال سالم، رئيسًا، وأنور السادات، عضو اليمين، وحسين الشافعي، عضو اليسار، وبعد مناقشات هزلية من رئيس المحكمة، انتهت الجلسة، وحدد يوم 4/12/1954م للنطق بالحكم، فرجعنا إلى السجن الحربي، وكان التحقيق والعذاب، ثم الموعد المحدد للنطق بالحكم، ذهبنا إلى المحكمة لسماع النطق بالحكم، حيث حكم بالإعدام شنقًا على: عبد القادر عودة، ومحمد فرغلي، وإبراهيم الطيب، ويوسف طلعت، وهنداوي دوير، ومحمود عبد اللطيف، وحكم على فضيلة المرشد حسن الهضيبي بالمؤبد بدل الإعدام، وبالأشغال الشاقة المؤبدة على عبدالعزيز عطية، وحسين كمال الدين، ومنير دلة، وصالح أبورقيق، ومحمد حامد أبوالنصر، وحكم على عمر التلمساني وأحمد شريت بالسجن مدة خمس عشرة سنة».

معرفتي به

كنت فترة الدراسة الجامعية بمصر سنة 1949م، أرى الأستاذ محمد حامد أبو النصر عن بعد في اجتماعات كبار الإخوان المسلمين، حين يحضر من الصعيد مع إخوانه أعضاء مكتب الإرشاد العام، أو الهيئة التأسيسية (مجلس الشورى) بالقاهرة، ولم ألتق به عن قرب، ولكني كنت أسمع الثناء العطر عليه وعلى رجولته ومواقفه وشجاعته وكرمه وشدة التزامه بالدعوة، وارتباطه بالتنظيم، واحترامه للقيادة، وحرصه على سلامة سير الجماعة، والتقيّد بالنظم والتعليمات الصادرة عن مؤسسات الجماعة وقيادتها.

وحين هلك الطاغية عبد الناصر، عاودت التردد على مصر وزيارتها بين حين وآخر للقاء إخواني وأساتذتي للتزود بالتوجيهات والنصائح والاستفادة من الخبرات والتجارب، فكان لقائي بالأستاذ أبي النصر الذي أدركت نفاسة معدنه، وأصالة تربيته، وغيرته على دينه، وحرصه على وحدة صف الجماعة، وتوحيد كلمتها في مواجهة الخصوم من الداخل والخارج على حد سواء.

وحين ذهبتُ إلى مصر في شهر مايو سنة 1986م، لتشييع جنازة أستاذنا المرشد عمر التلمساني، وحضرت مجلس العزاء، واستمعت إلى الكلمات مع من حضر من إخواني من البلاد العربية، وكان المتكلمون يتحدثون عن مآثر الفقيد التلمساني، وعن عراقة هذه الجماعة المباركة، وتأثيرها العميق في المجتمع المصري خاصة، والعالم العربي والإسلامي عامة، حيث انتشر مؤيدوها، وكثر أتباعها، وشقَّت طريقها في أوساط الشباب وجماهير الشعب في العالم العربي والإسلامي، وكان الأستاذ محمد حامد أبو النصر المتكلم باسم الجماعة في حفل التأبين.

وبعد نهاية الحفل، اصطحبني الإخوة المصريون مع الأستاذ أبي النصر إلى بيت أحد الإخوان بالقاهرة، وكانت أحاديث عن الدعوة وضرورة استمرارها، وعن الجماعة وأهمية الحرص على سلامتها، وتصويب مسيرتها، وانطلاقتها، وقد لاحظت تلك الليلة أن الإخوان يولون الأستاذ أبا النصر عناية خاصة، واهتمامًا زائدًا، مصحوبًا بالإجلال والتقدير، فكانت أحاديث ومحاورات عن هموم المسلمين في الوطن الإسلامي، ودور الإخوان المسلمين في جمع الكلمة وتوحيد صف الأمة الإسلامية، لتواجه التحديات المفروضة عليها من القوى العالمية الكبرى، وإن بناء الفرد المسلم هو الأساس في بداية الطريق لإعداد الأمة لتحمّل تبعاتها نحو دينها ووطنها ومجتمعها.

ثم تكررت بعد ذلك زياراتي إلى القاهرة، وكنت أسعد بلقائه مرشدًا عامًا للإخوان المسلمين خلفًا للأستاذ التلمساني مع نائبه الأستاذ مصطفى مشهور، والأستاذ مأمون الهضيبي، والدكتور أحمد الملط وغيرهم من قيادات الإخوان المسلمين بمصر.

مواقفه

كان للأستاذ أبي النصر مواقف مشرفة من الاعتداء على الكويت وغزوها من النظام البعثي الصدّامي الغاشم، فقد كان أول المبادرين على مستوى العالم العربي والإسلامي في استنكار ذلك الغزو يوم 2/8/1990م، بصدور بيان مكتب الإرشاد العام للإخوان المسلمين الذي أدان الغزو وطالب بالتصدي له. وقد اطلعت على ذلك البيان من خلال الفاكس الذي وصل إلى الأخ عبد الله علي المطوع بالأردن من الإخوان بمصر، وذلك مساء يوم الغزو، قبل أن يصدر أي رد فعل من أي مسؤول أو حكومة أو منظمة على مستوى العالم العربي والإسلامي، فكان هذا الموقف من مرشد الإخوان المسلمين، الأستاذ محمد حامد أبو النصر (رحمه الله)، من الصفحات البيضاء المشرقة التي يحاول خصوم الإسلام وأعداء الإخوان تشويهها، بالإعلام الكاذب، وبكتابات المرتزقة من المأجورين من حملة الأقلام الرخيصة، ذوي النفوس المريضة، والقلوب الحاقدة، الذين يعيشون على الملق والنفاق وترويج الإشاعات وتشويه صورة الإخوان.

وبعد أكثر من أسبوع من صدور هذا البيان، أصدر فضيلة المرشد العام محمد حامد أبو النصر بيانًا آخر يوم 11/8/1990م، حين بدأت بعض الدول الاستعمارية الكبرى بالتدخل والحشد العسكري للدخول في المنطقة، وطالب بالاكتفاء بالدول العربية والإسلامية، لتتولى جيوشها طرد المحتل من الكويت، وكان هذا رأي معظم علماء الأمة وقادتها وجماهيرها التي أبدت استعدادها للتطوع مع جيوش التحرير، ولكن الدول ذات المطامع والأهداف الاستعمارية فرضت سياستها بالتدخل العسكري بقوة السلاح، لتحقيق ما تريده من أهداف في منطقة الشرق الأوسط، وقد بدت واضحة للعيان فيما بعد.

وكان أول بيان صدر عن الإخوان المسلمين هو في يوم الغزو نفسه بتاريخ 2/8/1990م وبتوقيع الأستاذ محمد حامد أبو النصر - المرشد العام للإخوان المسلمين - وجاء فيه: «فوجئنا بالغزو العسكري العراقي للكويت، فكان هذا عملاً مروعًا ومثيرًا للدهشة، ومخيبًا للآمال، ولا يغيب عن الذهن أن هذا الحدث الضخم يفتح أبواب شر خطيرة وكبيرة، ويؤثر على مجريات كفاح الشعوب الإسلامية في كل الأرجاء، خاصة في فلسطين المحتلة، ويخشى أن يستغله العدو الصهيوني لتحقيق مآربه. ونطالب دولة العراق بسحب قواتها من الكويت، وأن تمتنع عن التدخل في شؤونها».

كما جاء في البيان الثاني الصادر يوم 11/8/1990م ما نصه:

«إن جماعة الإخوان المسلمين لا تقر استخدام القوة في العلاقات بين الدول العربية، وهي تعارض كل تدخل عسكري من دولة عربية أو مسلمة ضد دولة أخرى، وتؤكد أن الخلافات بين الدول العربية والإسلامية، يجب أن تسوّى بالوسائل السلمية، وطبقًا لأحكام الشريعة الإسلامية الغراء، التي تدين بها شعوب الأمة العربية الإسلامية، والتي هي النبراس الذي تهتدي به، والدستور الذي تخضع له عن طواعية ورضا نفس، ثم طبقًا لأحكام ميثاق جامعة الدول العربية، والقانون الدولي، وغير ذلك من المواثيق والقوانين التي تنظم العلاقات بين الدول في الكيان الدولي.

وإن جماعة الإخوان المسلمين تستنكر وتعارض بكل قوة، التدخل الأمريكي ووجود القوة العسكرية الأمريكية أو غيرها من القوات الأجنبية في منطقة النزاع، وتطالب بانسحابها على الفور، فوجودها أمر مرفوض على جميع المستويات، وبكل المقاييس، ومن شأنه أن يعيد عصور الحماية والاحتلال السافرين للمنطقة».

وجاء في رسالة نائب المرشد العام الأستاذ مصطفى مشهور (رحمه الله) إلى المؤتمر الشعبي لأهل الكويت المنعقد في جدة في 27/10/1990م:

«إن الإخوان المسلمين من أعرف الناس بدولة الكويت وشعبها المتدين المعطاء، ويقدرون أكثر من غيرهم الدور العظيم الذي قامت به الهيئات والجمعيات الخيرية في الكويت، مناصرة لإخوانهم في فلسطين ولبنان وأفغانستان وكثير من دول إفريقيا وآسيا، ولن يضيع أجر ذلك أبدًا.. ولهذا كان الإخوان المسلمون أشد الناس ألمًا وتأثرًا إزاء عدوان العراق على الكويت، فأصدروا بيانهم في اليوم الذي وقع فيه العدوان، يدينون الاعتداء، ويطالبون بضرورة الانسحاب، والحفاظ على كيان ووجود الكويت».

كما أن المستشار مأمون الهضيبي - الناطق الرسمي باسم الإخوان المسلمين - صرح عبر وسائل الإعلام وشبكة التلفزيون الأمريكي CNN يوم 16/1/1991م:

«إن موقفنا من أزمة الخليج تحدد في البيان الصادر صباح يوم الغزو، الذي عارضنا من خلاله الغزو العراقي، وقلنا إنه عدوان لا مبرر له من الدين أو العقل أو المصلحة، وحذرنا من النتائج السيئة التي ستترتب عليه كعمل عدواني ظالم، وطالبنا بانسحاب العراق من الكويت، وترك الكويت لأهلها، يتصرفون في شؤونهم كأي شعب حر يتصرف في بلده، كما طالبنا الدول العربية ورؤساءها أن يتصرفوا لمنع هذا العدوان، ومنع التدخل الأجنبي».

وحين طلب السفير العراقي بمصر زيارة المرشد العام محمد حامد أبو النصر صباح الخميس 16/8/1990م، طالبه المرشد العام بضرورة انسحاب العراق من الكويت، وعودة الحكومة الشرعية، حسبما جاء في بيان الإخوان المسلمين الأول بتاريخ 2/8/1990م، وأن الإخوان ينتظرون أن يخطو العراق الخطوة نفسها التي اتخذها مع إيران، فيسحب قواته من الكويت، ومن حدود المملكة العربية السعودية.

وحين زار الدكتور عبد الرحمن العوضي - وزير الدولة الكويتي - برفقة سفير الكويت بمصر فضيلة المرشد العام يوم 25/8/1990م، أشاد الوزير الكويتي بوضوح وسلامة موقف جماعة الإخوان المسلمين، حسبما تضمنته البيانات والتصريحات التي صدرت عنها، واقترح معاليه مضاعفة الجهد الشعبي والجماهيري لحمل العراق على سحب قواته العسكرية من الكويت، وقد أكد الأستاذ محمد حامد أبو النصر، المرشد العام للإخوان المسلمين، ثبات الجماعة على ما جاء في بياناتها السابقة، من إدانة الغزو العراقي للكويت الشقيق، ما أتاح فرصة التدخل الأجنبي في المنطقة، ومطالبة الجماعة بضرورة انسحاب القوات العراقية من الكويت، وضرورة انسحاب القوات الأجنبية من المنطقة، والدعوة إلى تضافر الحكومات الإسلامية عامة، والعربية منها خاصة، لتشكيل قوة مستقلة لتسهيل انسحاب القوات العراقية من الكويت، والقوات الأجنبية من المنطقة.

قالوا عنه

يقول الأستاذ عبد الله الطنطاوي:

«كان من مهمات الإمام الشهيد حسن البنا (رضي الله عنه وأرضاه) تربية جيل من القادة العظام، وتكوين شخصياتهم تكوينًا يهيئهم لحمل أثقل المسؤوليات في سائر الظروف، خاصة أيام المحن، فقد كان يعرف أن طريق الدعوة هو طريق مزروع بالألغام، والأشواك من أقلها، محفوف بالمخاطر والابتلاءات.. وحتى لا يحدث فراغ في مؤسسة القيادة، وكان ما توقّعه الإمام، فقد ذهب شهيدًا إلى ربه، فخلفه القائد الصلب الإمام حسن الهضيبي، ثم جاء المرشد العملاق الثالث الأستاذ التلمساني، ثم جاء المرشد الرابع، الأستاذ محمد حامد أبو النصر، وكان من أولئك الرجال الأفذاذ الذين صحبوا الإمام الشهيد، وتربّوا على يديه المتوضئتين بنور الإيمان والعزيمة، والشموخ والصمود في وجه الأعاصير.

والأستاذ المرشد الشيخ أبو النصر كان يدّخره القدر لمتابعة المسيرة المستنيرة التي استأنفها سلفه الأستاذ التلمساني، فسار على نهجه، واستطاع - بتوفيق الله ثم بجهود الفريق المتميز من الرجال الذين كانوا يحيطون به، ويعملون معه - تحقيق الكثير في زمن قياسي، في سائر الميادين التي قاد الإخوان فيها، فكان لتربيته الإيمانية، والأدبية، والسياسية التي نشأ عليها في بيت عز، وأدب، ودين، وسياسة، وكرم، وكان لعقله الراجح، وتماهيه مع إخوانه ودعوته، ولما تميز به من رجولة وشموخ وما ينبثق عنهما من شجاعة ومروءة ونخوة، ومن ثقة بدعوته وإخوانه، وتضحية نشأ في أكنافها، فهو حفيد جدّه العالم الأزهري الثائر الذي قُتل مسمومًا، لكل ذلك، وغير ذلك، وثق به قادة الإخوان وقواعدهم، ليس في مصر وحدها، بل في كل مكان فيه تنظيم إخواني، وقاد السفينة الربانية إلى شاطئ الأمان، بعد أن عصف بها طغيان الطغاة، من لدن حسين سرّي، والنقراشي، وإبراهيم عبدالهادي، إلى أطغى الطغاة العبد الخاسر.... أمضى زهرة شبابه في السجن، عشرين سنة في سجون العبد الخاسر، وقبلها، وهو صلب لا يلين، ولا يستجيب لإغراءات الطغاة مهما علت، ولا يهاب تهديداتهم ومحاكماتهم، وسياطهم.. إنه الرجل، وهم الأقزام بين يديه».

وفاته

في فجر يوم السبت 29/8/1416ه - 20/1/1996م، توفي السيد محمد حامد أبو النصر - المرشد العام الرابع للإخوان المسلمين - عن عمر يناهز الثالثة والثمانين عامًا، ودُفن في مقابر القطامية بمدينة نصر بالقاهرة، بجوار رفيق دربه الأستاذ عمر التلمساني، حيث شيِّع في جنازة مهيبة، شارك فيها عشرات الآلاف، رغم الحصار الأمني المكثف، والإجراءات الأمنية المشددة.

رحم الله أستاذنا الجليل، وأسكنه فسيح جناته، مع النبيين، والصديقين، والشهداء، والصالحين، وحسن أولئك رفيقًا.

وسوم: العدد 905