الأسير عثمان بلال وحديث عمّن حبّهم في القلب قد سكن

فؤاد الخفش

الأسير عثمان بلال

وحديث عمّن حبّهم في القلب قد سكن

فؤاد الخفش

فرحة كبيرة وحزن شديد خيّم بينما كان يحدثني سائلًا عن حالي وهو المعتقل منذ 18 عامًا بشكل متواصل في سجون الاحتلال بعد مكالمة استطاع أن ينتزعها خلسة من بين أصفاد السجن والسجان.

وقال لي "أتذكُر يوم كنا صغاراً في سجن النقب وتلك النادرة التي حدثت معنا؟" فأجبته "نعم". ومضى يذكرني بقصص قديمه قبل الاعتقال، وكأنه يريد أن يأتي بالماضي لحاضره الذي لم يتغير عليه شيء من ذلك الوقت. يتنقل من سجن لآخر يخوض معارك ضد مصلحة السجون من إضراب عن الطعام لإضراب آخر، جدول يومياته هو الجدول ذاته، قليلة الوجوه التي تتبدل عليه، رابض في سجن نفحة منذ سنين طويلة.

سألته عن رحلة الاستجواب الأخيرة التي كانت قبل أسبوع وكيف كانت معاناته على عكس جميع المعتقلين قال لي "كانت رائعة لقد رأيت العالم من خلال البوسطة شاهدت الشوارع والناس من نافذة الحافلة" وكيف أن الحياة لم تتوقف وكيف أن العمران تطور، "ما أجمل الشمس" قالها كهذه الشمس جميلة "حين خرجت من باب الباص وأنا مقيد القدمين لم أعبأ كثيرا بمن حولي من جنود نظرت للسماء، وحلقت في قرص الشمس دون أسلاك شائكة ولا أسلاك صفراء صافية، على عكس شمس السجن التي تبدو لي مقسمة مكسره بفعل الأشياك والأسلاك التي تحاصرنا".

خلال الحديث ذكرنا (الأجهزة النقالة) فقال "كل ما أذكره عن هذا التلفون أبو قرص دائري هذا أخر عهدي بالهاتف أشاهد عبر بعض المحطات أين وصلت الأمور وكيف أصبح حال هذه الأجهزة الذكية". وقال "بعد التحرر سأطلب من زوجتي أن تعلمني على كل هذه الأمور".

سألته عنها وعن اسمها فقال "زوجتي موجودة وهي تنتظرني هي حظي ونصيبي ربي يرضى عنها ويسعدها مين ما كانت تكون" وعثمان لم يتزوج أو يخطب فقط يتحدث عن المستقبل.

سألني عن إخوتي وأمي وزوجتي وأطفالي وآخر أخبارهم حدثته باقتضاب لأني أريد أن أسمع عنه أكثر مما أتحدث إليه. وسألته عن الشباب قال "بخير. منهم من يتوقع الفرج القريب وعنده تفاؤل أكبر من أن يتخيله إنسان ويقين أن الفرج قادم وقريب". سألته عن سر امتلاكه هذه الروح الوثّابة، قال "هي من الله وهي التي تجعل الرجال يصبرون فانتظار الفرج عبادة يا أخي".

أخبرته عن خطبة ابن شقيقه سعيد بكر فقال لي "تخيل! سعيد الطفل أصبح عريسًا، أي عمر هذا الذي يمضي! لقد كان عمره ثلاثة سنوات أتذكر صورته عام 1993 في سجن النقب حين أحضرت لنا وكيف كنا ننظر إليه" قلت له "أذكر يا عثمان".

سألني عن آخر ما قرأت من كتب وطلب مني أربعة كتب سيسمح لها بالدخول خلال الزيارة القادمة وتحدثنا عن هذا الجانب فقال "هي الطريقة الوحيدة التي نستطيع من خلالها معرفة ما يدور حولنا" تحدثنا وضحكنا وحاولت أن أتحدث له عن الخارج والدنيا والأوضاع ليعيش دقائق خارج أجواء السجن.

تحدثت له عن والده الشيخ المربي سعيد بلال وعن آخر حكاياتي معه وقصصي معه فقال "آخ" يشعر بها كل من حرم من والده وقال "رحمه الله" وكأنه لا يريد لهذه المكالمة أن تكون إلا ذكريات جميلة سعيدة فانتقلت سريعًا لموضوع آخر.

طلب مني إيصال السلام لوالدتي وسألني عن الدجاج المحشي، فقد كان آخر ما تناوله في منزلنا قبل اعتقاله بأيام دجاج محشي من صنع الوالدة فقلت له "أمي حرمتنا الدجاج لسنوات بعد اعتقالك وهي بخير تهديك الدعوات ولك منا كل الحب يا حب".

حبيبي عثمان سعيد بلال سمحت لنفسي أن أكتب عن بعض ما جال ودار بيننا دون إذن منك أو استئذان لكي أحاول أن أضع من يعشقونكم ويحبونكم في جزء من تفاصيل حياتكم مع النجم والشمس والشوق للأحباب.