الشيخ العلامة الأديب علي مصطفى الطنطاوي

عمر العبسو

sfgdhdg998.jpg

(1327هـ/1909م-1419هـ/ 1999م)

هو فقيه الأدباء وأديب الفقهاء العلامة الموسوعي علي الطنطاوي كأنه قبضة من الشام عُجنت بنهري النيل والفرات، لوحتها شمس صحراء العرب، فانطلقت بإذن ربها نفساً عزيزةأبية، تنافح عن الدعوة وتذود عن حياض الدين.

ذلكم هو العلامة الكبير،الفقيه النجيب، والأديب الأريب الشيخ علي الطنطاوي الذي فقدته الأمة قبل فترة،لتنثلم بذلك ثلمة كبيرة، ضاعفت آلامنا وأدمت قلوبنا.

كان الشيخ الطنطاوي قوة فكرية من قوى الأمة الإسلامية، ونبعا نهل منه طالبو العلم، والأدب في كل مكان، كان قلمه مسلطا كالسيف سيالاً كأعذب الأنهار وأصفاها، رائعة صورته، مشرقا بيانه، وفي ذلك يقول عن نفسه:

(أنا من "جمعية المحاربين القدماء" هل سمعتم بها؟ كان لي سلاح أخوض به المعامع، وأطاعن به الفرسان، وسلاحي قلمي، حملته سنين طوالاً، أقابل بهالرجال، وأقاتل به الأبطال، فأعود مرة ومعي غار النصر وأرجع مرة أمسح عن وجهي غبار الفشل. قلم إن أردته هدية نبت من شقه الزهر، وقطر منه العطر وإن أردته رزية حطمت بهاالصخر، وأحرقت به الحجر، قلم كان عذبا عند قوم، وعذاباً لقوم آخرين ).

مولده، ونشأته:

ولد الشيخ علي الطنطاوي في مدينة دمشق في 23 جمادى الأولى 1327 ه ((12 يونيو 1909م) من أسرة علم ودين، فأبوه الشيخ مصطفى الطنطاوي من أهل العلم، وجده الشيخ محمد الطنطاوي عالم كبير، وخاله الأستاذ محب الدين الخطيب الكاتب الإسلامي الكبير والصحافي الشهير.

وأسرة أمه أيضاً من الأسر العلمية في الشام، كثير من أفرادها من العلماء المعدودين، ولهم تراجم في كتب الرجال.. وخاله (محب الدين الخطيب) الكاتب الإسلامي الكبير الذي استوطن مصر وأنشأ فيها صحيفتي «الفتح» و «الزهراء» وكان له أثر في الدعوة فيها في مطلع القرن العشرين.

تفتح وعيه على قنابل الحلفاءتدك عاصمة الأمويين وفلول الأتراك تغادر المدينة وديار الشام مقفرة بعد أن عزالطعام وصارت أوقية السكر (200 غرام) بريال مجيدي كان يكفي قبل الحرب لوليمة كبيرة. وكان أول درس قاس تعلمه وعاشه تفكك الدولة العثمانية وتحول ولاياتها السابقة إلى دويلات. فسوريا أصبحت أربع دول: واحدة للدروز والثانية للعلويين، والثالثة في دمشق والرابعة في حلب.

كان الفتى علي الطنطاوي وقتها مازال تلميذا في المدرسة لكن وعيه كان يسبق سنه، فعندما أعلن في مدرسته عن المشاركة في مسيرة لاستقبال المفوض السامي الجديد الجنرال ويفان الذي حل محل الجنرال غورو، رفض ذلك وألقى خطبة حماسية، قال فيها: (إن الفرنسيين أعداء دينناووطننا ولا يجوز أن نخرج لاستقبال زعيمهم)

لله درك يا فتى أدركت ما لم يدركه الكبار، فكيف تستقبل أمة عدوها الذي سلبها حريتها وكيف تنسى ما قاله قائد هذاالعدو بعد معركة ميسلون ودخول الشام عندما زار الجنرال غورو قبر صلاح الدين وقالله: ها نحن عدنا يا صلاح الدين.. الآن انتهت الحروب الصليبية.

تلك المعركة التي كانت نقطة تحول في وعي الفتى علي الطنطاوي، فقد خرج منها بدرس ممهور بدماء الشهداء واستقلالا لأمة.. درس يقول إن الجماهير التي ليس عندها من أدوات الحرب إلا الحماسة لا تستطيعأن ترد جيشا غازيا.

أصبح الاحتلال الفرنسي واقعا جديدا في سوريا، وغدا حلم الدولةالمستقلة أثراً بعد عين، وكما حدث في كل بقاع العالم الإسلامي كان العلماء رأس الحربة في مواجهة المحتل وتولى الشيخ بدر الدين الحسيني شيخ العلماء في مدن سوريا قيادة ثورة العلماء الذين جابوا البلاد يحرضون ضد المستعمر؛ فخرجت الثورة من غوطةدمشق وكانت المظاهرات تخرج من الجامع الأموي عقب صلاة الجمعة فيتصدى لها جنودالاحتلال بخراطيم المياه ثم بالرصاص، والشاب علي الطنطاوي في قلب من تلك الأحداث في أحد الأيام كان على موعدلصلاة الجمعة في مسجد القصب في دمشق فقال له أصحابه:

إن المسجد قد احتشد فيه جمهورمن الموالين للفرنسيين واستعدوا له من أيام وأعدوا خطباءهم فرأينا أنهم لا يقوى لهمغيرك، فحاول الاعتذار فقطعوا عليه طريقه حين قالوا له إن هذا قرار الكتلة (كان مقاومو الاحتلال ينضوون تحت لواء تنظيم يسمى الكتلة الوطنية وكان الطنطاوي عضوافيها) فذهب معهم وكان له صوت جهور، فقام على السّدة مما يلي (باب العمارة) ونادى: إليّ إليّ عباد الله، وكان نداء غير مألوف وقتها، ثم صار ذلك شعاراً له كلما خطب، فلما التفوا حوله بدأ ببيت شوقي:

وإذا أتونا بالصفوف كثيرة     جئنا بصف واحد لن يكسرا

وأشار إلى صفوفهم المرصوصة وسط المسجد، وإلى صف إخوانه القليل، ثم راح يتحدث على وترين لهما صدى في الناس هما الدين والاستقلال، فلاقت كلماته استحساناً في نفوس الحاضرين، وأفسدت على الآخرين أمرهم، وصرفت الناس عنهم. ولما خرج تبعه الجمهور وراءه، وكانت مظاهرة للوطن لاعليه.

سيرته العلمية والعملية.

الدراسة، والتكوين:

درس الطنطاوي الابتدائية والثانوية في مدينة دمشق، وعمل في التعليم الابتدائي، وفي المدارس الأهلية، وفي المدارس الحكومية.

وعمل في الصحافة، وفي القضاء حتى أصبح القاضي الشرعي الممتاز.

وفي 1928 دعاه خاله محب الدين الخطيب للقدوم إلى مصر وكان قد أصدر مجلة "الفتح" قبل ذلك بعامين فسافر علي الطنطاوي إلى مصر للدراسة في كلية دار العلوم، وكان زميلاً للأستاذ الشهيد سيد قطب؛

ولكن الطنطاوي لم يتم الدراسة فيها، وعاد إلى دمشق، ودخل معهد الحقوق بدمشق، وتخرج فيه سنة 1933م .

جهوده العلمية والدعوية:

ابتدأ الطنطاوي التدريس في المدارس الأهلية في دمشق وهو في الثامنة عشرة من عمره، وقد طبعت محاضراته التي ألقاها على طلبة الكلية الوطنية في دروس الأدب العربي عن (بشار بن برد) في كتاب عام (1930م).

بعد ذلك عين معلماً ابتدائياً في مدارس الحكومة سنة (1931م) حين أغلقت السلطات جريدة «الأيام» التي كان يعمل مديراً لتحريرها، وبقي في التعليم الابتدائي إلى سنة (1935م). وكانت حياته في تلك الفترة سلسلة من المشكلات بسبب مواقفه الوطنية وجرأته في مقاومة الفرنسيين وأعوانهم في الحكومة.

عام (1936م) انتقل الطنطاوي للتدريس في العراق، فعين مدرساً في الثانوية المركزية في بغداد، ثم في ثانويتها الغربية ودار العلوم الشرعية في الأعظمية، ولكن روحه الوثابة وجرأته في الحق فعلا به في العراق ما فعلا به في الشام، فما لبث أن نقل مرة بعد مرة، فعمل في كركوك في أقصى الشمال، وفي البصرة في أقصى الجنوب. وبقي يدرس في العراق حتى عام (1939م)، لم ينقطع عنه غير سنة واحدة أمضاها في بيروت مدرساً في الكلية الشرعية فيها حتى عام (1937م).

ثم رجع إلى دمشق فعين أستاذاً معاوناً في مكتب عنبر، ولكنه لم يكف عن مواقفه التي سببت له المتاعب، فنقل إلى مدرسة دير الزور سنة (1940م) ولبث فيها فصلاً دراسياً أبعد بعدها قسرياً بسبب خطبة حماسية ألقاها في صلاة الجمعة ضد المستعمر الفرنسي.

عام (1941م) دخل الطنطاوي سلك القضاء، فعين قاضياً في «النبك» مدة أحد عشر شهراً ثم قاضياً في «دوما» من قرى دمشق، ثم قاضياً ممتازاً في دمشق مدة عشر سنوات، فمستشاراً لمحكمة النقض في الشام، ثم مستشاراً لمحكمة النقض في القاهرة أيام الوحدة مع مصر.

وقد اقترح الطنطاوي -يوم كان قاضياً في دوما- وضع قانون كامل للأحوال الشخصية فكلف بذلك عام (1947م)، وأوفد إلى مصر مع عضو محكمة الاستئناف الأستاذ (نهاد القاسم) -الذي صار وزيراً للعدل أيام الوحدة- فأمضيا تلك السنة كلها هناك حيث كلف هو بدراسة مشروعات القوانين الجديدة للمواريث والوصية وسواها. وقد أعد مشروع قانون الأحوال الشخصية كله وصار هذا المشروع أساساً للقانون الحالي في سورية.

وكان القانون يخول القاضي الشرعي في دمشق رياسة مجلس الأوقاف وعمدة الثانويات الشرعية، فصار الطنطاوي مسؤولاً عن ذلك كله خلال العشر سنين التي أمضاها في قضاء دمشق، فقرر أنظمة الامتحانات في الثانويات الشرعية، وكان له يد في تعديل قانون الأوقاف ومنهج الثانويات، ثم كلف عام (1960م) بوضع مناهج الدروس فيها فوضعها وحده بعدما سافر إلى مصر واجتمع فيها بالقائمين على إدارة التعليم في الأزهر واعتمدت كما وضعها.

انتقل الطنطاوي عام (1963م) بعد انقلاب الثامن من آذار، وإعلان حالة الطوارئ في سورية، إلى المملكة العربية السعودية ليعمل مدرساً في كلية الشريعة وكلية اللغة العربية في الرياض، ومنها انتقل إلى مكة، للتدريس فيها ليمضي فيها وفي جدة خمساً وثلاثين سنة.

بدأ الطنطاوي هذه المرحلة الجديدة من حياته بالتدريس في كلية التربية بمكة، ثم لم يلبث أن كلف ببرنامج للتوعية الإسلامية، فترك الكلية وراح يطوف على الجامعات والمعاهد والمدارس في أنحاء المملكة لإلقاء الدروس والمحاضرات، وتفرغ للفتوى يجيب على أسئلة وفتاوى الناس في الحرم - في مجلس له هناك - أو في بيته ساعات كل يوم، ثم بدأ برنامجيه (مسائل ومشكلات) في الإذاعة، و(نور وهداية) في التلفزيون اللذين قدر لهما أن يكونا أطول البرامج عمراً في تاريخ إذاعة المملكة وتلفزيونها.

يعتبر الطنطاوي من أقدم المحاضرين الإذاعيين في العالم العربي، إذ بدأ يحاضر من «إذاعة الشرق الأدنى» من يافا من أوائل الثلاثينات، ومن «إذاعة بغداد» سنة (1937م)، ومن «إذاعة دمشق» سنة (1942م) لأكثر من عقدين متصلين، وأخيراً من إذاعة المملكة وتلفزيونها نحواً من ربع قرن متصل من الزمان.

وظل يعمل في سلك التعليم إلى سنة 1935م ثم انتقل إلى العراق سنة 1936م للتدريس في الثانوية المركزية بغداد، ودار العلوم الشرعية بالأعظمية، ثم في المدرسة الثانوية في كركوك، ثم في ثانوية البصرة، وبقي في العراق إلى سنة 1939م ثم عاد إلى دمشق.

وفي سنة 1941م، التحق بسلك القضاء، حيث عيّن قاضياً ثم قاضياً ممتازاً، ثم مستشاراً لمحكمة النقض في القاهرة أيام الوحدة مع مصر، وقد أسهم في إعداد قانون الأحوال الشخصية، وتعديل قانون الأوقاف، ومناهج المدارس الثانوية.

رحلته إلى المملكة العربية السعودية:

وفي سنة 1963م، بعد الانقلاب العسكري، وإعلان حالة الطوارئ غادر سورية إلى المملكة العربية السعودية، فعمل في التدريس في كلية اللغة العربية وكلية الشريعة في الرياض .

ثم انتقل إلى التدريس في كلية الشريعة في مكة المكرمة، ثم تفرغ للعمل في مجال الإعلام، وقدم برنامجاً إذاعياً يومياً بعنوان "مسائل ومشكلات" وبرنامجاً تلفزيونياًأسبوعياً بعنوان "نور وهداية".

والطنطاوي له برامج إذاعية منذ أوائل الثلاثينيات، في إذاعة الشرق الأدنى التي كانت تبث من "يافا" وبرامج من إذاعة بغداد سنة 1937م وبرامج من إذاعة دمشق سنة 1942م، وهو من الكتاب والأدباء الذين أسهموا في أكثر من جريدة ومجلة على مستوى العالم العربي؛

حيث كانت أول مقالة له سنة 1926م في جريدة "المقتبس" ولم ينقطع عن النشر، فكان يكتب في مجلتي "الفتح" و"الزهراء" وجرائد "فتى العرب" و"ألف باء" و"الأيام" التي كان مدير تحريرها، وجريدتي "الناقد" و"الشعب" ومجلة "الرسالة" التي رأس تحريرها حين مرض مؤسسها، و"المسلمون" و"حضارة الإسلام" و"النصر" و"الحج" وفي جريدتي "المدينة" و"الشرق الأوسط".

كما شارك في الكثير من المؤتمرات في البلاد العربية والإسلامية وأوروبا، فضلاً عن المحاضرات والندوات والحلقات الدراسية.

وظل طوال تنقله بين عواصم العالم الإسلامي يحن إلى دمشق ويشده إليها شوق متجدد. وكتب في ذلك درراً أدبية يقول في إحداها:

(وأخيراً أيها المحسن المجهول، الذي رضي أن يزور دمشق عني،حين لم أقدر أن أزورها بنفسي، لم يبق لي عندك إلا حاجة واحدة، فلا تنصرف عني، بلأكمل معروفك، فصلّ الفجر في "جامع التوبة" ثم توجه شمالاً حتى تجد أمام "البحرةالدفاقة" زقاقاً ضيقاً جداً، حارة تسمى "المعمشة" فادخلها فسترى عن يمينك نهراً،أعني جدولاً عميقاً على جانبيه من الورود والزهر وبارع النبات ما تزدان منه حدائقالقصور، وعلى كتفه ساقية عالية، اجعلها عن يمينك وامش في مدينة الأموات، وارع حرمة القبور فستدخل أجسادنا مثلها.

دع البرحة الواسعة في وسطها وهذه الشجرة الضخمة ممتدة الفروع، سر إلى الأمام حتى يبقى بينك وبين جدار المقبرةالجنوبي نحو خمسين متراً، إنك سترى إلى يسارك قبرين متواضعين من الطين على أحدهما شاهد باسم الشيح أحمد الطنطاوي، هذا قبر جدي، فيه دفن أبي وإلى جنبه قبر أميفأقرئهما مني السلام، واسأل الله الذي جمعهما في الحياة، وجمعهما في المقبرة، أنيجمعهما في الجنة، {رب اغفر لي ولوالدي} {رب ارحمهما كما ربياني صغيراً} رب ارحمبنتي واغفر لها، رب وللمسلمين والمسلمات

ويعد الشيخ علي الطنطاوي أحد رموز الدعوة الإسلامية المعاصرة، الذين كان لهم الدور الكبير في الدعوة إلى الله، وإصلاح المجتمع، وهداية الناس إلى طريق الحق، والوقوف في وجه المؤامرات التي يحيكها أعداء الإسلام وتلامذتهم من العملاء والمأجورين ضد الإسلام والمسلمين في كل مكان، وبخاصة الاستعمار الفرنسي في سورية والجزائر، والاستعمار الإنجليزي والصهيوني في فلسطين.

وكانت له وقفات شجاعة، وتحديات جسورة، جعلت الكثير من الخصوم ينكمشون ويتضاءلون أمام هذا الداعية الصلب في مقارعة الباطل وأهله، في الوقت الذي كان فيه يتبع أسلوب التشويق الجميل الجذاب لهداية الناس وتقريبهم إلى جادة الصواب، وإعانتهم على الالتزام بمنهج الإسلام، عقيدة ونظاماً ومنهج حياة.

وكانت جهوده تشمل ميادين الإصلاح في كل جوانبها التشريعية والسياسية والاجتماعية والتربوية والتعليمية والدعوية والفقهية، ومحاربة البدع والخرافات والعادات والتقاليد البالية التي لا يقرها الشرع، والسلوكيات التي تتنافى مع مبادئ الإسلام وقيمه، ويدعو للاعتزاز باللغة العربية، لغة القرآن الكريم، ويتصدى لأعدائها.

ومن هنا كان الطنطاوي متعدد الجوانب، غزير العطاء، وافر العلم، يقتحم الميادين، ويغوص في غمار المعارك، ويلج كل الأبواب، ليصل إلى الناس، ويسمعهم كلمة الحق، ويعرّفهم بدين الإسلام، ويجمعهم على الخير والتعاون والحب في الله، والعمل في مرضاة الله، وقد مُنح جائزة الملك فيصل العالمية سنة 1990م.

جهاده ضد الاستعمار والاستبداد:

كان الطنطاوي قوة فكرية من قوى الأمة الإسلامية، ونبعاً نهل منه طالبو العلم، والأدب في كل مكان، كان قلمه مسلطاً كالسيف، سيالاً كأعذب الأنهار وأصفاها، رائعة صورته، مشرقاً بيانه، وفي ذلك يقول عن نفسه: «أنا من (جمعية المحاربين القدماء) هل سمعتم بها؟ كان لي سلاح أخوض به المعامع، وأطاعن به الفرسان، وسلاحي قلمي، حملته سنين طوالاً، أقابل به الرجال، وأقاتل به الأبطال، فأعود مرة ومعي غار النصر، وأرجع مرة أمسح عن وجهي غبار الفشل. قلم إن أردته هدية نبت من شقه الزهر، وقطر منه العطر، وإن أردته رزية حطمت به الصخر، وأحرقت به الحجر، قلم كان عذباً عند قوم، وعذاباً لقوم آخرين».

تفتح وعيه على قنابل الحلفاء تدك عاصمة الأمويين، وفلول الأتراك تغادر المدينة، وديار الشام مقفرة بعد أن عز الطعام وصارت أوقية السكر (200 جرام) بريال مجيدي، كان يكفي قبل الحرب لوليمة كبيرة. وكان أول درس قاس تعلمه وعاشه: تفكك الدولة العثمانية وتحول ولاياتها السابقة إلى دويلات. فسوريا أصبحت أربع دول: واحدة للدروز، والثانية للعلويين، والثالثة في دمشق، والرابعة في حلب.

كان الفتى علي الطنطاوي وقتها مازال تلميذا في المدرسة لكن وعيه كان يسبق سنه، فعندما أعلن في مدرسته عن المشاركة في مسيرة لاستقبال المفوض السامي الجديد «الجنرال ويفان» الذي حل محل «الجنرال جورو»، رفض ذلك وألقى خطبة حماسية، قال فيها: «إن الفرنسيين أعداء ديننا ووطننا ولا يجوز أن نخرج لاستقبال زعيمهم».

لله درك يا فتى! أدركت ما لم يدركه الكبار، فكيف تستقبل أمة عدوها الذي سلبها حريتها؟ وكيف تنسى ما قاله قائد هذا العدو بعد معركة «ميسلون» ودخول الشام عندما زار (الجنرال جورو) قبر صلاح الدين وقال له: «ها نحن عدنا يا صلاح الدين.. الآن انتهت الحروب الصليبية».

تلك المعركة التي كانت نقطة تحول في وعي الفتى علي الطنطاوي، فقد خرج منها بدرس ممهور بدماء الشهداء واستقلال الأمة.. درس يقول: إن الجماهير التي ليس عندها من أدوات الحرب إلا الحماسة لا تستطيع أن ترد جيشاً غازياً. أصبح الاحتلال الفرنسي واقعاً جديداً في سوريا، وغدا حلم الدولة المستقلة أثراً بعد عين، وكما حدث في كل بقاع العالم الإسلامي كان العلماء رأس الحربة قي مواجهة المحتل، وتولى الشيخ «بدر الدين الحسيني» شيخ العلماء في مدن سوريا قيادة ثورة العلماء الذين جابوا البلاد يحرضون ضد المستعمر، فخرجت الثورة من غوطة دمشق، وكانت المظاهرات تخرج من الجامع الأموي عقب صلاة الجمعة فيتصدى لها جنود الاحتلال بخراطيم المياه ثم بالرصاص، والشاب علي الطنطاوي في قلب تلك الأحداث.

في أحد الأيام كان على موعد لصلاة الجمعة في مسجد القصب في دمشق، فقال له أصحابه: إن المسجد قد احتشد فيه جمهور من الموالين للفرنسيين واستعدوا له منذ أيام وأعدوا خطباءهم، فرأينا أنهم لا يقوى لهم غيرك، فحاول الاعتذار، فقطعوا عليه طريقه حين قالوا له: إن هذا قرار الكتلة - كان مقاوموا الاحتلال ينضوون تحت لواء تنظيم يسمى الكتلة الوطنية وكان الطنطاوي عضوا فيها- فذهب معهم وكان له صوت جهوري، فقام على السّدة مما يلي «باب العمارة» ونادى: «إليّ إليّ عباد الله»، وكان نداء غير مألوف وقتها، ثم صار ذلك شعاراً له كلما خطب، فلما التفوا حوله بدأ ببيت شوقي:

وإذا أتونا بالصفوف كثيرة       جئنا بصف واحد لن يكسرا

وأشار إلى صفوفهم المرصوصة وسط المسجد، وإلى صف إخوانه القليل، ثم راح يتحدث على وترين لهما صدى في الناس، هما الدين والاستقلال، فلاقت كلماته استحساناً في نفوس الحاضرين، وأفسدت على الآخرين أمرهم، وصرفت الناس عنهم. ولما خرج تبعه الجمهور وراءه، وكانت مظاهرة للوطن لا عليه.

مؤلفاته:

ترك الطنطاوي عدة مؤلفات هي:

تعريف عام بدين الإسلام.

صور وخواطر.

من حديث الناس.

الجامع الأموي.

قصص من التاريخ.

قصص من الحياة.

أبو بكر الصديق.

عمر بن الخطاب "جزءان".

في إندونيسيا.

في بلاد العرب.

في سبيل الإصلاح.

رسائل سيف الإسلام.

رجال من التاريخ (الجزء الأول).

الهيثميات.

هتاف المجد.

مباحث إسلامية.

فصول إسلامية.

نفحات من الحرم.

صور من الشرق.

صيد الخاطر لابن الجوزي "تحقيق".

فكر ومباحث.

بشار بن برد.

مع الناس.

رسائل الإصلاح.

مسرحية أبي جهل.

ذكريات علي الطنطاوي "ثمانية أجزاء".

أخبار عمر.

التحليل الأدبي.

من التاريخ الإسلامي.

دمشق.

مقالات في كلمات.

فتاوى علي الطنطاوي.

بغداد.. مشاهدات وذكريات.

حكايات من التاريخ "من أدب الأطفال".

أعلام التاريخ "سلسلة التعريف بأعلام الإسلام" (سبعة أجزاء).

وله العديد من المقالات، وآلاف الأحاديث الإذاعية والتلفازية، والخطب المنبرية، التي تنتظر طلاب الدراسات العليا، ليجمعوها، وينشؤوا عليها دراساتهم ورسائلهم الجامعية.

شارك الطنطاوي في طائفة من المؤتمرات، منها حلقة الدراسات الاجتماعية التي عقدتها جامعة الدول العربية في دمشق في عهد الشيشكلي، ومؤتمر الشعوب العربية لنصرة الجزائر، ومؤتمر تأسيس رابطة العالم الإسلامي واثنين من المؤتمرات السنوية لاتحاد الطلبة المسلمين في أوروبا. وأهم مشاركة له كانت في المؤتمر الإسلامي الشعبي في القدس عام (1953م) والذي تمخضت عنه سفرته الطويلة في سبيل الدعاية لفلسطين، وقد جاب فيها باكستان والهند والملايو وإندونيسيا.

لما جاوز الطنطاوي الثمانين من عمره وبدأ التعب يغزو جسمه آثر ترك الإذاعة والتلفزيون واعتزل الناس إلا قليلاً من المقربين يأتونه في معظم الليالي زائرين، فصار ذلك له مجلساً يطل من خلاله على الدنيا، وصار منتدى أدبياً وعلمياً تبحث فيه مسائل العلم والفقه واللغة والأدب والتاريخ.

قالوا عنه:

ثناء المستشار عبد الله العقيل عليه:

كان ابن العم سعود بن عبد العزيز العقيل من تلامذة الأستاذ علي الطنطاوي في ثانوية البصرة، وكان من المعجبين به، وكانت له حظوة عند الأستاذ الطنطاوي، لتميّزه باللغة والأدب، وقد حببني الأخ سعود في أستاذه وأنا طالب في الابتدائية، بل كان يعطيني مجلة الرسالة لأقرأها وبخاصة مقالات الطنطاوي رغم مستواي العلمي المتواضع؛

ولكني مع ذلك تعلقت بالطنطاوي وأحببته، وكنت فيما بعد أحرص على قراءة مقالاته وكتبه، وكذا مؤلفات أستاذه الرافعي الذي أحببته من كل قلبي لغيرته على الإسلام كدين، وعلى المسلمين كأمة، وعلى العربية كلغة، وأصبحت أعتبر نفسي من تلامذة هذه المدرسة التي تضم علي الطنطاوي وسعيد العريان، وعبدالمنعم خلاف، ومحمود شاكر، وغيرهم من تلامذة الأستاذ الكبير مصطفى صادق الرافعي.

وكان الأستاذ علي الطنطاوي قريباً إلى نفسي جداً، بحكم دعمه للحركة الإسلامية المعاصرة بمصر والشام والعراق، وكتابته عن رجالها، وتعاونه مع العاملين في صفوفها ببلاد الشام، كالدكتور مصطفى السباعي، ومحمد المبارك، وعمر بهاء الدين الأميري وغيرهم.

ولقد كانت له وقفة شجاعة جريئة ضد الطغيان الناصري بمصر الذي حارب الإخوان المسلمين في أرض الكنانة، وسجن الآلاف المؤلفة من رجالهم، وعلق الكثير من قادتهم الأبطال الأفذاذ على أعواد المشانق، وكان "يوم الحداد" يوماً مشهوداً على هؤلاء الشهداء الأبرار، وفي مقدمتهم الشهداء العظام: عبدالقادر عودة، ومحمد فرغلي، ويوسف طلعت، وإبراهيم الطيب، وهنداوي دوير، ومحمود عبداللطيف وغيرهم، فقد سخَّر قلمه بالكتابة في الصحافة عن جرائم الدكتاتور، وكذا أحاديثه الإذاعية، وخطبه ومحاضراته التي أشاد فيها بحركة الإخوان، ومؤسسيها ودعاتها ومجاهديها في مصر وسورية والعراق.

وكان الشيخ علي الطنطاوي هو الفارس المجلي، والبطل الشجاع، والرجل المقدام الذي يواجه الصعاب، ويتحدى قوى البغي والطغيان، دون خوف أو وجل، وقد منحه الله عز وجل قوة الحجة، وبلاغة القول، ونصاعة البيان، والذاكرة الحافظة للأحداث والوقائع والتواريخ.

ولقد أكرمني الله بزيارته في مكة المكرمة، حيث كان يسكن بمنطقة العزيزية التي كنت أسكن فيها، أيام كنت أعمل برابطة العالم الإسلامي من سنة 1988م إلى سنة 1996م، وكذا زيارته في مدينة "جدة" بعد أن انتقل إليها سنة 1993م حتى وفاته سنة 1999م.

وفي كل مرة أزوره في مكة المكرمة، أو في مدينة جدة، كان يسألني عن تلميذه سعود العقيل الذي كان أحد طلابه في ثانوية البصرة، رغم مرور هذه السنين الطويلة.

وكنت أسعد بمجالسته، والأنس بأحاديثه، والاستفادة من فيض علمه الغزير في كل شؤون المعرفة، مع الطرافة في الأسلوب، والدعابة في الحديث، والأدب الإسلامي الجم، فضلاً عن برامجه الإذاعية والتلفازية التي عمَّ خيرها الناس جميعاً، داخل المملكة العربية السعودية وخارجها، فكانت الأسر والأفراد والجماعات تترقب مواعيد أحاديثه، وتتلهف لسماعها ومشاهدتها، وتقبل عليها إقبال الظمآن على المورد العذب الزلال.

يقول العلامة الشيخ يوسف عبد الله القرضاوي:

"عرفت الشيخ علي الطنطاوي في بواكير شبابي، حين كنت مشغوفاً بالأدب والشعر، منهوماً بقراءة كتب الأدب وتتبع المجلات الأدبية، وعلى رأسها مجلة "الرسالة" وكان الطنطاوي أحد كتابها المحببين لدي، لنزعته الإسلامية، وسلاسة أسلوبه، وعذوبة منطقه، وبراعة تصويره، وقد أشرف سنة 1949م على تحرير "الرسالة" حين مرض الأستاذ الزيات.

وحين تولى التدريس لمادة الثقافة الإسلامية في كلية التربية بالمملكة العربية السعودية، اختار كتاب "الحلال والحرام في الإسلام" مرجعاً للطلاب في هذا المقرر، دون أن يلقاني، ولكنه سمع بي من زملائه من أهل الشام، مثل الشيخ مصطفى الزرقاء، والشيخ محمد المبارك.

لقد كان الطنطاوي مشعلاً من مشاعل الهداية، ونجماً من نجوم التنوير، ولساناً من ألسنة الصدق، وداعية من دعاة الحق والخير والجمال، وكان يجمع في عظاته بين العلم والأدب، أو بين الإقناع والإمتاع، يتجلى هذا فيما سطره يراعه من كتب ومقالات، وما فاض به لسانه من خطب ومحاضرات أو دروس وإفتاءات، كان يرتجلها لتوه، ولا يكتبها أو يحضّرها، وحين أصدرت كتابي "الصحوة الإسلامية بين الجمود والتطرف" نوَّه به وحثَّ على قراءته.

حفظ الشيخ الطنطاوي عشرات بل مئات القصائد من الشعر الجاهلي والشعر الإسلامي والأموي باعتباره الحجة في اللغة.

أيَّد الوحدة بين مصر وسورية، ولكن حين أصبحت في عهد عبد الناصر خطراً على الحريات وعلى حقوق الإنسان، وانتشر التجسس، وعاش الناس في رعب السلطة، وغدا المكتب الثاني "المخابرات" هو الذي يحكم البلاد، وقف مع الانفصال، وأيّده بقوة، وخطب خطبة تاريخية مشهورة، كان لها صداها الواسع، وتأثيرها البالغ على جماهير الناس".

ويقول الأستاذ عصام العطار:

"سمعت الطنطاوي وسمعت به أول مرة في الجامع الأموي في دمشق يرثي الشيخ بدر الدين الحسني الملقب بالمحدث الأكبر في الشام، وكنت طالباً بالمدرسة الابتدائية، ثم قرأت له في مجلة "الرسالة" فأعجبت بروحه العربية والإسلامية الصافية، وحماسته الصادقة للدين والفضيلة والمثل العليا، وحربه المستعرة على الفرنسيين والإنجليز، والغزو الثقافي والفكري؛ وانتصاره للعرب والمسلمين المستضعفين في كل مكان، ودفاعه عن حقوق شعوبنا وأبنائنا المضطهدين أو المستغَلين أو المحرومين، وأعجبت بما كان يجلوه على قرائه من صور تاريخنا العربي والإسلامي المشرق التي تبهر العقول وتحرك النفوس وتحفزها إلى رفض الواقع والحاضر الحقير، والسمو بالمطامح والمشاعر بأسلوب جزل سليم جميل".

ويقول الأستاذ زهير الشاويش:

"عاش أستاذنا ووالدنا الشيخ علي الطنطاوي حياة عريضة طويلة، ذات أبعاد في الأفق، وعمق بجذورها في الأرض، وكان له الأثر الكبير في تنشئة الدعاة والأدباء والقضاة والمجاهدين الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، وامتاز بالمروءة والنخوة والفضل.

قاد الأمة في وجه الاستعمار الفرنسي في سورية، ودافع عن فلسطين، وحفظ حقها إسلاماً وعروبة فيما قال وكتب، وسافر من أجلها لنصف الدنيا، وشارك في المؤتمرات والاجتماعات لها، وقمع الملحدين في أيامهم الأولى، وفي محيطه الإسلامي، وجابههم في كل مكان، وجمع مسار العلماء والمشايخ في الأوقاف ومساجد دمشق وغيرها، وكان مالئ الدنيا وشاغل الناس طوال حياته، كنا نعد أنفسنا للجهاد في فلسطين، وكان الشيخ الطنطاوي من أكبر من ساعدنا على ذلك مع أستاذنا الشيخ السباعي".

من أقواله:

وهذه مختارات من أقوال له رحمه الله، اختارتها ابنته أمان علي الطنطاوي مما قاله وكتبه:

فلسطين:

كتاب «هتاف المجد»، ص. 14

كتاب «هتاف المجد»، ص. 19

كتاب «هتاف المجد»، ص. 13

كتاب «هتاف المجد»، ص. 14

كتاب «هتاف المجد»، ص. 14

كتاب «هتاف المجد»، ص. 14

كتاب «هتاف المجد»، ص. 16

كتاب «هتاف المجد»، ص. 14

كتاب «هتاف المجد»، ص. 14

كتاب «هتاف المجد»، ص. 14

كتاب «هتاف المجد»، ص. 15

كتاب «هتاف المجد»، ص. 16

كتاب «هتاف المجد»، ص. 17

كتاب «هتاف المجد»

كتاب «هتاف المجد»، ص. 18

كتاب «هتاف المجد»

كتاب «هتاف المجد»

كتاب «هتاف المجد»، ص. 24

كتاب «هتاف المجد»، ص. 28

كتاب «هتاف المجد»، ص. 29

كتاب «هتاف المجد»، ص. 27

كتاب «هتاف المجد»، ص. 27

كتاب «هتاف المجد»، ص. 27

كتاب «هتاف المجد»، ص. 29

كتاب «هتاف المجد»، ص. 31

كتاب «هتاف المجد»، ص. 32

كتاب «هتاف المجد»، ص. 36

كتاب «هتاف المجد»، ص. 39

كتاب «هتاف المجد»، ص. 39

كتاب «هتاف المجد»، ص. 40

كتاب «هتاف المجد»، ص. 40

كتاب «هتاف المجد»، ص. 45

كتاب «هتاف المجد»، ص. 60

كتاب «هتاف المجد»، ص. 61

كتاب «هتاف المجد»، ص. 61

كتاب «هتاف المجد»، ص. 61

كتاب «هتاف المجد»، ص. 62

كتاب «هتاف المجد»، ص. 65

كتاب «هتاف المجد»، ص. 65

كتاب «هتاف المجد»، ص. 72

كتاب «هتاف المجد»، ص. 73

كتاب «هتاف المجد»، ص. 45

كتاب «هتاف المجد»، ص. 45

كتاب «هتاف المجد»

كتاب «هتاف المجد»

كتاب «هتاف المجد»

كتاب «هتاف المجد»، ص. 50

كتاب «هتاف المجد»، ص. 51

كتاب «هتاف المجد»، ص. 51

كتاب «هتاف المجد»، ص. 52

كتاب «هتاف المجد»، ص. 53

كتاب «هتاف المجد»، ص. 54

كتاب «هتاف المجد»، ص. 54

كتاب «هتاف المجد»، ص. 54

كتاب «هتاف المجد»، ص. 55

كتاب «هتاف المجد»، ص. 56

كتاب «هتاف المجد»، ص. 57

كتاب «هتاف المجد»

كتاب «هتاف المجد»، ص. 60

كتاب «هتاف المجد»

كتاب «هتاف المجد»، ص. 83

كتاب «هتاف المجد»، ص. 84

كتاب «هتاف المجد»، ص. 84

كتاب «هتاف المجد»، ص. 85

كتاب «هتاف المجد»، ص. 84

كتاب «هتاف المجد»، ص. 89

كتاب «هتاف المجد»، ص. 90

كتاب «هتاف المجد»، ص. 90

كتاب «هتاف المجد»، ص. 90

كتاب «هتاف المجد»، ص. 90

كتاب «هتاف المجد»، ص. 90

كتاب «هتاف المجد»، ص. 91

كتاب «هتاف المجد»، ص. 84

كتاب «هتاف المجد»، ص. 93

كتاب «هتاف المجد»، ص. 94

كتاب «هتاف المجد»، ص. 94

كتاب «هتاف المجد»، ص. 94

كتاب «هتاف المجد»، ص. 95

كتاب «هتاف المجد»، ص. 95

كتاب «هتاف المجد»، ص. 96

كتاب «هتاف المجد»، ص. 96

كتاب «هتاف المجد»، ص. 97

كتاب «هتاف المجد»، ص. 97

كتاب «هتاف المجد»، ص. 106

كتاب «هتاف المجد»، ص. 106

كتاب «هتاف المجد»، ص. 106

كتاب «هتاف المجد»، ص. 108

كتاب «هتاف المجد»، ص. 108

كتاب «هتاف المجد»، ص. 118

كتاب «هتاف المجد»، ص. 119

كتاب «هتاف المجد»، ص. 166

نحن المسلمين:

كتب مقالة رائعة بعنوان: "نحن المسلمين" جاء فيها:

سلوا عن ديار الشام ورياضها، والعراق وسوادها، والأندلس وأرباضها.

سلوا مصر وواديها، سلوا الجزيرة وفيافيها، سلوا الدنيا ومن فيها.

سلوا بطاح إفريقية، وربوع العجم، وسفوح القفقاس.

سلوا خفافي الكنج، وضفاف اللوار، ووادي الدانوب.

سلوا عنا كل أرض في "الأرض" وكل حي تحت السماء

إن عندهم جميعاً خبراً، من بطولاتنا وتضحياتنا ومآثرنا ومفاخرنا وعلومنا وفنونان.

نحن المسلمين!!

هل روى رياضَ المجد إلا دماؤنا!

هل زانت جنات البطولة إلا أجسادُ شهدائنا!

هل عرفت الدنيا أنبل منا وأكرم، أو أرأف أو أرحم، أو أجلّ أو أعظم، أو أرقى أو أعلم!

نحن حملنا المنار الهادي، والأرض تتيه في ليل الجهل، وقلنا لأهلها: هذا الطريق!

نحن نصبنا موازين العدل يوم رفعت كل أمة عصا الطغيان.

نحن بنينا للعلم داراً يأوي إليها حين شرده الناس عن داره.

نحن أعلنَّا المساواة يوم كان البشر يعبدون ملوكهم ويؤلهون سادتهم.

نحن أحيينا القلوب بالإيمان، والعقول بالعلم، والناس كلهم بالحرية والحضارة.

نحن المسلمين!

قوتنا بإيماننا، وعزُّنا بديننا، وثقتنا بربنا.

قانوننا قرآننا، وإمامنا نبينا، وأميرنا خادمنا.

وضعيفنا المحق قوي فينا، وقوينا عون لضعيفنا.

وكلنا إخوان في الله، سواء أمام الدين.

نحن المسلمين!

قضايا اجتماعية:

كتاب «مع الناس»، ص. 54

كتاب «مع الناس»، ص. 54

كتاب «مع الناس»، ص. 86

كتاب «مع الناس»، ص. 90

كتاب «مع الناس»، ص. 92

كتاب «مع الناس»، ص. 93

كتاب «مع الناس»، ص. 93

السعادة:

كتاب «مع الناس»، ص. 61

كتاب «صور وخواطر»، ص. 10

كتاب «فصول إسلامية»، ص. 63

كتاب «صور وخواطر»، ص. 16

كتاب «صور وخواطر»، ص. 16

كتاب «صور وخواطر»، ص. 16

كتاب «صور وخواطر»، ص. 16

كتاب «صور وخواطر»، ص. 19

كتاب «صور وخواطر»، ص. 20

كتاب «فصول إسلامية»، ص. 38

كتاب «فصول إسلامية»، ص. 64

كتاب «فصول إسلامية»، ص. 65

المسلم:

كتاب «فصول إسلامية»، ص. 23

كتاب «فصول إسلامية»، ص. 23

كتاب «فصول إسلامية»، ص. 34

كتاب «فصول إسلامية»، ص. 35

كتاب «فصول إسلامية»، ص. 44

كتاب «فصول إسلامية»، ص. 47

كتاب «فصول إسلامية»، ص. 48

كتاب «فصول إسلامية»، ص. 60

الأخلاق:

كتاب «مع الناس»، ص. 76

كتاب «مع الناس»، ص. 76

كتاب «مع الناس»، ص. 72

كتاب «مع الناس»، ص. 70

كتاب «هتاف المجد»، ص. 108

كتاب «هتاف المجد»، ص. 108

كتاب «مع الناس»، ص. 76

كتاب «مع الناس»، ص. 72

كتاب «مع الناس»، ص. 73

كتاب «مع الناس»، ص. 73

كتاب « مع الناس»، ص. 50

كتاب «مع الناس»، ص. 50

كتاب «مع الناس»، ص. 51

كتاب «فصول إسلامية»، ص. 38

كتاب «مع الناس»، ص. 99

كتاب «صور وخواطر»، ص. 23

كتاب «صور وخواطر»، ص. 26

نماذج من شعره:

"اذكروا الأقصى"

المرأة الشلاء تحمي بيتها         أنبيح بيت الخالق المعبود؟

هو حصن حق غاب عنه حماته       هو قلعة لكن بغير جنود

لا العطر والند المصفَّى طيبه         لكنّ ريّاه شذى البارود

يصلى المصلي النار في جنباته     والمسلمون بنومة وهجود

أينام من تقري المدافع سمعه       صوت يزلزل قنّة الجلمود

أينام من يمشي اللهيب بداره     يشوي حميم لظاه رمل البيد

"لبيك.. لبيك":

لبيك ربي قد أتيتك تائباً             أيُرَدَّ محتاج أتى يتضرع؟

لبيك جُدْ بالعفو عني ليس لي     أملٌ بغير العفو منك ومطمع

لبيك ربي المسلمون تفرقوا     من ذا يوحدهم سواك ويجمع

"عودوا":

عودوا إلى النهج القديم فإن هذا العود أحمد

عودوا يعد مجد الجدود ويوم بدر يتجدد

وتروا صلاح الدين عاد ويوم حطين الممجد

داعية الإصلاح:

يعد الشيخ علي الطنطاوي أحد رموز الدعوة الإسلامية الكبيرة في العالم العربي وشخصية محببة ذائعة الصيت نالت حظاً واسعاً من الإعجاب والقبول، وله سجل مشرف في خدمة الإسلام والمسلمين.

كان الطنطاوي أديباً وداعية يتمتع بأسلوب سهل جميل جذاب متفرد لا يكاد يشبهه به أحد، يمكن أن يوصف بأنه السهل الممتنع، فيه تظهر عباراته أنيقة مشرقة، فيها جمال ويسر، وهذا مكنه من طرح أخطر القضايا والأفكار بأسلوب يطرب له المثقف، ويرتاح له العامي.

وكان – رحمه الله- قريبا من الناس متفهما لهم، وناقش الكثير من المشكلات الاجتماعية وبعض الاعتقادات الخاطئة, وتميز بأدبه ومقالاته، ومن أعز أصدقائه الكتاب الذي كان لا يفارقه. وكان قريبا من المثقف والعامي.

حمل الطنطاوي على كاهله راية الإصلاح الديني في الميادين كافة: التشريعي والسياسي والاجتماعي، فكان في ما يؤلف ويحاضر الداعية المسلم الذي يهجم على الخرافات والتقاليد البالية والسلوكيات المستوردة؛ فيصحح عقائد الناس ويقوم أخلاقهم، كما كان يتصدى لظلم رجال السلطان وأصحاب الدعوات الهدامة بمنطق الحق القويم وسلاسة الأسلوب وعذوبة العبارة مما قيض له قبولاً عند عامة الناس، كما نصب له في الوقت نفسه كثيراً من المعادين والشانئين. وكتبه في ميادين الإصلاح المختلفة كثيرة متعددة الاتجاهات تشهد له بعمق الفكرة وطول الباع وسلامة المنهج، وقد سبق زمانه في طروحاته الإصلاحية على صعيد التشريع والسياسة والاجتماع.

الحياة العائلية:

رزق الشيخ الطنطاوي خمساً من البنات، ( بنان، وبيان، وأمان )، وقد كان لفقد إحداهن (بنان) - وقد اغتالتها يد الإرهاب الآثم في مدينة آخن الألمانية - أكبر الأثر في نفسه، ولكنه احتسبها عند الله. وتمسك بالصبر والتسليم بقضاء الله.

يصف الشيخ علي الطنطاوي موت ومقتل أبنته في مذكراته:

«إن كل أب يحب أولاده، ولكن ما رأيت، لا والله ما رأيت من يحب بناته مثل حبي بناتي، ما صدقت إلى الآن، وقد مر على استشهادها أربع سنوات ونصف السنة وأنا لا أصدق بعقلي الباطن أنها ماتت، إنني أغفل أحيانا فأظن إن رن جرس الهاتف، أنها ستعلمني على عادتها بأنها بخير لأطمئن عليها، تكلمني مستعجلة، ترصّف ألفاظها رصفاً، مستعجلة دائما كأنها تحس أن الردى لن يبطئ عنها، وأن هذا المجرم، هذا النذل ... هذا ... يا أسفي، فاللغة العربية على سعتها تضيق باللفظ الذي يطلق على مثله، ولكن هذه كلها لا تصل في الهبوط إلى حيث نزل هذا الذي هدّد الجارة بالمسدس حتى طرقت عليها الباب لتطمئن فتفتح لها، ثم اقتحم عليها، على امرأة وحيدة في دارها، فضربها ضرب الجبان والجبان إذا ضرب أوجع، أطلق عليها خمس رصاصات تلقتها في صدرها وفي وجهها، ما هربت حتى تقع في ظهرها كأن فيها بقية من أعراق أجدادها».

وفاته:

في مساء يوم الجمعة الثامن عشر من شهر يونيو (18-6-1999م) انتقل إلى رحمة الله تعالى، وهو في مستشفى الملك فهد في جدة.

وقد صُلي عليه في الحرم المكي الشريف، ثم دُفن في مكة المكرمة وكان قد بلغ الخامسة والتسعين من عمره.

رحمه الله رحمة واسعة، وأسكنه فسيح جناته، مع النبيين والصديقين، والشهداء، والصالحين، وحسُن أولئك رفيقاً. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

أصداء الرحيل:

اشتهر الشيخ الطنطاوي بسعة أفقه، وكثرة تجواله، وحضور ذهنه، وذاكرته القوية؛ ولذلك تجيء أحكامه متسمة بصفة الاعتدال بعيدة عن الطرفين المذمومين: الإفراط والتفريط.

ومن المجالات التي سبق إليها الكتابة في أدب الأطفال والمشاركة في تأليف الكتب المدرسية. وتحقيق بعض كتب التراث، وله جولات في عالم القصة فهو من أوائل كتابها.

كانت مساجلاته تملأ الأوساط الفكرية والأدبية طولاً وعرضاً، وكان لا يكف عن إصدار رسائله التي يحذر فيها من مغبة الانخداع بالنحل الباطلة. ومن طريف ما تعرض له في إحدى مساجلاته ما يرويه عن نفسه: «كنا يوماً أمام مكتبة (عرفة) فجاء رجل لا نعرفه فاندس بيننا وحشر نفسه فينا، وجعل يتكلم كلاماً عجيباً، أدركنا منه أنه يدعو إلى نحلة من النحل الباطلة، فتناوشوه بالرد القاسي والسخرية الموجعة، فأشرت إليهم إشارة لم يدركها: أن دعوه لي، فكفوا عنه وجعلت أكلمه وأدور معه وألف به، حتى وصلت إلى إفهامه أني بدأت أقتنع بما يقول، ولكن مثل هذه الدعوة لا بد فيها من حجة أبلغ من الكلام، فاستبشر وقال: ما هي؟ فحركت الإبهام على السبابة، وتلك إشارة إلى النقود. قال: حاضر، وأخرج ليرتين ذهبيتين يوم كانت الليرة الذهبية شيئاً عظيماً. مد يده بالليرتين فأخذتهما أمام الحاضرين جميعاً، وانصرف الرجل بعد أن عرفنا اسمه، فما كاد يبتعد حتى انفجرت الصدور بالضحك، وأقبلوا عليّ مازحين، فمن قائل: شاركنا يا أخي، وقائل: اعمل بها وليمة، أو نزهة في بستان، قلت: سترون ما أنا صانع، وذهبت فكتبت رسالة، تكلمت فيها عن الملل والنحل والمذاهب الإلحادية، وجعلت عنوانها «سيف الإسلام» وكتبت على غلافها «طبعت بنفقة فلان» باسم الرجل الذي دفع الليرتين، وبلغني أنه كاد يجن ولم يدر ماذا يفعل، ولم يستطع أن ينكر أمراً يشهد عليه سبعة من أدباء البلد، وقد بلغني أن جماعته قد طردته بعد أن عاقبته».

كما كان الفقيد -يرحمه الله- داعية شجاعاً ثابتاً على مبدئه لا يلين، ولا يهادن، كان يقتحم الأهوال، وينازل الرجال، يلج عرين الآساد، وربما عرض نفسه -باختياره - لمخالب تمزق جلد التمساح، كل ذلك في سبيل إيمانه بفكرته الإسلامية، والتضحية من أجل إعلائها مهما كان الثمن.

وقد ترك الشيخ علي الطنطاوي أثراً كبيراً في الناس، وساهم في حل مشكلاتهم عن طريق كتابته ورسائله وأحاديثه، وقد كان له دور طيب في صياغة قانون الأحوال الشخصية في سوريا، وهو واضع مشروع هذا القانون على أسس الشريعة الإسلامية، كما وضع قانون الإفتاء في مجلس الإفتاء الأعلى، وانتخب عضواً في المجمع العلمي العراقي في بغداد. وفي كل أعماله كان يبتغي الأجر من ربه ويسعى إلى واسع مغفرته، يقول: «ينجيني قانون ﴿ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ﴾ [البقرة:286] إني والله أخشى ذنبي ولكني لا أيأس من رحمة ربي.. وآمل أن ينفعني إذا مت صلاة المؤمنين عليّ ودعاء من يحبني، فمن قرأ لي شيئاً أو استمع لي شيئاً فمكافأتي منه أن يدعو لي، ولدعوة واحدة من مؤمن صادق في ظهر الغيب خير من كل ما حصّلت من مجد أدبي وشهرة ومنزلة وجاه».

تقول حفيدته «عابدة العظم»: نشأت وترعرعت في كنف جدي وأمي وأنا أعتقد -كما يظن ويعتقد كل طفل- أن كل الناس يتربون ويتوجهون في بيئة إن لم تماثل بيئتي فهي مشابهة لها، وكنت أسمع الناس يمتدحون جدي فلا أدرك من الحقيقة إلا أن الناس عرفوه لأنه يحدثهم في الراديو والتلفزيون، فأحبوه، فامتدحوه، وكنت أنا مثلهم أحبه كثيراً؛ لما أراه منه، فلم أعر الأمر اهتماماً.

وما لبثت أن كبرت قليلاً، واختلطت بالناس، فبدأت أدرك شيئاً فشيئاً الفروق الجوهرية بين جدي مربياً وبين سائر المربين، وكنت كلما اجتمعت مع أقراني لمست التباين بين أسلوبه في التوجيه وبين أسلوب بقية الوالدين، وكنت كلما سمعت مشكلات الآباء في تربية الأبناء، أعترف لجدي بالتميز والإبداع في معالجة الأخطاء وتعديل الطباع، وساهمت خالاتي وأمي في تبصيري، وذلك بما كنّ يقصصنه عليّ من قصصهن مع جدي، وبما كن يكننّه له من الاحترام والشكر والتقدير، وبما كنّ يحملنه من إيمان عميق بالله، ومبادئ عظيمة تعلموها من شرع الله.

فلم أكد أتفهم هذه الحقائق، وأتبين الأثر الكبير الذي أوجده جدي فينا، حتى شرعت في كتابة المواقف المهمة العالقة في ذاكرتي، إذ أحسست بأن هذه التوجيهات حري بها أن لا تبقى حبيسة معرفة بعض الناس الذين هم أحفاد الطنطاوي، بل ينبغي أن تنشر ليطلع عليها الناس، لتكون لهم عوناً في تنشئة أبنائهم وبناتهم، ولهذا أصدرت عنه كتابي.

وعن كتابها «هكذا ربانا جدي علي الطنطاوي» تقول:

(لم أكن عند جدي عندما عُرض الكتاب عليه لأول مرة. فقد حمله إليه زوج خالتي «نادر حتاحت» بصفته ناشر الكتاب، ولما قرأه جدي اتصل بي هاتفياً، وقال: الكتاب جيد، بل هو جيد جداً، وأسلوبه جميل. لكنه عقّب بقوله: ومن الصعب عليّ يا ابنتي أن أمتدح هذا الكتاب، أو أدلي برأيي الصريح عنه، لأنه عني، وأخشى أن يظن الناس أني أفعل لأجل ذلك. ثم ختم كلامه بقوله: وأنا لست كما وصفت، فأنت التي جمّلت الحوادث وصورتيها بتلك الطريقة.

وكان ذلك تواضعاً منه، فأنا ما كتبت غير الحقيقة، وما صورت إلا ما رأيته، وما قال ذلك جدي إلا تواضعاً).

وعن رؤية الشيخ الطنطاوي للمرأة -وخصوصاً أنه لم يرزق بالبنين- تقول:

(جدي إنسان كأي إنسان آخر، يحب أن يرزق البنين، فيحملون اسمه ويتعلمون مما علمه الله، ويكونون خلفاء له، وهو لم يتوقع أصلاً ألا يولد له ذكر، فلما جاءته ابنته الأولى رضي بقضاء الله وسعد بها، بل أحبها وأخواتها -من بعد- حباً شديداً، وأولاهن من العناية والرعاية والاهتمام ما لم يوله أب آخر ممن أعرف أو سمعت عنهم.

أما احترامه للمرأة فهو شيء معروف عنه، وكان في أحاديثه يدافع عن النساء ويذبّ عنهن، ويحذر الرجال من الظلم والتعدي، وكان يردد دائماً: أن الدرجة للرجل على المرأة درجة واحدة، وليست سلماً! حتى لقّبوه ب- «ناصر المرأة»، وهو كذلك معنا، فقد كان يؤثرنا أحياناً -نحن الحفيدات - على الأحفاد، وقد بذل لنا الكثير، وأكرمنا زيادة عنهم في بعض المواقف، ولكن دون أن يشعروا؛ حتى لا يتسبب ذلك في أذاهم).

وحول شخصية الشيخ علي الطنطاوي، وكيف جمع بين العلم والدين والأدب والحياة، تقول:

(ساءلت نفسي هذا السؤال مرة، ثم وجدت الجواب في سيرة جدي، فقد مر بظروف قاهرة ومؤلمة، فعوضه الله بمجموعة من العطايا، أهلته للنجاح.

كان يتيماً وحيداً بلا أب ولا أم ولا سند مادي أو معنوي، فأعطاه الله العقيدة السليمة، وقوة الشخصية، فكان بلسانه وقلمه سيفاً مسلولاً على أعداء الله ورسوله، ٍيترصد الباطل ويقتله، ينازل الفسوق فيقهره، ويبارز الكفر والانحلال والمجون فيغلبهم جميعاً، وكان صدّاعاً بالحق، لا يسكت عن إنكار منكر، ولا تمنعه منه هيبة ذي سلطان، جريئاً لا يهاب أحداً ولا يخشى إلا الله، متمرداً على العادات والتقاليد المخالفة للإسلام، فرفع الله بعمله هذا ذكره بين الناس.

وكان محباً للعزلة والانفراد فأعطاه الله حب العلم، والشغف بالقراءة والاطلاع، ورزقه الذكاء والذاكرة العجيبة، وسرعة الاستيعاب، فلم تكن إلا سنون حتى جمع علماً غزيراً متنوعاً، فهو أديب، ولغوي فقيه، وعالم نفس، وهو قارئ نشيط في الطب والفلك، فسهل الله له بعلمه الطريق إلى عقول الناس.

وكان هيّاباً للاجتماع بالناس، فأعطاه الله القدرة على مخاطبتهم من بعيد، أي عن طريق وسائل الإعلام على اختلاف مشاربهم، وأعطاه روح الفكاهة، وحلاوة الأسلوب، والابتكار في العرض، والقدرة على الإقناع، والمرونة في الإفتاء فوصل إلى قلوب الكثيرين).

وتقول «أمان علي الطنطاوي» ترثي والدها الفقيد:

(إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن، وإنا عليك يا أبتاه لمحزونون، أبتاه أنت شمس حياتنا ونور أيامنا.. أبتاه يعز علينا الفراق، ويحز في النفس غياب صوتك ووجهك، لكنك في القلب أنت، في العقل أنت.. أبتاه يا نبض أيامي، أبتاه ملهم أفكاري.. أبتاه يا أحب وأغلى الناس، رحمك الله وأسكنك فسيح جناته. أبتاه ها قد لحقت ب- «بنان» التي حزنت عليها دوماً ولم تذكر اسمها إلا هذا العام، ولم تلح في طلبها إلا وأنت مريض بالإشارة، أشرت بإصبعك الثاني، قلت لك: بنان، هززت رأسك. يا أحب الناس ها قد التقيت ب- «بنان» جعلك الله وإياها من أهل الجنة).

يقول الشيخ «مجاهد محمد الصواف» الذي رافق الشيخ علي الطنطاوي منذ كان في العاشرة من عمره:

(من أبرز سماته –رحمه الله- هدوء الشيخ وفهمه لما يجري في العالم، وارتباطه العميق بالدعوة إلى الله، والتزامه في ذلك بالقرآن والسنة، وهو ما مكنه من طرح موضوعاته وما يهدف إليه من نشر التوعية والدعوة بشكل يقبله الناس. وكان كاتباً رائعاً إذا أمسك القلم؛ إذا أراد أن يبكي أبكى، وإذا أراد أن يضحك أضحك، فيجمع في أسلوبه الدعوي كل أساليب التربية، فكان يجيب عن أطنان من الرسائل، ولم يكن يتحرج في الإجابة عن أي سؤال يطرح في مجتمعنا، واستطاع بحكمته ووسطيته وأسلوبه الرائع في طرح القضايا والمشكلات أن يكسب القبول من الناس جميعاً).

وقال الدكتور «حسن محمد سفر» - أستاذ نظم الحكم الإسلامي بجامعة الملك عبد العزيز بجدة:

(بفقدان العلامة الشيخ علي الطنطاوي، فقد العالم الإسلامي علماً من أعلام الفكر والثقافة الإسلامية، وكان -رحمه الله- يطل على المسلمين من الشاشة بأسلوب مبسط، يبين فيه أحكام الإسلام ووجهة نظر المجتهدين من علماء الشريعة فيما يتعلق بالمسائل والأحكام والفتاوى، وكان هذا الأسلوب الشيق مميزاً يضيف إليه سماحته من الطرف والقصص ما يربط به الموضوع، فتستخلص منه العبر والعظات، وقد كان هذا الأسلوب محبباً لدى الشباب، فرحم الله هذه الثلة المباركة من علماء الإسلام، وعوضنا في سماحته كل خير، وحفظ الله علماءنا، ليؤدوا الرسالة التي أنيطت بهم، والحمد لله على كل حال).

الشيخ «محمد فيصل السباعي» - مدير إدارة النشر بجامعة أم القرى وأحد المقربين من الشيخ الطنطاوي - يقول:

(لقد رافقت الشيخ علي الطنطاوي في كثير من الفترات، عرفت فيها حماسه وغيرته على الإسلام، وعرفت فيه رمزاً من رموز العلم والتعليم، عرفته -رحمه الله- قرابة نصف قرن، وكان عالماً عاملاً كثير التواضع للجميع، وبخاصة في مجال الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وكان -رحمه الله- موسوعة متنقلة، وإنا لنشهد له بالخير والصلاح، ولا نزكيه على ربه، ونسأل الله تعالى أن يجزيه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء والمثوبة، ويعوض العالم الإسلامي بفقده، ويلهم ذويه ومحبيه الصبر والسلوان، وأن يسكنه فسيح جناته). [1]

الشيخ علي الطنطاوي كما عرفته .. د.عائض القرني:

إذا قلت: علي الطنطاوي، حضرت دائرة المعارف، وموسوعة الأدب، وجامعة الفنون، فصرت معه في عالم من المنقول والمعقول، والقديم والحديث، والعلم والأدب، والنثر والشعر، تقرؤه، فإذا الآية والحديث، والقصة والمثل، والبيت والحكاية، والنكتة والخاطرة، يضحكك ويبكيك، يطربك ويشجيك، يفرحك ويحزنك، فأنت معه بين بسمة ودمعة، ووصل وهجر، وسلم وحرب، يحدثك عن الأنبياء والعلماء، والحكماء والشعراء، والملوك والسوقة، والأغنياء والفقراء، والرجال والنساء، والملائكة والشياطين، يقص عليك أخبار مالك والشافعي، وابن تيمية وابن حزم، وابن سينا وابن رشد، والفارابي وابن خلدون، والمتنبي وأبي تمام، وفولتير وسارتر، وديكارت وكانت، وشكسبير تولستوي، وإقبال وطاغور، يرتحل بك من برج إيفل إلى تاج محل، ومن هضبة التبت إلى مقاصير الحمراء، ومن ضفاف دجلة إلى روافد الراين، يتحفك بتاريخ العرب ودهاء العجم، وصبر الأتراك، وصمود الأكراد، وسخرية الفرنسيين، وبرود الإنجليز، يجمع لك في مجلس واحد عدل نور الدين، وشجاعة صلاح الدين، وهمة نابليون، وأبهة الناصر في الزهراء، وحنكة معاوية في دمشق، وملك هارون ببغداد، يهدأ فإذا هو رخاء حيث أصاب ويزبد ويرعد، فإذا هو قاصف من الريح، وعات من الموج، تعيش معه وعظ الحسن البصري، وزهد الثوري، وبديهة إياس، وموسوعية الشعبي، وسخرية برناردشو، وجاذبية غوته، وتصوير هيجو، ينقلك بقوة براعته، وأسر إبداعه من عالمك الصغير إلى عالمه الكبير، ومن أفقك الضيق إلى أفقه الواسع، ومهما حاولت أن تتماسك أمام أسره وسحره فهيهات، سوف تستسلم لسلطان بيانه، وتعلن الطاعة لنور برهانه؛ لأن حديثه يكاد يضيء من بريق نوره -ولو لم تمسسه نار- ذاكرته، وسوف تعترف بتميزه وعمقه وموسوعيته وأصالته.

لم أقرأ لأديب ولا لكاتب معاصر أعذب عبارة، وألطف إشارة، وأحسن لفظًا، وأعظم أسرًا، وأبرع كتابة، وأجمل أسلوبًا من علي الطنطاوي، لكأنّ مقالته صبح تنفس، أو روض أخضر باكرته صبا باردة، أو جنة بربوة أصابها وابل.

قرأت كل كتبه وأعدت الكثير منها، وحفظت قطعًا جميلة، وتحفًا غالية منها، وخطبت ببعض إشراقاته، فسالت من سماعها الدموع، ووجلت من بلاغتها القلوب، استفدت من كتبه جلال الحق، وإشراق النفس، وسمو الروح، وحلاوة الجملة، وطلاوة الحرف، قطفت من روضه أينع الثمار، وألذ الطلع، فحديقة علمه صنوان وغير صنوان تسقى بماء واحد، وبستان أدبه فيه من كل زوج بهيج؛ تفسيرًا وحديثًا وأدبًا وثقافة، وفي رحاب فنونه حدائق ذات بهجة مما يهيج ويبهر؛ لأنه يغرب ويطرب ويعجب والمعاصرون من الأدباء طرائق جدد، ومذاهب شتى، منهم عميق الفكر، راسخ المعلومة، لكنه قلق العبارة، شاق الطريق، فاتر الأداء، ومنهم البارع في عرضه، الجميل في لفظه، لكن بضاعته مزجاة، وجعبته فارغة، وكفه صفر، ومنهم خالي الوفاض من المعنى، على جرف هار في المبنى، (حشفًا وسوء كيلة)، أما الشيخ علي الطنطاوي فهو ثر المعرفة، واسع العلم، راسخ الفهم، عميق الفكر، وهو مع ذلك صاحب أبرع مقالة تتصدر الكتاب العربي، والمجلة السائرة، والصحيفة اليومية، سهولة في أصالة، ويسرًا في رصانة، وعذوبة في عمق:

خُلّلْ من السحر الجميل

من روعة الإيحاء والإغراء

إذا أصّل لنا نسينا ابن سينا، وإذا نظر سقطت أسهم سقراط، له تفنن الجوزي، وعبقرية ابن حزم، وتبيان الجاحظ، وسلاسة ابن حيان؛ لأنه جرد الأسفار، وطاف الديار، وطوى منشور الزمان، ونشر مطوي المكان، فهو جامع لأحداث العصر، وأنباء كل مصر، إن أحبَّ أطنب وأسهب، وإن شاء أوجز وألغز، مع جودة خاطر ماطر، وصحة نفَس عاطر، ولا غرابة فهو خليفة مجدد الأدب، وإمام الكتاب، مصطفى صادق الرافعي.

والشيخ علي الطنطاوي لا يتركك تقرأ له بقلب خامد، وطرف جامد، وحس هامد، بل يبعث في نفسك شعورًا حيًا، فيهز عاطفتك، ويلهب حماسك، ويوقظ روحك هذا إذا كان القارئ له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، أما إذا كان ميت الشعور، يابس الإحساس، مقفر المعرفة، فهذا لا كلام معه: ﴿ أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْيَاء وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ ﴾ [النحل:21]

ما في الخيام أخو وجْدٍ نطارحه

حديثَ نجْدٍ ولا خِلٌّ نجاريه

لقد عرفت الطنطاوي قبل ثلاثين سنة، تأبطت كتبه في جبال الجنوب، وتصفحت مقالاته في روابي نجد، وطالعت ذكرياته في مغاني الحجاز، استقبلتني كتبه في دمشق، وهزتني مقالاته في القاهرة، ولقيت قصصه في باريس، وسمعت أخباره في قرطبة، وهو مصري المَحْتِد، دمشقي المولِد، حجازي الهوى، نجدي الجوى، صوته في المذياع، وصورته في الشاشة، وأدبه في الصحيفة، وإشراقه في الكتاب، سافرت وكتبه معي، ونمت ورسائله على مخدتي، وكنت مرة في الطائرة إلى جاكرتا، وبين يدي كتابه: (رجال من التاريخ) فأبكاني وأشجاني، وأتيت أرتجل خطبة في جمع بعدما حفظت مقطوعة: (نحن المسلمون) من أول (قصص من التاريخ)، فسمعت نشيج الحضور بيني وبين الطنطاوي غير نسب الدين العظيم، والمعتقد الحق، صفات متقاربة متجاذبة مع اعترافي بفضله وتقدمه وسابقيته، فقد حببني في الأدب شعرًا ونثرًا، على نزعة فطرية سابقة، وولع قديم وحنين دائم، ﴿ وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْمَاء عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ ﴾ [القمر:12]

وما شرقي بالماء إلا تذكرًا

لماء به أهل الحبيب نزولُ

وشجعني على الموسوعية وتعدد الفنون والضرب في كل غنيمة بسهم وهبوط وديان المعرفة، وشحذ ما عندي من طبع دعوب، ومزاح متأصل، ونكتة منكوتة في الدم جعلتني أعجب بطرائفه ولطائفه، وأضحك معه وأحفظ -كما يحفظ- مما تخف له الروح، ويهش له الخاطر، ولله هو مواهب متعددة، وروح متجددة، نهج حنيفي، ومذهبي حنفي، وخلق أحنفي، يكاد سنا برق لموعه يذهب بأبصار حُسّاده.

وحرصت على لقاء الشيخ الطنطاوي وتمنيت ذلك، وقبل أن ألقاه بأشهر كنت ألقي درس السبت ب- «أبها» في جمع من الناس، فوصلتني إشاعة موته، وصدق ذلك بعض الأصدقاء وقووها عندي، فأخبرت الناس بموته وهو حي يرزق، وترحمت عليه وغسلته وكفنته وصليت عليه ودفنته وبكيت.. فلما انتهى الدرس ثبت أن الشيخ «علي» لم يمت، وأنه لا يزال مصرًا على الحياة على رغم أنوفنا!! ولو كانت تنطلي عليه الحيلة لصدقنا ومات، فصار بكاؤنا عليه هباءً منثورًا، وزرته بمكة في بيته بالعزيزية وعرّفه صاحبه بي، وقد سمع ببعض أشرطتي واستشهادي بكلامه، فهش وبش، وحيّا ورحب، وقال لي: أنت الذي أماتني قبل أن أموت؟! ثم استشهد ببيت المتنبي:

يا كم دُفنت ويا كم مت

ثم انتفضت فزال القبر

ومازحني وداعبني ثم حدثنا بشيء من ذكرياته المشجية، فبكى مرتين وهو يقص علينا أحسن قصصه، بكى حينما تذكر زميله وصديقه الكاتب اللامع والداعية الصادق سيد قطب -رحمه الله- وقال والدمع يغسل خده: كان خيرًا مني وأفضل مني وأنفع مني ثم تنهّد وترحم عليه.

ثم بكى لما ذكر ابنته بنان -رحمها الله- التي قتلت بألمانيا، فجادت عيناه بأحر وأصدق الدموع على فلذة كبده، وصنو روحه، فكان دمعه أصدق خطبةٍ قرأتها، وأعظم موعظة سمعتها، حرم الله تلك العيون على النار، وآنس الله تلك الجفون بصحبة الأبرار.

وكل ما ذكرته عن الشيخ علي الطنطاوي عظيم ويستحق عليه التكريم، لكن أعظم من سعة علمه وكثرة فنونه ودائرة معارفه أنه قد رضي بالله ربًا وبالإسلام دينًا وبمحمد –صلى الله عليه وسلم- نبيًا، وهنا عظمة الإنسان، وغاية نبله، وذروة كماله البشري، حيث يبارَك في علمه، ويصلُح عمله، ويرتفع ذكره، ويستقيم منهجه، وتطيب كلماته، وتعذب عبارته، ويحلو أدبه، وهذا بعينه الذي حببنا في شيخ الجيل، وأستاذ الأدب، وكاتب العصر علي الطنطاوي.

ألا، فتبًا وسحقًا لمن عق دينه، ونسي ربه، وكتم شهادة عنده من الله، وألغى الدليل، ورفض المحجة البيضاء، وتدثر بلباس الزور، وتزمل برداء الغرور، فهو إنسان في فهم ثور، ﴿ إِنَّهُ ظَنَّ أَن لَّن يَحُورَ ﴾ [الانشقاق:14].

فلا يلوم لائم تعلق الجيل المؤمن، والشباب الصادق بهذا الأستاذ الجهبذ، وهذا العلم الأعجوبة؛ لأنهم وجدوا فيه الأمانة والإيمان مع ورع النفس، وطهر الضمير، وعفة القلم، وصفاء الفكر، أما المرتزقة الآثمون المفلسون في عالم القيم ﴿ فَتَعْساً لَّهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ ﴾ [محمد:8]، نتاجهم سراب بقيعة، وحصيلتهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف، صار ذمهم شهادة على كمال من جرحوه، وأصبحت تزكيتهم وصمة عار لمن مدحوه، ومن خير وأفضل ما كُتب عن الشيخ علي الطنطاوي كتاب (علي الطنطاوي كان يوم كنت) للدكتور أحمد آل مريع وفقه الله تعالى. [2]

رثاء العلامة الأديب الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله تعالى:

وكتب الشاعر الداعية د. محمد منير الجنباز يقول في رثائه:

وَارَوْكَ يَا شَيخنَا صَمْتاً فَوَا أَسَفي          وَوَدَّعوكَ بِدَمعِ الْحُزنِ وَا لَهَفِي

وَغَيَّبوكَ الثَّرى لَو أنَّهُمْ عَلِموا           أنَّ الْمُغَيَّبَ مِثلُ الدُّرِّ في الصَّدفِ

لأسْبَلُوا دَمْعَهُمْ مِنْ عَينِ وَاكِفَةٍ             وَأَرْسَلوا حُزْنَهُم مِنْ قَلبِ مُرْتَجِفِ

موتُ الْغَريبِ بدارٍ شَطَّ مَنْزِلُها         كضائعٍ في الْفَلا عَنْ عَينِ مُكْتَشِفِ

كَمْ كُنتَ تَرْجو مَمَاتاً في ديارِكُمُ               وَتَشْتَهي جُلَّقاً للْمَوتِ في دَنَفِ

وَكُنتَ تَذْرِفُ دَمْعاً كُلَّمَا اقْترَبتْ               مِنكَ الْمَنيَّةُ حَتَّى قِيلَ لا تَخَفِ

فَهَلْ ظَنَنْتُمْ بأنَّ الْمَوتَ أفزَعني     أَأَذْرِفُ الدَّمْعَ عَنْ مَا خُطَّ في الصُّحُفِ

لكنَّ خَوفِي بأنِّي رَهْنُ غُرْبَتِنا             وَالْعَينُ مَا اكْتَحَلتْ دَهْراً بمؤتلِفِي

أَقَاسَيُونَ الْهَوى إِنِّي لِرُؤيتِكمْ         أُكابدُ الشَّوقَ فوقَ الْوَصفِ فِي سَرَفِ

كَمْ كُنتَ تَجثو أَمَامِي شَامِخاً أَلِقاً                 فَلا تَغِيبُ وَلَو كُنَّا بِمُنْعَطَفِ

تحمي دمَشقَ كَظِلٍّ لا يُفَارِقُهَا               لولا إرادةُ رَبِّ الْعَرْشِ لَمْ تَقِفِ

وَكُنتُ أَصعَدُ كالنَّشوانِ ذرْوَتَكم           وَإنْ تَعِبْتُ فَحسبي عندَ مُنْتَصَفِ

سَرَّيتَ عنِّي هُموماً كُنتُ أحملُهَا             فَكنتَ مُنتزَهِي دَهراً وَمُعتَكفي

أُريدُ لي نَظرةً مِن دارِ مَوطِنِنَا               حتَّى تُذَكِّرني أهلي وَكُلَّ صَفِي

أَودُّ أنظرُ لِلنَّارَنجِ مُبتَهِجاً                 شِبْهَ الْكَواكبِ فوقَ الرَّأسِ وَالكَتِفِ

لَكَمْ جَلستُ انْتشاءً تحتَ دَوحَتِهِ         وفوح الزهر في عودي ومنصرفي

أُراقِبُ الماءَ دَفَّاقاً ببرْكتِنَا                   لها شَهيقٌ وزَفْراتٌ إلى الشُّرَفِ

أَمَّا الشَّهيقُ فَمِنْ ماءٍ بهِ بَرَدٌ                     تَعودُ تمنَحُ ما عبَّت لِمُغْترِفِ

تَفيضُ منها مياهٌ نَبعُهَا بَرَدى                 آهٍ على بَرَدَى أَبكي فَوا أسفي

أضحَتْ مَدَامِعُنا إحدى العُيون لهُ           لِتَرتَوي شامُنا مِنْ مائهِ الْوَكِفِ

"أَدنْكِزَ" النُّورِ هَل مَا زِلتَ تَذكُرُنِي       وَالدَّرسَ جَمَّعَ أهل الذِّكرِ وَالْحِرَفِ

أَحَنَّ مِنبرُكم شَوقاً لخُطبَتِنا                   وَتاقَ محرابُكم للذِّكر في رَهَفِ

هَذي الْمعاني لَكَمْ تاقَ الْفُؤادُ لَهَا           وَوَدَّتِ الْكَفُّ لَو تَدْنو بِلَمْسِ خَفي

قَضيْتَ يَا شَيخُ والآهاتُ تَعصِرُكُمْ   وَقَدْ مُنِعْتَ الْجوى والشَّوقَ في صَلَفِ

أُبْدِلْتَ داراً وبُستاناً بها عِنَبٌ             دَاراً بهَا باسقاتُ النَّخلِ وَالسَّعَفِ

لَئِنْ تَركتَ دِياراً قَدْ دَرَجْتَ بِهَا       فَفِي رحابِ الْهُدَى قَدْ كُنتَ في كَنَفِ

وَصِرْتَ جاراً لِبَيتِ اللهِ مِنْ أَمدٍ         وَحَفَّكَ اللهُ في ظلِّ التُّقى الْوَرِفِ

فَعِشتَ أمناً وَقَرَّتْ عَينُكمْ وَطناً               وَماءُ زَمْزمَ إرواءٌ لِمُرْتَشِفِ

وَكَانَ صوتُكَ في الْمذياعِ يأسِرُنا         فَكنتَ تَجمعُ بين الْجِدِّ والطُّرَفِ

خَمسٌ وَعشرونَ في التِّلفازِ تنفَحُنا       بزادِ "مائدةِ الإفطارِ" في شَغَفِ

و"الذِّكرياتُ" بها فِكرٌ وَتَجْرِبَةٌ               وَمَا كَتَبتَ يُنيرُ الدَّربَ للْخَلَفِ

لَمْ تُعطِ نفسَكَ يَوماً راحةً أبداً               وَكُنتَ دَاعِيَةً في مَنْهَجِ السَّلفِ

عُرِفتَ في مَشْرِقِ الدُّنيا ومَغرِبهَا         وَنُلْتَ جائزةَ الإسلامِ في شَرَفِ

فَكانَ فيها الْغِنى وَصْلاً بذي شَرَفِ           وَرَغمَ ذاكَ فلمْ تَنجَرَّ للتَّرفِ

وَفِي الْقَضاءِ سَمَتْ حَقَّاً نزاهَتُكم         فَمَا تَلَوَّتْ ولا انْحَازتْ لِمُحْتَرفِ

ضَرَبتَ للنَّاسِ أَمْثالاً بِجِدِّكمُ                 وَقَدْ تَحقَّقَ مَا أَمَّلتَ مِنْ هَدَفِ

فَنَمْ "عليُّ" بقبرٍ في حِمى حَرَمٍ             وَمِنْهُ تظهرُ للجنَّاتِ وَالْغُرَفِ

تَقضيِ غَريباً فَربُّ الْعَرْشِ نَوَّلَكُمْ     أَجرَ الشَّهادةِ لا يُعطى لِغيرِ وَفِي

لَكُمْ ثوابٌ كَجري النَّهرِ مِنْ عَمَلٍ       حِرزٌ تُلفُّ به.. طُوبى لِمُلْتَحِفِ

ويقول الدكتور منير الغضبان:

"كانت حياة الطنطاوي كلها صدعاً بالحق، في العهد الفرنسي والعهد الوطني، لا يخشى زعيماً ولا كبيراً ولا رئيساً، يثني إن كان الثناء لازماً في موقف معين، وينتقد بعنف حين تنتهك حرمات الله، فلا يقوم له شيء، فوزارة الثقافة والإرشاد القومي عنده وزارة السخافة والإفساد القومي، يهاجم الدولة، وخطبته تنقل على الهواء من مسجد الجامعة؛

لقد كان الطنطاوي يغذي فينا عنصر الثورة للإسلام، والاعتزاز به، والاستعداد للتضحية في سبيله، ونحن نراه القدوة أمامنا على منبر الجامعة، يخاطب الوزراء والرؤساء، فنقول: لن يخرج إلا إلى السجن أو الموت، في الوقت الذي كانت فيه الدبابات تجوب الشوارع، والعسكر يمسكون بخناق الناس، وما غادر سورية إلا وقال كلمة الحق مجلجة على منبر الجامعة، في الحزب العلماني، والنظام المتخلي عن الإسلام، فكانت كلمة الحق عند السلطان الجائر، وكان قوَّالاً للحق، صدَّاعاً به، ولو كان يودي بحياته".

ويقول الشاعر أحمد محمد الصديق في رثاء عالم الأدباء وأديب العلماء الشيخ علي الطنطاوي عليه رحمة الله في قصيدة بعنوان: "بشائر الفوز":

شدا بفضلك أهل العلم والأدب       فاظفر بما شئت في الفردوس من رتب

أودعت كل عصارات النهى درراً             يشع لألاؤها العلوي في الكتب

إذا تحدثت ناجيت القلوب فما                في الحاضرين فؤاد غير منجذب

وإن كتبت فحبات منضدة               من عسجد.. رقرقت كالسلسل العذب

أقمتها حججاً للدين دامغة                     بها يضيق ذوو البهتان والريب

وتقبس النور من ينبوعه عبراً               تجلو الحقائق في أثوابها القشب

كأنها من رؤى الأسلاف بارقة   تهدي إلى الرشد.. تأسو الجرح عن كثب

لله درك.. والتاريخ حافلة                     يداه.. تزخر بالأمجاد.. والنوب

وكم نسجت لنا من خيطه قصصاً           محبوكة مثل حبك الدر بالذهب

نعيش أحداثه الكبرى.. تخالطنا         شخوصه.. كاختلاط اللحم بالعصب

آتاك ربك فقهاً زانه أدب                       وحكمة نلت منها غاية الأرب

طلاوة الحرف تجري منك في نسق   مذاقه الشهد يشفي الروح من عطب

كأنه من نسيم الشام تنفحه                 من عطرها بردى ريانة السحب

نشأت صلباً على التوحيد ملتزماً       كالسيف.. تكره طيش اللغو واللعب

ولا تهادن طغياناً ولا بدعاً                   لا يخيفك سوط الظلم والرهب

والذكريات التي سطرتها نهضت           شهادة عبر أشتات من الحقب

رويتها بلسان الصدق خالدة             عبر المدى.. نزفت مشبوبة اللهب

يلقى الشباب بها في شخصكم مثلاً     يقفو خطاه إلى الإصلاح في خبب

وللقضاء.. وقد وليته زمناً                     عهد الوفاء وثيق غير منقضب

جميع همك للإسلام تحمله                     عبئاً ثقيلاً من الآلام والتعب

وقد تجشمت فيه ما ينوء به               طود.. وآن بلوغ المنزل الرحب

رحم الله الشيخ العلامة علي مصطفى الطنطاوي، وأسكنه فسيح جناته.

المراجع:

1- مجلة المجتمع: تراجم تاريخ: 15/07/2006

2- علي الطنطاوي، ذكريات ط1، دار المنارة للنشر جدة 1405ه ، 1985م .

3-الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله بقلم أحمد مراد علام .

4- علي الطنطاوي أديب الفقهاء وفقيه الأدباء_ مجاهد ديرانية.

5-الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين بمصر.

6-الموسوعة التاريخية الحرة.

7- موقع شبكة الألوكة.

8- مجلة رابطة الأدب الإسلامي : عدد خاص.

9- من أعلام الحركة الإسلامية المعاصرة: المستشار الداعية عبد الله العقيل.

10-على محمد الغريب مجلة الأسرة السعودية بتصرف

11- جريدة الجزيرة السعودية

12- هكذا علمنا جدي: عابدة المؤيد العظم

13-أحمد الجدع (معجم الأدباء الإسلاميين المعاصرين) الطبعة الأولى 1999، الجزء الثاني ص (800 ـ 805).

14-علي الطنطاوي (ذكريات علي الطنطاوي، دار المنار للنشر، السعودية).

15-مجلة الفيصل السعودية، العدد 158، ص (17).

16-مجاهد مأمون ديرانية (علي الطنطاوي 1909 ـ 1999) دار القلم، دمشق، الطبعة الأولى، 2001).

وسوم: العدد 998