الشيخ العالم المحدث عبد الله بن محمد بن الصديق الغماري الحسني

م. هشام نجار

Adgfsgs1016.jpg

(1328/1910 ـ 1413/1993)

هو الشيخ العالم حافظ العصر، الفقيه، المحدّث، النحوي، المحقّق، أحد ضحايا الحقبة الناصريّة حيث دخل السجن بتهمة الانتماء لجماعة الإخوان المسلمين في مصر. 

المولد، والنشأة:

  ولد في غمارة بثغر طنجة، نشأ في أسرة إدريسيّة النسب مشهورة بالعلم والورع، حفظ القرءان الكريم بروايتي ورش وحفص، كما برع في إتقانه للرسم القرآني ونبغ فيه حتى كان مرجعا يلجأ إليه فيه كبار القراء، وحفظ وجملة من المتون على أبيه في الزاوية الصديقيّة، وقرأ شرح الآجروميّة على أخيه وخاله عبد الحفيظ ابن عجيبة، وكان والده يدربه على البحث وأخذ العلم من مظانه، ويدفعه إلى كتابة أبحاث حتى تتقوى ملكة الاشتغال عنده، ويستأنس بأسلوب العلماء وطريقة صياغتهم وتقريرهم للأدلة،

  كما كان والده يحثه على دراسة مختلف العلوم، ويعطيه فكرة عن كل كتاب وقيمته، وحينما كان يكلمه في السفر إلى مصر، كان يجيب الوالد: ستذهب إن شاء الله، ولكن أحب أن تذهب عالما يحتاج إليك علماء الأزهر.

  وحينما أراد الرحيل إلى مصر، أخذ عن أبيه طريق الشاذلية، وأجازه في ورد الطريقة، وأوصاه بالاستقامة ولزوم الجادة.

  ثم رحل سنة 1343هـ/1924م إلى فاس لاستكمال دراسته ، فالتحق بجامع القرويين، حاضرة العلم بالمغرب، وقرأ النحو والفقه والفرائض على الشيخ الحبيب المهاجي، وابن عمّه الشيخ محمد الحاج الغماري، والشيخ أحمد بن الجيلاني، وأخذ عن شيخ الجماعة عبد الله الفضيلي، والشيخ الحسين العراقي، وغيرهم من علماء المغرب، وأجازه السيّد مهدي العزوزي.

  ورجع إلى طنجة وتولّى التدريس بالزاوية الصديقيّة، وقام بشرح الآجروميّة في (تشييد المباني لتوضيح ما حوته المقدمة الآجرومية من الحقائق والمعاني).

  ثم سافر إلى مصر سنة 1349/1930، والتحق بالجامع الأزهر، ودرس الفقه والأصول والمنطق، على الشيخ محمد حسنين مخلوف، والشيخ عبد القادر الزنتاني، والشيخ محمد بخيت المطيعي وغيرهم، وأجازه السمالوطي والمطيعي، ونال الإجازة العالميّة للغرباء من الأزهر سنة 1352/1933، ثم العالميّة الأزهريّة سنة 1361/1942.   

                                    

   عمل الشيخ مدرساً للعلوم الشرعية بالجامع الأزهر بصفة تطوعية، وعينته وزارة الأوقاف المصرية مفتشاً للدروس التي تلقى في الصحيحين بمساجدها.

   وفي مصر اتجه إلى ميدان أفسح، يتصل فيه بعامة الناس، ويرد على أسئلتهم، ويحل قضاياهم ومشكلاتهم؛ فكانت له محاضرات في الجمعيات الإسلامية مثل جمعية: (العشيرة المحمدية) و(جمعية الهداية الإسلامية) و(جماعة أنصار السلف الصالح) و(جماعة الإخوان المسلمين)، وكان على علاقة طيّبة بمؤسسها الإمام حسن البنا، ووالده الشيخ أحمد عبد الرحمن البنا.

  وأخذ ينشر ردوده وأبحاثه في عدد من المجلات الإسلاميّة ومنها: 

(هدي الإسلام)

 و(مجلة الإرشاد)

 و(مجلة الرابطة الإسلامية)

 و(مجلة الشرق)

 و(مجلة الشرق العربي) 

و(مجلة نشر الفضائل) 

و(الآداب الإسلامية) 

و(مجلة الوسيلة) 

و(مجلة المسلم) التي تصدرها العشيرة المحمدية. 

 وتوطدت علاقته بمجموعة من الجماعات الإسلامية والجمعيات النسائية وغيرها.

   ولقي في القاهرة الشيخ محمد زاهد الكوثري وكيل المشيخة العثمانية، والشيخ "محمد الخضر حسين، والملك إدريس السنوسي ملك ليبيا، والشيخ الطاهر بن عاشور، والشيخ يوسف النبهاني، والشيخ بدر الدين الحسني، والشيخ محمد راغب الطباخ.

  وصفه الشيخ عبد الوهاب عبد اللطيف فقال: وفضيلة الأستاذ المحدث (الغماري) قد وُهب قريحة وقَّادة، وحافظة قوية، وبصيرة نفاذة.

  وكان يتمتع بذاكرة قوية وسرعة في البديهة، وقد وصل في علم الحديث بالخصوص، إلى درجة عالية، حتى اعتبر حافظ العصر، إذ كان يستظهر أكثر من عشرة آلاف حديث بأسانيدها، ومعرفة رجالها، وهو إلى جانب هذا كان معروفاً بالتصوف والانقطاع للعبادة والتدريس والتأليف.

   وفي الحقبة الناصريّة لم يسلم الشيخ الجليل من المحنة التي أصابت (جماعة الإخوان المسلمين) ولم يشفع له علمه وسنُّه، فألقي في السجن إحدى عشرة سنة بين عامي: (1959 ـ 1969) شهد خلالها ألوان الاضطهاد والعذاب.

   أفنى عمره في الكتابة والتأليف والإفتاء، ولم يتوقف عن الإنتاج العلمي حتى في أحلك الظروف وأصعب الفترات، داخل السجون العسكرية الناصرية بمصر، حيث أثرى الخزانة الإسلامية بما ينيف عن عشرة كتب وهو مسجون، هي من أمتع مؤلفاته، ومنها ما كان فيه مبدعا مجددا، كبدع التفاسير.

رجع إلى المغرب عام 1390/1970 بعد الإفراج عنه إلى المغرب فاستقر بمدينة طنجة خطيباً بالزاوية الصديقية، ومدرساً للعلوم الشرعية بها، وأخذ عنه العدد الجم من طلبة العلم، ولم يبق قطر إسلامي إلا وله فيه تلامذة.

  وكانت له جهود مشكورة في الدعوة إلى الله تعالى داخل المغرب وخارجه، ومن ذلك زيارته للمسلمين السود بأمريكا، وتأثيره البالغ فيهم، حتى إنه بعد مقابلته للملاكم العالمي محمد علي كلاي، نقلت مجلة فيكارو عن هذا الأخير قوله:

 أتمنى أن تكون لي روح مثل روح الشيخ عبد الله بن الصديق.

  بلغت تآليفه المائة عنوان، منها: 

 (بدع التفاسير)

 و(جواهر البيان في تناسب القرآن) 

و(تمام المنة ببيان الخصال الموجبة للجنة)

 و(شرح الأجرومية) الذي اعتبر أوسع شرح لها

و(عقيدة أهل الإسلام في نزول عيسى عليه السلام في آخر الزمان) 

و(الأربعون حديثًا الغمارية في شكر النعم) 

و(الأربعون حديثًا الصديقيّة في مسائل اجتماعية) 

و(سمير الصالحين) في ثلاثة أجزاء.

 و(شرح الإرشاد في فقه المالكية)

 و(خواطر دينيّة) في ثلاث مجلدات.

 و(التحقيق الباهر في معنى الإيمان بالله واليوم الآخر) 

و(إتحاف النبلاء بفضل الشهادة وأنواع الشهداء)

 و(كمال الإيمان في التداوي بالقرآن).

وله كتب محقّقة كثيرة منها:

 (المقاصد الحسنة للسخاوي)

 و(تنزيه الشريعة لابن عراق)

 و(البحر الزخّار في مذاهب علماء الأمصار) 

و(الإكليل في استنباط التنزيل للسيوطي) 

و(أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم لأبي الشيخ الأصبهاني).

نقد الوهابيّة في عدد من المؤلّفات منها: 

(القول المقنع في الرد على الألباني المبتدع)

 و(الحجج البيّنات في الرد على الكرامات)

 و(اتحاف الأذكياء بجواز التوسّل بالأنبياء والأولياء) 

و(الإعلام بأنّ التصوّف من شريعة الإسلام)

 و(الأحاديث المنتقاة في فضائل سيّدنا رسول الله).

صدرت عن دار السلام “موسوعة العلامة المحدث المتفنن سيدي الشريف عبد الله بن محمد بن الصديق الغماري الحسني”، وهي عبارة عن الأعمال الكاملة التي ضمت بين ثناياها أبحاث ودراسات العلامة الإمام رحمه الله تعالى، إضافة إلى فتاويه ومقالاته المنشورة في بعض المجلات في مصر والمغرب. وهي في 18 مجلدا.

  وقد تضافرت جهود عديدة لإصدار هذه الموسوعة وإخراجها في حلتها القشيبة:

  كتب سيرته الذاتيّة (سبيل التوفيق في ترجمة عبد الله بن الصديق

 وكتب في سيرته فاروق حمادة (عبد الله بن الصديق الغماري).

وفاته:

  توفي يوم الخميس 19 شعبان 1413الموافق 11شباط 1993، ودفن في الزاوية الصديقية بجوار والده ووالدته بمدينة طنجة.

المراجع:

(1) الحافظ العلامه السيد عبد الله بن الصديق الغماري رحمه الله. 

(2) عبد الله الغماري.. بقية السلف الصالح، أحمد تمام. (3) تتمة لأعلام للزركلي لمحمد خير رمضان يوسف: ج 2 ص 23.

 (4) مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراث، أعلام القرن الخامس عشر، الرابطة المحمّديّة للعلماء.

 (5) موقع البيّنة للدراسات والأبحاث الوهابيّة، الشخصيّات المناهضة للوهابيّة. 

(6) مركز الإمام الجنيد للدراسات والبحوث الصوفيّة المتخصّصة، العلاّمة عبد الله بن الصديق، طارق العلمي. 

(7) شبكة ضياء، الأعمال الكاملة للإمام عبد الله بن الصديق الغماري .. د. عبد الله الجباري.

( 8 ) مجلة الغرباء ، السنة الخامسة عشرة، العـــدد 185، تصدر من لندن.

وسوم: العدد 1016