الأديب الداعية الدكتور نجيب عبد اللطيف الكيلاني

عمر العبسو

sdfsfgsf1022.jpg

( ١٣٥٠ - ١٩٣١م) / ( ١٤١٥ - ١٩٩٥م)

   هو طبيب، وشاعر، وأديب، وروائي مصري، له نحو سبعون عملا بين الرواية والقصة والكتب الأدبية والعامة، تنطلق جميعها من رؤيته الأدبية الإسلامية، وهو الأديب المصري الوحيد الذي خرج بأدب الرواية من محيط بلده إلى العالم، ووصفه "نجيب محفوظ" بأنه "مُنظّر الأدب الإسلامي".

المولد، والنشأة:

ولد الأديب الداعية د. نجيب بن عبد اللطيف إبراهيم الكيلاني يوم 14 محرم 1350هـ الموافق 1 يونيو/حزيران 1931 في قرية "شرشابة"، التابعة لمركز زفتي بمحافظة الغربية (في الدلتا شمال القاهرة).

الدراسة، والتكوين:

دخل كُتَاب القرية، وحفظ معظم أجزاء القرآن الكريم وهو في السابعة.

ثم التحق بالمدرسة الأولية في فريته، ومنها إلى مدرسة الإرسالية الأميركية الابتدائية بقرية "سنباط" المجاورة.

ثم انتقل إلى مدينة طنطا، وحصل على الشهادة الثانوية بمجموع مرتفع، فالتحق بكلية طب قصر العيني بالقاهرة عام 1951.

وبعد تخرجه عمل بمستشفى (أم المصريين) بالجيزة، ثم انتقل إلى وزارة النقل والمواصلات، ومنها سافر إلى الكويت عام 1968، ثم الإمارات، وقضى فيها نحو 16عاما.

التجربة السياسية:

انضم الكيلاني لجماعة الإخوان المسلمين في وقت مبكر من حياته، حيث أثرت في أفكاره ومعتقداته، وزودته بالكثير من المعارف، والعلوم الدينية، والدنيوية، وكان لها أثر بالغ في تكوين فكره السياسي والأدبي.

اعتقله نظام الرئيس المصري السابق جمال عبد الناصر في 7 أغسطس/آب 1955، فيما عرف بقضية "تمويل أسرى الإخوان المعتقلين"، وحكم عليه بالسجن لمدة عشر سنوات، لكنه خرج بعفو صحي بعد أربعين شهرا، ثم أُعيد اعتقاله في سبتمبر/أيلول 1965، وقضى عاما وبضعة أشهر في السجن.

التجربة الأدبية:

ظهرت بوادر موهبة الكيلاني الشعرية في أواخر دراسته الابتدائية، وكانت أولى قصائده عن فلسطين عام 1948، وأصدر ديوانه الأول "أغاني الغرباء"، وروايته الأولى (الطريق الطويل)، وهو في السجن، وحصلت الرواية على الجائزة الأولى من وزارة التربية والتعليم عام 1957، وتم تدريسها لطلاب الثانوية عام 1959.

المؤلفات:

كتب نجيب عشرات الروايات والقصص، عالج فيها قضايا إسلامية مثل:

١- "ليالي تركستان"

٢- و"عمالقة الشمال".

٣- و"عذراء جاكرتا"

٤- و"الظل الأسود"

٥- و"عمر يظهر في القدس".

٦- و"أرض الأنبياء".

٧- و"نور الله".

٨- و"قاتل حمزة".

٩- و"نابليون في الأزهر".

١٠-و"النداء الخالد".

١١- و"رحلة إلى الله".

١٢- و"مواكب الأحرار".

١٣- و"اليوم الموعود".

١٤- و"حارة اليهود".

١٥- و"دم لفطير صهيون".

١٦- و"حبيبتي سراييفو".

   كما كتب عن البيئة المصرية:

١٧- "اعترافات عبد المتجلي".

١٨- و"قضية أبو الفتوح الشرقاوي".

١٩- و"ملكة العنب".

٢٠- و"مملكة البلعوطي".

٢١-و"أهل الحميدية".

٢٢- و"الرجل الذي آمن".

٢٣-ومن رواياته التاريخية:

"على أسوار دمشق".

وله من الشعر عدة دواوين منها:

١- "أغاني الغرباء".

٢- و"عصر الشهداء"

٣- و"كيف ألقاك".

٤- و"نحو العلا".

٥- مدينة الكبائر.

وفي النقد والأدب الإسلامي كتب:

١- "الإسلامية والمذاهب الأدبية".

٢- و"آفاق الأدب الإسلامي".

٣- و"مدخل في الأدب الإسلامي".

٤- و"نظرية الأدب الإسلامي وتصوراته".

٥- و"المسرح الإسلامي".

٦- شوقي في ركاب الخالدين.

وفي الثقافة الإسلامية أصدر:

١- "الطريق إلى اتحاد إسلامي".

٢- و"الإسلام والقوى المضادة".

٣-و"نحن والإسلام".

٤- و"تحت راية الإسلام".

٥-و"حول الدين والدولة".

وفي الطب حرر:

١- "في رحاب الطب النبوي".

٢- و"الدواء سلاح ذو حدين".

٣-و"الصوم والصحة".

٤- و"الغذاء والصحة".

   وله نحو عشر مجموعات قصصية قصيرة، منها:

١- "موعدنا غداً".

٢-و"العالم الضيق".

٣- و"عند الرحيل".

٤- و"دموع الأمير".

٥- و"فارس هوازن".

٦-و"حكايات طبيب".

وفي التراجم كتب:

١- "إقبال الشاعر الثائر".

وكتب سيرته الذاتية في :

"لمحات من حياتي".

الجوائز، والأوسمة:

حصل الكيلاني على جوائز عدة منها أربع جوائز من وزارة التربية والتعليم، وجائزة من المجلس الأعلى للفنون والآداب، وجائزة من مجمع اللغة العربية بالقاهرة، وميدالية الشاعر محمد إقبال الذهبية من باكستان.

الوفاة:

توفي الأديب الكبير نجيب الكيلاني يوم الاثنين 4 شوال 1415هـ، الموافق 6 مارس/آذار عام 1995، ودفن بالقاهرة.

أصداء الرحيل:

نجيب الكيلاني في مرآة الأدباء والشعراء:

قدّم الدكتور نجيب الكيلاني أدباً رائعاً إلى قرائه بأجناسه المختلفة المتعددة ، أثرى به المكتبة العربية والإسلامية، لم يتناول فيه قضايا بلده أو مجتمعه المصري على نطاق محدود بل تحدث عن معظم القضايا الإسلامية الكبرى كانت داخل بلده؛ مصر أو في البلاد العربية أو في البلاد الإسلامية غير العربية أو في الأقليات المسلمة في الأقطار الأجنبية ، وهو بذلك أصبح مرجعاً للقراء و الباحثين و العلماء والأدباء في رسائلهم الأكاديمية ومؤلفاتهم وبحوثهم ومقالاتهم جنباً لجنبٍ مما قد عقد له من احتفالات تكريمية و ندوات أدبية وأمسيات شعرية في وقتٍ هو لا يزال حياً أو في زمنٍ وكان قد رحل.

   وفي الصفحات التالية نودّ أن نأتي ببعض ما قيل عنه وعن منزلته الأدبية في الأوساط الأدبية و العلمية، وذلك على سبيل المثال لا الحصر، كي توضح جانباً من مكانة شخصيته و ما نالها أدبه في داخل البلاد و خارجها ، وها هي بعض هذه الأقوال:

قال الشيخ أبو الحسن الندوي عن الكيلاني:

"إن حياة الكيلاني ليست حياة أديب أو شاعرٍ مهما كانت قيمته و مكانته الأدبية و ثراؤه الأدبي، إنها كانت حياة مكافح و مناضل في سبيل الحق، و الكلم الطيب، و قد وعد الله برفع الكلم الطيب، و إعلاء شأن من يسعى إلى اعتلاء الحق، لتكون إرشاداً و ريادةً للأجيال الناشئة من الأدباء الذين يحبون أن يسيروا على درب الكفاح من أجل كلمة الحق"[1].

وقال الدكتور حلمي محمد القاعود:

"يعد نجيب الكيلاني الروائي الإسلامي في اللغة العربية ، حيث قدم للمكتبة العربية، عدداً هائلاً من الروايات والقصص القصيرة"[2].

والأديب الدكتور محمد حسن بريغش يقول عنه:

"وقد برزت في الأدب المعاصر أسماء كثيرة في فن القصة، وكان الدكتور نجيب الكيلاني واحداً من أبرز هذه الأسماء التي أصبحت معروفة ومشهورة، لغزارة إنتاجه وكثرة موضوعاته، وبساطة أسلوبه وجاذبية صوره"[3].

وقال عنه الدكتور جابر قميحة الكلمات التالية:

"نجيب الكيلاني يعد رائداً من أكبر روّاد الأدب الإسلامي، وقد رصد حياته المفغمة بالعطاء لخدمة الإسلام و القِيَم الإنسانية و الفنية بالكلمة في شكل رواية و قصة قصيرة و قصيدة شعرية ، و قد ترك للمكتبة العربية و الإسلامية ما يقرب من مائة كتاب"[4].

وكتب الدكتور عبد القدوس أبو صالح[5]:

"نجيب الكيلاني ... هو حقاً الرجل الذي لا نظير له في معناه !,,, و إلا فماذا تقول في هذا الطبيب الحاذق الذي لم تمنعه شواغل مهنته ، و قيود وظيفته، و سنوات سجنه الرهيبة، أن يتجاوز عالم الطب، فيخلف ذلك الكم الضخم من العطاء المتميز في ميدان الفكر و الثقافة ، ومجال النقد و الدراسة الأدبية ، ثم في الأدب الإسلامي الذي كان من أوائل رواده ثم في حلبة الإبداع الشعري و القصصي والروائي و المسرحي، و أخيراً في الترجمة الذاتية... وكل ذلك جعله بحق من أكبر رواد الأدب الإسلامي ، كما جعله رائد القصة الإسلامية دون منازع"[6].

وألقى نجله الدكتور جلال الكيلاني كلمة رائعة:

"كان نجيب الكيلاني والداً بمعنى الكلمة، يتميز بالحب الغامر الفياض الأبناء و الزوجة و الأحفاد، ويتدفق الحنان و العطف من جنباته تشعر بأن خُلقه القرآن ، ويرى الخالق في كل محاولاته ، ويتحامل على نفسه من أجل إسعاد أهله و ذويه ، و لم تكن طموحاته كبيرة في الدنيا –على الرغم من علمه و عبقريته، لأنه كان يحمل قوة الإيمان عميقة و تواضعاً جماً"[7].

وقال الدكتور عبد الباسط بدر[8] عن الكيلاني هذه الكلمات الرائعة:

"أديبنا الكبير د. نجيب الكيلاني فارس الرواية، وصاحب المنبر الشعري الرقيق، والمقولات التنظيرية العميقة، ومن هذا المنظور نقف عند نقده التنظيري ونعده واحداً من الرواد المؤصلين للأدب الإسلامي إبداعاً ونقداً"[9].

وقال سمير أحمد الشريف الكمات التالية عن الكيلاني:

" يعد المرحوم نجيب الكيلاني واحداً من الذين تمّكنوا من تطويع التاريخ للأدب بتوازن لم يطغ فيه أحدهما على الآخر مستلهماً مبدأ الإسلام الحنيف و موظفا مفاهيمه و أصبح يشاركه كمؤسس ضليعٍ ممن أرسوا قواعد الأدب الإسلامي"[10].

و كتب جلال حمام عنه في مقالته بعنوان: "د. نجيب الكيلاني رائد الأدب الإسلامي الراحل":

"و لقد كان نجيب الكيلاني أسبق الكتّاب و لعله الوحيد من العرب الذين عرفوا بأحوال المسلمين المضطهدين من دينهم المحرومين من أشقائهم في العديد من الدول"[11].

ليس محبو الأدب الإسلامي هم وحدهم الذين ينظرون بعين التقدير إلى ما قدّمه الكيلاني في مجال القصة الإسلامية؛ بل نجد كذلك من الأدباء الذين لا يتعاطفون مع الاتجاه الإسلامي في الأدب يضطرون أحياناً إلى اعتراف بقيمة هذا الرجل ومنزلة أدبه[12].

قال الأديب العالمي الكبير نجيب محفوظ [13] صاحب جائزة نوبل، عنه في حياته:

"إن نجيب الكيلاني هو منظّر الأدب الإسلامي الآن" وأشاد بصدقه وموضوعيته ، وأثبت بالتجربة الناجحة أن الأدب الإسلامي لا يعني الانحصار في دائرة الموضوعات التاريخية، وإنما يعني أساساً بقضايا الإنسان كالحرية والكفاية والعدل والمحبة والتسامح وأحاط في دقة بتفاصيل ودقائق الحياة في السجون، ومشاعر المقهورين، ومعاناتهم في أنحاء العالم الإسلامي[14].

وهو قول له لدلالته ومكانته وبخاصة حين يصدر من رجل كالأستاذ نجيب محفوظ الذي قضى سنوات عمره الماضية في الإبعاد بالاتجاه كثير من المدارس الفنية والفكرية، ثم أقر بحقيقة ما لدى الكيلاني من عطاء رائع مميز[15].

زوجة نجيب الكيلاني تحدثنا عنه:

حاورها: الأستاذ عبد الرحمن هاشم

في السادس من مارس عام 2009م كانت وفاة رائد من رواد الأدب الإسلامي في مصر والعالم الإسلامي, هو المرحوم الدكتور نجيب الكيلاني صاحب التأثير العميق في عقول ووجدان الكثيرين في العالمين العربي والإسلامي ...

التقينا زوجته ورفيقة كفاحه الحاجة كريمة محمود شاهين بمنزله بطنطا, محافظة الغربية بدلتا مصر لتطلعنا على الأوراق المطوية والجوانب الشخصية في حياة الكيلاني الشاعر والطبيب والأديب والكاتب, تجديداً لذكراه وإفادة للقراء والنقاد والباحثين من محبي وعشاق أدب نجيب الكيلاني؛ فكان هذا الحوار..

ماذا عن شخصية د. نجيب الكيلاني ؟

د. نجيب الكيلاني ولد في 1 / 6 / 1931 ، بقرية شرشابة مركز زفتى .

التحق نجيب بكتاب القرية في الرابعة من عمره, وحفظ القرآن وقواعد القراءة والكتابة ومبادئ الحساب ، ثم التحق بالمدرسة الأولية ، ولكنه ظل وفيا لكتاب الشيخ محمد درويش رحمه الله .

بعد التعليم العام التحق بكلية الطب بجامعة فؤاد الأول (جامعة القاهرة الآن) سنة 1951،استجابة لإصرار والده، مع أنه كان يتمنى أن يلتحق بكلية الآداب أوالحـقوق.

في سنة 1947 تأثر نجيب بدعاة إصلاح الدنيا بالدين، وكان تأثره الأكبر بما رآه من أفواج متطوعيهم المتجهين إلى جهاد العدو الصهيوني في فلسطين .

التحق د. نجيب بكلية الطب 1951 وكان متفوقاً، كما كان له حضوره القوي كداعية، وكشاعر، وخطيب وخصوصا في أيام حكم عبد الناصر، واعتقل نجيب الكيلاني وهو في الرابعة من كلية الطب، وقدم للمحاكمة وحكم عليه بالسجن لمدة عشر سنوات بتهمة الاشتراك في نظام سري مسلح يعمل على قلب الحكم بالقوة، وقضى في السجن ثلاث سنوات، وأفرج عنه إفراجا صحيا أواخر عام 1958، وأعيد اعتقاله مرة أخري سنة 1965، وأفرج عنه سنة 1967.

في 31 من مارس 1968 غادر مصر للعمل طبيبا بدبي في دولة الإمارات, ولكنه عاش مغرما بالقراءة والكتابة، فعمله الطبي في مختلف المواقع أوحى إليه بكثير من القصص القصيرة وبعض الروايات والمقالات وعاد إلى مصر عودة نهائية عام 1992.

وأما عن جوانب شخصية د. نجيب الكيلاني فهو أديب مسلم استجاب لفطرته السوية أولا وتشرب القيم الإسلامية عقيدة، وديانة، وعلمًا، وثقافة ثانيا، حتى أصبحت "ميزان" الأشياء في كل شئون حياته، وأصبح الالتزام ـ شكلاً وموضوعًا ـ هو الطابع الأساسي ـ بل الوحيد ـ في مسلكه الخلقي والفني، وما عداه يعد نشوزًا وخروجًا على الأصل النبيل الكريم.

نجيب الكيلاني الزوج .. ما أهم ملامحه؟

هل تعتقدين أن البيئة التي نشأ فيها لها تأثير على أدبه؟

نعم فنجيب عاش حياة المسلم ... الفلاح ... طالب علم ... الطبيب ... السجين ... المهاجر ... عاش في الثلثين الأخيرين من القرن العشرين الميلادي.

كان نجيب الكيلاني يحب القراءة ، ويعشقها ، ولا ينفصل عن الكتاب . زار فلسطين سنة 1962 وصلى في بيت المقدس وجلس مع الفلسطينيين واستمع لآلامهم وأحزانهم فأقسم أن يجند قلمه للقضية الفلسطينية شعرا وأدبا فجاءت قصصه (أرض الأنبياء) و (دم لفطير صهيون) أو (حارة اليهود) و (عمر يظهر في القدس) دليلا على ذلك.

وكان موسوعي الثقافة ... تعددت معارفه في الطب، والتاريخ، والأدب والنقد، والسياسة، والنظم الإسلامية، والاجتماعيات ... لذلك تعددت كتابات ، وضربت بسهم وافر في ميدان هذه المعارف، فكان أديبا، شاعرا، ناقدا، ومنظرا، وكاتبا متفردا في الإسلاميات، وكتاب السيرة الذاتية.

وقدم في التليفزيون برامج دينية وصحية وثقافية منها (الصحة للجميع) و (آداب وفنون) و(دعوة الحق) .

نجيب الكيلاني الطبيب .. نجيب الكيلاني الشاعر .. نجيب الكيلاني الكاتب .. نجيب الكيلاني الروائي .. أي صفة من هذه الصفات تسبق الأخرى؟

الشاعر أولا فنجيب أصدر أول دواوينه وهو طالب في الصف الأول الثانوي وكان تحت عنوان (نحو العلا) وله خمسة دواوين من الشعر.

يأتي بعد ذلك الروائي ولعل الأديب الكبير نجيب محفوظ هو الذي اختار ورشح إحدى قصص نجيب الكيلاني لتكون فيلم (ليل وقضبان)، ونجيب محفوظ هو الذي قال كذلك عن نجيب الكيلاني، إنه رائد الأدب الإسلامي بلا منازع والمنظر له.

ما الذي أضافه نجيب الكيلاني إلى عالمنا الأدبي؟

* نجيب الكيلاني أعتبره " شخصية رسالية " .. يرى الأدب وسيلة لا غاية ، فالأدب ــ في نظره ــ يجب ألا يساق لمجرد الإمتاع وبعث النشوة في نفس المتلقي، ولكن لكي يؤدي رسالة إنسانية تربوية، تتلخص في غرس القيم العليا، وتهذيب النفوس، وتربية السلوك .

وقد بسط الكيلاني رأيه هذا في كتبه التي نظَّــرَ فيها للأدب الإسلامي، وفي محاضراته، وأحاديثه عن الفن والأدب، كما أنه أخذ نفسه بما نظر، وكان أدبه تطبيقا عمليا لما قاله وكتبه على سبيل التنظير.

حدثينا عن أيامه الأخيرة؟

* كان يضع الموت نصب عينيه حتى أنه قبل سفرنا لدبي بنى مقبرة له في "شرشابة" فقلت له: وأنا والأولاد! فبنى لكل فرد من أفراد أسرته مقبرة.

وحينما كان نجيب طريح الفراش في مستشفى " فيصل " بالرياض، ذلك المرض الأخير، وكنت أرافقه، وفجأة رن جرس الهاتف فرفع السماعة .. ورأيت وجهه يتهلل بشرا وبعد انتهاء المكالمة .. هلل زوجي وكبر وقد نسى آلامه : الله أكبر الله أكبر، ثم أخذ يردد حديث رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم : " لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم " ولما سألته عن سبب فرحه وسعادته، حدثني أن محدثه على الطرف الآخر كان يقول له : لقد دخلت الإسلام بفضل معاملتك لي وكتبك، وكان الرجل هنديا يعمل في المجال الطبي مع زوجي .

__________________

حوار عبد الرحمن هاشم بــ"اختصار"

رثاء الشعراء للكيلاني:

وكتب كثير من الشعراء والأدباء إثر وفاة سماحة نجيب الكيلاني في الصحف والمجلات الصادرة في العالم العربي وخارجها، ووصفوا وفاته بأنها خسارة للأدب الإسلامي والعالم العربي والإسلامي.

إن الحزن والأسى على رحيل الكيلاني الذي صنع التاريخ وجدد الفكر؛ أمرٌ طبيعي، فساد الحزن والأسى العالم كله، ويرثيه بعض من الشعراء في قصائدهم.

وفي الصفحات التالية نوّد أن نورد بعضاً من قصائد هؤلاء الشعراء:

تأثر الدكتور حسن الأعرابي[16] كثيراً عند ما سمع بوفاة الأديب الإسلامي الكبير نجيب الكيلاني و اعتذر في البداية عن الكتابة عنه لأن صدمة الخبر كانت قوية ، و قال إنني الآن متأثرٌ لا أقدر على الكتابة، ثم نظم بعد ذلك هذه الأبيات بعنوان: و من للأدب بعدك! "[17].

وقد يشير منها إلى منزلته الأدبية واتجاهاته ورحب بآفاقه من خلال نتاجه الأدبي، فيقول:[18]

ها أنت ترحل فالقلوب وجيب

شيّعتك مدامع وقلوب

نطلق الضمير بما يجل من الأسى

أ ألام أن شد الطريق نحيب!

تبكيك "جاكرتا"[19] وقد غنيتها

تبكيك "تركستان"[20] وهي تذوب

يبكيك ليل القدس وهي أسيرة

عبث البغي بها وعات الذيب

تبكيك طنطا، وهي أم برة

يأوي الوليد لحضنها فتشيب

وبسطت "للغرباء" ضوء منارة

يزهو ونور الحق ليس يغيب

وهتفت بالشهداء هذا عصركم

حلل الشهادة نورهن نهيب

وإذا يقال من الأديب من الفتى؟

نطلق الزمان وقال ذاك نجيب

وهذا هو الأديب الإسلامي المشهور د. عدنان علي رضا النحوي[21] ينشد فيه قصيدته المشهورة بعنوان " رثاء نجيب الكيلاني " : [22]

عرائس الشعر ! صمني كل قافية

إليك بالدر من أغلى جواهره

وعطري من شذاه كل رابية

واسقي البوادي من أغنى مواطره

و أقبلي في خشوع! جل مأتمه

بالنور ماج على أزكى مآثره

وأنزليه على كفيك منزلة

في روضةٍ نشرت أحلى أزاهره

قضيت والناس سكرى من همومهم

لم يصغ ذو فتنة يوماً لزاجره

كل يحاذر أن يلقي بعادية

وليس ينجيه خوفٌ من مقادره

عجبتُ! لا ضجة قد كنت أسمعها

إذا قضى قزمٌ في ظل ناصره

ولا أدى غير صمتٍ في الديار فهل

غاب الصحاب وراحوا عن نواظره

أخي نجيب! شققت الدرب وانطلقت

خطاك تبحث عن أتقى بصائره

جعلتَ من عزمك الوقّاد شُعلته

ومن يقينك نوراً في منائره

وأنشد محمد التهامي قصيدته بعنوان "فراق الأحباب":[23]

أ لم تعلم وكلك أنت حب

بأن فراقك الأحباب صعب؟

فتنآى بعد ما أذّنت فينا

فأن نهاية الأشواق قرب

صبت للحق روحك في صفاء

فباركها إلى التوفيق رَبُّ

فرحت تطرز الدّرر الغوالي

لتسعد مؤمناً للحق يصبو

و إن داعبت ناي الشعر غنّي

غناءً فيه للأرواح طب

رأينا من جلال السحر فيه

ضياءً في مدار النجم يحبو

رحلت "نجيب" عن زمن تدنّي

ورُحت فلم تعد في الناس نُجبُ

وصار العالم المشبوه غاباً

شريعته أكاذيبٌ ونصبُ

والشاعر المصري المعاصر الدكتور صابر عبد الدايم أنشد قصيدته بعنوان "رحيل الشمس" :[24]

تغرب الشمس في محيط الزمان

الثواني تغتال عمر الأماني

ودماء العصور تبدو سحاباً

شفقيّاً... يموج في الشطآن!

والظلام الشفيف ينشر أطياف

المنايا على ضفاف المغاني

صور الحزن في فضاءات نفسي

سابحات... وما لها شاطئان

وحكايا الأسى تجسد عصراً

غاب عنه "نجيبنا الكيلاني"

إنه الشمس في دروب الحيارى

تشرق الآن في سماء الجنان

ضوءها حائم بكل مكان

طائر من "طنطا" إلى "تركستان"

عللاني .. فإن بيض الأماني

فنيت والإباء ليس بفانٍ

زادنا الضوء يا نجيب تجلى

في حروب تعيد صنع الكيان

ويقول خليفة بن عربي في قصيدته بعنوان: "رحلت يا أسد الأدب نجيب الكيلاني":[25]

كان القضاء ويقضي الله ما كانا

وتنقضي بقضا الرحمن دنيانا

حياتنا كدر والصفو يعصبه

وقد يظل الأسى والصفو ما كانا

وتغمر الأنفس الأحزان يتبعها

حزنٌ ، و ما تنقضي الأيام أحزاناً

لكنما ألق الإيمان يغمرنا

قد خابت النفس ما لم تلق إيمانا

رحلت يا أسد الآداب و ارتحلت

رموز علم ، و فيك الحزن أعيانا

يا ليت ذا القلب لاقي من يعلله

أو ساقيا فسقاه اليوم سلوانا

عليك من رحمات الله أجمعها

ويرحم الله فينا كل موتانا

وهذا الشاعر محمد عبد الجواد[26] يقول في قصيدته بعنوان :"رحل النجيب":[27]

سكت الهزار عن الصداح

وبات تصحبه شجونه

واستنقر الطير الجموع

و راح يسبقه أنينه

فهناك يرقد بلبل

و يجوب في الدنيا رنينه

رحل "النجيب" فلو درى

قبرٌ ب "طنطا" من دفينه

هو زهرة القلب التي

قد أجدبت إذحان حنينه

هو نبض ركب طالما

خفقت للبلواه لحونه

يا قبره! مهِّد ثراك

على الرُّبى فهنا جبينه

ماكان يخفضه طوال

حياته فسمت غصونه

هو رائد ل "مواكب ال

أحرار" والمولى معينه

وهذا شاعرٌ مصري آخر محمد عبد القادر الفقي[28] يقول في قصيدته النثرية بعنوان "من يكمل الحلم؟" ينشد في مطلع القصيدة:

إلى أين تعرج؟

هذه اليمامات في الروض تبكي

ترجع أناتها المؤلمات

و ها نحن حيرى

و فوضى

نغالب أحزاننا و الليالي

إلى أن يقول:

.... "نجيبٌ.!!؟

ولا أي صوتٍ يجيب!

تركت التراب

نراك بأوراقك الخضر

فيضاً من النور والطهر

هذه حروفك تنداح في كل آفاقنا

و"الطريق الطويل"[29] يقود خطانا

لكي نقطف الزهر والشهد

والفيئ والمجد

والرضا بالقضاء![30]

وأنشد شلال الحناحنة في قصيدته النثرية بعنوان " لست أرثيك" :

من ترى سيقدّ فضاء الندى

للحمائم الظامئة

من سيقترح الآن يا صاحبي

صيغة ثانية

كي نفرق ما بين موت كريم

وموت جحيم

من يهيئ نفسي لزنبقة

كي أوزع حلمي على وطن أفتديه؟!!

وتمرّ القوافل لكنني ما ابتكرت

شجي قد يليق بحالك

هل أرتضى الآن ما لم أكن أرتضي؟!

أ تغرّب عن خيمة البررة

أستعير حداء الرعاة لأبكي الورد

على مهجة الثمرة!!

وأحزّ على المرحلة

لا ينزّ غير هذا اليباس!!

يا إلهي !! فكل دمي لا يقاس!!

لست أرثيك، لكن شظايا الحزن موجعة

موجعة!![31]

المصادر، والمراجع:

()مجلة الأدب الإسلامي، السعودية، ع 9-10، ديسمبر 1995-أبريل 1996،ص/3.

() د. حلمي محمد القاعود، "الواقعية الإسلامية في روايات نجيب الكيلاني، الفيصل، ع:221، إبريل 1995م، ص/166.

()د. محمد حسن بريغش، دراسات في القصة الإسلامية المعاصرة، ط:1، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1994م، ص/35.

()مجلة الأدب الإسلامي، رجب 1416ه، نوفمبر-ديسمبر 1995م، ص/58.

()عبد القدوس أبو صالح: و لد في حلب 1932م، تخرج في جامعة دمشق ليسانس في الآداب والحقوق ودبلوم في التربية، وحصل على الدكتوراه من كلية الآداب جامعة القاهرة 1971م، عمل مدرساً في سوريا، وهو رئيس تحرير مجلة الأدب الإسلامي، واختير رئيساً لرابطة الأدب الإسلامي العالمية بعد وفاة أبي الحسن الندوي، له دور الأدب الإسلامي في الوحدة الإسلامية، شبهات حول الأدب الإسلامي في أدب الطفل.

()الأدب الإسلامي، ع 9-10، ص/4.

()نفس المرجع ، ص/136.

()د. عبد الباسط بدر: الناقد الأدبي والأستاذ بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة ، وعضو رابطة الأدب الإسلامي العالمية. انظر: الأدب الإسلامي ، ع:25، 1421ه، ص/36.

()الأدب الإسلامي، ع 9-10، ص/157.

()المصدر السابق، ص/90.

()المجلة العربية، ذو الحجة 1415ه، ص/61.

()العريني، "مستويات الالتزام في روايات نجيب الكيلاني"، الأدب الإسلامي، ع:1، المجلد الأول، نوفمبر ديسمبر1993،ص/87.

()نجيب محفوظ: ولد في عام 1911م ، روائي مصري عن كبار كتاب القصة العصرية، أول كاتب عربي ينال جائزة نوبل للآداب عام 1988م، له روايات كثيرة

قصر الشوق، خال الخيلي، حكايات حارتنا ، القاهرة الجديد. انظر: مجموعة من المساهمين ، المنجد في الأعلام، ط:22، دار المشرق، بيروت، 1997م، ص/522.

()جلال حمام، "د. نجيب الكيلاني رائد الأدب الإسلامي الراحل"، المجلة العربية، مايو 1995م، ص/61.

()الأدب الإسلامي، ع:1، ص/ 87.

()رئيس تحرير مجلة "المشكاة" و رئيس مكتب رابطة الأدب الإسلامي العالمية في المغرب.

()المشكاة، ع:23، أغسطس1996، ص/27.

()المشكاة،ع:23،ص/27والأدب الإسلامي،ع:9-10، ص/179.

وانظر: المستشار عبد الله العقيل، من أعلام الدعوة والحركة الإسلامية المعاصرة، ط3،دار التوزيع والنشر الإسلامية مصر،2005 ، ص/632، و محمد خير رمضان يوسف، تتمة الأعلام، ط2،دار ابن حزم 2002، 2/286.

()إشارة إلى روايته "عذراء جاكرتا".

()يشير إلى رويته " ليالي تركستان".

()د. عدنان علي رضا النحوي: مهندس، شاعر من رواد الشعر الإسلامي المعاصر في فلسطين، وأديب ناقد وداعية إلى الأدب الإسلامي. ولد في مدينة صفد في فلسطين عام 1928م ، و لا يزال حياً ، قاربت كتبه على الستين كتاباً في الأدب والشعر والفكر والدعوة إلى الله ، له عدة قصائد في أبي الحسن علي الندوي، باكستان ، فلسطين، وأفغانستان، وله عدة دواوين منها: موكب النور، وجراح على الدرب، ومهرجان القصيد، وكتبه:

النقد عند المسلمين حتى عصرنا الحاضر، والأدب الإسلامي إنسانيته وعالميته، وله عدة ملاحم منها: ملحمة فلسطين، وملحمة الأقصى، وملحمة الجهاد الأفغاني.

()الأدب الإسلامي، ع:9-10، ص/176-178. و "المشكاة"، ع:23، ص/24.

()الأدب الإسلامي، ع:9-10، ص/174-175.

()الأدب الإسلامي، ع:9-10، ص/180-181.

()الأدب الإسلامي، ع:20، ص/99.

()محمد عبد الجواد: شاعرٌ مصري له ديوان "عند الفجر موعدنا".

()الأدب الإسلامي، ع:9-10، ص/182.

()شاعرٌ مصري له ديوان "إيقاعات على أوتار البيئة".

()يشير الشاعر هنا إلى روايته "الطريق الطويل" .

()الأدب الإسلامي ، ع:9-10، ص/184.

()الأدب الإسلامي ، ع:9-10، ص/185.

وسوم: العدد 1022