مسعود عالم الندوي والتواصل مع الجزائر

أ.د مولود عويمر

أ.د مولود عويمر

لمحة عن حياته

ولد الأستاذ مسعود عالم الندوي في مديرية بتنا من مقاطعة بهار في الهند سنة  1328 هـ/ 1910 م. واشرف والده الطبيب على تربيته وتعليمه وتثقيفه. ثم التحق ببعض المدارس فتعلم العربية والعلوم الشرعية. وفي عام 1928 قصد دار العلوم التابعة لندوة العلماء في لكناو لمواصلة دراسته العليا والتخصص في الأدب العربي.

وصادف هذه الفترة وجود العالم المغربي الشيخ محمد تقي الدين الهلالي في هذه المؤسسة العلمية فدرس عليه الآداب العربية وعلم الحديث وتأثر به كثيرا. وقد قال الأستاذ في تلميذه: " وقد كان أفضل تلامذتي في كلية ندوة العلماء ... وما رأيت في الاجتهاد والتحصيل مثل مسعود عالم. وكان كذلك مخلصا أيضا في دينه وذا أخلاق كريمة وشجاعة لا يخاف في الحق لومة لائم. ولم يقتصر على ما حصّله على يدي في تلك المدة بل سافر من الهند إلى بغداد وأقام عندي سنة ... فلازم دروسي في المسجد والبيت."

وتعمق في تعلم اللغة العربية حتى صار من أدبائها وكتابها المرموقين. وقد قال في هذا السياق الشيخ محمد البشير الإبراهيمي: "وصديقنا مسعود –لطف الله به – ثاني اثنين في القارة الهندية يحسنان الكتابة بالعربية كأبنائها، والآخر هو الأستاذ أبو الحسن الندوي."

ألف الأستاذ مسعود الندوي عدة كتب بالعربية وأكثرها بالأردية منها: كتاب "نظرة إجمالية في تاريخ الدعوة الإسلامية في الهند وباكستان"، وكتاب "محمد بن عبد الوهاب مصلح مظلوم ومفترى عليه" الذي قام بتعريبه الأستاذ عبد العليم عبد العظيم البستوي، وطبعته وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف السعودية سنة 1400 هـ.

كذلك، ساهم في الصحافة الإسلامية الصادرة في الهند و باكستان مثل الهلال والضياء وترجمان القرآن. وكانت الضياء مجلة عربية شهرية يشرف عليها الشيخ الهلالي ومسعود الندوي وسليمان الندوي. وسنحت هذه المجلة للأستاذ مسعود التدرب على الكتابة ونشر أفكاره، كما كانت "خير وسيلة إلى تعارفه مع نخبة من أهل العلم ورجال الصحافة  العرب وإلى الإطلاع على سير السياسة والثقافة والاجتماع في أقطار العروبة عن طريق الصحف والمجلات التي كانت ترد عليه في المبادلة."

أما مجلة ترجمان القرآن فيترأسها الأستاذ أبو الأعلى المودودي، وهي "تتحدث بلسان العصر عن قضايا إسلامية تعرض في ثوب جديد، وتسلسل من منطق مستنير" كما وصفها أحد الباحثين المعاصرين. وقد أعادت الشهاب نشر مقاله "انتشار الإسلام في الهند" الصادر في مجلة الضياء.

واشتغل أيضا بالسياسة فساهم مع الأستاذ المودودي  في تأسيس الجماعة الإسلامية في عام 1941. كما أشرف على دار العروبة للدعوة الإسلامية منذ تأسيسها في عام 1944 إلى وفاته. وأصدرت عدة مطبوعات حول الدعوة الإسلامية والحركة الفكرية في بلاد الهند وباكستان.

مسعود الندوي في العالم العربي

نشر الأستاذ الندوي مقالات في عدة صحف ومجلات عربية عرّف من خلالها القراء بالتراث الإسلامي في الهند وباكستان، وعمل عن طريق هذه الوسائل الإعلامية على بناء جسر التواصل بين النخبة الإسلامية في شبه القارة الهندية والعالم العربي.

 كما راسل رجال الفكر والصحافة العرب أمثال الأمير شكيب أرسلان والشيخ محمد البشير الإبراهيمي وغيرهما لتبادل الآراء حول قضايا فكرية وسياسية...الخ.

وفي سنة 1949 قام برحلة إلى المشرق العربي، وسجل انطباعاته عنها في كتابه:"شهور في ديار العرب". وقد ترجمه إلى العربية الدكتور سمير عبد الحميد إبراهيم، وطبعته مكتبة الملك عبد العزيز العامة بالرياض في عام 1999م.

و تعرف خلال هذه الرحلة على العديد من العلماء والمفكرين العرب الذين اكتشفوا فيه أخلاقه العالية، وغزارة علمه الشرعي وتضلعه في الأدب العربي وغيرته على اللغة العربية. وقد قال فيه أحدهم: ّ " والأستاذ مسعود الندوي من العلماء الذين يزينهم التواضع والبساطة في المظهر والملبس والحديث والمعاملة، كما هو الشأن الغالب في علماء شبه القارة الهندية، ولكنه على قدر كبير من المعرفة بالعلوم الإسلامية وعلوم اللغة العربية، كما أن له إطلاعاً واسعاً على الأدب العربي شعراً ونثراً، وله إسهامات في الكتابة عن الموضوعات الإسلامية والقضايا المعاصرة باللغتين الأردية والعربية على حد سواء."

وقد نالت هذه الرحلة التوفيق والنجاح، وبقي ذكرها راسخا في الأذهان والقلوب. وقد لمس آثارها الشيخ أبو الحسن الندوي حين زار بدوره المشرق العربي في سنة 1951.

التواصل مع جمعية العلماء الجزائريين

لقد ترجم الأستاذ مسعود الندوي أكثر من عشرين كتابا من مؤلفات الشيخ  المودودي إلى العربية، فأخرج بذلك فكره من عالم العجمة إلى عالم العربية الفسيح، فلقي فيه رواجا كبيرا حتى زاحم الفكر الإسلامي السياسي الذي سيطرت عليه في تلك الفترة مدرسة الإخوان المسلمين.

وكان يشرف بنفسه على طباعتها في دار العروبة، ويحرص على ترويجها وتوزيعها في كل أرجاء العالم، وعلى سبيل المثال كان يرسل في كل مرة نسخا منها إلى جمعية العلماء المسلمين الجزائريين. وهذا الشيخ محمد البشير الإبراهيمي رئيس هذه الجمعية يؤكد على ذلك، ويثني على ترجمة أستاذ مسعود المتقنة، فقال: " وقد ترجم أحد أعضاء الجماعة طائفة من كتبه إلى العربية فمكن بذلك أبناء العرب من الإطلاع على أفكاره، وهذا العضو هو صديقنا الوفي الشيخ مسعود عالم الندوي، وقد أهدى لي جميعها منذ سنوات وأنا في الجزائر. فلمحت فكرا شفافا، ورأيا حكيما، وفكرا عميقا، وتساوقا بين الألفاظ ومعانيها، ولا ينم على أن هناك انتقالا من لغة إلى لغة، وتبينت السر في ذلك، وهو أن الموضوعات إسلامية، واللغتان إسلاميتان، والمؤلف والمترجم سليلا فكرة، فعملت الروح عملها العجيب في ذلك."

وكانت من أهم ترجماته للكتب التالية: الدين القيم، شهادة الحق، منهاج الانقلاب الإسلامي، نظرية الإسلام السياسية، نظام الحياة في الإسلام، معضلات الاقتصاد وحلها في الإسلام.. إلخ.

وكان الأستاذ يتابع نشاط الحركة الإصلاحية في الجزائر من خلال جريدة البصائر، وصلته برجال جمعية العلماء وعلى رأسهم الشيخ الإبراهيمي والشيخ الفضيل الورتلاني اللذان جمعتهما لقاءات في باكستان سنة 1952 بعد أن تعارفا على الغيب منذ فترة طويلة.

وتقديرا لجهوده العلمية وتأكيدا لهذه الروابط الفكرية ورغبة في التواصل معه، اختارته جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في مؤتمرها العام في سنة 1951 رئيسا شرفيا لها، وممثلا لها في شبه القارة الهندية.

وقد قرر الأستاذ مسعود عالم الندوي في سنة 1954 القيام برحلة ثانية إلى العالم العربي لزيارة الدول التي لم يزرها في رحلته الأولى سنة 1949 مثل بلاد المغرب العربي غير أن قضاء الله سبق إرادة العبد، فقد توفي الأستاذ الندوي في مدينة كاراتشي في 16 مارس 1954 وهو يستعد للسفر.

               

* أستاذ التعليم العالي بجامعة الجزائر