علي عزت بيجوفتش

عمر محمد العبسو

عمر محمد العبسو

أول رئيس جمهورية  للبوسنة والهرسك بعد انتهاء الحرب الرهيبة في البوسنة ، بقي في المنصب من 1990 – 1996م .

حيث خلفه مجلس الرئاسة البوسني .

وأول عضو في مجلس الرئاسة البوسني وبقي في المنصب 1996- 2000م .

وهو ناشط سياسي بوسني، وفيلسوف إسلامي.

المولد والنشأة :

ولد علي عزت فيغوفتش سنة 1925م / الموافق 1344ه  من أسرة مسلمة بوسنية عريقة بمدينة بوسانسكي شاماتس ( القريبة من بوسانسكي برود ) في شمال شرقي البوسنة والمطلة على مصب نهر بوسنا في نهر سافا الذي يشكل الحدود بين جمهوريتي البوسنة وكرواتيا .

واسم عائلته يمتد إلى أيام الوجود التركي بالبوسنة ، فالمقطع بيج هو النطق المحلي للقب (بك ) العثماني ، ولقبه عزت بيجوفيتش يعني ابن عزت بك .

جاءت أسرته تحديداً من الصقالبة الجنوبين الذين اعتنقوا الإسلام منذ أكثر من/500/ سنة .

دراسته :

تعلم بمدينة سراييفو، وأكمل تعليمه الثانوي عام 1943، والتحق بجامعتها ، وحصل على درجات في القانون والآداب والعلوم عام 1950م، ثم نال شهادة الدكتوراه عام1962م .

وعلى شهادة عليا في الاقتصاد عام 1964م ويقرأ، ويتحدث، ويكتب باللغات الأجنبية : الألمانية ، والفرنسية ، والإنجليزية مع إلمام بالعربية .

عمل مستشاراً قانونياً لمدة/25/ سنة ، ثم اعتزل ، وتفرع للكتابة والبحث .

جمعية الشبان المسلمين :

وفي عام 1940م كان عمر علي عزت 16 عاماً عندما انتسب إلى جمعية الشبان المسلمين السري ؛ وهي جماعة دينية تشبه الإخوان المسلمين في مصر ، والذي امتد عمله ليشمل الاجتماعات والنقاشات والعمل الاجتماعي والخيري ، وأنشأ بها قسماً خاصاً بالفتيات المسلمات ، واستطاعت هذه الجمعية خلال الحرب العالمية الثانية أن تقدم خدمات فعالة في مجال إيواء اللاجئين ورعاية الأيتام والتخفيف من ويلات الحرب ، وإلى جانب هذه الأنشطة تضمنت برامج الجماعة برنامج لبناء الشخصية .

ومن الثابت أن اتجاهات الجماعة وتطورها نحو التكامل والنضوج كانت نتيجة سعيها المستمر لتحسين نفسها ومحاولة الاستفادة في عملها بالمعرفة التي توصلت إليها عن طريق تحليلاتها واجتهاداتها الخاصة .

إلى جانب تأثرها بأفكار أخرى جاء بها بعض الطلاب البوسنيون الذين تعلموا في جامعة الأزهر بالقاهرة .

قرأ علي عزت ما وصل إليه من كتب الإخوان ، وتأثر بأفكارهم وتجاربهم، كما أطلع على تجارب الحركات الإسلامية الأخرى في الهند ، وباكستان، واندونيسيا، وقرأ بعض كتب المودودي، والندوي ، ورئيس وزراء أندونيسيا الأسبق محمد ناصر ، وتفاعل معها .

في مواجهة النازية :

حينما احتلت النازية مملكة يوغسلافيا في نيسان عام 1941م واحالتها جمهورية فاشية، وسارع بعض أبناء البلقان المتأثرين بالفكر النازي إلى تأسيس حزب ( الأشتاشا) النازي، وحاول الشبان النازيون التأثير في طلاب الجامعات ، تصدى لهم علي عزت وزملاؤه، و قاطعت جمعية الشبان المسلمين النظام الفاشي، وبينت للناس أن النازية ضد الإسلام ، وتضايق هذا النظام من الجمعية، فحرمها من الشرعية القانونية .

الصراع مع الشيوعية :

وعندما تحررت يوغسلافيا ورحلت عنها الجيوش الألمانية، واتخذت الشيوعية مذهباً وديناً اواخر 1945م، وقف علي عزت بشجاعة منذ فجر شبابه مدافعاً عن حقوق المسلمين الذين كانوا يتعرضون للاضطهاد والتضحية الجسدية في بلاده، فسجن مرتين ، ولكن ذلك لم يزده إلا صموداً وتضحية .

ثم دخل في صراع مع نظام الحكم الشيوعي، وبعد عدة سنوات حيث اعتقل، مع صديقه نجيب شاكر بيه بسبب مساعدتهما في إصدار جريدة ( المجاهد)،وبعد خروجهما من المعتقل، شنّ الشيوعيون حملة أخرى من حملاتهم الضارية ضد الشبان ، حيث حكم عليه بالسجن/5/ سنوات عام1949م..مع الأشغال الشاقة، وكانت تهمته أن له علاقة بمنظمة الشبان المسلمين .

مؤلفاته :

ومنذ بداية الخمسينات اتجه إلى الكتابة، ونشر المقالات التي تعبر عن آرائه الإسلامية تحت أسماء مستعارة في وسائل الإعلام المحلية والأجنبية, ومن هذه الكتب :

1- الإعلان الإسلامي أو البيان الإسلامي: وهو مجموعة مقالات كان نشرها في مجلة (تاكفين ) باسم مستعار، وهذه المجلة كانت تصدرها جمعية العلماء في البوسنة ، وكان يقرؤها خمسون ألف مسلم، وقد جمعها ابنه الأستاذ بكر، وأصدرها في كتاب بعنوان ( البيان الإسلامي )، وهو شرح لأساسيات النظام الإسلامي ، وقد أثار ضجة في الإعلام العالمي ، وكان أحد أسباب محاكمته في سراييفو ، ترجم للعربية , الإنجليزية , الإسبانية .

2- الإسلام بين الشرق والغرب: ترجم للعربية ، والإنجليزية ، والماليزية ، والهندية ، والتركية .

3- مشكلات النهضة الإسلامية .

4- هروبي إلى الحرية .

5-السيرة الذاتية .

6- الأقليات الإسلامية في الدول الشيوعية .

لذلك فإنه يمثل بسيرته وبعمله نموذجاً فريداً بين المسلمين البارزين فكراً وسياسة لخدمة الإسلام والمسلمين .

وفي آب عام 1983م حكم عليه مع /11/ آخرين من مثقفي البوسنة في محكمة سراييفو من بينهم شاعرة بالسجن مدة /14/ عاماً بتهمة الإنحراف إلى الأصوليين.

وكان من الواضح أن الحكام الشيوعين من يوغسلافيا قد رأوا أن فلسفة الأستاذ علي عزت خطر عظيم على نظامهم آنذاك .

لم يكن لعلي عزت أو أيً من زملائه المتهمين في محاكم سراييفو سنة 1983م   أية أهداف أو اهتمامات سياسية في دائرة حياتهم ، ولا يمكن أن يتهم أيٌّ منهم بأي قصد سيء تجاه الدولة أو الشعب ،كما قررت المحكمة ظلماً أنه يعمل ضدّ الدولة ، ويدعو للجهاد المقدس لإقامة دولة إسلامية ، لقد كانت الشيوعية أشد بلاء على المسلمين من الملكية والنازية حيث أغلقت المساجد، ومدارس المسلمين، وحولوها إلى ملاه ٍ ومراقص، ومتاحف، ومنعوا اقتناء المصحف، وقتلوا علماء المسلمين وسجنوهم .

لم يفت هذا في عضد الشاب علي عزت بل زاده صلابة وتصميماً على الكفاح، فاعتقلوه ،وكان عهد تيتو صديق عبد الناصر من أشد العهود قسوة على المجاهد علي عزت، فسجنه، وعندما زاره عبد الناصر سأله عن علي عزت، فأجابه ( تيتو) إنه رجل خطير ، أخطر من تنظيم الإخوان المسلمين في مصر، فهو يطالب بأن تتولى الحركة الإسلامية السلطة في كل بلد تكون لها الأكثرية فيه .

  وبعد هلاك تيتو عام 1980م  أطلق سراح علي عزت فيما بعد في أواخر 1988م في إطار إجراء عام لإخلاء سبيل المساجين السياسيين .

وكان كثيراً ما يتهم من قبل أطراف صربية وكرواتية بأنه من داعمي الأصولية الإسلامية .

حزب العمل الديمقراطي :

بعد تصدع الأنظمة الشيوعية عام 1990م ، وبعد تفكك الاتحاد اليوغسلافي أنشأ علي عزت وصحبه ( حزب العمل الديمقراطي ) الذي تحول بسرعة إلى حركة جماهيرية إسلامية غدت أكبر تنظيم سياسي في البوسنة ، وخاض به الانتخابات الرئاسية ، وفاز فيها .

أول رئيس جمهورية للبوسنة والهرسك :

 أصبح رئيساً لجمهورية البوسنة والهرسك اعتباراً من 2 جمادى الأولى 1411ه / 19نوفمبر1990م ، إلى 1996م .

وجرى استفتاء على الاستقلال عن الاتحاد اليوغسلافي كما استقلت الصرب والكروات من قبل ، وكانت نسبة المؤيدين للاستقلال 63 % ولكن الصرب والكروات تدخلوا ، وحاول الرئيس علي عزت بحنكته أن يجنب شعبه من المذابح فوافق في شباط 1991م على حلّ وسط يتمثل في إقامة فيدرالية متناسقة ، كان هذا المشروع كفيلاً بتجنب الحرب الأهلية .

ولم يكن علي عزت فيغوفيتش رئيساً عادياً كسائر رؤساء الجمهوريات الذين تسلموا هذا المنصب في العالم الإسلامي ، بل كان : سياسياً داهية ، ومناضلاً عنيداً، ومفكراً  عميقاً، وذا نظرة إسلامية بعيدة جعلته يتجاوز البلقان إلى سائر أنحاء العالم الإسلامي ليحمل هموم المسلمين حيث كانوا، ويعمل مع العاملين لنهوض المسلمين، بعد تخليصهم من أوضار التخلف الذي أطمع الغرب والشرق بهم .

ومن ثم أصبح علي عزت عضواً في المجلس الرئاسي البوسني من 1996- إلى عام 2000م .

جائزة خدمة الإسلام :

فاز بجائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام عام1413/1993م ، اعترافاً بجهوده الإسلامية ، وتقديراً لمواقفه الجهادية ، وفي طليعتها : كتاباته الرصينة عن أثر الإسلام في تقدّم الفرد والمجتمع .

وقوفه ببسالة منذ شبابه للدفاع عن حقوق المسلمين في بلاده، وتعرضه للسجن والتنكيل من قبل السلطات الشيوعية لمواقفه الشجاعة .

إنشاؤه حزباً إسلامياً قاد شعبه المسلم إلى الاستقلال واستمرار صموده في وجه التحديات العرقية والمؤامرات العدوانية .

تعزيزه روابط شعبه مع بقية إخوانهم من زعماء الأمة الإسلامية وشعوبها، ونجاحه في كسبهم لمناصرة هذا الشعب .

اتخاذه مسلكا رشيداً في تعامله مع الظروف المحيطة بشعبه المسلم أملاً في أن يحقق ما يرجوه من خير وانتصار على أعدائه .

جائزة مفكر العام من مؤسسة علي وعثمان حافظ عام 1996م .

جائزة مولانا جلال الدين الرومي الدولية لخدمة الإسلام في تركيا .

جائزة الدفاع عن الديمقراطية الدولية من المركز الأمريكي للدفاع عن الديمقراطيات والحريات .

جائزة دبي الدولية للقرآن الكريم رمضان 1422ه تقديراً لجهوده في خدمة الإسلام والمسلمين .

جائزة شخصية العام للعالم الإسلامي سنة 1422ه / 2001م .

وفاته :

لقد لقي ربه راضياً مرضياً يوم الأحد  حيث توفي الرئيس علي عزت فيغوفتش في 19 أكتوبر 2003م عن عمر يناهز الثامنة والسبعين . وقد أعلن راديو البوسنة وفاته ، ولم يتمكن مسلمو البوسنة من إعلان الحداد الرسمي ، فقد على ذلك ممثلو الصرب في الرئاسة الجماعية ، ودفن في سراييفو عاصمة البوسنة والهرسك .

متزوج وله من الأبناء : ليجلا، سابينا، بكر .

من أقواله :

-لم يغن الشعب للذكاء وإنما غنى للشجاعة، لأنها الأكثر ندرة .

-لا كراهية لدي وإنما لدي مرارة .

-الطريقة الوحيدة للانتصار على الظلم هي التسامح ، أليست كل عدالة ظلماً جديداً .

-السجن يقدم معرفة يمكن أن يقال عنها أنها مؤلمة للغاية .

-يعاني الإنسان في السجن من نقص في المكان وفائض في الزمان .

-لا تقتل البعوض وإنما جفف المستنقعات .

-قالوا عن الرئيس علي عزت فيغوفيتش :

قال عنه (وود وورث كارلسن) : إن تحليله للأوضاع الإنسانية مذهل وقدرته التحليلية الكاسحة تعطي شعوراً متعاظماً بجمال الإسلام وعالميته .

قال عنه بعض طلبة البوسنة : إن علي عزت هو سيد قطب أوربا .

مصادر الترجمة :

جائزة الملك فيصل العالمية ودلالتها الحضارية : 82 .