العلامة الشهید محمد صالح ضیائي: زعيم أهل السنة في إيران

عمر العبسو

(1940- 1994م )

clip_image002_afe19.jpg

لاشک أن ازدهار الأقوام والملل إنما یتیسر ببذل النفس والنفیس وتضحیات مبارکة في مسار الرقيّ والازدهار وتوعیة الشعب؛ وکان العلماء والشخصیات روّاد هذا الرکب المیمون طوال التاریخ. 

ونحن إذ نتصفح تاریخ أهل السنة الراهن في إیران، نجد أسماء کبار الشخصیات والعلماء حیث ضحّوا بحیاتهم لیعیش أهل السنة في راحة واطمئنان، و کان من هذه الشخصیات الفذة، العالم العبقري والمؤرخ الألمعي الذي کان لا یخاف في الله لومة لائم، الشیخ الشهید محمد الضیائی رحمه الله.

وقدأردنا أن نقدّم إلی القراء الأعزاء نبذة وجیزة عن سیرته.

نسبه وأسرته:

 هو الشیخ محمد الضیائی بن محمد صالح بن إسماعیل بن شمس الدین؛ ولد في قرية هود، ونشأ في أسرة مباركة ساعیة لإرشاد الناس وتربیتهم الإیمانیة ، حیث كان والده الماجد الحاج محمد صالح عالماً ربانیاً كثیر المطالعة في التاریخ والأدب، وإمام الجماعة، والحَكَم بین الناس فیما شجر بینهم من القطیعة والاختلافات.

وكان یُلمّ إلماماً شدیداً علی تربیة أولاده تربیة إیمانیة تغرس في قلوبهم حب الله والرسول صلی الله علیه وسلم وصحابته.

وكان أمه من فضلیات النساء ومن أسرة عریقة في العلم والدین ومولعة بالعلوم الإسلامیة، حافزة أولادها علی الرقيّ في العلوم الإسلامیة.

میلاده ونشأته:

أبصر النور یوم الأربعاء 18 من الجمادی الأولی، عام 1358 من الهجرة النبویة/ الموافق 1940م في قریة « هود » من توابع « إوز» من محافظة « فارس».


تعلم القرآن في قریة « بید شهر » في مكتب خال أمه الشیخ سید عقیل الكاملی وقضی أربع سنوات في المدرسة الابتدائیة في قریة « كوره » ثم التحق بدافع من أبیه إلی مدرسة الشیخ محمد الفقیهی (مفتي أهل السنة في فارس) بـ « إوز»، ودرس العلوم الشرعية هناك أربعة سنوات في مدرسة سلطان العلماء في مدينة لنجة حتی بلغ به العطش العلمي إلی أن سافر إلی المدینة المنورة لیواصل دراسته في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة ، وتخرج منها في العام 1970م ، وتلقى العلم في حلقات الدرس التي یعقدها هناك العلماء في مسجد النبي صلی الله علیه وسلم ، فقرأ صحیحي البخاري ومسلم والسیرة والتفسیر علی الشیخ محمد مختار الشنقیطی، ودرس «إحیاء علوم الدین » عند الشیخ محمد إبراهیم ختنی.


وفي هذه البرهة من الزمن قیّض الله له التوفیق بحفظ القرآن الكریم في المسجد النبوی الشریف.


وبعد مضي أربعة سنوات، دخل الجامعة وقد جمع عنده علم وافر حیث قال فیه أحد من زملائه: دخل الجامعة وهو مجتهد.

وتخرج من الجامعة في فرع الشریعة، ونال البكالوریوس بدرجة جید جداً عام 1970م .


وكان من أساتذته في الجامعة ، الشیخ عبد المحسن عباد ، الشیخ عبد العزیز بن باز - رحمه الله - ( رئیس الجامعة ) والشیخ محمد أمین شنقیطی.

جهوده العلمیة ونشاطاته الدعویة:

رجع الشیخ محمد الضیائی عام 1347 الهجری الشمسی إلی إیران وقضی سنة في قریة « هود » وأقام رحمه الله في هذا العام أول صلاة التراویح فی قریة « قلات».

وفي عام 1348 بدأ نشاطاته العلمیة في المدارس الثانویة في مدینة « بندر عباس » بعد ما اقترح له إدارة التعلیم والتربیة بطهران ثلاثة مدن لتدریس اللغة العربیة.

فكان يدرس ويخطب الجمعة فيها .

وفي نفس العام خرج إلی الحج أمیراً ومعلماً للحجاج، وبقي في هذا المنصب 20 عاماً، وأتاح الله له الفرص للحج كل عام.

وكان الشیخ یحث الشباب علی مواصلة دراساتهم في المدینة المنورة تأسیس مدرسة العلوم الإسلامیة لأهل السنة في «بندر عباس»:


في عام 1365 هـ . ش أسس مدرسة العلوم الإسلامیة، لكنه لقي في أول الأمر بعض المشاکل بَیدَ أنه لم یقف عن إنجاز هذا المشروع المبارك، بل واصل طریقه بعزم  فولاذي حتی أثمرت جهوده ثماراً یانعة بتأسیس المدرسة.


وكان قد أخذ بدفة المدرسة وحیداً حتی قیض الله له الشیخ محمد حسن الواحدی « الأفغانی » حیث وقف جنباً إلي جنبه یشد من أزره.


وكان رحمه الله یقضي معظم وقته مع الطلبة الذین لم یتجاوز عددهم 45 طالباً ؛ وكان یدرس التفسیر والحدیث والسیرة والنحو والمیراث.

صلته بالشعب:


كان الشیخ الشهید رحمه الله قوی الصلة بالشعب مهتماً بأمورهم.

كان الفقیر والثری عنده سواء، وکان لایألو من أي جهد في حل المشاکل والمعضلات التي تواجه المساكین والفقراء.

كانت خطاباته تأخذ بجوامع القلوب ، تجذب الشباب كالمغناطیس، وكان رحمه الله یتسم بسمة الوسطیة حیث کان لا یثور ولایصرخ في وجه أي أحد.

وكان یعتقد أنه لاحاجة في تبلیغ الدین إلی الإهانة والإساءة ، وكان یؤكد عند الحل والترحال علی حضور الجماعة و المحافظة علی الصلوات، حتی كان یأمر ویشوق صبیانه علی حضور صلاة الفجر.

الدماء التي أضاءت نبراس الهدایة والوعی:

کانت دعوة الشیخ رحمه الله التمسک بالکتاب والسنة؛ ولم تمض مدة مدیدة من نشاطاته المبارکة حتی أقبل علیه الناس کالفراش، وصار بارقة أمل لأهل السنة في إیران.

کان الشیخ رحمه الله لازال یثقل علی کاهله هذا العبء العظیم، ولأجل ذلک واصل أسفاره ورحلاته الدعویة إلی القری النائیة، ویجتمع لاستماع خطاباته جمّ غفیر من الناس.


اعتقاله :

اعتقل بعد مقابلة له في مجلة المجتمع في 5/10/1982م لمدة أربعة أشهر .

ثم أفرج عنه بعدها، وظل تحت الرقابة والملاحقة الأمنية

حيث اعتقل بعد ذلك حينما أعلن انتقاده لما أعلنته الحكومة من أن فتاوى الخميني ملزمة لسائر المسلمين، شأن فروض الدين الحنيف، كما تعرض لضغوط كبيرة في طهران لكي يعلن ولاءه لعلي خامنئي كمرجع للتقليد لسائر المسلمين ، إلا أنه رفض هذه الضغوط قائلاً : إن أهل السنة لا يعملون بالتقليد .

وقد قام بدور بارز في الهدوء في مناطق السنة في بندر عباس ولاريستان إثر تحرك السنة في أماكن أخرى من إيران احتجاجاً على تهديم أقدم مساجد السنة في مشهد وزادت الضغوط عليه حينما توجه إلى طهران، والتقى بعدد من الملالي الشيعة طالباً منهم المساعدة على إعادة بناء المسجد الذي هدم في مشهد وإعادة فتح مسجد الدكتور مظفريان في شيراز ورفع القيود المفروضة على المدارس وأماكن العبادة السنية في أرجاء إيران .

وكان قد برز بعد وفاة الشيخ الشهيد أحمد مفتي زاده كواحد من أبرز علماء السنة في إيران، وعذب هو الآخر، ومات من آثاره .

وفاته واستشهاده :

کان -رحمه الله- في إحدی أسفاره الدعویة، ولکنه لم یرجع، وطار إلی الرفیق الأعلی وقضی نحبه شهیداً یوم الأربعاء 11 من شهر صفر، عام 1415 ه / الموافق 20 حزيران 1994م بعد ما قضی عمره في جهاد دؤوب ودعوة عمیمة عمیقة.

وادعت السلطات الإيرانية أنه مات في حادث سيارة، وقد عثر علی جثة الشیخ الشهید رحمه الله في إحدی الطرق الجبلیة من محافظة هرمزگان، وکانت علی جثته آثار التعذیب، شوه الوجه الشريف حتى صعب على الأهل التعرف عليه، وبترت الساقين واليدين، وهشم الرأس كما لو كان بفعل ضرب متكرر بأداة صلبة .


نعم! قتل الشیخ بطریقة وحشیة، ثم مُثل ورمیت جثته في الطریق في الصحراء بذریعة أنه مات بحادث سیارة، ونسوا أن السیارة ألقیت بجوار جثته سالمة من الأذى.

ذهب رحمه الله ضحیة مؤامرة دنیئة علیه، ولكن الأیدي الآثمة التي اقترفتها لن تنجو من عذاب الله وفضیحته في یوم آت لا محالة.

وأخیراً الحقیقة التي یجب أن أذکرها هي أنّ قاتلی الشیخ- رحمه الله - ما كانوا یتصورون، ولا یكاد یخطر ببالهم أن دماء الشیخ تظل تضیء نبراس الهدایة والوعی، وتسبب إقبال الناس علی الدین والسنّة، وأن كلماته سوف تحیی بین الناس، وتبقی خالدة.

اللهم اغفر له، وارحمه وأنزله منازل الشهداء والصدیقین.

ولست أبالی حین أُقتل مسلماً       على أي شق كان في الله مصرعی

وذلك في ذات الإله وإن یشأ          یبارك على أوصـــــــــــــــال شلو ممزع

مصادر الترجمة :

تتمة الأعلام : 2/ 216، 217 .

العالم الإسلامي : ع 1370 (15/3/1415ه ) .

المجتمع : ع 1111 (1/3/ 1415ه ) – ص 25 ، 27 .

والعدد : 1117 (14/4/1415ه ) – ص 28، 29 .

وسوم: العدد 671