الشهيد علي عبد الله مرعب “أبو عمارة”

 (1952 -1984م )

clip_image001_b2360.jpg

هو العالم الشهيد  “أبو عمارة” علي عبد الله مرعب ابن عائلة عريقة ولد في قرية البيرة في عكار شمالي لبنان في اليوم الأول من الشهر الأول من عام 1952 م

نشأ في عائلة محافظة وكان والده الحاج عبد الله يملك نزلاً ” فندق العروبة” في منطقة سوق النحاسين في طرابلس القديمة.

نشأته وطفولته الأولى :

بدأ أبو عمارة دروسه الأولى في مدرسة للقرآن الكريم في قريته البيرة, كما كانت الحال في القرى والبلدات في ذلك الحين , وقد أدهش والده وأهل قريته حين أتم تلاوة القرآن كاملاً وهو لم يتجاوز السابعة من عمره .

انتقل بعد ذلك مع العائلة إلى مدينة طرابلس وانتسب إلى مدارسها الرسمية حيث أكمل دراسته الثانوية في ثانوية الملعب الرسمية وأتم فيها الشهادة الثانوية بعد ذلك درس المحاسبة ومارسها في عمله.

نشأ علي الصغير منذ نعومة أظفاره نشأة إسلامية ربانية متميزا عن أقرانه بحبه الشديد للدين بفرائضه وسننه , بقرآنه وسيرة نبيه وأصحابه وآل بيته , فكان شغوفا في الاطلاع على هذه الكتب والتعرف إلى تلك الشخصيات مطالعة وحفظا حتى فاق جميع أقرانه معرفة واطلاعا

نشأته وثقافته العلمية :

تميز بالتزامه المميز بالإسلام وفرائضه وسننه، وعندما شبّ وقارب الرشد بدأ بالتردد والتعرف على كل الجمعيات والمجمعات الإسلامية في مدينة طرابلس وفي مساجدها ومنتدياتها فكان يتردد على الجماعة الإسلامية ويشارك في حلقاتها التربوية ويحضر دروس جماعة أهل الدعوة (التبليغ) في المساجد كما كان يتابع دروس العالم في مختلف المساجد من العلماء

كان كثير التعلق بشخصية الإمام الشهيد حسن البنا، مؤسس حركة الاخوان المسلمين في العالم، وكان يقرأ كتب سيد قطب وغيره من رجالات الدعوة الإسلامية كالدكتور يوسف القرضاوي، والشيخ محمد الغزالي، والشيخ علي الطنطاوي، والعلامة مصطفى السباعي، والشيخ عبد الفتاح أبو غدة.. وغيرهم الكثير.

لم يكن تحصيله للعلم الشرعي نتيجة انتسابه إلى المعاهد الشرعية في طرابلس إنما نهل من المشايخ في الحلقات والمساجد ومن الكتب التي كان يقرأها، ويناقشها مع الدعاة الإسلاميين في مدينته وخارجها ومع المشايخ اللبنانيين والمصريين وغيرهم في المساجد وفي أي مكان آخر تواجدوا فيه، وكان من أكثر الناس تعلقاً بالشيخ الداعية سعيد شعبان رحمه الله.

فكره السياسي :

فكر أبي عمارة هو فكر الحركة الإسلامية بتنوعها وشموليته فكان قرآني الفكر والسياسة نبوي السمت والأخلاق سلفياً في تأصيله للأحكام دون تشدد وغلو صوفياً زاهداً بعيداً عن التفلت والبدع، كان حبيساً عن الحرام , حيياً, شجاعاً بطلاً كالأسد في الدفاع عن الحق وأهله .

كان رحمه الله يحلم بالذهاب الى الحج برفقة أصحابه ووالديه، لكن رغم المحاولات العديدة لم يتيسر له الحصول على التأشيرة ”الفيزا” اللازمة للدخول إلى الأراضي المقدسة وبعد أن حصلت والدته عليها للقيام بالحج قرر التوكل على الله بالذهاب إلى الأردن مع بعض أصحابه والدخول من هناك إلى الأراضي المقدسة دون تأشيرة ، لكن الله قدر أمراً آخر ففي ذلك العام بالذات وفي موسم الحج في مكة، قام ما عرف يومها بحركة جهيمان العتيبي حيث تمرد على النظام، وتمترس في الحرم المكي مع أنصاره، وقد شددت السلطات السعودية في حينها الحصار والتفتيش على الطرقات المؤدية الى المدينة والحرم المكي فألقي القبض على الشيخ علي مع مجموعته في حينها، وخضعوا للتحقيق، وسجنوا لعدة سنوات.

فكانت تلك المرحلة من المراحل المهمة في التطور الفكري والعلمي في شخصية أبو عمارة ، استغل سنوات سجنه، فتفرغ لطلب العلم، فحفظ القرآن الكريم، وقرأ الكثير من التفاسير كما حفظ “فتح الباري في صحيح البخاري” وكان في طريقه لإتمام حفظ صحيح مسلم .

عندما خرج أبو عمارة من سجنه، وعاد إلى لبنان وقد صُقلت شخصيته وازدادت كمالاً وتنويراً مع العلوم الجليلة التي اكتسبها فاستأنف نشاطه بتعليم الشباب في المساجد، في القبة والتبانة ومسجد التوبة وفي الزاهرية وبتسيير مسيرات التكبير وتنظيمها في طرابلس حتى كان ممن سنوا تلك السنة الحسنة في العشر الأوائل من ذي الحجة كما كان يتولى تنظيم الشباب المسلم وتدريبه في دورات عسكرية لتعليم الشباب على حمل السلاح والرماية فالرسول الكريم يقول : ” علموا أولادكم السباحة والرماية وركوب الخيل ” فتلك الأيام كانت أيام الحرب الأهلية في لبنان وكل الإيديولوجيات تختصم وتصطرع وكان الإسلاميون من أقل الناس تسلحاً في ذلك الحين .

حين بدأت فكرة حركة التوحيد الاسلامي كفكرة لجمع شمل الاسلاميين الحركيين في بوتقة واحدة كان أبو عمارة من المتفاعلين الأوائل مع الفكرة وحضر جلسات النقاش والحوار مع الشخصيات الأخرى التي بدأت في التوجه نحو الإسلام السياسي والعقدي والتي وضعت بعد ذلك التصاميم الأساسية للحركة الناشئة وكان أبو عمارة هو الواجهة الأكثر وضوحاً في تمثيل الشباب الاسلامي الأصيل في نشأته وهو الذي تربى على الإسلام منذ نعومة أظفاره وكان شديد الحب والاحترام للشيخ الداعية سعيد شعبان رحمه الله وأكثر من يحشد الشباب الإسلامي من حوله .

عندما نضجت وتبلورت حركة التوحيد الاسلامي كفكرة نظرية كان لا بد من الخطوات العملية عبر مبايعة الشيخ سعيد شعبان أميراً للحركة الوليدة.

هو يوم ليس كباقي الأيام :

ومن لذلك التظهير غير الخطيب والحافظ المفوه والمحبب للشباب المسلم فاجتمع يومها في مسجد التوبة شباب المقاومة الشعبية ومعهم خليل عكاوي “أبو عربي” وشباب حركة لبنان العربي ومعهم الدكتور عصمت مراد ومعهم وقف أبو عمارة عقب صلاة الجمعة وخطبتيها حيث كان الشيخ سعيد شعبان رحمه الله خطيباً يومها، وقف يومها أبو عمارة خطيباً، وتحدث “عن ضرورة البيعة لأمير يمتلك من الصفات الدينية والقيادية والوعي الفكري والسياسي ما يؤهله للقيام بمسؤولية الشباب المسلم وقيادة حركة إسلامية تكون على مستوى الدين العظيم وختم قائلاً :”إنه الشيخ سعيد شعبان الصداع بالحق والذي لا يخشى في الله لومة لائم إنه من يجمعنا في السراء والضراء ومن نجتمع معه في النوائب وكان أبو عمارة أول من بايعه وبايعه بعد ذلك مئات الشباب المحتشدين وكان نص البيعة :” نبايعك على السمع والطاعة في المنشط والمكره فيما يرضي الله ورسوله (ص) “

فكان ذلك إيذاناً بانطلاق حركة التوحيد الإسلامي في صيف 1982م.

بعد ذلك تولى أبو عمارة المسؤولية التنظيمية والدعوية في منطقتي القبة والزاهرية إلى جانب كونه عضواً قيادياً مؤسساً في حركة التوحيد الإسلامي وكان محبوباً من الشباب المسلم يلتف من حوله فهو يمتلك صفات “كاريزما” أخاذه وأخلاقا مميزة أكسبته هيبة واحتراما منقطع النظير في أوساط الشباب الاسلامي.

كان في قيادته لإخوانه يسلك درب :” سيد القوم خادمهم ” فأحبه الجميع فكان يراقب سلوكيات الشباب، ويعالج مشاكلهم بالمحبة والحوار والتفاهم، مع الحفاظ على القدر الكبير من الاحترام والصرامة في تنفيذ الأوامر من حيث الالتزام واحترام القيادة .

كان رحمه الله دائم المثابرة على اشتغال الشباب المسلم في المساجد واقامة الحلقات العلمية للتعلم والنقاش في كل الأمور في الحديث والتفسير والفكر الإسلامي والتعبد وغيرها من الأمور الثقافية والعبادية التي تهم كل مسلم يهتم بأمر دينه .

وفاته واستشهاده رحمه الله :

توفي -رحمه الله- عام 1984م بطلقة خرجت عن طريق الخطأ من مسدس أحد الإخوة كان يعاينه عند خروجه من حلقة تدريس في مسجد حمزة، إذ تناوله أبو عمارة، ونظر إليه وعاينه، ثم أعاده إلى صاحبه ممسكاً بفوهة المسدس، فتناوله صاحبه من قبضته، فانزلقت يده على الزناد، وانطلقت رصاصة استقرت في صدر أبي عمارة الذي نقل سريعاً إلى المشفى حيث صرح قبل وفاته للشهود بأن ما حصل كان خطأ غير مقصود .

وكان النزف شديداً والإصابة في موقع قاتل فما لبث أن توفي منتقلاً الى بارئه تاركاً وراءه القلوب المفجوعة والتي لا تزال الى اليوم تدعو له بالرحمة والخير ، ومما قاله أحد أبنائه بأن أباه قد ترك لهم إرثاً عظيماً وهو اسمه, حيث ان الأبواب كلها كانت تفتح لهم لمجرد ذكر اسم أبيهم وتترحم عليه.

رحم الله أبا عمارة لقد كان مثالاً حياً للمسلم الملتزم قل نظيره، وقدوة للشباب المسلم في عشق الإسلام والشهادة في سبيله والإيفاء بعهده مع الله عز وجل حتى اللحظات الأخيرة من حياته .

مصادر الترجمة :

موقع حركة التوحيد الإسلامي في لبنان

وسوم: العدد 709