إنما الأعمال بالنيات ... إنما الأعمال بالخواتيم

زهير سالم*

وأردت مقالا أفتتح به عامي الجديد ، فوجدتني محاصرا بين قوسي حديث الرسول صلى الله عليه وسلم : قوس قوله صلى الله عليه وسلم " إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى " وقوس قوله " إنما الأعمال بالخواتيم " وقد احتفى الشراح والفقهاء وعلماء السلوك بالحديثين أيما حفاوة. واشتق الفقهاء من الحديث الثاني القاعدة الفقهية " إنما الأمور بخواتيمها " ، وبنوا عليها كثيرا من الأحكام الشرعية .

وبين هذا وذاك يقع قول العلماء " إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصا وصوابا " ويقصدون بالصواب هنا ما جاء على حكم الشريعة ، وقضت به محكمات العقول . وكما قال أهل العلم " النية الصالحة لا تصلح العمل الفاسد " والنية الفاسدة من شرك أو رياء أو حب شهرة أو علو في الأرض أو فساد، تفسد العمل الصالح . وتذكروا حديث إنما فعلت ليقال ... وقد قيل ..

في تطبيق حديث إنما الأعمال بالخواتيم نحا أكثر الشراح إلى تطبيقه على الحالة الفردية، وقرنوا هذا بقول الرسول الكريم في حديث طويل صحيح " إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى لا يبقى بينه وبينها إلا ذراع فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها ، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى لا يبقى بينه وبينها إلا ذراع فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها " أسأل الله لنا جميعا العافية وحسن الخاتمة .

ولكن هذا النحو لا يمنع أن نطبق هذا الحديث الشريف على مخرجات حياتنا العامة، وما هي فيه أمتنا اليوم من خلل واضطراب وإخفاق ..فلو صحت النوايا ، واستقامت الطريقة - طريقة التفكير والتقدير والتدبير - لصحت بلا شك - بأمر الله - الخواتيم .

السؤال الكبير الذي لا يريد أن يطرحه أحد : أين كان الخلل ؟؟ فإذا عرفناه وحددناه ، وسعينا إلى تداركه ، وسد ثغرته ، تلافينا الخاتمة السيئة على الصعيدين الفردي والجماعي .

إيماننا الحقيقي أن القدر فعلُ الله . وأن تعلق فعلُ الله بأفعالنا تعلق خفي غير مدرك بالنسبة للعقل المحدود . وهذا الإيمان لا يبيح لنا أن نؤمن "بالجبر"وإنما يوجب علينا أن نتقي وأن نعمل . وأن نوقن أننا ميسرون بإذن الله وحسن الظن به للنجاة والفوز ، وفي الدارين معا ..

ونعود إلى الطريقة الرياضية البيانية في رسم مسار الحركة بدلالة الزمن، لنتساءل كيف هو مرتسم المشروع الصهيوني في عالمنا ؟ ! هل فعلا أعاقه أحد ، أو غير من مساره شيء ؟! ثم كيف هو مسار مشروع الاستبداد والفساد والفوضى في عالمنا ، وهذا المشهد يسير بنا إلى أين ؟! ثم كيف هو مسار المشروع الصفوي في عالمنا ، أليس هو مشروع سكين في زبد، أليس دفع بعض أنظمتنا للتطبيع مع العدو الصهيوني هو بعض نجاحات المشروع الصفوي ؟؟وأختم وهو الذي يقلقني أكثر وأكثر وأكثر كيف هو مسار المشروع المعرفي في عالمنا ، وكل الذي يطفو على السطح، خندقة أكثر وتقوقع أكثر، وانغلاق أكثر ؛ وشبابنا الشيوخ في القرن الحادي والعشرين ينقلبون على ما قرره آباؤهم في القرن العشرين ؟!!!

الجندي الشجاع المخلص الغارق في خندقه يعجز عن أن يرى المشهد خارج قوس رؤيته ، فلا تسوّدوه ..!!

إصلاح النوايا ، وتسديد العمل ، هي المدخل العملي لحسن الخواتيم ، أسأل الله لي ولكم حسن الخاتمة ..

ولولا خوفي على أصحاب القلوب الضعيفة - وأنا منهم - لدخلنا معا إلى غرفة التشريح ...

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 910