( ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون )

من المعلوم أن الله عز وجل قد حرم على نفسه الظلم، وجعله محرما بين عباده كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم رواية عن رب العزة جل جلاله . والظلم نقيض العدل ، وهو جور يختلّ به الإنصاف . وإذا كان رب العباد ينفي عن ذاته المقدسة الظلم فيقول : (( وما ربك بظلاّم للعبيد )) ،فلا يحق لهم بحكم عبوديتهم له ممارسة الظلم  سواء كان ظلما بينهم وبينه سبحانه مع أنه تعالى عزيز لا يمكن أن ينال منه ظلم عبيده أو كان ظلما فيما بينهم . وما حرّم الله عز وجل على نفسه ، فهو بالضرورة محرم على خلقه.

وأكبر ظلم يقترفه العباد في حق الله تعالى ادعاء شركاء له في الألوهية والربوبية  وهو خالقهم ،وقد وصف جل شأنه هذا الظلم فقال : (( إن الشرك لظلم عظيم )) وأي شيء أعظم من جعل شركاء مع الله  سبحانه وتعالى وهو الذي لا إله غيره؟

وهذا النوع من الظلم عنه تتفرع كل أنواع الظلم الذي يكون بين العباد ،لأن من يتجاسر على ممارسة أعظم ظلم في حق خالقه  وهو الشرك به سبحانه وتعالى ، لا يرعوي عن ممارسة باقي أنواع الظلم مع الخلق . والذي يتخذ مع الله سبحانه وتعالى شركاء ، لا يكون ملتزما بما أمره به ونهاه عنه ، بل يكون متبعا هواه ،الشيء الذي تترتب عنه كل أنواع الظلم  الأخرى.

ومعلوم أن الله عز وجل لم يكتف بالنهي عن ممارسة  الظلم بل نهى  عباده المؤمنين عن الركون إلى الظالمين ، فقال مخاطبا رسوله صلى الله عليه وسلم ومن آمن به إلى يوم القيامة : (( واستقم كما أمرت ومن تاب معك ولا تطغوا إنه بما تعملون بصير ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون )) ، فبعدما أمر الله عز وجل رسوله على الصلاة والسلام بالاستقامة على صراطه المستقيم هو ومن سار على هديه إلى قيام الساعة ، ونهاهم عن الطغيان ، وهو الزيغ عن صراطه ، نهاهم أيضا  عن الركون إلى الظالمين الذين يتجلى ظلمهم في الزيغ عن صراطه مهما كان نوع هذا الزيغ كفرا أو شركا أو غيرهما . ومعلوم أن الركون في اللسان العربي هو الميل والاستناد  إلى المركون إليه ، لهذا الراكن إلى الظالم يميل بالضرورة إليه وإلى ظلمه . وأقبح ركون إلى الظالم هو أن يكون ظلمه عظيما من عيار الشرك بالله أو نسبة الولد له تعالى عن ذلك علوا كبيرا ، وقد حذر من ذلك في قوله عز من قائل : (( وقالوا اتخذ الرحمان ولدا لقد جئتم شيئا إدّا تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخرّ الجبال هدّا أن دعوا للرحمان ولدا وما ينبغي للرحمان أن يتخذ ولدا إن كل من في السماوات والأرض آتي الرحمان عبدا لقد أحصاهم وعدّهم عدّا وكلهم آتيه يوم القيامة فردا )) . وهل يوجد ظلم أعظم من ظلم من دعوا للرحمان ولدا تعالى عن ذلك علوا كبيرا ؟ وهو أيضا شرك لأن نسبة الولد له هو ادعاء بأنه شريك له .

مناسبة حديث هذه الجمعة هو تذكير الأمة المسلمة بنوع من الركون الذي يشيع  بين كثير من المحسوبين عليها  إلى الذين ظلموا ممن يجعلون للرحمان  ولدا ،وهم يحتفلون في مطلع كل عام جديد بميلاده . وقد يبرر التبرير الواهي والمردود عليهم  كثير من هؤلاء الراكنين ركونهم بأنه لا يرتبط بما يسمى أعياد الميلاد بل هو مجرد احتفال بحلول عام جديد إلا أن طقوس احتفالهم لا تختلف  في شيء عن طقوس احتفال من يحتفلون بأعياد الميلاد . وكيف يمكن لمن يركنون إليهم ركونا يتمثل في مشاركتهم في الاحتفال  بأعيادهم وهم يتلون قول الله عز وجل : (( لقد جئتم شيئا إدّا تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخرّ الجبال هدّا أن دعوا للرحمان ولدا )) ؟ . أليس الركون إلى من يدعون للرحمان ولدا بمشاركتهم في احتفالهم بأعيادهم إقداما متعمدا على مغامرة خطيرة  ووخيمة العواقب ؟ كما جاء في قوله تعالى : (( ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون )) .

اللهم إنا نبرأ إليك من كل شكل من أشكال الركون إلى الذين ظلموا مهما كان نوع ظلمهم ، وأجرنا يا مولانا من عذاب النار .

والحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات ، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

وسوم: العدد 961