شعيرة الأضاحي مما تعبّدنا به الله عز وجل لذا يجب أن تصان من كل ابتذال

مما ذمه الله عز وجل في محكم التنزيل سلوك استهداف كل  ما تعبّد به العباد من عبادات بالابتذال إما  تبرما منها أو استثقالا لها أو استخفافا واستهانة بها أو سخرية منها أو تندرا بها أو استغلالا عير مشروع لها أو تدليسا فيها  ...أو غير ذلك من أنواع الاستهداف الذي تكون وراءه نوايا مبيتة ، وطوايا سيئة ، ومن ذلك قوله تعالى  مخاطبا المنافقين : (( قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون )) .

ومما يستهدف بالابتذال مما تعبّنا به الله عز وجل شعيرة الأضاحي ، ذلك أن بعض الناس يتبرمون منها ، ويستثقلونها ، ويرون أن  اقتناء الأضاحي أمر مكلف  ، وبعضهم الآخر قد يتندرون بها  ومنهم من يستغلوها للغش والتدليس ... إلى غير ذلك مما تتناقله  في وقتنا الحاضر  وسائل الإعلام و وسائل التواصل الاجتماعي .

أما الذين يستثقلون هذه الشعيرة الدينية ،ويتبرمون منها فذريعتهم  الواهية  هي غلاء أسعار الأضاحي علما بأنهم قد ينفقون ما يفوق أسعارها بكثير  في عبث عابث دون تبرم من ذلك ، بينما يستكثرون دفع أموال فيما يهدى لله عز وجل ، وهم المنتفعون بها ثوابا وأجرا عظيمين  وأكلا هنيئا مريئا  ، مع أنهم إذا أهدوا شيئا للخلق بالغوا في طلب أغلى ما يهدى ، وتنافسوا في ذلك ، وتباهوا به مع أن ما  يرومونه من وراء ذلك أوما ينالونه مجرد شكر أو مدح وإطراء لا ينفعهم في عاجل ولا آجل .

ومع أن الظرف الحالي الذي يطبعه غلاء المعيشة لأسباب منها الظاهر، ومنها الخفي غير المعلن ، والغلاء  إنما هو مؤشر على فشل من يدبرون الشأن العام في بلادنا  إذ لو أحسنوا التدبير لحاصروه بتدبير فيه حكمة خصوصا وهو لا يزداد إلا استفحالا يوما بعد يوم ، فإن الناس ينحون باللائمة على مربي الأضاحي مع علمهم بكلفة تربيتها المرتفعة  في الظرف الحالي دون لوم المسؤولين الحقيقيين عن آفة الغلاء ، والذين يجدر بهم أن يستقيلوا من مهمة التدبير ، ويفسحوا المجال لمن يقوى على تدبير ما فشلوا في تدبيره  إن كانت لهم ضمائر.

ولو أن الناس قدروا شعيرة الأضاحي حق قدرها لما تضجروا أو تبرموا منها ،لأن أسعارها لا تتعلق بغبار أجورها عند الله عز وجل . وعوض أن يستبشروا  بإنعام خالقهم عليهم بها ، وهي التي لا يناله  لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منهم ، فيتفضل عليهم بتقربهم إليه بها بالأجر العظيم  قوامه حسنة بعشر أمثالها عن كل شعرة من أصوافها  أو أشعارها أو أوبارها ، ودماؤها تقع منه سبحانه وتعالى بمكان قبل أن تقع من الأرض ، فتطيب بذلك نفوسهم ، فإن البعض منهم والعياذ بالله يستكثرون ما يدفعونه مقابل اقتنائها ، غافلين عن أجورها ، وهي عظيمة عند الله عز وجل .

وإذا كان هذا حال بعض من يقتنونها ، فإن حال  بعض من يبيعونها يكون أسوء منه بكثير إذ يغشون ، ويدلسون  في علفها حيث يطعمونها الخبيث، فتخبث لحومها ، وتصير موبوءة مضرة بصحة من يطعمها ،علما بأن الله عز وجل طيّب لا يقبل إلا طيبا مما يقدم له ،ويتقرب به إليه . ومن هؤلاء من لا يبالون بعيوب الأضاحي ،فيسوّقون منها المعيبة ، وهم يخفون عيوبها غاشين مدلسين مع أن الله عز وجل اشترط فيها الخلوّ من كل العيوب من عور أو مرض أو عرج  أو هزال ، وأنى لهؤلاء بالتقوى وهم يعلمون بعيوبها ومع ذلك يسوقونها في الأسواق لتكون أضاحي العيد متعمدين ذلك عن سبق إصرار منهم ؟  وأنى لهم بالتقوى وهم يغالون في أثمانها، ويقسمون بمحرجات الأيمان أنهم إن سوّقوها دون ما يطلبون  من مقابل فيها خسر بيعهم،  وهم لا يبالون بالخسارة الحقيقية وهي مقايضة آخرتهم  بعرض الدنيا الزائل .

ومن صور الاستخفاف بشعيرة الأضاحي أن بعض الناس ممن يظنون أنفسهم أرقى من عموم الناس  يتأففون من نحرها ، ويعتبرون ذلك قذارة ، ولذلك يسافرون بمناسبة عيد الأضحى المبارك ، فينزلون في الشواطىء ، وفي المنتجعات السياحية، والفنادق الفخمة  ذات المسابح حتى تمر فترة العيد كأنهم من ملة غير ملة الإسلام وقد فوّتوا على أنفسهم الأجر العظيم مقابل سياحة الله  وحده يعلم  بما يقترفون فيها من آثام ومعاص ، وحسبهم إثم كبير الاستخفاف بشعيرة دينية معظمة عند الله عز وجل متعمدين ذلك ومصرين عليه ، ومتشبهين بمن نهوا عن التشبه بهم من أهل الكفر والشرك  في كتاب الله عز وجل ، وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم .

ومن ابتذال هذه الشعيرة أيضا أن ينصرف كثير من الناس إلى الاهتمام باستهلاك لحومها دون استحضار ولو للحظة واحدة ما ترمز إليه مناسبتها العظيمة   والمرتبطة بتضحية خليل الله إبراهيم عليه السلام طاعة لربه سبحانه وتعالى في أسمى صورها بحيث تقدم على كل ما تؤثره النفس وتتعلق به . ومن كان همهم إصابة لحوم الأضاحي دون التفكير في التصدق بشيء  منها  كما أراد الله عز وجل ، أنى لهم بالتقوى ؟ وأنى تكون طاعة الخالق سبحانه وتعالى عندهم كطاعة الخليل عليه السلام ، وقد ابتلاه ربه بالبلاء العظيم ؟  ومن لم يتخذ من مناسبة هذه الشعيرة المعظمة عند الله عز وجل فرصة لتجديد العهد مع خالقه للثبات على طاعته فقد ضاعت منه فرصة التقوى التي يريدها منه جل وعلا في هذه المناسبة التي هي من أعظم نعمه سبحانه وتعالى على عباده المؤمنين  .

وسوم: العدد 986