في شعب الإيمان ...مبحث دقيق

زهير سالم*

مبحث دقيق يحتاج إلى مجمع علمائي كبير ذي بصر وبصيرة ، مجمع يملك روح الاستشراف الزماني والمكاني، ولا تكفي فيه سبع رسائل دكتوراة منفردة..، بل لا بد فيه من روح الاجتماع وتداول الأفكار، وتقليبها بطنا لظهر، وظهرا لبطن..

في الحديث الشريف الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، من رواية الشيخين وغيرهما قال:

"الإيمان بضع وسبعون شعبة فأعلاها لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق. والحياء شعبة من الإيمان."

ومع اعتبار قول العلماء: أن السبعين للتحديد أو للتكثير ، والحوار فيه/ ومحاولة تعداد هذه الشعب كما فعل الإمام البيهقي وغيره...

يبقى الموضوع الأكثر أهمية في وقعنا، ليس تعداد شعب الإيمان وحصرها، وإنما في ترتيبها ترتيب أهمية واستحقاق...

و ترتيب شعب الإيمان، ترتيب أولوية واستحقاق، أمر مهم لئلا تختل القيم الإيمانية والعملية في عقول أجيال المسلمين وقلوبهم، وأولويات اعتقادهم وسلوكهم الفردي والجماعي، ولترتيب هذه الشعب حسب الأولوية الإيمانية له آثاره البالغة على حياتنا الإسلامية في تجلياتها الدينية والفكرية والاجتماعية والسياسية، وفي معرفة ما نأتي وما ندع، كيف نميز بين الأعلى والأدنى من تكاليف هذا الدين العظيم، فندرك عند تدافع المصالح والمفاسد ماذا ندرأ وماذا نحتمل، وعمّ نغضي، ومن أجل ماذا نثور ؟؟

ولقد تقدم الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بحصر هذه الشعب بين هلالي الأعلى والأدنى، لينبهنا إلى أمور منها بل أهمها الاعتبار في معنى الترتيب وأهميته. ووضح الرسول الكريم في أحاديث أخرى مكانة بعض هذه فقال "رأس الأمر الإسلام - أي شهادة أن لا إله إلا الله ، وعموده الصلاة ، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله" ولكن بقيت عموم هذه الشعب في حالة حبات اللؤلؤ المنتثر تحتاج إلى ناظم، ولعل نظمها يرتبط عموما في أولويات حياة المجتمع المسلم فتركها الرسول الكريم لهم ليعيدوا النظم كلما حزبهم الأمر، وقد حدد لهم هلالي الأعلى والأدنى، وإنما نص على "إماطة الأذى عن الطريق" ليؤكد معنى الشمول (مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ) .

إن اضطراب سلم هذه الشعب في الحياة العامة للمسلمين كان له أثره في اضطراب حياة المسلمين. نؤكد أن اضطراب هذه القيم في العقول والقلوب هو سبب رئيس من أسباب التطرف والتسيب والضياع، الذي تعيشه المجتمعات المسلمة هذه الأيام ..

ولو أعدنا ترتيب هذه الشعب بروح شرعية عملية واقعية، تتناسب ومقاصد الشريعة الكبرى، وتساءلنا مثلا، ولا أريد أن أستثير أحدا، أين يقع موضوع تقصير الثوب، واستعمال السواك، مثلا في سلم هذه الشعب؟؟!! وكم تستحق من تعليم المعلمين ووعظ الوعاظ، وأوقات المتعلمين، وبلاد المسلمين تستباح، وأعراضهم تنتهك، ودينهم يبدّل، لطار بنا العجب !!

ولو شئتم لتماديت بضرب الأمثلة بأمور كثيرة نعتمدها أوليات وموازين ، ولكن لا أريد في هذه الإفادة إثارة الحفائظ، حيث ينادي بعضنا : يا غيرة الدين عند الشعب الأدنى، ولا أريد أن أستعمل لفظ الصغائر فأمر الدين كله مهم، ولكنني ألتزم حديث الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم لكي لا يردّ عليّ متلمظ متربص مدعٍ ، ينادي بعضنا يا غيرة الدين عند الشعب الأدنى، ويشخر وينخر عند استباحة الشعب الأعلى ...

لو استطعنا إعادة برمجة العقول والقلوب على هدى من سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصبنا من أمري ديننا ودنيانا الخير الكثير ...

(لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ)

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 990