قطوف من أخلاق الدعاة

حشاني زغيدي

ما أسعد من خصه الله بهذا النداء الرباني، و ما أسعد من خصه الله ليكون ضمن من اختارهم في فريق العمل ، ليكون في ركب قطار الدعوة إلى الله، يحبب الله لخلقه ،يدعو إلى الخير خير الدنيا و الآخرة .

و يا فرحة من هزه هذا النداء العلوي، فيلبي نداء المولى راضيا ، يقبل ملبيا نداء الواجب الرباني عن طيب نفس ، فيقبل إلى الله يجيب دعوته .

يقول عز وجل: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}

ومنها: قوله جل وعلا: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}، ومنها: قوله عز وجل: {وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}

ومنها: قوله سبحانه: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} .

و الدعوة إلى الله ليس لها جنس مخصص أو فئة محددة، فكل مسلم يعد داعية إلى الله ، فالإمام داعية ، و الأستاذ و المعلم داعية، و الطبيب و المهندس داعية ، و الفلاح و صاحب الحرفة داعية ، و الطالب و الرجل و المرأة و الشيخ و الصغير جميعهم دعاة ، يشملهم الخطاب الرباني شرط   أن يكونوا من أصحاب البصيرة و الوعي ، و أن يكونوا من أصحاب الفهم الصحيح للإسلام و شرط أن تحقق القدوة العملية الصحيحة لما يدعون إليه .

قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} .

أصبح العالم اليوم يشهد ثورة لا مثيلة لها من الوسائط التواصلية ، لم تكن متاحة من قبل ، لكنها اليوم أصبحت جد ميسرة ، متعددة الطرائق و الوسائل ، من خلالها يتم إيصال الخير للناس ،كل ذلك عن طريق وسائل العصر الحديثة .

و رغم قداسة و جلالة هذا الواجب الرباني، يتوجب أن يرافق هذه المهمة النبيلة مقاييس محددة و ضوابط إلزامية محصنة تحمي الدعوة من التشويه والانحراف ، فلا يحق جهل أساليب الدعوة إلى الله ، و جهل بآدابها و شروطها ، مع أن الإسلام أبانها بوضوح من خلال النموذج العملي   ، بلا غموض ، وردت تفاصيلها مفصلة في القرآن الكريم وسنة المصطفى صلى الله عليه و سلم .

جاء بيانها واضحا جليا في قوله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}

فلأية واضحة لا لبس فيها فالحكمة طريقها و الموعظة الحسنة سبيلها .

فمدلول كلمة الحكمة واسع متسع، و الحكمة ضالة المؤمن ، و مدلول الموعظة الحسنة معروف، لتكون دعوة بلا تعنيف، لتكن دعوة دون مس كرامة المدعو أو التقليل من شأنه ، هي دعوة لا ينشأ عنها فتنة ، يكفي أن باب الإحسان بسط فيه العلماء ببسط واسع ، وكما يجب الإحاطة بأساليب الحوار و المجادلة ، ليكون الحوار بلا تعصب لمذهب أو رأي أو لشيخ ، و يكون الحوار مساره بيان الحق و إقامة الحجة فقط .

و قد ضرب الله لنا مثلا لهذا النموذج من الدعاة ، حق لنا التآسي بهم و السير على خطاهم ، و من مثل الأنبياء قدوة لنا ، جاء النموذج الأول في السياق القرآني لنبي الله موسى وهارون عليهم السلام حين أرسلهما إلى فرعون مدعي الألوهية ، فكان التوجيه أن يقولا لفرعون كلاما لينا ليس فيه خشونة أو تعنيف مع طغيانه و جبروته ، قال الله جل وعلا: {فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} .

وفي السياق نفسه نتلقى التوجيه و بيان أسلوب الدعوة الصحيح من الله لرسوله محمد عليه الصلاة والسلام يقول الله: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}

من خلال هذا التوجيه نستخلص كلمات مفتاحية لها دلالات في الدعوة حاجة الدعاة للرحمة في التعامل و اللين في القول و الخطاب ، فالتركيبة الانسان ترفض الغلظة و خشونة المعاملة ، بل من الطبيعي أن يقابلها الصدود و الرفض أو المواجهة العنيفة كردة فعل طبيعية لأسلوب المغالي و المتشدد .

فواجب الدعاة التحلي بالحكمة بمعرفة أحوال المدعوين ، فواجبهم تحبيب الإسلام للناس لا تنفيرهم منه ، واجبهم بيان الحق بالحسنى و الكلم الطيب ، واجبهم تأليف القلوب على المحبة و الأخوة الإيمانية فالمؤمنون إخوة ، واجبهم البعد عن دوائر المختلف و الصراع ، واجبهم استيعاب المخالف لا جعله خصما و عدوا ، واجبهم أن يدعو للتسامح و التعايش في رحاب سماحة الإسلام و عدله ، واجبهم أن يكونوا دعاة خير لا قضاة يصدرون الأحكام على المخالف ، و ليس واجبهم توقيع العقوبات و اثباات التهم على المخالف ، حسبهم بيان الخير و تدليل الطريق للمخالف ، ليكونوا لبنات و دعائم يقوى بهم الصرح ،فالإسلام دعوة هداية و رشاد و فلاح و نجاة .

و في ختام المقال علينا بالعلم، فالعلم فريضة، و علينا بالفهم الصحيح فهو نجاة ، و علينا بالتيسر لا تعسير فهو اعتدال ، و علينا بالرفق لا التعنيف فهو رحمة ، و علينا تغيير المنكر بالحسنى ، و عليننا بالصبر و تحمل الأذى فالأجر بالصبر و المصابرة ، و علينا تحصيل الأجر و التواب لا الوقوع في الأخطاء و المعاصي .

هذه بعض قطوف أخلاق الدعاة التي ينبغي - بل يجب - أن يكون عليها الدعاة، فالعمل في ركب الدعوة عبادة ، تجلب السعادة لأصحابها ، نسأل الله أن نكون قدوة صالحة لأسلامنا، حتى لا يضرب الإسلام من خلالنا .

وسوم: العدد 995