تابعيّ يوصي تابعيّاً

م. محمد عادل فارس

التابعون هم المسلمون الذين لقُوا الصحابة، وهم من خير القرون، فقد قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: "خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم تجيء أقوام تسبق شهادةُ أحدهم يمينَه، ويمينُه شهادته". رواه البخاري ومسلم.

قال الإمام النووي: الصحيح أن قرنه صلّى الله عليه وسلّم الصحابة، والثاني: التابعون، والثالث: تابعوهم.

ثم إن الصحابة لم يكونوا جميعاً كأبي بكر وعمر، ولا كان التابعون جميعاً كالحسن البصري وسعيد بن جبير... لكن الفضيلة بجملتها للجيل، فالأجيال الثلاثة تتفاوت في الفضل، وهي بجملتها خير من القرون اللاحقة.

وهنا نقدّم لوصية أوصى بها التابعي وهبُ بن منبه، تابعياً آخر هو عطاء الخراساني. ومن المناسب التعريف بهذين التابعيين:

- وهب بن منبه بن كامل بن سيج بن ذي كبار (34-114هـ): من أهل اليمن، تابعي وإخباري وعالم زاهد. روى له أصحاب كتب الحديث الستة. توفي في صنعاء باليمن.

- وعطاء بن مسلم الخراساني: وُلد في بلخ سنة 60هـ وتوفي سنة 135هـ في أريحا، ودُفن في القدس. وهو تابعي وفقيه ومفسّر ومجاهد وأحد رواة الحديث النبوي، وحديثه في صحيح مسلم وفي السنن الأربعة. وكان قاضياً وفقيهاً لخراسان. وقد تتلمذ على زيد بن أسلم.

والآن هذه وصية وهب بن منبه لعطاء الخراساني:

"كان العلماء قد استغنَوا بعلمهم عن دُنيا غيرهم، فكانوا لا يلتفتون إلى دُنياهم. وكان أهلُ الدنيا يبذُلون لهم دنياهم رغبةً في علمهم! فأصبح أهل العلم منّا اليوم يبذلون لأهل الدنيا علمَهم رغبةً في دنياهم، فزهد أهل الدنيا في علمهم لمّا رأوا من سوء موضعه عندهم. فإياك إياك من أبواب السلاطين، فإنّ عند أبوابهم فتناً كَمَبارك الإبل، لا تُصيب من دنياهم شيئاً إلا أصابوا من دينك مثله".

وقد كان هذان التابعيان في عصر بني أمية، حيث الحكم الإسلامي والفتوحات العظيمة. ولا تخلو حياة الحكام وحياة الناس من بعض التجاوزات الشرعية، فتأتي الوصية ليكون المسلم على درجة من الورع والحساسية بحيث لا يفرّط في دينه، ولا يأكل بعلمه، ولا يتزلّف لذي سلطان...

فكيف يكون الأمر إذا لم يكن الحكام على شاكلة حكام بني أمية؟!

ثم إن الوصية نصيحة. والنصيحة تكون لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم، كما في الحديث الذي رواه مسلم وغيره.

والمسلم الذي يتلقّى النصيحة يجب أن يُحسن الظن بالناصح، وأن يحرص على الإفادة من النصيحة ولا تأخذه العزّة بالإثم. وإنها فرصة له أن يأتيه من يكشف له نقصاً أو خللاً في سلوكه. والمؤمن مرآة أخيه المؤمن. وما يزال المسلمون بخير ما تناصحوا. ولقد قال النبي صالح عليه السلام لقومه كما أخبرنا القرآن الكريم: (... ولكن لا تحبّون الناصحين).

فاللهم اجعلنا من الناصحين، واجعلنا ممن يحبّون الناصحين.

وسوم: العدد 995