السفه في المعجم القرآني .. سفه في أمر الدين وسفه في أمر الدنيا

زهير سالم*

وورد السفه وصفا مذموما في القرآن الكريم، في أمر الدين وفي أمر الدنيا أيضا، وقد يوصف بالسفه في أمر الدنيا، وهو أعبد الناس، وهذا الذي لم يتنبه له كثير من المسلمين!!...

وورد لفظ السفه باشتقاقاته في القرآن الكريم في تسعة مواضع. وتكرر في موضعين اثنين مرتين..

وورد فعلا، ومصدرا بصيغتين "سفها وسفاهة" ووصفا مفردا "سفيه" ومجموعا "سفهاء"

قال تعالى في محكم التنزيل:

(وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَن سَفِهَ نَفْسَهُ) ... البقرة - 130

(قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ) ... الأنعام - 140

(قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَٰكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ) ... الأعراف 66 -67

(فَإِن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ) ... البقرة - 282

(وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا) ...الجن - 4

(قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ ۗ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ) ... البقرة -13

(سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا) البقرة-...142

(وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا) ... النساء 5

(أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا) ... الأعراف 155

بالتأمل في الآيات الكريمات نلحظ التوازن في إيراد وصف السفه بما يخص أمر الدين وأمر الدنيا...

وقد توقف المفسرون طويلا عند ما ورد في آية الدين من تعداد موانع الإقرار بالدين، بسبب السفه أو الضعف أو العجز عن الاملاء.. وكثرت أقوالهم في ذلك، وإن كان أغلبها قد دار على أن السفه يتعلق بسبب أخلاقي في السفيه، والضعف يتعلق بسبب بدني بالضعيف، وانتفاء القدرة لعلة قادحة، أو لمانع خارجي من غيبة وسجن ونحوها.

في تفسير السفه، قال أهل اللغة: وأصل السفه خفة في البدن. ومنه قيل زمام سفيه رخيٌ كثير الاضطراب. وقالوا ثوب سفيه: رديء النسج. ثم استعمل اللفظ في خفة النفس واضطرابها المؤدي إلى خفة العقل.

قال ابن فارس في مقاييس اللغة: سفه، السين والفاء والهاء أصل يدل على خفة وسخافة. وهو قياس مطرد، والسفه ضد الحلم، ولعل الأصوب أن يقول ضد الحكمة.

وقالوا في المعاجم: السفه في الأهل الخفة والطيش. وعن ابن الأعرابي: السافه: الأحمق. وعن ابن سيدة، سفِه علينا وسفُه علينا: جهل فهو سفيه. وسفّه الرجلُ الرجلَ: عده سفيها..

وأوردوا السفيه: الجاهل والضعيف والأحمق ..

وفي القاموس المحيط: وسفه مثلثة، ويعني قوله مثلثة: سَفِه، وسَفُه، وسَفَه؛ رأيه ونفسه، أي يقولون سفه فلان نفسه، وسفه فلان رأيه بالضبط المثلث..

وربما سيطر على أذهاننا قول الله تعالى في صدر سورة البقرة، إلا إنهم هما السفهاء، إلى اقتران السفه بالنفاق، فسيطر ذلك على عقولنا فقصرناه عليه. ولكن المعنى كما أوضحنا هنا أوسع وأبعد..

فكثير من الناس يتصرفون بحقوقهم وبحقوق من يليهم بسفاهة، تقتضي الحجر عليهم والأخذ على أيديهم. فمثلا اليتيم الوراث، يمنع من التصرف في إرثه ليس حتى يبلغ فقط، بل حتى يؤنس منهم الرشد. والمال العام لا يؤتمن عليه الرجل لا يعرف قيمته حتى يبدده!! وتأملوا قوله تعالى (وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا) أي بها قيام أمركم أو أودكم، وربما لا يعاتب السفيه على سفهه، بقدر ما يعاتب الذي أسند إليه، واعتمد عليه، فكان هو المفرط وهو المضيع...!!

وإذا كانت بضدها تتميز الأشياء: فإنني أرى أن أجمع وصف إيجابي مقابل لوصف السفه السلبي، هو الحكمة. وأوجزوا تعريف الحكمة بقولهم: الحكمة وضع الشيء في موضعه. والأمر في نصابه. وفي أكثر من أية كريمة قرن الله سبحانه وتعالى مهمة الرسول الكريم، تعليم الناس: الكتاب والحكمة. والعطف للمغايرة، وقد تعددت على ألسنة العلماء التفاسير.

السفه في القرآن الكريم، ليس وصفا قاصرا على أهل النفاق واللجاجة في الأمر الديني فقط؛ بل هو وصف شامل لحال كثير من المضطربين القاصرين عديمي الحكمة، ضعيفي البصيرة، قليلي الرشاد ..

وتقول فلان سفيه، فلا تطعن في دين وربما لا تطعن في حسن خلق، بل تشكك في قدرة، وتطعن في ق قصور وضعف. هذا بعض ما يعلمنا القرآن الكريم...ولعلنا نستفيد.

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 1002