(وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۚ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ)

زهير سالم*

وجيز التفسير

وكتب المفسرون رحمهم الله تعالى كثيرا، في تبادلية الحقوق والواجبات المتساوية، بدأ مما روي عن ابن عباس رضي الله عنه انه قال: "إني احب ان أتزين لزوجتي كما احب أن تتزين لي" وتلا (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ)، وانتهاء بكل ما أشار أليه المفسرون والفقهاء من حقوق متساوية بين الزوجين، في شراكة اندماجية تضامنية تكافلية، لا تستطيع في الحقيقة، أن تتبين في حالة حصول الاندماج، وشيوع المودة والرحمة، أن تتبين طرفا في الدائرة المحكمة، المغلقة على خصوصيتها الودية بإحكام. من أجمل التعبيرات الأدبية عن حالة الاندماج هذه ما عبر عنه أديب العربية مصطفى صادق الرافعي بقوله: "لا يصح الحب بين حبيبن حتى يقول أحدهما للآخر يا أنا!!"

وأعتقد أن هذه الحالة من التماهي هي السائدة في النسبة الأعلى من مجتمعاتنا، يؤثرها وتؤثره، يقدمها وتقدمه، وأعلم انه حين تحضرُ الأنفسُ الشحَ، فحدث عن نصوص وحقوق واتفاقيات ولا حرج. في كل مجتمعات العالم في غرف النوم الضيقة مهما اتسعت، لا قانون غير قانون الأخلاق، قانون المودة المحشوة بالرحمة، أو قانون الرحمة الملفوفة بالمودة، وغير ذلك فقد كذب المدعون.

سأقف في هذا المقام عند هذا التقرير الرباني بعد أن أثبت صدر الآية الكريمة التماثل المطلق (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) فيما يخص مدونة الحقوق والواجبات التكاملية، أردف فأوضح (وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ)

وهو تقربر حقيقي وواجب ولازم، على طريق تنظيم اسر صالحة في مجتمع صالح.

يقول المفسرون: هي درجة القوامة. وهي إحالة على معنى لا يقل عموما من حقيقة الدرجة. في الحديث عن القوامة، يذكر القرآن الكريم (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ) فيعلمنا ان النفقة الواجبة على الزوج لها شرك في تقرير القوامة، ولكنها ليست كل شيء، كما حاول البعض أن يختزلها، فهناك ما فضل الله به بعضهم على بعض، ومنه أنها إذا عجزت عن معالجة مطربان القهوة، نادت عليه ليفتحه.

وفي قوله تعالى (وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ) معنى حقيق وجدير بالتأمل أكثر..

نتأمل معا هذا التنكير الذي جاءت به لفظة (دَرَجَةٌ) والعرب تستخدم التنكير للتعظيم والتفخيم في سياق، وللتحقير والتصغير في سياق آخر.

هل تتوقعون أن نسبق فنقول إن الدرجة المشار إليها في هذه الإلحاق بآية تقرير التماثل بالحقوق والواجبات، هي درجة عظيمة فارقة مرتفعة النهضة كما يقول المهندسون، وهو مذهب بعض الناس في فهم هذه الدرجة وتقريرها وتحديد "نهضتها ودوستها" والمصطلحان من مهنة البناء، أو ننحو منحى أن التنكير إنما جاء للتقليل والتصغير والتحقير فنقول: إنما أراد ان للرجل على زوجه درجة صغيرة قريبة لا تكاد تبين، من حيث أنه في النهاية صاحب الختم الذي يوقع به على كل المتفق عليه.

وأقول ومع إقرارنا الشرعي والعقلي الاجتماعي بوجوب ان يكون لأحد أطراف هذه المؤسسة "الأسرة" درجة على الآخر لتستقيم كل قوانين الإدارة الناجحة، في ضرورة ان يكون لكل مؤسسة مدير، فإن اعترافنا وتوقيرنا لهذه الدرجة، لا يمنع ان نقول وهي درجة نسببة، يتحكم في ارتفاعها او في عرضها، طبيعة العصر من ناحية، وفردية أطراف العلاقة من ناحية أخرى..

إقرارنا بالدرجة أمر حقيقي شرعي نؤمن بضرورته وحكمته وجديته..

حديثنا عنها اليوم يجب ان ينتمي أو يشتق كما يقول أهل الرياضيات، من معطيات القرن الخامس عشر، حيث يجب ان تحكم الأعراف في تطور العلاقات..

وحديثنا عنها يجب أن يتحكم فيه الطبيعة الفردية لأطراف الشركة، فلا يعقل ان تكون نهضة هذه الدرجة بين شريكين متقاربين في العمر وفي العلم وفي المكانة الاجتماعية، كما هي بين رجل اختار لنفسه شريكة البون بينه وبينها في قضايا الرأي والحكمة وحسن التقدير كبير..

وللرجال عليهن درجة ويحضر المعنى النسبي في تحديد أبعاد هذه الدرجة، وأحيانا ماهيتها..

والله تعالى أعلم

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 1005