أصحاب الكهف والرقيم

عبد الله بن دايل

عبد الله بن دايل

أصحاب الكهف : في السيرة لمحمد بن إسحاق وغيره : أن قريشا بعثوا إلى اليهود يسألونهم عن أشياء يمتحنون بها النبي محمد عليه الصلاة والسلام ويسألونه عنها ، ليختبروا ما يجيب به فيها فقالوا من ضمنها : سلوه عن أقوام ذهبوا في الدهر فلا يدري ما صنعوا , فأنزل الله جل وعلا قوله ( أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آَيَاتِنَا عَجَبًا ) 9 الكهف أي ليسوا بعجب عظيم بالنسبة إلى ما أطلعناك عليه من الأخبار العظيمة ، والآيات الباهرة والعجائب الغريبة ، فإن خلق السموات والأرض ، واختلاف الليل والنهار ، وتسخير الشمس والقمر والكواكب ، وغير ذلك من الآيات العظيمة الدالة على قدرة الله تعالى ، وأنه على ما يشاء قادر ولا يعجزه شيء أعجب من أخبار أصحاب الكهف والرقيم .

وأصحاب الكهف هم فتية لجأو إلى كهف وهو غار في جبل ولبثوا فيه حيث أخذهم السبات مدة من الزمن ، بسبب إيمانيهم بالله وتوحيده بالعبادة ، لذا اعتزلوا قومهم لعبادتهم الأوثان بدليل قوله تعالى ( وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقًا ) 16الكهف وقوله تعالى ( سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا ) 22الكهف .

وأما الرقيم فإن أهل التأويل اختلفوا في معناه وأولى هذه الأقوال وأقربها للصواب في الرقيم والله أعلم أن يكون معنيا به لوح أو حجر أو شيء كتب فيه كتاب .

تأمل هذه مقدمة ، يقول الله تعالى ( وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ ، كِرَامًا كَاتِبِينَ ، يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ ) 10- 12 الإنفطار وهم ملائكة كرام على الله أمناء فيما يكتبونه ويثبتونه بصحائف العباد جميع أقوالهم وأفعالهم وآثار هذه الأعمال من خير ( حسنات ) وَ شر ( سيئات ) لقوله تعالى ( إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُب مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلّ شَيْء أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَام مُبِين ) 12 يس , ولقوله تعالى ( وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ ) 47 الأنبياء أي أعمال بني آدم كانت كبيرة أو صغيرة وما جلبت به من حسنة أو سيئة لقوله تعالى ( فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ ، فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ ، وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ ، فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ ، وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ ، نَارٌ حَامِيَة ) 6-11 القارعة ، فإذا كانت حسناته أكثر من سيئاته فاز وربح وإذا كان العكس خاب وخسر نعوذ بالله من ذلك لقول الله تعالى ( كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ كِتَابٌ مَرْقُومٌ ) 7- 9 المطففين ولقوله تعالى ( كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ كِتَابٌ مَرْقُومٌ ) 18-20 المطففين أي الكتاب والمحصى فيه عدد الحسنات والسيئات .

وبهذه المقدمة نفهم أن الرقيم هو كتاب مكتوب فيه أرقام أي ( أعداد ) لذلك في الآيات التالية يبين ربنا جل جلاله معنى ( والرقيم ) الواردة بسورة الكهف بقوله تعالى ( ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَداً ) آية 12 ثم بعثناهم أي أيقظناهم من بعد نومهم ( لنعلم أي الحزبين ) الفريقين المختلفين بسبب حساب الزمن وهو ( سنة أو عام ) في مدة لبثهم بدليل قوله ( أحصى ) أفعل بمعنى أضبط سواء بالحساب الشمسي أو القمري لأن الحسابين يتفقان بعدد الليالي والأيام ( لما لبثوا أمدا ) والأمد الغاية وقيل العدد ، والإحصاء بما نفهمه في وقتنا الحاضر هو ( التصنيف والتنسيق والترتيب والتدوين ) .

ثم يأتي بعد الإحصاء ( العد ) بدليل قوله تعالى ( إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا . لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا . وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا )95.93 مريم ، سواءاً كانوا من الملائكة أو الجن أو الإنس أو الحيوانات أو الكواكب وجميع خلقه سبحانه وتعالى ، وفي الحديث قوله عليه السلام "إن لله تسعة وتسعين اسما، مائة إلا واحدا، من أحصاها دخل الجنة" ، بين الحديث ( أن الإحصاء له معنى مختلف عن معنى العد ) بقوله عليه السلام ( تسعة وتسعين و أحصاها ) .

ثم يبين لنا سبحانه وتعالى جواباً لقوله ( لنعلم ) بعد الإحصاء عدد الحسابين بقوله ( ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعا ) وهذا خبر من الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم بمقدار ما لبث أصحاب الكهف في كهفهم ، منذ أرقدهم الله إلى أن بعثهم وأعثر عليهم أهل ذلك الزمان ، وأنه كان مقداره ثلاثمائة سنة شمسية وزيادة تسع قمري ، لأن الله سبحانه وتعالى ذكر في الآية السابقة ( حزبين ، أحصى )

وبدأ سبحانه وتعالى بالسنة لأن مدة مكثهم طويلة وكذلك في الآيات التي تسبق هذه الآية كانت تتحدث عن حركة الشمس ، 

وفي مسألة كيف تحسب دورة السنة الشمسية والعام القمري : يقول الله تبارك و تعالى ( فَالِقُ الإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَاناً ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ) 96 الأنعام وقوله تعالى ( الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ ) 5الرحمن وقوله تعالى ( وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا ) 25 الكهف وقوله عليه الصلاة والسلام بخطبته في يوم السبت ( عيد الأضحى يوم النحر ) : ( إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض وإن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا ، منها أربعة حرم ثلاثة متوالية ورجب مضر ، الذي بين جمادى وشعبان ) حيث من المعلوم كان وقوفه عليه الصلاة والسلام بعرفة في حجة الوداع ( يوم الجمعة بتاريخ 9 / ذو الحجة / 10 هجرية ) وقوله عليه الصلاة والسلام ( خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة . فيه خــُلق آدم . وفيه أُدخل الجنة . وفيه أُخرج منها . ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة )

وبالإطلاع على تقويم أم القرى وبعض التقاويم الخاصة بالزراعة وكذلك بحث الشيخ ممدوح متعب الجبرين رحمه الله تعالى حول كتابه ليلة القدر .

إستنتجت أن لحركة الشمس والقمر حول الأرض وأقصد ( السنة والعام ) لهما دورة تحسب بالأسبوع وتبدأ من ليلة السبت وتنتهي بغروب الشمس من يوم الجمعة وهي ما يلي

1 / السنة الشمسية فدورتها تكتمل ( 160 سنةً ) وهي كالآتي : تبدأ السنة الشمسية ( الأولى من ليلة السبت إلى السبت ) 365 (الثانية من الأحد إلى الأحد ) 365 ( الثالثة من الاثنين إلى الاثنين ) 365 ( الرابعة من الثلاثاء إلى الثلاثاء ) 365 ( الخامسة من الأربعاء إلى الأربعاء ) 365 ( السادسة من الخميس إلى الخميس ) 365 ( السابعة من الجمعة إلى الجمعة ) 365 وتستمر هكذا حتى ( 159 سنة ) وفي ( بداية سنة 160 والتي تبدأ من ليلة الخميس وتنتهي بغروب شمس يوم الجمعة ) 366 وهي نهاية دورة السنة الشمسية

2 / العام القمري ودورته تكتمل ( بثمان أعوام ) وهي كالآتي : يبدأ العام القمري ( الأول من ليلة السبت إلى الأربعاء ) 355 ( الثاني من الخميس إلى الأحد ) 354 ( الثالث من الاثنين إلى الخميس ) 354 ( الرابع من الجمعة إلى الاثنين ) 354 ( الخامس الثلاثاء إلى الجمعة ) 354 ( السادس من السبت إلى الأربعاء ) 355 ( السابع من الخميس إلى الأحد ) 354( الثامن من الاثنين إلى غروب شمس يوم الجمعة) 355 وهو نهاية دورة العام القمري ، وبعد مشيئة الله تعالى عام 1436 هجري بداية الدورة القمرية الجديدة .

بالمعلومات السابقة وبعد الاستعانة بالله سبحانه وتعالى وحده وبتوفيقه يمكن أن نحسب مدة لبثهم بالآتي :

أولاً بالحساب القمري :

عدد أيام دورة العام القمري ( ثمان أعوام ) 2835 يوماً

( 2835 × ( 38 دورة قمرية × 8 أعوام = 304 عام ) = 107730 يوماً )

( الباقي خمس أعوام = 355+354+354+354+354 = 1771 يوماً )

( 304 عام = 107730 يوم ) + ( خمس أعوام = 1771 يوما ) = 109501 يوماً

ثانياً بالحساب الشمسي :

الدورة الواحدة = 159 سنة × 365 يوم = 58035 يوم + 366 سنة واحدة = 58401 يوماً

( 160 سنة = 58401 يوم + ( 140 سنة ×365 يوم =51100يوم ) = 109501 يوماً )

الخلاصة (( 300 سنة شمسية أو 309 عام قمري = 109501 يوماً ))

والله أعلم والهادي للصواب