صورتان من المروءة
قصص رواها النبي صلى الله عليه وسلم
القصة التاسعة والثلاثون
   
د.عثمان قدري مكانسي
   
   
   othman47@hotmail.com 
قال
الأب لابنه : كن من أصحاب المروءة ؛ يا بني . 
قال
الابن : وما المروءة يا أبتِ ؟  
قال
الأب : 
المروءة آداب نفسانية تحمل مراعاتُها الإنسانَ على الوقوف عند محاسن الأخلاق    
وجميل العادات . من حازها كان رجلاً كاملاً ، ومؤمناً صادقاً ، لا يعرف من الشيم
إلا أحسنها ، ومن الحياة إلا أشرفها . 
قال
الابن : جزاك الله خيراً ؛ يا والدي ، أفلا ذكرتَ لي بعض صورها ؟. 
قال
الأب : لك ذلك يا ولدي الحبيب .  
أما الصورة الأولى
: فقد ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم في حق أخيه موسى عليه الصلاة والسلام . 
قال
الابن : كلي آذان صاغية يا أبي ومعلمي ، فهاتها حفظك الله ورعاك .  
قال
الأب :  
رأى
عيسى عليه السلام رجلاً يسرق ، فألطف له في الكلام معاتباً ومعلماً ، ونبهه إلى أنه
يراه يسرق ... فما كان من الرجل إلا أنه أنكر فعل السرقة ، وأقسم بالله كذباً
ومَيْناً ، فقال : كلا ، والله  الذي لا إله إلا هو ، ما سرقت .  
 إن
لفظ الجلالة عند أصحاب المروءة وأهل الإيمان مقدس ، فلا يتصورون أن يحلف به الإنسان
كاذباً ، وإن كانوا متيقنين من كذبه وسوء فعلته . 
عندما سمع عيسى عليه السلام الرجل يقسم أنه لم يسرق تناسى تماماً هذا الأمر ، وقال
كلمته التي تلقفها الدهر ، وكتبها بأحرف من نور في سجل سيدنا عيسى ، فصارت خالدة
مدى الدهر :  
" آمنْتُ بالله وكـذ ّبْتُ عيني "  
قال
الابن : ما أعظم أهل المروءة ، وما أرهف إحساسهم !. 
قال
الأب : 
وصورة آخرى 
رائعة تدل على دقيق شعورهم . 
هذا
رجل كان في شبابه نبّاشاً للقبور ، يعتدي على حرمة الأموات ، فلما حضره الموت ،
وتذكر ما كان يفعله أوصى أهله ، فقال :  
إذا
أنا مِتّ فاجمعوا لي حطباً كثيراً ، وأوقدوا فيه ناراً ، حتى إذا أكلت النار لحمي ،
وخلصَت إلى عظمي ، فأحرقَـَتـْه فخذوا عظامي ، فاطحنوها ، ثم انظروا يوماً حارّاً
شديد الرياح ، فاذ روه في اليم . ...ففعل أولاده ذلك .  
إن
الله تعالى القادر على خلقه من نطفة جمعه ثانية ، فقال له : لِم فعلتَ ذلك ؟ . 
قال
الرجل : من خشيتك يا ربّ ، لقد كان ذنبي عظيماً . 
وعرف الله تعالى عميق إحساس الرجل بالذنب وخوفـَه من العقاب المرعب حين يقف أمام رب
العزة القادر على كل شيء ، فغفر له وتلقـّاه برحمته .  
اللهم ؛ يا رحمن؛  يا رحيم ؛ يا غافر الذنب ، وقابل التوب ؛ ارحمنا إذا صرنا إليك ،
وتب علينا ، فررنا إليك من عذابك ، ولجأنا إليك من عقابك ، وأنت اللطيف الودود .. 
أفر
إليك منك ، وأين إلاّ       إليك يفر منك المستجيرُ  
صحيح البخاري 
كتاب بدء الخلق   
باب
" واذكر في الكتاب مريم " 
        
        
	
	![]()