عندما يصفو القلب

عمر بن عبد المجيد البيانوني

1ـ عندما يصفو القلب لا يجد الإنسان حرجاً من الاستفادة من أي أحد كان، فلا يحمله كِبَرُ سنِّه أو عِظَمُ قَدْرِه على الاستنكاف من الاستفادة ممن يصغره في ذلك..

ولا يجد غضاضة في إظهار أنه استفاد ذلك منه، فلا يتظاهر أنه يعلم ذلك مسبقاً..

ولا يكابر عندما يظهر الحق أمامه، بل يسارع إلى قبوله، ويشكر مَنْ كان سبباً في وصوله إليه..

2ـ عندما يصفو القلب لا يحسد الإنسان مَنْ فوقه، ولا يحتقر مَنْ دونه.

وهل ضلَّ إبليسُ إلا من الحسد والاستكبار، فقد حسد أبانا آدمَ على تفضيل الله سبحانه له واستكبر عن طاعة الله والسجود لآدم.

3ـ عندما يصفو القلب لا يحمله العلم على الغرور. فلا تزيده كثرة العلم إلا تواضعاً، وكيف لا وهو قد علم من سعة العلم ما يجعله يستصغر ما عنده.

4ـ عندما يصفو القلب يرى الإنسان فضلَ الآخرين ولا يرى لنفسه فضلاً.

ويؤدي ما عليه للآخرين، ولا يستوفي ما له عند الآخرين.

5ـ عندما يصفو القلب يفرح الإنسان بنجاحات الآخرين، ولا يراها مِعْوَلاً يهدم نجاحَه. فنجاح أي مسلم هو نجاح له، فأمة المسلمين واحدة.

6ـ عندما يصفو القلب تظهر الحقائق بصورتها الناصعة، فلا يحجبها عنه حاجبٌ ولا يحول دونها حائل من الشهوات أو الشبهات.

فكلما كانتْ مرآةُ القلبِ صافيةً، عَكَسَتْ هذه المرآةُ الحقائقَ بكل شفافية ووضوح.

أما إذا تكدَّرتْ مرآةُ القلبِ بالشهوات والمطامع والشبهات، فإنها ستحجب الرؤية عن الكثير من الحقائق والمعاني الفاضلة..

7ـ عندما يصفو القلب لا يطمع الإنسان في نجاته إلا برحمة الله الواسعة، فهو يعلم أن أعماله الصالحة مشوبة بالكثير من الشوائب التي تفسدها، وكل عبادته لا تفي بشكر نعمة واحدة من نعم الله تعالى التي لا تعد ولا تحصى، فلولا رحمة الله لهلكنا.

8ـ عندما يصفو القلب لا يبحث عن مدح الآخرين ولا يحرص عليه، ولا تراه مُولَعاً بمدح نفسه، فالذي يمدح نفسه ويُكثر من ذلك بمناسبة وبدون مناسبة، ثم يُضيف على مدحه لنفسه: ذم وانتقاص الذين يتحدث إليهم، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة..

هذا عليه أن لا ينتظر من الآخرين أن يكونوا متقبلين لكلامه ومستمتعين بحواره.

وكثيراً ما تختلف نظرة الإنسان عن نفسه عن نظرة الناس له..

فهناك من لا يرى نفسه شيئاً والناس يرونه كبيراً وعظيماً. 

وهناك من يحسب نفسه أنه من العظماء القلائل الذين لا يمكن الاستغناء عنهم، والناس لا يرونه إلا مغروراً مُدَّعياً وليس عنده من الكفاءة ما يبرر له هذا الغرور.. 

وما أجمل أن تدعو: اللهم إني أعوذ بك أن أكون عظيماً في عيني أو في عين الناس وصغيراً عندك..

9ـ عندما يصفو القلب يقف الإنسان مع المظلومين ويناصرهم، ولا يجعل أخطاءَهم سبباً لوقوفه مع الظالم وتأييده..

فحين يكتفي أحدهم بلوم المظلوم على أخطائه، دون أن يستنكر على الظالم بكلمة.. 

ثم يكون توقيت اللوم للمظلوم هو حين انتصار الظالم عليه فهذا لا شك في فساده. 

فمَنْ هو الأعظم خطأ وجرماً: أخطاء المظلوم الناشئة عن ضعفه وتقصيره أم أخطاء الظالم التي يرتكبها مع سبق الإصرار والترصد! 

10ـ عندما يصفو القلب تحسن الألفاظ التي يكسو بها المعاني، فلا يُفسِد المعنى النبيلَ بألفاظ يَنفر منها النُّبَلاء. 

فشتَّان بين مَنْ يأتونَ في كلامهم بأفضل العبارات، فتجدهم ينتقون كلَّ كلمة بعناية فائقة، وتجد كلَّ كلمةٍ أفضل من أختها، وبين مَنْ يصدمونَ الآخرين بأسوأ الكلمات، ويفضحون ما في بواطنهم السيئة بما يرشح في ظواهرهم..

لقد أبى ذو المعدن الطيب إلا أن يُخرج طيباً، وأبى ذو القلب المريض إلا أن يُظهر مرضه للناس.. 

ومن عجائب ذي المعدن الطيب: أن يكون في تعامله مع مَنْ يختلف معه على قدر كبير من الأدب والذوق، لا يكون موجوداً عند بعض الناس مع مَنْ يتفقون معهم،

فتجد تعامله مع الاختلاف أفضل من تعامل غيره مع الاتفاق!

وصلَّى اللهُ على سيِّدنا محمَّد وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليماً كثيراً والحمدُ للهِ ربِّ العَالمين.

وسوم: العدد 625